الأدوار الإيقاعية في الشعر العربي(*)
والواقع أن توظيف هذا المصطلح، مصطلح الأدوار الإيقاعية، موجودفي الألحان الموسيقية، وفي الموشحات الغنائية، لكن توظيفه في دراسة الشعر العربي مخالف لما هو موجود في مجال الموسيقي، وإن كان يقترب منه اقترابا نسبيا، ومن هنا اعتبر شيئا جديدا في مجال الدراسات الشعرية العربية، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى..!
وفي هذا الإطار سنعمل على تحديد مفهوم الدور الإيقاعي، وبيان مكوناته ووظائفه وأنواعه، مع التمثيل لكل نوع بما يناسب، من الشعر القديم والحديث، ومن التوشيح أيضا، حسب ما يسمح به المقام، وذلك على النحو التالي:
فهرس |
يمكن تعريف الدور الإيقاعي بأنه عبارة عن بنية تشكيلية صوتية لغوية شعرية، يحددها عدد النوى اللغوية المكونة لها، وقيمها الحركية، وقراراتها الموسيقية، وعدد وحداتها الإيقاعية المشكلة لها، ونوعها وتركيبها في نسق مؤلف وفق ترتيب خاص، حيث تنشأ من هذا التأليف بنية/أو بنيات إيقاعية متكاملة الأجزاء، لها تشكيلات مستقلة عن غيرها، ذوات بدايات معلومة، ونهايات موسومة، كأنها حلقات مصمتة، أودوائر محكمة، تكون متساوية، أو متغايرة، لكنها تظل متماثلة النغمات، متناسبة النقرات، كما وكيفا، على حد سواء.
يحتل الدور الإيقاعي أهمية بالغة، في نسيج النص الشعري، حيث ينبغي أن تتكاثر الأدوار الإيقاعية لتخلق التشكيلة الشعرية الملائمة للقصيدة،فالدور الإيقاعي، بالنسبة للنص الشعري، يشبه إلى حد بعيد خلية واحدة، من مجموع خلايا النحل، وبقية الخلايا هي الأدوار الإيقاعية المتواترة على امتداد النص. ولا بد لأي نص شعري، كيفما كان نوعه، ومهما كان حجمه، من أن تتكون تشكيلته الشعرية، من دورين إيقاعيين، على الأقل، ولا حد لعدد الأدوارالإيقاعية، في التشكيلة الشعرية.
فالتجربة الإبداعية الشعرية، هي وحدها الكفيلة باختيار أنواع الأدوار الإيقاعية المناسبة، وهي وحدها التي تقررالاقتصار على عدد الأدوار الكافية، لبناء نسيج نصها الشعري، وكل تجربة إبداعية، تنتج نصا لغويا، لا تتكون من أدوار إيقاعية معينة، فإنه لا يمكن اعتبارها تجربة شعرية، بالمعنى الدقيق للشعر، كما لا يمكن أن يعد انتاجها من الشعر في شيء...!
يمكن تصنيف الأدوار الإيقاعية، في الشعر العربي، إلى ثلاثة أنواع، من الأدوار الإيقاعية الأساسية، وهي بصفة إجمالية: الدور الإيقاعي البسيط، كما في الأشطروالأبيات الشعرية؛والدور الإيقاعي المتوسط، كما في المقطوعات السمطية؛والدور الإيقاعي المركب، كما في الموشحات... وسنعمل على التعريف بكل نوع،من هذه الأدوار الإيقاعية،مع التمثيل بما يناسب،من الأساليب والنصوص الشعرية، من مختلف الأجيال الأدبية، قديما وحديثا، وذلك على النحو التالي:
تعريفه :
الدور الإيقاعي البسيط هو ما اعتمد بنية تشكيلية صوتية لغوية إيقاعية، تتكون من مجموعة من الوحدات الإيقاعية، بكيفية متسقة، على شكل متوالية صوتية واحدة، يكون من شأنها التحول والتواتر، بصفة دورية، على امتداد النص الإبداعيي، وفي مختلف تشكيلاته التي تكون نسيجه الشعري. والدور الإيقاعي البسيط هو أخص وأصغر من الدورين السمطي والتوشيحي، وإن كان يدخل ضمن مكوناتهما معا، وتكمن أهميته في كونه يعتبر مكونا لازما لكل نص شعري، بما فيه من شعر المسمطات والموشحات والأزجال، بمختلف أنواعها وهذا الدور الإيقاعي، رغم بساطته، إلا أنه يتنوع، بدورع، إلى مجموعة متعددة، من الأنوع الأخرى، منها الصغيرة، ومنها الكبيرة، ومنها المفردة، ومنها المركبة، حسب التشكيلات الشعرية، وحسب أنساقها الإيقاعية.
