نونية ابن زيدون المؤلف: ابن زيدون |
أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا | وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا |
ألا وقد حانَ صُبحُ البَيْنِ صَبَّحنا | حِينٌ فقام بِنا للحِين ناعِينا |
مَن مُبلغُ المُبْلِسينا بانْتِزاحِهُمُ | حُزنًا مَعَ الدّهْرِ لا يَبلى ويُبلينا |
أنّ الزمان الذي ما زال يُضحكنا | أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا |
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا | بأنْ نَغُصَّ فقال الدهر آمينا |
فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا | وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا |
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم | رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا |
ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد | بنا، ولا أن تسروا كاشحًا فينا |
كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه | وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا |
بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا | شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا |
نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا | يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا |
حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ | سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا |
إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا | وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا |
وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية | قطوفُها فجنينا منه ما شِينا |
ليسقِ عهدكم عهد السرور فما | كنتم لأرواحنا إلا رياحينا |
لا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا | أن طالما غيَّر النأي المحبينا |
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً | منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا |
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به | من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا |
واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا | إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا |
ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا | من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا |
فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً | منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا |
ربيب ملك كأن الله أنشأه | مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا |
أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه | مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا |
إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة | تُومُ العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا |
كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه | بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا |
كأنما أثبتت في صحن وجنته | زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا |
ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا | وفي المودة كافٍ من تَكَافينا |
يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا | وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا |
ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها | مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا |
ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته | في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا |
لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة | وقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا |
إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ | فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا |
يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها | والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا |
كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا | والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا |
سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا | حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا |
لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ | عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا |
إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا | مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا |
أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله | شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا |
لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه | سالين عنه ولم نهجره قالينا |
ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ | لكن عدتنا على كره عوادينا |
نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً | فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا |
لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا | سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا |
دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً | فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا |
فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا | ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا |
ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه | بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا |
أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً | فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا |
وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به | بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا |
عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ | صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفينا |