نهج البلاغة تحقيق فارس الحسون 4 المؤلف: |
الخطبة 4: وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم، ويقال: إنه خطبها بعد قتل طلحة
ومن خطبة له (عليه السلام)
[وهي من أفصح كلامه(عليه السلام)، وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم، ويقال: إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير]
بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ العلْيَاءَ[1]، وبِنَا انْفَجَرْتُم عَنِ السِّرَارِ[2]، وُقِرَ[3] سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ[4]، كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ[5] مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟
رُبِطَ جَنَانٌ[6] لَمْ يُفَارِقْهُ الخَفَقَانُ.
مَا زِلتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الغَدْرِ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ[7] بِحِلْيَةِ الـمُغْتَرِّينَ[8]، سَتَرَني عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ[9]، وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ، أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الحَقِّ في جَوَادِّ الـمَضَلَّةِ[10]، حيْثُ تَلْتَقُونَ وَلا دَلِيلَ، وَتَحْتَفِرُونَ وَلا تُميِهُونَ[11].
اليَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ العَجْمَاءَ[12] ذاتَ البَيَان! عَزَبَ[13] رَأْيُ امْرِىء تَخَلَّفَ عَنِّي، مَا شَكَكْتُ في الحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ! لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً[14] عَلَى نَفْسِهِ، أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ! اليَوْمَ تَوَاقَفْنَا[15] عَلَى سَبِيلِ الحَقِّ وَالباطِلِ، مَنْ وَثِقَ بِمَاء لَمْ يَظْمَأْ!
- ↑ تَسَنّمْتم العلياءَ: ركبتم سَنامها، وارتقيتم إلى أعلاها.
- ↑ السِّرار ـ ككتاب ـ: آخر ليلة في الشهر يختفي فيها القمر، وهو كناية عن الظلام.
- ↑ وُقِرَ: صُمّ.
- ↑ الواعية: الصارخة والصراخ نفسه، والمراد هنا العِبرَة والمواعظ الشديدة الاثر ووُقِرَتْ أُذُنُهُ فهي مَوْقُورة، وَوَقِرَت كسَمِعَتْ: صُمّتْ، دعاء بالصّمَم على من لم يفهم الزواجر والعبر.
- ↑ النّبْأة: الصوت الخفي.
- ↑ رُبط جنانه رِباطةً ـ بكسر الراء ـ: اشتدّ قلبه.
- ↑ أتَوَسّمُكُم: أتَفَرّس فيكم.
- ↑ حِلْيَةُ المغتَرّينَ: أصل الحِلْية الزينة، والمراد هنا صفة أهل الغرور.
- ↑ جِلْبَاب الدّين: ما لبسوه من رسومه الظاهرة.
- ↑ جَوَادّ الـمَضَلّة: الجوادّ جمع جادّة وهي الطريق. والمضَلّة ـ بفتح الضاد وكسرها ـ: الارض يضل سالكها.
- ↑ تُميهُون: تجدون ماءً، من أماهوا أرْكِيَتَهُمْ: أنْبَطُوا ماءها.
- ↑ العَجْماء: البهيمة، وقد شبه بها رموزه وإساراته لغموضها على من لا بصيرة لهم.
- ↑ عَزَبَ: غاب، والمراد: لا رأي لمن تخلّف عني.
- ↑ لم يُوجِسْ موسى خِيفةً: لم يستشعر خوفاً، أخْذاً من قوله تعالى: (فأوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفةً موسى)
- ↑ تَوَاقَفْنا: تلاقَيْنَا وتقابَلْنَا.