قبل الاستمرار في استعراض بقية التفاصيل المتعلقة بموضوع الأدوارالإيقاعية، يجدر بنا أن نعرف الوحدات الإيقاعية الموظفة ورموزها الرقمية، لكونها تبسط لنا العمل بشكل كبير، ولأنها لا توجد في مصادر أخرى يمكن الرجوع إليها، فوجودها يقتصر على بحث جامعي، غير منشور إلا على شكل مختصرات محدودة، كما نشير أيضا إلى أن "الطريقة الرقمية" التي نستخدمها هنا هي طريقة جديدة، مخالفة لجميع الطرق الرقميةالمعتمدة، في مجال دراسة الشعر العربي، بما فيها الطريقة التي سسميت ب"العروض الرقمي"...! والوحدات الإيقاعية المعنية، هي أربع4 وحدات أساسية مزدوجة، أوثمانية8 وحدات أساسية مفردة، لاأقل ولا أكثر، وهي جميعا وحدات ثابتة لا تتغير، بأي وجه كان، ولا تخضع لأي نوع من أنواع الزحافات والعلل، لكنها تصنف حسب مواقعها من الأدوار الإيقاعية، إلى صنفين اثنين، وهما:
عددها أربع4 وحدات إيقاعية أساسية مجردة، تتكون تشكيلاتها الصوتية من متواليات صوتية صائتة، غير أن نهاياتها تختم بنواة صوتية واحدة صامتة(ساكن). ميزتها أنها ثابتة لا تتغير، وأن كلا منها يمكن أن يقع في أي موقع من الدور الإيقاعي: بداية، ووسطا، وغاية، إضافة إلى كونها تشكل عمود نسيج الشعر العربي، القديم والحديث، على حد سواء. وهي كما يلي:
عددها أربع4 وحدات إيقاعية أساسية مضاعفة، تتكون تشكيلاتها الصوتية من متواليات صوتية صائتة، غير أن نهاياتها تختم بنواتين صوتيتين صامتتين(=ساكنين). ميزتها أنها ثابتة لا تتغير، وأن كلا منها لا يمكن أن يقع إلا في نها ية الدور الإيقاعي، في الشعر العربي الفصيح، القديم والحديث معا، بمعنى أن وجودها في الأشطر والأبيات الشعرية يقتصر على التقفية فقط. لكن بالنسبة للزجل، وفي الشعر الشعبي عامة، يمكن أن تقع الوحدات الإيقاعية المضاعفة، في أي موقع من الدور الإيقاعي، مثلها في ذلك مثل الوحدات المجردة...!
وهذه الوحدات هي كما يلي:
هذه هي مجموع الوحدات الإيقاعية الأساسية، بنوعيها المجرد والمضاعف، التي يتم اعتمادها، من خلال رموزها الرقمية، في هذا البحث، دون غيرها.
إذا أخذنا التشكيلات التامة النموذجية، للأنساق(البحور) الشعرية الستة عشر 16، فسنجد أنها تتوزع إلى أربع فئات، حسب عدد ونوع الوحدات الإيقاعية الأساسية المكونة لتشكيلة كل شطر شعري منها:
المتقارب(21)، والمتدارك(21).
