الرئيسيةبحث

هَلّا وَأَنتَ الجَوهَرُ المُختارُ

هَلّا وَأَنتَ الجَوهَرُ المُختارُ

هَلّا وَأَنتَ الجَوهَرُ المُختارُ
المؤلف: شكيب أرسلان



هَلّا وَأَنتَ الجَوهَرُ المُختارُ
 
عَن نَيلِ مِهلِكَ تَصبِرُ الأَقدارُ
وَتَكونَ عَن دارِ العُلى مُتَأَخِّراً
 
وَإِلى العَلاءِ لَكَ السِباقُ شِعارُ
سابَقتَ في الدُنيا إِلى ما بَعدِها
 
وَكَذا الفَناءُ إِلى البَقا مِضمارُ
أَبَقيتُ مِن غُرَرِ الفِعالِ مَآثِراً
 
اليَومَ هُنَّ بِراحَتَيكَ مَنارُ
وَتَرَكتَ مِن ظُلمِ الحَياةِ لَيالِياً
 
هِيَ عِندَ رَبِّكَ كُلِّها أَسحارُ
إِلّا تَكُن تِلكَ الحَياةُ طَويلَةٌ
 
فَلَقَد يُساوي العامَ مِنكَ نَهارُ
أَو كُنتَ وَدَّعتَ الأَحِبَّةَ عَبطَةً
 
بَكراً فَعَمرُكَ وَحدَهُ أَعمارُ
كَم في الشَبابِ الغَضِّ مِنكَ كُهولَةً
 
وَعَلَيهِ مِن دونِ المَشيبِ وَقارُ
سُرعانَ ما اِختَرتَ الرَحيلَ أَشَدَّ ما
 
اِحتاجَت لَكَ الأَوطانُ وَالأَوطارُ
لَو لَم نَكُن نَدري وَفاكَ وَإِنَّهُ
 
أَجَلٌ لَقُلنا جَفوَةً وَنِفارُ
لِبَيتٍ مِن مَلَأ المَلائِكِ داعِيا
 
فَوراً وَشَأنَكَ في الأُمورِ بِدارُ
وَجَدوكَ أَجدَرَ بِالجَنانِ وَشاقَهُم
 
يَومَ تُجاوِرُهُم وَنِعمَ الجارُ
غارَت مِنَ الأَرضِ السَماءِ نَفاسَةً
 
بِكَ وَالضَرائِرَ بَعضَهُنَّ يَغارُ
فازَت بِكَ الخَضرا لِذاغَبراؤُنا
 
تَبكي نَواكَ وَدَمعَها أَنهارُ
لا غَروَ أَن نَرزا بِفَقدِكَ ماجِداً
 
فَبِكُلِّ مَجدٍ لِلمَنِيِّةِ ثارُ
أَو أَن تَكونَ لِسَهمِ دَهرِكَ مُعرِضاً
 
هَدَفاً فَأَغراضُ الكِبارِ كِبارُ
ما كانَ خَطبُكَ سَيِّداً قَد غابَ بَل
 
جَمعاً يَضيعُ وَجانِباً يَنهارُ
قَد كُنتَ في الأَوطانِ قِبلَةً مَعشَرٌ
 
يَهدونَ هَديَكَ إِن سَروا أَو ساروا
كانوا إِذا ما أَبصَروكَ أَمامَهُم
 
رَشَدوا وَإِن ضَلّوا سَبيلكَ حاروا
ذَكَروا مَكانَ أَبيكَ في أَيّامِهِ
 
عِلماً إِلَيهِ بِالبَنانِ يُشارُ
فَحَذَوتُ حَذوَ أَبيكَ بَل جاوَزتَهُ
 
إِنَّ البَنينَ لِأَهلِهِم أَسرارُ
لَم تَجتَزِئ بِتَليدِ مَجدِكَ عالَماً
 
أَنَّ الرِجالَ إِذا مَضَت أَخبارُ
فَنَهَضتُ لِلعَليا بِنَفسِكَ طالِعاً
 
أَنجادِها وَالفَضلُ لَيسَ يُعارُ
أَمسَيتَ في العُربِ الكِرامِ مَنارَةً
 
تَعشو لِضَوئِكَ يَعرُبَ وَنِزارُ
بِعَزائِمَ مَشبوبَةً وَمَكارِمٌ
 
عَنهُنَّ بيعانِ الكِرامِ قِصارُ
كانَت خِلالَكَ في الأَنامِ فَريدَةً
 
بِنَظيرِها تَستَطرِفُ الأَشعارُ
لَم يَقصِرِ المِداحَ فيكَ وَرُبَّما
 
سَكَتِ اللِسانَ وَقالَتِ الآثارُ
الهِمَّةُ القَعساءُ يَربِضُ تَحتَها
 
جَأشَ بِركَنٍ ذَراهُ لَيسَ يُطارُ
تَلقى الخُطوبُ بِقَلبِ شَهمٍ عِندَهُ
 
