يُساوِرُني طولُ الدُجى وَأُساوِرُهُ
يُساوِرُني طولُ الدُجى وَأُساوِرُهُ المؤلف: شكيب أرسلان |
يُساوِرُني طولُ الدُجى وَأُساوِرُهُ
مُلالَ وَطَرفي ساهِدُ اللَيلِ ساهِرُه
وَلَولا التُقى نادَيتُ يا حَبَّذا الرَدى
وَقُلتُ مَتى تَلقى إِلَيَّ بَشائِرُه
لَعَمرُكَ ما بِالعَيشِ إِربٌ لِعاقِلٍ
تَوَغَّلَ في عِلمِ الحَقيقَةِ خاطِرُه
تَسَلسُلُ آلامٍ وَتَردادُ مِحنَةٍ
تُراوِحهُ في كَربِها وَتُباكِرُ
وَخَيبَةَ آمالٍ وَفَقدُ أَعِزَّةٍ
وَبُعدُ طِوالِ السِجنِ فَالمَوتُ آخِرُ
لِيَهنِكَ يا تَيمورِ أَنَّكَ جُزتَها
إِلى مَلَأٌ لا يَعرِفُ المَوتَ زائِرُ
وَفارَقتَ داراً لا يَزالُ قَطينُها
يُفَكِرُّ في الهَولِ الَّذي هُوَ غامِرُه
فَإِن تَكُ عُقبى الدارِ قِسمَةَ فاضِلٍ
فَأَقصى أَمانيكَ الَّذي أَنتَ صائِرُه
تَخَطَّتكَ في ذا الخَطبِ داعِيَةَ الرِثا
وَلَكِنها صارَت إِلى مَن تُغادِرُه
جَديرٌ بِأَن يُرثى الَّذينَ تَرَكتَهُم
يُصابِرُ كُلٌّ مِنهُم ما يُصابِرُه
يُسائِلُ بَعضاً بَعضَهُم أَينَ أَحمَد
وَأَحمَدٌ قَد ضَمَّت عَلَيهِ حَفائِرُه
فَأَنّى لَهُم تِلكَ الخَلائِقُ بَعدَهُ
وَأَنّى لَهُم مِن ذَلِكَ الوَجهُ ناضِرُ
وَأَنّى لَهُم تِلكَ السَكينَةُ وَالنُهى
إِذا عَصَفَت مِن أَيِّ خَطبٍ أُعاصِرُه
يُريدونَ في ذا العَصرِ نَدّاً لِأَحمَد
وَأَحمَدُ فَذُّ مُفرَدُ الخَلقِ نادِرُه
يَنوحونَ نَوحَ الثاكِلاتِ فَكُلُّهُم
تَدَفَّقُ عَن مِثلِ السُيولِ مَحاجِرُه
عَلى سَيِّدٍ في جَنبِهِ كُلَّ سَيد
يَظَلُّ ضَئيلاً بادِياتٍ مَفاقِرُه
عَلى مَلَكٍ في صورَةٍ بَشَرِيَّةٍ
تَعَدَّتهُ مِن هَذا الوَجهِ صَغائِرُه
إِذا ما جَرى في أَيَّ نادٍ حَديثُهُ
تَقولُ فَتَيتُ المِسكَ شَبَّت مَجامِرُه
حَرِيٌّ بِأَنَّ الشَرقَ يَظلِمُ أُفقَهُ
لِمَنعاهَ وَالإِسلامُ تَبكي مَنابِرُه
وَتُنَكَّسُ راياتُ الفَضائِلِ كُلِّها
عَلَيهِ وَتَرخي لِلكَمالِ سَتائِرُه
فَمَن بَعدَهُ لِلعِلمِ تَنَشَّقَ حَجبَهُ
وَيُسلِسُ عاصيهِ وَيَسهُلُ واعِرُه
وَلِلُغَةِ الفُصحى يَصونُ ذِمارُها
وَتَملَأُ فيها الخافِقينَ مَآثِرُه
صَباباتِهِ في حُسنِها وَسُهّادِهِ
وَمَن كَتَبَها أَعلاقِهِ وَذَخائِرُه
وَذَوقٌ جَناها غَبقَهُ وَصَبوحُهُ
وَجَوبَ فَلاها رَوضُهُ وَأَزاهِرُه
أَوابِدُها طَراً لَدَيهِ أَوانِسٌ
وَشُرَّدَها مِن كُلِّ فَنٍ مَعاشِرُه
أَقامَ لِسانَ العُربِ مِمّا هَوى بِهِ
وَلَولاهُ حَتماً ما أُقيلَت عَواثِرُه
وَلَو كانَ في عَصرِ المُؤلِفِ لَم يَكُن
لَدَيهِ اِبنُ مَنظورٍ بِكُفءٍ يُناظِرُه
وَلَو أَنَّهُ وافى الصِحاحَ مُصَحِّحاً
غَلَت فَوقَ عَهدِ الجَوهَرِيِّ جَواهِرُه
وَكانَ كِتابُ العَينِ قَد غابَ جُملَةً
عَنِ العَينِ لَو أَنَّ الخَليلَ مُعاصِرُه
وَلَو كانَ في القاموسِ لَجَّجَ ما طَما
وَما كانَ إِلّا كَالرَقارِقِ زَاخِرُه
وَلَو أَنَّ رَبَّ التاجِ عاشَ بِعَصرِهِ
لَحَلَّ مِنَ التاجِ الَّذي هُوَ ضافِرُه
وَلَو شَمِلَ المِصباحُ يَوماً بِنَقدِهِ
لِخِلاهُ مَلقى لَيسَ يُزهِرُ زاهِرُه
مَدى لَيسَ فيهِ مَن يَشَقُّ غُبارَهُ
وَطائِلَةً ما إِن بِها مَن يُجاوِرُه
فَقَد غُيِّبَت تِلكَ الفَضائِلُ كُلَّها
وَدارَت عَلى ذاكَ النُبوغُ دَوائِرُه
وَباتَ يُبَكّي كُلَّ صابٍ إِلى العُلى
وَكانَ حَرىً أَن لا تَجَفَّ بِوادِرُه
أَأَحمَدَ لا تُبعِدُ فَفي كُلِّ مُهجَةً
وَلاؤُكَ عَقدَ مُحكَماتٍ أَواصِرُه
دَخَلتَ إِلى الدارِ الَّتي أَنتَ أَهلَها
مَكانَكَ فيها مُشرِقُ الوَجهِ سافِرُه
وَلا بَأسَ مِن هَولِ الحِسابِ عَلى اِمرِئٍ
لَهُ زَردٌ مِن نَسجِ أَيديهِ ناصِرُه
عَلَيكَ سَلامُ الَهِ ما لاحَ بارِقٌ
وَجادَ ثَراكَ الغَيثَ ما سَحَّ ماطِرُه
عَلى الناسِ دَينٌ مِن ثَنائِكَ لازِمُ
يُؤَدّونَهُ ما يَذكُرُ الحَقَّ ذاكِرُه