الكامل(23)، والوافر(32)،والهزج(112)، والرمل(121)،والرجز(211).
الطويل(11212)،والمديد(21121)،والبسيط(21211).
ستة6أنساق: السريع(111211211°)،والمضارع(112121112)،والمجتث(121121211)،والخفيف(121211121)،والمقتضب(211212111)،والمنسرح(212111211).
لكن ينبغي التأكيد على أن جميع هذه الأدوار الإيقاعية البسيطة يمكن أن تتحول إلى أدوار أخرى مقصرة، فتتغير بسبب ذلك إلى فئة أخرى، غير فئتها الأصلية، تبعا لما يقتضيه نسقها الشعري، مع ملاحظة أن الأدوار التامة لاتجتمع مع الأدوار المقصرة في نص شعري واحد، إلا في الموشحات، وفي بعض الأشعار المعاصرة...!
سنأخذ بعض الشواهد الشعرية،على سبيل التمثيل، لا الحصر،قصد توضيح بعض النقط التي أشرناإليها نظريا، وسنعمد إلى إعادة ترتيب الأشطر عموديا، حتى نضع إلى جانبها تشكيلاتها الرقمية، وذلك كما يلي:
قال الشاعر الحارث بن حلزة:، من معلقته، وهي من نسقالخفيف، ما يلي:
التشكيلةالشعرية = التشكيلةالرقمية
أيها الناطق المرقش عنا = 1322121 عند عمرو وهل لذاك بقاء = 1322121 ما جزعنا تحت العجاجة إذو = 13211121 لت بأقفائها وحر الصلاء = 12122121
فهذه القصيدة الشعرية، من المعلقات السبع، تتكون من 84 بيتا شعريا، غير أن كل شطر من أشطرها، لا يتكون إلا من دور إيقاعي واحد، وتكون مجموع أدوار القصيدة:84×2=168 دورا إيقاعيا، بمعنى أن كل شطر منها يساوي دورا إيقاعيا واحدا، وهي كلها أدوار بسيطة، على امتداد النص الشعري. وهي أدوار متسقة فيما بينها، على الرغم من اختلافها أحيانا في عدد ونوع الوحدات الإيقاعية المشكلة لها، لكون كل دور يتحد مع قرينه، في مكوناته البنيوية، اتحادا تاما أو جزئيا، كما هو الحال في اتحاد هذه الأدوار الإيقاعية الأربعة في عدد القيم الحركية، حيث إن د1+د2+د3+د4=12.
قال الشاعرامؤالقيس، في قصيدة له، من نسق الطويل:
التشكيلة الشعرية = التشكيلة الرقمية
توهمت من هند معالم أطلال = 113211212 عفاهن طول الدهرفي الزمن الخالي= 113211212
فهذا النص يتكون، في الواقع، من بيت شعري واحد، موزع إلى شطرين اثنين، وتتركب تشكيلة كل شطر منهما، من دورين إيقاعيين، بكيفية متساوية بين الشطرين معا. بمعنى أن تشكيلة الشطر1 = تشكيلة الشطر2 أي أن: 113211212 = 113211212 حيث يمكن توزيع تشكيلة كل شطر إلى دورين متسقين تمام الاتساق، وذلك على الشكل التالي: في الشطر1: الدور1:[11212] = الدور2:[1132]= 7. في الشطر2:الدور3:[11212] = الدور4:[1132]= 7. وبذلك تكون جميع الأدوار الإيقاعية الأربعة، في البيت الشعري، متسقة ومتساوية في قيمها الحركية، وذلك لأن:
[11212]=[1132]=[11212]=[1132]= 7
غير أن حركية الإيقاع بين الأدوار،في بيت الطويل التام، قد جاءت متساوقة بين الطول والتوسط، بين المد والجزر، تماما مثل أمواج البحر في الطبيعة، فالدور الممتد:[11212]، في غايةامتداده، بينما الدور المتوسط: [1132]، جاء بين المد والجزر...! ومن هنا نفهم سر تسمية الخليل للأوزان الشعرية بالأبحر، على سبيل المجاز لا الحقيقة، لكون الإيقاع فيها يشبه حركة أمواج المياه في البحار الحقيقية...!
