الرئيسيةبحث

هدية النملة إلى مرجع الملة/المقصد الأول/الفصل الأول


الفصل الأول
في معرفة الذات

قالت الإمامية: المعرفة إما بالإحاطة بعين الشيء كما هو، وهي المستلزمة للعينية أو العلو والتساوي، فهي ممتنعة في ذات الله تعالى لكل ممكن، فتلك به تعالى ليست إلا الغجر. قال "عليه السلام": «ولم تجعل للخلق طريقاً إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك»، وإما بالإحاطة بما سواه وهو أول الدين، وهي الواجب على المكلفين.

قال أمير المؤمنين: «أول الدين معرفة الله تعالى»، وإليها طريق كثيرة يؤول إلى الأربع، يسلك فيها بقدم العقل والنقل؛ أحدها الآيات الآفاقية المودعة في هياكل التوحيد، والثانية المودعة في النفوس البشرية الجامعة، والثالثة معرفة الآيات الكبريات، والرابعة معرفة الذات بتعرف الذات.

في الأولى قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ}. والثانية: {وَفِي أَنْفُسِهِمْ}، والثالثة: «بنا عُرف الله تعالى». الرابعة: وقال "عليه السلام": «بك عرفتك»، وكمال تلك المعرفة توحيد الذات بالإقرار بأنه لا إله إلا هو ولا واحد بالذات إلا هو إذ كل ما سواه زوج تركيبي، ووحدته عين ذاته غير مدركة بالكنه، وهي غير الوحدة المخلوقة، وهي مستلزمة لتوحيد العبادة إذ العبادة أداء حق القيمومية للقائم بذاته، فلا معبود إلا ذاته الأحدية، فكل معبود دونه باطل مضمحل مستقلاً كان أو شفيعاً في المعبودية من الدرة البيضاء إلى الذرة الظلماء، فالمعبود لكل ما سواه هو المعبود لمحمد ﷺ ومعبود الأئمة عليهم السلام، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} إلى آخره.

***

قالت الشيخية: الذات ذاتان؛ ذات غيبية باطنية لا اسم لها ولا رسم لها ولا تسمى ولا توصف ولا تكليف على العباد بمعرفتها وتوحيدها وعبادتها، وقالوا أن المعرفة فرع إدراك المعبود والعبادة فرع إدراك المعبود، فيجب أن يكون المعروف في صقع العارف والعابد حتى يعبد بجسمه جسم المعبود وبنفسه نفس المعبود وبعقله عقل المعبود وبفؤاده فؤاد المعبود، فهناك ذات ظاهرة معرفتها تسمة بمعرفة البيان، وهي المتعلقة بها المعرفة والعبادة، وهي في مقام النبوة نبي وفي مقام الإمامة إمام وفي مقام الركن الرابع ركن رابع، صرح به الشيخ أحمد ابن صقر المشهور بزين الدين ابن داغر الأحسائي في رسالته الخطابية المطبوعة في جوامعه، والسيد كاظم الرشتي في شرح الخطبة، والعبد الأثيم في موارد من إرشاده، وعباراتها مذكورة مع تعيين محالها بألفاظها في الكتاب المسمى بـ«السيف المسلول على مدعي دين الرسول»، ولا يخفى على موحد كونهم مشركين في مقالتهم هذه، وهي التي دعتهم إلى مصاحبتهم لصورة مشايخهم وجعلها في محال سجودهم، وقد عرفوا واشتهروا بذلك ممّا لا يتمكنون من إنكاره، والله على ما نقول وكيل.