الرئيسيةبحث

الاتجاه الديني في تفسير التاريخ

الاتجاه الديني في تفسير التاريخ

وهذا المفهوم قديم قدم البشرية ويعنى الاعتقاد بوجود قوى ثابتة مستقرة وراء التغيرات التي تحدث في المجتمع . وهى إرادة الالهة في العصور ما قبل الأديان السماوية ، ثم قوة الله الواحد بعد التوحيد ونزول الأديان السماوية . وهذه القوة تفرض سلطانها على شئون البشر ، وإرادتها كاسحة ، وسلطتها المشروعة تخلق قانوناً معينا يحرك شئون البشر في كل مجال.

ففي الزمن القديم كانت الشعوب تعيش في ظلّ حكومات تشرّع قوانينها بما تعتقد أنّه مشيئة الآلهة، وذلك عن طريق الرؤساء الدينيين أو من وحي الكهّان، فكان ما يقع في ذهن المشرع، يُنسب إلى الآلهة، سواء إله الخير، أو إله الشرّ، أو إله البحار، أو إله الشمس، أو ما أشبه ذلك.

ويكون لحكم هؤلاء الرؤساء الدينيين أو وحي الكهّان، قداسة خاصّة لا يمكن تخطّيها، فمن تخطّاها يرون أنّه يعاند المشيئة الإلهية، فيستحقّ العقاب التكويني كالزلازل، والفيضانات، أو العقاب التشريعي مثل الإلقاء في النار، أو في البحر، أو في غابة لتأكله السباع، أو في بئر عميق، أو يستحق القتل بالجلد، أو الرجم، أو الذبح، أو قطع الأعضاء .

والاتجاه الديني في جوهره يعنى الاعتقاد بوجود قوى ثابتة مستقرة وراء التغيرات التي تحدث في المجتمع ، وهى إرادة ومشيئة الله تعإلى .


ولا يأخذ هذا المفهوم بالمصادفة ، لأن المصادفة تعنى الفوضى والعبث والأيمان بالعناية الألهية في التاريخ يقتضى إيمانا بالله ، ومن ثم فإن المفهوم الدينى في التاريخ ليس نظرية ، ولكنه مستوى من الإيمان والاعتقاد في وجود تدخل محكم من الأله الحكيم . ليخطط للأنسان العاجز عن فعل الخير لنفسه ( المقدر والمكتوب . ولولا هذا التدخل الألهى ، لأصبح التاريخ كومة مضطربة من عصور متراكمة في عبث أو مأساة رهيبة دون بداية معقولة أو نهاية مقبولة .

ويسيطر هذا المفهوم على القصص التاريخي في الكتب السماوية حيث يخرج القارئ بنتيجة مؤداها أن حركة التاريخ الحقة ليست سوى خطة الهية لخلاص العالم ، مقررة سلفا في خطوطها العامة على الأقل منذ بدء الخليقة وحتى يوم الحساب . ومهمة المؤرخ هنا عبارة عن تتبع خطوات تنفيذ هذه الخطة . وفي ضوء هذا ، قرأ القديس أوجسطين التاريخ القديم ليستخلص منه ما يؤكد فكرة غرق الجنس البشرى في الخطيئة والمعصية ، وأستحقاقه ما أصابه من حروب وما أحاط به من كوارث .

ففي الحالات التي لم يستطع فيها المؤرخون تقديم بعض التفسيرات البطولية للتاريخ قدموا تفسيرات دينية نتيجة لاعتقادهم بوجود قوى خارقة تهيمن وتسيطر على العالم وتوجهه سموها بالاله .

اليونان القديمة

فعند اليونان القدماء ولدى شعوب الشرق القديم ولا بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر تم ذكر مثل هذه الألهة وأحياناً اعتبروا الملك على أنه هو الاله أو ممثل الاله على وجه الأرض ونسبوا إليه الحوادث التاريخية . فحركة التاريخ ليست سوى الخطة الإلهية لخلاص العالم ، وهذه الخطة مقررة في خطوطها العامة منذ بدء الخليقة وحتى يوم القيامة وهذا التفسير ساد تواريخ التوراة كما أنه يتجاوب مع المنهج التاريخي للكنيسة المسيحية ولكن بصورة أعمق ، وأما التفسير ساد تواريخ التوراة كما أنه يتجاوب مع المنهج التاريخي للكنيسة المسيحية ولكن بصورة أعمق . وأما التفسير الإسلامي للتاريخ فإنه يدعو أيضاً إلى الاعتقاد بوجود الإله المسيطر على كل شئ والموجه لكل شئ ووفقاً لهذا التفسير تغدو حركة التاريخ التي يتبع لها الكون حركة واحدة تبدأ يوم خلق الله السموات والأرض وتتجه نحو يوم القيامة . إذا هنالك فريق من المؤرخين وهم من أصحاب النظرات الدينية في الزمان وفي التاريخ وهؤلاء ربطوا الزمان بالخلق الأول وبمصير الإنسانية في الدنيا ، وبالنهاية يرتبط بها حساب وعقاب وثواب ، ومن أبرز ممثلى هذا الاتجاه ( فيلون حوإلى 25 ق . م ـ 50 م ) بالنسبة إلى اليهودية والقديس أغسطس( 354-430 م ) بالنسبة إلى المسيحية وابن خلدون المتوفى ( 808هـ ) بالنسبة إلى الإسلام .