تعريف القصيدة السمطية:
كلمةالسمط، في الاصطلاح المعجمي، تعود إلى جذرها اللغوي:"سمط"، جمعه: سموط، وأسماط، من بين معانيه: أ) خيط النظم، أو الخيط الواحد المنظوم بالخرز واللؤلؤ والزبرجد. ب) القلادة ذات سمطين أو أسماط، ومنه قول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد:
وفي الحي أحوى ينفضُ المردَ شادنٌ*مُظاهرُسمطيْ لؤلؤوزبرجدِ
والسمط، في الاصطلاح الإيقاعي الشعري، التقاء أشطر شعرية، في فئات أو مجاميع، تجتمع في قافية مشتركة، وإن كانت تختم بشطر واحد مختلف عنها، بحيث يكون رويه وقافيته لازمين على امتداد النص السمطي، بين مختلف فئاته المكونة له. والشعر المسمط هو كما جاء تعريفه في معجم لسان العرب: "ما قفي أرباع بيوته، وسمط في قافية مخالفة".
خصائصها:
من أبرز خصائص ومميزات القصيدة السمطية ما يلي:
أ)أنها متكونة من فئات أو مجاميع من الأشطر الشعرية. ب)أن شطوركل فئةمتفقة،فيمابينها،في الروي والقافية. ج)أن تختم كل فئةبشطرمختلف،عنها،في رويه وفي قافيته. د)أن يكون عددالشطور الشعريةمتساو بين كل الفئات. ه)أن يكون الروي والقافية متنوعين بين مختلف الفئات. و)أن يكون الروي والقافية، في الشطر الأخير، من كل فئة،موحدين ولازمين بالنسبة لجميع الفئات الأخرى، ولذلك يسمى عمدة القصيدة السمطية.
أنواعها:
تقتصر القصيدة السمطية، في الواقع، على نوع محدد من الشعر، ذي تقفية معينة، لكن يمكن أن ندرج ضمنه أنواعا أخرى، تشترك معه في جملة من خصائصه، ومن بين هذه الأنواع نذكر:
المزدوجات:وهي قصائدشعريةتعتمدالمزاوجة،بين كل شطرين أوبيتين،في التقفية،وفي تنويعها،وقداشتهرت في المجال التعليمي، مثل قصيدةكليلةودمنة لأبان بن عبدالحميد،وقصيدةذات الأمثال لأبي العتاهية،منها قوله:
حسبك ما تبتغي القوتُ * ما أكثر القوتَ لمن يموتُ
***
لكل ما يؤذي وإن قل ألم*ماأطول الليل على من لم ينم
***
ما انتفع المرء بمثل عقله * وخير ذخر المرء حسن فعله
***
فكل شطرين مزدوجي التقفية، من هذه الأشطر الستة، يمكن أن يعتبر دورا إيقاعيا سمطيا، والقيدة نفسها يمكن أن تحسب على الشعر السمطي.
