إن الناظر والمتأمل للتاريخ يرى جيدا كيف كان للإعلام الإسلامى دور كبير في نصرة الأمة فلم يهمل الإسلام دور الإعلام في مواصلة المسيرة نحو تحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وكذلك دوره في إثارة حمية المقاتلين والمجاهدين الشجعان الذين خرجوا لقتال العدو فقد كان الشعر هو الأداة الإعلامية الموجودة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الشعراء هم من يقومون بهذا الدور فكان حسان بن ثابت شاعر الرسول وكان الرسول يطلب منه أن يرد على المشركين بالشعر وقد ظل الشعر أداة إعلامية استخدمها الصحابة طيلة العهد النبوى ففى غزوة خيبر قال الإمام على بن أبى طالب
أنا الذي سمتني امي حيدره
كليث غابات كريه المنظره
او فيكم بالصاع كيل السندرة
وكذلك في غزوة مؤتة قال عبدالله بن رواحة حين ترددت نفسه عن القتال
يانفس مالك تكرهين الجنـه *** أقسم بالله لـتـنـزلـنـه
طائعة أولا لتـكـرهـنـه *** فطال ما قد كنت مطمئنـه
هل أنت إلا نطفة في شنـه *** قد أجلب الناس وشدو الرنه
وهكذا ظل الشعر أداة إعلامية قوية يستعملها الشعراء للرد على العدو وكذلك في نشر القضايا الإسلامية التى تهم جموع الأمة طوال عصر الخلافة الراشدة والدولتين الأموية والعباسية فقد كان يثير حماسة المجاهدين ويخيف أعداء الإسلام ، وفى بداية القرن الماضى أدرك الشيخ رشيد رضا أهمية الاعلام فسارع في إنشاء مجلة المنار وعندما تم تأسيس جماعة الاخوان المسلمين انشأ الشيخ حسن البنا مجلة الاخوان المسلمين وغيرها .
الا أن الواقع المؤلم الذى تعيشه بلادنا لا يسمح بنشر المجلات والجرائد التى تنشر الفكر الاسلامى الصحيح الشامل بل اقتصرت هذه الوسيلة ( الجرائد والمجلات ) على الأمور التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغيرها دون الدخول في أمور الشعوب المقهورة ومناقشة قضاياها الرئيسية والحقيقية مناقشة واضحة صريحة لأن ذلك سيتطرق إلى الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى المر وهذا خط أحمر رسمته تلك الحكومات ويعاقب كل من يتعداه بانواع شتى من العقوبات ، وكذلك فمما قلل من أهمية هذه الوسيلة أنها تخاطب فئة قليلة هى الفئة المثقفة التى تعظم شعائر الله في انفسها والمهتمة بالقراءة .
مع التطور العلمى والتكنولوجى ازدادت الوسائل الاعلامية المختلفة من فضائيات وانترنت وإذاعات صوتية وغيرها وقد غاب الإسلاميون الذين يحملون هم دينهم وهموم أمتهم الإسلامية عنها طويلا حتى كانت البداية في عالم الفضائيات بقناة اقرأ الفضائية ثم تلاها الكثير من أبناء الأمة المخلصين في انشاء مثل هذه الفضائيات التى سعدنا بها كثيرا وكان لها دورا لا ننكره في نشر جزء من الثقافة الإسلامية وفى مناقشة بعض القضايا التى تهم الامة ومن أهم ما يميز الفضائيات عن الجرائد والمجلات انها تخاطب جميع الناس بمن فيهم البسطاء وذلك بعد ان أصبحت تكلفة الأجهزة الإلكترونية زهيدة بالنسبة لباقى الاجهزة والسلع الأخرى ، فقد دخلت الفضائيات معظم البيوت وشاهدها معظم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وقد ازددنا فرحا حينما انطلقت قنوات فضائية إسلامية تخاطب المسلمين وغيرهم في باقى الدول الغربية والشرقية الذين لا يفهمون اللغة العربية .