أَبدا كِبارَ الحادِثاتِ صِغارُ
حَرَمَت بِلادَكَ في مَصابِكَ واحِداً
 
هُوَ في الحَقيقَةِ جَحفَلٌ جَرّارُ
أَتَخَيَّلُ الأَرجاءَ بَدَكَ قَد خَلَت
 
فَكَأَنَّما تِلكَ الرُبوعُ قِفارُ
لا الثَغرُ ثَغرٌ إِذ غَدَوتَ بِرَملِهِ
 
رَهنَ الضَريحِ وَلا الدِيارُ دِيارُ
أَعزِز عَلَيَّ أَبا أَمينٍ أَنَّهُ
 
أَمَلي بِقُربِكَ عادَ وَهوَ بَوارُ
قَد كُنتُ أَرجو اَن أَراكَ وَإِذ بِهِ
 
ما بَعدَ ذِياكَ العَشى عَرارُ
قَد كُنتَ طولَ البُعدِ نَصبَ نَواظِري
 
وَيَرى الفُؤادَ وَلا تَرى الأَبصارُ
أَبدا أُطارِحَكَ النَجي كَأَنَّنا
 
رُغمَ المَساوِفِ كُلِّها سَمّارُ
ما مَرَّ عَن بَيروتَ سانِحٌ خاطِرٌ
 
إِلّا وَمَثَّلَ شَخصَكَ التَذكارُ
أَولا تَكونَ كَذا وَأَنتَ بِأَرضِها
 
قُطبَ الرَحى وَعَلى القُطوبِ يُدارُ
أَعزِز عَلَيَّ أَبا أَمينٍ أَنَّني
 
أَرثيكَ نَظماً وَالدُموعُ نِثارُ
سَدَّكَ البُكاءُ بِمُقلَتَيَّ فَأَدمُعي
 
بِهِما غِزارٌ وَالرُقادُ غِرارُ
أَعزِز عَلَيَّ بِأَن مَضَيتَ وَلَم تَزَل
 
تِلكَ المُنى وَفَنيقِهِنَّ حُوارُ
وَالناسُ شائِمَةٌ بِوارِقٍ لَمَّعاً
 
تَخبو وَتومِضُ وَالقُلوبَ حِرارُ
يَتَذَكَّرونَكَ كُلَّ حَزَّةٍ مَأزِقٌ
 
وَلَدَيَّ الحَنادِسَ تُنشِدُ الأَقمارُ
إِذ سَيفٌ رَأيُكَ في الحَوادِثِ فَيصَلُ
 
وَنَدى يَمينُكَ ديمَةً مِدرارُ
وَمِنَ القُلوبِ مَعاصِمٌ وَمَعاقِلُ
 
وَمِنَ العُقولِ أَسِنَّةٍ وَشِفارُ
قَد كانَ عَهدُكَ لِلرِفاقِ تَذكاروا
 
حَقَّ البِلادِ وَأَنَّكُم أَحرارُ
حَقُّ البِلادِ بِأَن تَكونَ لِأَهلِها
 
مَلِكاً صَريحاً ما عَلَيهِ غُبارُ
أَو طانُنا في الأَرضِ خالِصَةً لَنا
 
نَحنُ الطُيورُ وَهَذِهِ الأَوكارُ
لا تَبعِدَن فَإِن تَغِب يا أَحمَدَ
 
تَحتَ الثَرى فَلِأَحمَدٍ أَنصارُ
لاحَت تَباشيرُ الخَلاصِ وَإِنَّما
 
يَبدو الصَباحُ وَقَبلَهُ الإِسفارُ
ضَلَّ الأَلىى حَسِبوا البِلادَ غَنائِماً
 
تِلكَ الجِنانِ جِنانُ جَلَّقُ نارُ
وَالطامِحونَ إِلى الفُراتِ وَدِجلَةَ
 
مَجرى الفُراتِ وَدِجلَةَ تَيّارُ
وَالبائِعونَ القُدسَ رَهطُ صَيارِفٍ
 
ما لِلصَيارِفِ عِندَنا دينارُ
قَد كانَ أُمَّ بِلادِنا أَباؤُهُم
 
أُمَماً فَلاقى ريحُهُم إِعصارُ
لَو يَذكُرونَ مِنَ الحَوادِثِ ماضِياً
 
ما غَرَّهُم لِمَقامِنا اِستِحقارُ
لَكِنَّهُم أَمِنوا الزَمانَ كَأَنَّما
 
بَينَ الزَمانِ وَبَينَهُم آصارُ
وَتَوَهَّموا تِلكَ العُصورُ وَقَد خَلَت
 
لَيسَت تُعادُ وَما لَها تِكرارُ
كَلّا وَرَبُّكَ ما أَصابَ حِسابَهُم
 
وَلِكُلِّ قَومٍ نَهضَةً وَعِثارُ
إِنَّ الزَمانَ هُوَ الزَمانُ تَقَلُّباً
 
ما دامَ إِلّا الواحِدُ القَهّارُ