أحمد صبري النجريدي هو طبيب مصري من أول من لحن لأم كلثوم. ومن الأغاني التي لحنها لها:
الطبيب والملحن العاشق في عداد هؤلاء الملحنين الكبار، والمنسيين ايضا، الذين وقعوا في بحر ام كلثوم، ثم ابتلعهم البحر، يضع الباحثون اسم احمد صبري النجريدي الذي كان طبيبا له عيادة طب اسنان في طنطا، ثم هجر مهنته ليلحق بام كلثوم إلى القاهرة عند هجرتها من «طماي الزهايرة» إليها، وليقترب منها اقترابا حميما جعل ام كلثوم تفكر، لا بمبادلته الحب - فقد احبته - ولكن بالزواج منه، ولولا تدخل الاهل، لكان لام كلثوم مع هذا الطبيب والملحن والعاشق مصير مختلف عن المصير الحزين الذي انتهى اليه.
شغلت علاقة ام كلثوم بالدكتور النجريدي بال العديد من المؤرخين الفنيين، فقد لحن لها - وهو القادم من عالم طب الاسنان - سبعة عشر لحنا ساهمت كلها في رسم ملامح الشهرة لام كلثوم وهي في طريقها للاقامة نهائيا في مدينة القاهرة. ولكن هؤلاء المؤرخين لم يعرضوا الا نادرا للعلاقة العاطفية التي تولدت بينهما، ومن هؤلاء عبدالنور خليل الذي تعرض في كتابه «رجال في حياة أم كلثوم» لهذه العلاقة التي ظلت في الكتمان لأكثر من خمسين عاما!
تذكر الدكتورة رتيبة الحفني عن هذه العلاقة بين ام كلثوم والطبيب الذي هجر الطب وتحول إلى ملحن ما يلي: في عام 1924 تعرفت ام كلثوم إلى ملحن هاوٍ هو طبيب الاسنان الطنطاوي احمد صبري النجريدي الذي يمكن اعتباره امتدادا للشيخ أبو العلا محمد. وكان الطبيب الهاوي ملحنا جيدا ومجتهدا، وقد لحن لأم كلثوم ما يقرب من سبعة عشر لحنا سجلت جميعها على اسطوانات. كما لقنها اصول العزف على العود، والذي يستمع إلى الحان النجريدي يظن انها للشيخ أبو العلا محمد لشدة تأثره به، وقد كان في الواقع صديقه، وقد بلغ النجريدي في اغنية «كم بعثنا مع النسيم سلاما»، وكذلك في أغنية: «مالي فتنت بلحظك الفتاك، وسلوت كل مليحة إلاك» قمة عالية في التلحين.
ولحن النجريدي ست قصائد لأم كلثوم من نظم احمد رامي من اشهرها قصيدة: «خايف يكون حبك».
قوة وعنفوان وطفولة ويقول مؤرخ فني آخر هو كمال النجمي: «الفل والياسمين والورد هو مطلع اغنية قام بتلحينها طبيب من هواة الموسيقى هو الدكتور المرحوم احمد صبري وغنتها المطربة الناشئة في ذلك الحين ام كلثوم، وسجلتها على اسطوانة، وقد اقبل على شرائها «السمّيعة» الذين كانوا قد انفضوا تقريبا من حول سلطانة الطرب منيرة المهدية اعجابا بصوت ام كلثوم الذي كان يحمل آثار الطفولة، ولكنه مع ذلك كان اجمل واقوى من كل الاصوات في تلك الايام. وإذا تأملنا اغنية «الفل والياسمين والورد» وجدنا ملحنا الدكتور صبري مفتونا بالطبقات العليا لصوت ام كلثوم وكانت هذه الطبقات عندئذ ذات عنفوان وحدة ومضاء. ولكنها لم تكن قد تخلت بعد عن نبرات الطفولة فكانت تتألق فيها قوة صوت ام كلثوم وطفولته معا».