ولكن مع هذا ظلت هذا الفضائيات حبيسة وأسيرة بعض التيارات الإسلامية وبعض الأشخاص الذين ينتهجون فكرا معينا وأسلوبا معينا غير راغبين ولا مستعدين لتغييره من أجل صالح الأمة كلها فاصابها نفس المرض الذى أصاب المجلات والجرائد حيث نأى أصحاب هذه القنوات ومن يتحدث فيها من العلماء والشيوخ الأفاضل الذين نحترمهم ونقدرهم عن الدخول في قضايا الأمة الرئيسية ومناقشة أحوالها مناقشة صريحة بحجة عدم الحديث في السياسة أو ترك السياسة من السياسة وغيرها من الحجج والمبررات الغير مقبولة على الإطلاق ، ففى أحلك الأوقات التى مرت بها الأمة كانت هذه الفضائيات في واد والناس في واد آخر ففى محنة غزة وجدنا الصمت الرهيب يسود كل هذه الفضائيات اللهم إلا ذلك الشريط الخاص بالرسائل القصيرة أسفل الشاشات وكان اللاعب الأساسى في هذه الفترة هى قناتى الأقصى الفضائية وقناة الجزيرة الفضائية ، ولم يجرؤ علماء الأمة على إعلاء كلمة الحق وإبطال الباطل ، لم يجرؤ من يتحدث في هذه القنوات على أن يقول هذا على حق وهذا على باطل بل وجدنا للأسف بعض العلماء على هذه الفضائيات يساوى بين الحق والباطل .
إن هذه الفضائيات عليها دور كبير في توضيح الأمور التى اختلطت على الأمة لأن هناك الكثير من الناس يثقون ثقة بلاحدود في العلماء الذين يظهرون على هذه الشاشات ، ولا يفوتنى هنا أن أشير إلى اللاعب المصرى الجميل محمد أبو تريكة الذى اختار الوقت المناسب والمكان المناسب ليذكر الأمة كلها بإخواننا المحاصرين في غزة فجزاه الله كل خير ، وليت إخواننا الإعلاميين المهتمين بواقع أمتنا يتعلمون من أبو تريكة هذه الفكرة الجميلة .
لقد كان للشبكة العنكبوتية الإنترنت دور كبير بصفتها أحد الوسائل الإعلامية التي لا يمكن بأية حال الإستغناء عنها فقد باتت ضرورة ملحة ووسيلة مهمة للتبادل الثقافي والحضاري والفكري والمعلوماتي في القرن الحادي والعشرين وأصبحت الأمية في هذا العصر هي أمية الحاسب والإنترنت لا أمية القراءة والكتابة وقد جعلت المسافات بين الدول والقارات والأشخاص صغيرة جدا ، هذه الأهمية الكبرى للشبكة العنكبوتية الإنترنت أهلها لتكون أحد أوجه الإعلام الإسلامي الراقي الذي لا يتحكم فيه تيارا بعينه ولا فئة بعينها بل هو متاح للجميع خصوصا في الخمسة أعوام الماضية حيث أصبحت تكاليف النشر في الإنترنت زهيدة جدا وربما مجانية .
سلبيات الإنترنت كأداة إعلامية
اتجه الإسلاميون إلى الإنترنت ودخلوا هذا المجال بكثافة وبقوة ولكن للأسف دخلت معهم أخطاؤهم وعصبياتهم العمياء إلا القليل الذين أبوا إلا إعلاء كلمة الله وشهادة الحق ولو كان مرا:-
رأينا في الإنترنت التجاذب التنظيمي والحركي وظهر بشدة إتساع الفجوات بين التنظيمات الإسلامية المختلفة ، فرأينا السباب والشتائم وصيحات التخوين والتشكيك ودعوات الإقصاء والإبعاد.
_ وبدلا من اعتماد المنهج الإسلامى القويم في تصحيح أخطاء الدعاة والعلماء أيضا من تكرار النصح برفق وفى السر لا العلن رأينا بعض العلماء يضع على مواقعه الشخصية بعض تسجيلاته التي يهاجم فيها علماء آخرين فوجدنا تسجيلات مثل ( الكلب العاوى ، دعاة على أبواب جهنم ، صاحب التلات ورقات ) وغيرها من التسجيلات التي بلا شك تشوه صورة المسلمين وتصورهم كمن ينهشون في بعضهم البعض .
_ كما انتقل أيضا نفس أخطاء الفضائيات الإسلامية من عدم اهتمام العلماء بقضايا الأمة وهموم المسلمين والتفكير الجيد لإيجاد الحلول لمشاكل عامة المسلمين .
بسبب كل هذه السلبيات ومع نجاح الإنترنت كوسيلة من وسائل الإعلام الإسلامي في نشر جزء من الثقافة الإسلامية وجذب عدد كثير من الشباب إلا أنها فشلت في أن تجذب معظم الشباب إليها ، في الوقت الذي نجحت فيه المواقع والتيارات التي تدمر الشباب وتدمر عقولهم وتدمر حضارة الأمة وثقافتها في اجتذاب هؤلاء الشباب ، فقد ابتعد معظم الشباب عن كل ما هو إسلامي على الإنترنت ليس بسبب الخوف من الحكومات وغيرها بل بسبب هذا التناحر بين العلماء والدعاة على الإنترنت وهذه الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها الإسلاميون على الإنترنت .
إيجابيات الإنترنت كأداة إعلامية
أما بعض الإسلاميين الذين استطاعوا أن يقفوا موقفا محايدا بين التنظيمات والتحزبات وإن كانوا ينتمون إليها فقد قدموا لنا أفضل صور العمل الجماعي على الإنترنت وتخلوا عن أشخاصهم وذاتياتهم, فقد قام هؤلاء بحمل هموم الأمة على الأكتاف والسير بها إلى الأمام حيث التفكير المنطقى والعقلى لإيجاد الحلول الطبيعية التي لا تتكلم عن واقع خيالي لن نصل إليه :-
_ فوجدنا بعض المواقع التي تناقش قضايا الأمة الحقيقية مناقشة واضحة وصريحة فوجدنا شبكة إسلام أون لاين وهى عبارة عن مجتمع جديد متكامل على الإنترنت يتضمن كافة ما يحتاجه المسلم من إيمانيات وروحانيات وثقافة سياسية وإقتصادية وعلمية وصحية وكذلك موقع الإسلام اليوم وغيرهم.
_ وأيضا كان للإنترنت دور كبير في نشر الثقافة الإسلامية بين مختلف الفئات والأعمار وأصبح من السهل جدا الوصول إلى ما يريده المسلم من معلومات أيا كان نوعها فقد قام الشباب المسلم برفع آلاف الكتب الدينية والتراثية على الإنترنت ليسهل على المسلم الحصول على ما يريد دون جهد يذكر .
_ وكذلك فقد وجدنا أيضا نشاطا هائلا في المجال الدعوى عبر مواقع الدعاة أو المجموعات الدعوية المسماة groups ومن خلال رسائل البريد الإليكتروني والمنتديات وغيرها .
الموضوعية هي الحل
مما سبق أرى ومن وجهة نظري، وقد أكون مخطئا أن الحل الأمثل لتفادى هذا الأخطاء وتقليلها وزيادة الإيجابيات وتحسينها هي الموضوعية والمضمون الجيد لكل ما ينشر على الإنترنت والبعد عن العصبيات والدفاع المستميت عن التنظيمات والتيارات بدون وجه حق وإعلاء روح الأخوة والوحدة ونبذ الفرقة والتشرذم وحالات الإقصاء والإبعاد والعمل على إيجاد الحلول لكل مشاكل المسلمين والشباب منهم خاصة .
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ الاشعار من كتاب _ الرحيق المختوم