والمثلثات: قصائدمنظومة على شكل فئات من الأشطر، أوالأبيات، الشعرية موحدة في رويها وفي تقفيتها،مثل قول الشاعرعباس محمود العقاد:
* أذن الشفاء، فما له لم يحمد * * ودنا الرجاء، وما الرجاء بمسعدي * * أعدوت أم شارفت غاية مقصدي * *** * برد الغليل اليوم، وانطفأ الجوى * * وسلا الفؤاد، فلا لقاء ولا نوى * * وتبدد الشملان أي تبددي * ***
فكل فئة من هذه الأشطر تمثل دورا إيقاعيا سمطيا واحدا، والقصيدة نفسها تعتبر نوعا من الشعر السمطي. وعلى هذه الطريقة تنظم القصائد الشعرية، من مختلف هذه الأنواع، بما فيها المربعات، المخمسات،المسدسات،...وغيرها مما يسير على منوالها، في توزيع الأشطر، وفي الروي والتقفية، وفي تنويعهما، من بداية النص إلى نهايته.
الدر الإيقاعي السمطي:
تتكون البنية الإيقاعية، في القصيدة السمطية، من نوعين من الأدوار الإيقاعية المتكاملة، وهي: الأدوار البسيطة، والأدوار السمطية. فالأدوار الإيقاعية البسيطة تتجلى في كل شطر، من كل فئة من الشطور المكونة للقصيدة السمطية، في أي نوع من أنواعها الموصوفة أعلاه. والأدور الإيقاعية السمطية تتجسد في شطور كل فئة، على حدة، من الفئات المكونة للقصيدة السمطية،بمعنى أن الدور الإيقاعي السمطي يتكون من كل الشطور الموحدة التقفية مضافا إليها الشطر الأخير المختلف عنها في تقفيته، بالنسبة لكل فئة، من الفئات المكونة للنص السمطي. فشطور كل فئة مجتمعة هي التي تشكل دورا إيقاعيا سمطيا واحدا فقط؛ ولكي تعتبر القصيدة سمطية ينبغي أن تتوفر على دورين إيقاعيين سمطيين، على الأقل، ولا حد لعدد الأدوار الإيقاعية السمطية، في النص السمطي. وهكذا يمكن أن نميز بين الأدوار الإيقاعية السمطية، في النص الشعري الواحد، بالتقفية السطحية، اي بحرف الروي وبالقافية التي تتغير،من حين لآخر،أو التي تتواتر على شكل لازمة، على امتداد النص السمطي. والدور الإيقاعي السمطي يعتبر مرحلة وسطي،من مراحل تطورالأدوارالإيقاعية،في الشعر العربي،من الدور الإيقاعي البسيط،إلى الدورالإيقاعي التوشيحي المركب..
شاهد1:
قول أحد الشعراء(من نسق الوافر):
* يمج المسك مفرقها* = 32112 * ويصبي العقل منطقها * = 32112 * وتمسي ما يؤرقها* = 32112 * سقام العاشق الوصبِ * = 32112
فهذا الشاهد يتكون من أربعة أشطر، وهي في جملتها تكون دورا إيقاعيا سمطيا واحدا، وإن كان كل شطر بمفرده يتكون من دورين إيقاعيين بسيطين، من نسق الوافر، وهما حسب الرموز الرقمية:[32]و[112]. وذلك يعني أن هذا الدور الإيقاعي السمطي يتكون من ثمانية أدوار إيقاعية بسيطة[4×2=8]. فالمقصود بالدور الإيقاعي، في هذا الشاهد، ليس هو الدور البسيط الذي تتكون منه هذه الأشطر، كل منها على حدة، وإنما المقصود هو أن مجموع هذه الأشطر الأربعة هي التي تكون الدور الإيقاعي السمطي الواحد...!
شاهد2:
من قول بعض الشعراء، من نسق الوافر أيضا:
* خيال هاج لي شجنا * = 32112 * فبت مكابدا حزنا * = 3232 * عميد القلب مرتهنا * = 32112 * بذكر اللهو والطرب * = 32112 *** * سبتني ظبية عطل * = 32112 * كأن رضابها عسل * = 3232 * ينوء بخصرها كفل* = 3232 * بنيل روادف الحقب * = 3232
فهذا الشاهد يتكون من ثمانية8 أشطر شعرية، موزعة على فئتين، في كل منهما أربعة4 أشطر، وكل فئة تمثل دورا إيقاعيا سمطيا واحدا فقط. وهذا يعني أن هذا الشاهد يتكون من دورين إيقاعيين سمطيين، وأن كلا منهما يتكون من عدد من الأدوار الإيقاعية البسيطة، يتحدد عددها حسب تنوعها في الأشطر الشعرية، وهي:
* دوران2 إيقاعيان بسيطان في كل شطر[32]و[112]. * وثمانية8أدوارإيقاعيةبسيطةفي كل دورسمطي[4×2=8].