ويقول عبدالنور خليل ان النجريدي لم يكن حريصا على ان يكسب شهرة كطبيب اسنان في مدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية، بقدر ما كان يعطي حياته ووقته كله لهوايته الموسيقية وتلحين الاغاني. كما انه لم ينحُ ما كان عليه المشايخ المشتغلون بالتلحين والغناء مثل الشيخ أبو العلا محمد والشيخ زكريا احمد وغيرهما.
وكان النجريدي، كما يقول عبدالنور خليل، رومانسي النزعة يميل أكثر ما يميل إلى اشعار الغزل والحب، ولانه كان يعيش في قلب الوجه البحري فقد سمع عن ام كلثوم ورغب بالتعرف اليها. ولتأكيد رغبته في التعاون معها - وكانت يومها لا تزال مطربة ناشئة - قرر الانتقال من طنطا إلى القاهرة، بعد ان اقفل عيادته في الاولى!
العين تعشق بعد الأذن في القاهرة يلتقي «الدكتور» بالصوت الذي عشقه قبل ان يرى وجه صاحبته ويقدم لهذا الصوت سبعة عشر لحنا، بعضها لا يزال يتردد له صدى إلى اليوم. ومع مرور الوقت، وبعد لقاءات كثيرة له مع ام كلثوم، بدأ يستشعر في قلبه حبا جامحا لها، وفي فترة وجيزة لم تتجاوز العامين، وجد هذا الطبيب نفسه مريضا بهوى ام كلثوم، لذلك بدأ يتلمس الوسيلة التي يمكن ان يتوج بها حبه لها، وذلك بالزواج منها!
في تلك الفترة الوردية من حياته وحياتها على السواء، كان النجريدي يقضي بجوار ام كلثوم ساعات طويلة كي يحفظها الحانه، وفي واحدة من تلك الجلسات الرومانسية وإثر اعجاب ام كلثوم بلحنه «خايف يكون حبك ليا»، تشجع الطبيب العاشق وباح لأم كلثوم بحبه. وازداد شجاعة عندما عرض عليها الزواج.
ما الذي فعلته ام كلثوم؟ احالت المشروع برمته، عشقا وزواجا إلى والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي والى اخيها خالد على عادة اهالي «طماي الزهايرة» ولم يكن رأيهما ايجابيا.
ظل ابن العم وهناك من يرجع الانتكاسة التي مني بها مشروع النجريدي لا إلى الوالد والشقيق وحدهما، بل ايضا إلى ابن العم الذي كان يرافقها كظلها في تلك الفترة مع الوالد والشقيق.
ويبدو ان جلسة المكاشفة والمكابدة بين العاشق ومعشوقته قد اصابته بمقتل، واعادت إلى الذهن بيتا قديما لاحد المتصوفة يقول فيه (وهو يقصد محبوبه او العزة الالهية):
إباحت دمي إذ باح قلبي بحبها --- وحلَّ لها في حكمها ما استحلَّتِ
إذ ان ام كلثوم وضعت حدا لتعاونها مع النجريدي فنيا، كما وضعت حدا لعاطفته النبيلة تجاهها، فما هي الا فترة بسيطة، حتى وجد النجريدي نفسه خارج محيط ام كلثوم، ويبدو ان هذه العلاقة العاطفية للطبيب مع المطربة الناشئة يومها قد تسربت اخبارها إلى الصحف فنشرت ما نشرت عنها. وما نشرته شكل سلاحا ضده بيد أهلها فضغطوا عليها حتى اخرجوه تماما من حياتها. عاد بعد ذلك إلى طنطا، واعاد فتح عيادة طب الاسنان التي كان هجرها سعيا وراء الصوت الذي عشقه، ووراء صاحبته وايا كان الامر، فان النجريدي غاب بعد ذلك لا من حياة ام كلثوم وحدها بل من الحياة الفنية كلها. http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperPublic/ArticlePage.aspx?ArticleID=55886