ويلاحظ أن التاريخ الذي كتب على أساس دينى سواء في العصور القديمة أو الوسطى ، اتخذ له صفات خاصة، فهو مثلا يكون تاريخاً عاماً ، أو تاريخاً للعمل يرجع إلى أصل الإنسان منذ بدء الخليقة ويعرض للكيفية التي نشأت بها الأجناس البشرية . وهو أيضا لا ينسب الأحداث لحكمة البشر ولكن لأعمال القدر . وهو من ناحية ثالثة يدور حول محور رئيسى مثل ظهور الأنبياء فيصبح التاريخ دائرا كله حول ظهور الأنبياء . وهو أيضا من ناحية رابعة يجعل المؤرخ يعتمد على المصادر التقليدية لتمده بالحقائق . ولما لم تكن لديه الأدلة الكفيلة بنقد هذه المصادر التقليدية ، فلم يكن أمام المؤرخ الا تصديق ما تمده به هذه المصادر حيث يعتمد عليها دون مناقشة عميقة .

وبتأثير هذا التفكير ، وهو أغفال الأرادة الإنسانية في توجيه الأحداث انصرف مؤرخوا العصور الوسطى إلى البحث عن جوهر التاريخ في خارج نطاق التاريخ نفسه . وبمعنى آخر الانصراف عن أعمال الإنسان والبحث عن الخطة التي رسمتها المقادير لتوجيه أحداث التاريخ . وكان هذا هو السبب في ان تدوين التاريخ في العصور الوسطى اتسم بالضعف من حيث النقد والتحليل ، وهو ضعف ليس ناتجا لقلة المصادر التاريخية والمادة العلمية ، وإنما كان بسبب القيود التي فرضت على المنهج الذي رسموه لأنفسهم والتركيز على دراسة خصائص الذات العليا القدسية ، أكثر من دراسة دقيقة علمية للحقائق التاريخية .

وكان هؤلاء المؤرخون أميل إلى سرعة الاعتقاد والتصديق منهم إلى التحرى والتدقيق في قبول الأخبار ورواية الأحداث ، ولم يكن هناك تفريق بين الواقعى والمثإلى ، أو الحق التاريخي والحق الشعرى ، وكانت الملاحم الشعرية تعد مراجع تاريخية ، ولم يكن هناك ما يحول دون تزييف الأخبار وتزوير الوثائق والأسانيد ، ولم تكن هناك عناية بكشف الحقائق وبحض الأباطيل ، ما دامت الوثائق والأخبار المزيفة تخدم قضية من قضايا العصر ، وتؤيد معتقدا من المعتقدات الشائعة .


ولاستخدام هذا المفهوم في كتابة التاريخ مظاهر شتى ، فنجد أن أنصاره هم الذين أطلقوا صفة " الصليبية " على الحروب التي تمت بين المشرق والغرب خلال العصور الوسطى ، لا شئ سوى اختلاف عقيدة المتحاربين بين المسيحية والإسلام ، وأيضا تفسيرهم خروج العرب من الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر ، عل أنه استمرار للصراع بين المسلمين والمسيحيين ، مع أن الخلاف الدينى المذهبى بين الطرفين أقدم من هذا بكثير بسبعة أو ثمانية قرون على الأقل ، ويتضح أيضاً في تفسير الصراع بين اليهود والعرب على أنه صراع دينى ، مع أن الخلاف الدينى ثابت وقديم ، وتحريك الصراع في تاريخ معين لابد وأن يبعث في ذهن الباحث محأولة تعليل غير مثالية ، كالاختلاف على طرق التجارة بين الشام واليمن منذ القدم بين قريش ويهود الجزيرة . والذي أخذ بعدا دينيا بنزول الإسلام .


التفسير الإسلامي

أما التفسير الإسلامي للتاريخ فيعد التفسير العلمي القائم على البرهان والدليل وكذلك التأكيد على العبرة والدرس من أحداث التاريخ الذي يسير وفق منهج وناموس إلهي عميق مع التأكيد على حرية الإنسان وإرادته التي تجعل منه مسئولاً عن جميع أفعاله في الدنيا والآخرة .

وهو يؤكد على وجود الإله الحكيم المسيطر على كل شئ والموجه لكل شئ فهو المهيمن ولكن ليس بظلام للعبيد وبالتالي رغم هيمنته ترك للإنسان النجدين ( أي الطريقين ، طريق الخير وطريق الغي ) وعليه الاختيار .

ووفقاً لهذا التفسير تصبح للحياة معنى وهدف والتاريخ يصبح شاهداً والقضاء والقدر ذاتها لم تقف عائقا ولا هي تحول دون إبراز نشاط الإنسان ، والتاريخ شاهد أمين على صدق هذا القول في كثير من الحالات ، فقد كان المسلمون يعرفون أن الله سبحانه وتعإلى قد قدر كل شئ في سابق علمه ومن الأزل ، وان ما قدر يكون ، مع هذا اندفعوا لتحطيم الفرس والروم في فترة لا مثيل لها في القصر ، وبذلوا جهداً خارقا في سبيل نشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية حيثما استطاعوا ، وانصرفوا يجرون ورائهم رزقهم ومعاشهم وأمورهم الدنيوية ، لأنهم كانوا يدركون في نفس الوقت أن لكل امرئ ما سعى وان السماء لا تمطر ذهباً أو فضة

راجع :

( New York Engineering Magazine Co . ، 1919 )

( Boston : Houghton – Miffin Co . ، 1939 ) .

( New York : simon and Schuster ، 1928 ) .

( Charles Scribner’s Sons ، 1928 ).

( Boston : Houghton Miffin Co., 1930 ) .

( The university of New Mexico press 1935) .

( PAN – Books ، London ، 1951).

( New York . Prentic – Hall ، Inc ., 1937 ) .