فالأدوارالإيقاعيةالبسيطة،التي تتكون منهاأشطرهذاالشاهد،هي ثمانية8أدوارإيقاعيةبسيطة، بمعدل دورين اثنين في كل شطر،هما:[32]و[112]. فهذه الأدوار الإيقاعية البسيطة الثمانية8،في هذا الشاهد،هي التي تشكل مجتمعةالدورالإيقاعي السمطي الواحد...! بمعنى أن كل دورإيقاعي سمطي واحدينبغي أن يتكون من عددمن الأدوارالإيقاعيةالبسيطة،وليس من دورإيقاعي بسيط واحدفقط. كما ينبغي أن يتكررهذاالدورالإيقاعي السمطي مرتين، على الأقل في النص،لكي يعتبر نصا سمطيا..
* تعريف التوشيح:
مصطلح التوشيح،في أصله المعجمي، يرجع إلى جذره اللغوي:وشح،الذي يدل، في بعض معانيه، على الحلي الذي تتزين به النساء خاصة؛ ومنه ما جاء في أساس البلاغة، لالزمخشري، أن "ظبية موشحة في جنبيها طرتان مسكيتان". ومنه قول الشاعر أبي ذؤيب:
موشحة بالطرتين دنا لها * جني أيكةيضفوعليها قصارها
والتوشيح، في الاصطلاح الإيقاعي والشعري، ربما كان مستعارا من الموشح، باعتباره أحد أنواع البناءاللحني،الذي فسرهالكندي أبويوسف يعقوب، في رسالته حول صناعة التأليف، حيث جاء فيها: أن البناء اللحني ينقسم إلى نوعين اثنين: متتال، ولا متتال، وأن اللامتتالي ينقسم، بدوره،إلى نوعين: أحدهما: "اللولبي"، وثانيهما:الموشح. قال الكندي معرفا الموشح:
"وأما النوع الثاني المسمى الضفير، أو الموشح، فهو المبتدأ من نغمة، ثم ينتقل منها إلى أخرى، ثم ينتقل منها إلى دور الأولى، ثم ينتقل منها إلى خلف نهايته، ثم كذلك حتى يؤتى على نغم الجميع، ثم تكون النقلة من آخره إلى مبتدئه مؤتلفة".
وعرفه ابن سناء الملك(المتوفى608هـ) بقوله:
حد الموشح: كلام منظوم، على وزن مخصوص.
غير أن الدكتورعباس الجراري قد رفض جملة من تعريفات بعض الباحثين الآخرين لمصطلح الموشح، مقترحا مكانها التعريف التالي:
"الموشحات مصطلح على فن مستحدث، من فنون الشعر، لا يتقيد بالشكل التقليدي الذي التزمته القصيدة العربية، لبنائها العضوي، يحاول التحرر منه إلى شكل جديد يعتمد تقسيم الهيكل إلى أجزاء، يتنوع فيها الوزن وتتعدد القافية".
