أبو زكريا يحيى بن حفص (1203-1249 م) مؤسس الدولة الحفصية، وأول ملوكها من 1228-1249. بدأ حكمه وهو ذو سبع وعشرين سنة هجرية، ورغم سنه إلا أنه أظهر براعة تدل على ما يتمتع به من نضج سياسي مبكر، ومهارة إدارية فذة، وكان قد سبق له أن حكم في منطقة إشبيلية بالأندلس، ثم قابص.
اتخذ أبو زكريا من تونس عاصمة له وذلك بعد خلعه لأبي العلاء إدريس خليفة الموحدين. وبدأ يعمل على كسب محبة أهل تونس باتباع سياسة رشيدة، فأحسن معاملتهم، وخفف عنهم الضرائب، وعمل على تحسين أحوال البلاد، وراقب الولاة والعمال، واستعان بأهل الخبرة والكفاءة، وكرم الفقهاء والعلماء وقربهم إليه.
تحرك أبو زكريا لتوسيع نفوذه في المناطق المجاورة لدولته الفتية، فزحف بجيشه إلى قسطنطينة بالجزائر، فدخلها دون صعوبة وخرج أهلها لمبايعته في شعبان 626 هـ/1229 م، ثم اتجه إلى بجاية فسيطر عليها وتبعت له، وبذلك خرجت الولايتان من سلطان دولة الموحدين، وأصبحتا تابعتين لأبي زكريا. اتجه إلى المناطق الشرقية من ولايته فأدخل طرابلس وما جاورها تحت ملكه واستوثق من طاعة أهلها.
كان الموحدون مشغولين بالخلافات الداخلية والفتن الثورات التي كانت تقوم في الأندلس أو في بلاد المغرب ولذا فإن أبا زكريا لم يواجه مقاومة تذكر في ضم أراضي الموحدين.
عاد أبو زكريا الحفصي إلى تونس بعد حملاته الناجحة، وأعلن استقلاله بالملك تماما، وانقطاع تبعيته للموحدين رسميا. بايع لنفسه بيعة عامة سنة 634 هـ/1236 م وضرب العملة باسمه، وأمر أن يخطب له باسمه على كل منابر بلاده، ثم بايع لابنه أبي يحيى وليا للعهد سنة 638 هـ/1246 م.
اتجه في شوال 639 هـ/1242 م إلى تلمسان بجيش ضخم قدره بعض المؤرخين بستين ألف مقاتل، فدخلها، وأجبر واليها يغمراسن على الدخول في طاعته، والخطبة باسمه، كما أدخل في طاعته القبائل العربية والبربرية في المناطق المحيطة.
كان لاتساع نفوذه وازدياد قوته أثرا بالغا في نفوس بني مرين في المغرب الأقصى، فقد هادنوه وعقدوا معه صلحا. أقيمت الخطبة باسمه في عدد كبير من بلاد الأندلس التي لم تسقط بعد من يد المسلمين، كبلنسية، وإشبيلية، وشريش، وغرناطة.