* أهمية التوشيح:
لقد أجمعت الدراسات المتعلقة بالأدب العربي عامة، وبالشعر العربي خاصة، على أن فن التوشيح يعتبر لونا جديدا، من فنون الشعر العربي، بكل المقاييس، ليس من حيث الشكل فقط، وليس من حيث المضمون فقط، وإنما من حيث الشكل والموضوع كليهما، ومن حيث الجنس الأدبي نفسه، باعتباره ظاهرة أدبية طريفة ومتميزة، على أكثر من مستوى، لم تقتصر آثارها على حدود الآداب العربية فحسب، وإنما تعدتها إلى آفاق الآداب الأوربية خاصة، والإنسانية عامة. كما أجمعت تلك الدراسات، أو كادت أن تجمع، على أن هذا الفن الأدبي الجديد قد ظهر أول مرة، في الأندلس، في أواخر القرن الثالث الهجري(التاسع الميلادي)، ثم انتقل من الأندلس إلى المغرب، ومنهما انتشر، فيما بعد، في سائر الأقطار العربية والإسلامية، وفي الأقطار الأوربية والعالمية. وقد أجمع الدارسون على أن أهمية فن التوشيح تكمن في التطورات التي لحقت به، بعد القرن الخامس الهجري، عندما تفرع عنه فن شعري أندلسي جديد، هو فن الزجل الشعبي. وتكمن أهميته كذلك في التأثير الذي أحدثه في الآداب العربية، من جهة، وفي الآداب الأوربية والعالمية، من جهة ثانية، وفي الآداب الإسبانية والفرنسية والألمانية والإيقاطلية، على وجه الخصوص، من ناحية ثالثة.
* مكونات الموشحة:
تتكون القصيدة الموشحة من عنصرين متلازمين، لكل منهما مصطلح(أو بالأحرى عدة مصطلحات)، يعرف به، حسب موقعه من الموشحة،وهما:القفل،والبيت. فمن مصطلحات القفل:الجزء،المذهب،السمط،المطلع،الغصن،المقطع،اللازمة،الخرجة،وغيرها...! ومن مصطلحات البيت:الجزء،الدور،السمط،الغصن،المقطع،وغيرها...! ومن الملاحظ أن بعض هذه المصطلحات يتداخل بين المكونين معا، مما يشيع بعض الالتباس بينهما...! وفيما يلي ترسيمة لموشحة:
الموشحة = (القفل + البيت)/أو(البيت + القفل).
* أنواع الموشح:
تتنوع الموشحة إلى نوعين أساسيين،يعرف أحدهما باسم: الموشح التام،ويعرف الآخرباسم:الموشح الأقرع. والفرق بين هذين النوعين يحدده موقع أحد العنصرين السابقين:القفل،والبيت،من نص الموشحة. فإذاكان القفل هو الأول في ترتيبه،من نص الموشحة،ثم يليه البيت، فإن هذاالنوع يسمى باسم:الموشح التام. وإذاكان البيت هو المتقدم على القفل،في نص الموشحة،فإن هذا النوع يعرف باسم:الموشح الأقرع. وذلك يعني أن أحد النوعين هو عكس النوع الثاني، في ترتيبه من حيث نص الموشحة. وفيما يلي ترسيمة لكل من نوعي الموشح:
الموشح التام = القفل + البيت. الموشح الأقرع = البيت + القفل. يمكن التمثيل للموشح التام بموشح"الأعمى التطيلي"،الذي يقول،في أوله،مانصه:
فالسطر الأول المكون من أربع فقرات يشكل،بمجموع فقراته، مطلع الموشح التام،أي قفله. والأسطر الثلاثة التي تليه،المتكون كل منها من فقرتين، تشكل بمجموعها بيت الموشح التام المذكور.
ونمثل للموشح الأقرع،بموشح "الكميت البطليوسي"،الذي يقول،في أوله،مانصه:
فالأسطر الثلاثة الأولى، المتكون كل منها من فقرتين مختلفتي الطول، تشكل بمجموع فقراتها بيت الموشح الأقرح. والسطران الأخيران،المتكون كل منهما من فقرتين مختلفتي الطول،يشكلان بمجموع غقراتهما قفل الموشح الأقرع المذكور أعلاه.
* الدور الإيقاعي التوشيحي:
نعني بالدور الإيقاعي التوشيحي:"الدور الإيقاعي المركب"، وهوالذي يعتمد على التأليف بين مجموعة متعددة من الأدوار الإيقاعية الشعرية البسيطة.وبعبارة أخرى فإن الدور الإيقاعي التوشيحي هو دور إيقاعي يقوم على التركيب بين مجموعة متعددة ومختلفة، من البنيات التشكيلية الصوتية اللغوية الإيقاعية، في نسق شعري معين، بكيفية متماثلة، أومتغايرة،جزئيا أو كليا، أو هما معا، كما وكيفا، بحيث تكون مترابطة فيما بينها، ترابطا جدليا، على شكل أغصان شجرة، وأسماط عقد متناسقة، إذا بدأ الإيقاع في الأولى فإنه ينتقل منها إلى الثانية، متدرجا من غصن إلى غصن آخر، ومن سمط إلى سمط آخر، حتى النهاية، فتنشأ عن ذلك نغمات متنوعة، لكنها متناسبة، في إطار وحدة فنية، متكاملة الأجزاء، متناغمة متسقة فيما بينها.
وظيفة الدور الإيقاعي التوشحي:
الدور الإيقاعي التوشيحي بهذا المعنى المذكور أعلاه هو الكفيل بخلق البنية الإيقاعية، في أية موشحة، وهو الذي من شأنه تحقيق التنويع الإيقاعي بين مختلف أدوار الموشحة، وهذه هي وظيفته الجوهرية،ولأجل ذلك يتعين أن تتكون كل موشحة من دورين إيقاعيين اثنين، على الأقل،ولاحد لأكثرها، وذلك على الرغم من أن معظم الدراسات،المتعلقة بالموشحات قد جعلت الحد الأدنى في خمسة(أقفال)، بينما ادعت أن الحد الأقصى لا يتعدى سبعة(أقفال)..!
مكونات الدور الإيقاعي التوشيحي:
يتكون الدور الإيقاعي التوشيحي،في الواقع،من بنيتين متلازمتين،هما بنية"القفل"وبنية"البيت"، المكونين للموشح، حيث تندرج هاتان البنيتان في إطار بنية شمولية،هي بنية واحدة حاضنة،لكلا البنيتين معا،هي بنية"الدور الإيقاعي التوشيحي"
مثال للدور الإيقاعي التوشيحي الواحد:
ويمكن أن نمثل للدور الإيقاعي التوشيحي الواحد، بكل من النموذجين السابقين:
فمجموع الأسطر الشعرية السابقة، لكل من القفل والبيت، في الموشح التام،للأعمى التطيلي، المذكورة أعلاه، تكون دورا إيقاعيا توشيحيا واحدا فقط.
وكذلك مجموع الأسطر الشعرية السابقة، لكل من البيت والقفل، في الموشح الأقرع، للكميت، تمثل دورا إيقاعيا توشيحيا واحدا فقط.
وفي الشعر الحديث تمثل قصيدة"المواكب"لجبران خليل جبران، موشح تام، بكل امتياز، حيث نجدها تتكون من حوالي 204 بيت شعري، تتوزع على نحو 18 دورا إيقاعيا توشيحيا، وفي كل دور إيقاعي نجد بنية القفل وبنية البيت بكيفية متلازمة،فبنية القفل تسير على إيقاع نسق"البسيط"،وبنية البيت تسير على إيقاع نسق مجزوء الرمل. وهكذا.
* البنية الإيقاعية في الموشح:
* نماذج توشيحية:
(*)هذاالبحث غير منشور،للأستاذ الدكتورم.ع.خنفر،وهوفي أصله تلخيص لمحاضرات مخصصة لطلبة سلك الإجازة في الأدب العربي،شعبة اللغة العربية وآدابها،كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، جامعة الحسن الثاني المحمدية،الدار البيضاء،المغرب،خلال سنوات:03-2006.