الإقليم السادس - الجزء الخامس | نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الإقليم السادس - الجزء السادس المؤلف: الإدريسي |
الإقليم السادس - الجزء السابع |
إن الذي تضمنه هذا الجزء السادس من البحر البنطسي فهو طرف البحر بما عليه من البلاد وتضمن أيضاً قطعة من أرض القمانية وبلاد الروسية الخارجة وبعض بلاد البلغارية وبعض بلاد بسجرت وبلاد اللان وأرض الخزر وبلادها وأنهارها ونحن نصرف ذكرها ونأتي بأوصافها حسب ما قدمناه ونحوا مما وصفناه ومن الله نستمد المعونة فنقول: إن البحر البنطسي عليه من هذه البلاد بلد أطرابزندة المتقدم ذكرها إذ هي قاعدة من قواعد الروم المعروفة بالقدم المتداولة لأملاك الأمم ومنها على ضفة البحر في جهة الشرق إلى موقع نهر روشيو خمسة وسبعون ميلاً وهذا النهر نهر كبير يخرج من ظهر جبل القبق فيمر شمالاً فيشق أرض اللانية ولا مدينة مشهورة عليه بل بضفتيه قرى عامرة ومزارع متكاثرة ثم يمر هذا النهر في جهة المغرب إلى أن يصب في هذا الموضع وتسافر فيه مراكب صغار يتصرف بها في نقل ما خف من الأمتعة والأطعمة المحتملة من مكان إلى مكان. ومن موقع هذا النهر إلى مدينة اشكشية مائة وخمسون ميلاً وهي مدينة حسنة من بلاد اللانية وثغر من ثغورها.
ومن مدينة أشكشية إلى مدينة أشكالة من أرض اللانية عشرون ميلاً وبها مدينة أشكالة والبحر نحو ستة أميال وهي صغيرة متحضرة شاملة لأهلها قائمة بمعايشها. ومنها مع الساحل إلى مدينة أستبرية عشرون ميلاً وهي على نحر البحر مدينة متحضرة عامرة أسواقها فسيحة طرقاتها متقنة بنآتها وأكثر أهلها تجار وأموالهم واسعة ومن مدينة أستبرية إلى مدينة اللانية أربعة وعشرون ميلاً وبهذه المدينة سميت أممها اللانيين وهي مدينة قديمة البناء لا يعرف بانيها. ومن مدينة اللانية إلى مدينة خزرية التي ينسب إليها الخزر خمسة وأربعون ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة فسيحة كثيرة المياه وهي على نهر. ومن مدينة الخزرية إلى مدينة كيرة خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى قمانية التي ينسب إليها القمانيون وتسمى هذه المدينة قمانية السود خمسة وعشرون ميلاً وبين القمانية وكيرة جبل كبير صعب المجاز طويل السمت وسميت هذه المدينة بقمانية السود لأن بها نهراً يتصل بأرضها ثم يغوص تحت بعض شعاب هذا الجبل ثم يخرج في البحر وماؤه أسود كالدخان وهذا مشهور غير منكور. ومن مدينة القمانية السود إلى مدينة مطلوقة وتسمى قمانية البيض خمسون ميلاً وقمانية البيض مدينة كبيرة عامرة. ومنها إلى مدينة ماتريقا وتروى مطرخا مجرى مائة ميل ومدينة مطرخا مدينة كبيرة عامرة كثيرة الأقاليم واسعة الأرض ممدنة القرى متصلة الزراعات وهي على نهر كبير يسمى سقي وهو شعبة يصل إليها من نهر اتل المار معظمه إلى مدينة اتل التي على بحر طبرستان.
ومن مدينة مطرخا إلى مدينة روشية سبعة وعشرون ميلاً وبين أهل مطرخا وأهل روشية حرب لاقحة أبداً ومدينة الروشية على نهر كبير يصل إليها من جبل قوقايا ومن مدينة الروشية إلى مدينة بوتر عشرون ميلاً وقد ذكرنا الروشية وبوتر قبل هذا فيما سبق ونقول أيضاً: إن من بلاد قمانية المنسوبة إلى القمانيين مدينة فيرة ومدينة ناروس ومدينة نوشى ومدينة قينيو فأما مدينة نوشى فهي في شمال قماية البيض بينهما خمسون ميلاً وهي مدينة متحضرة متوسطة القدر ولها زروع وغلات وهي على نهر يشق أكثر مزارعها. ومن مدينة نوشى إلى مدينة تينيو بين شمال وشرق مائة ميل وهي أربع مراحل ومدينة فينيو مدينة كبيرة في حضيض جبل عال وهي كبيرة القطر كثيرة العمارة. وكذلك من مدينه نوشى أيضاً إلى مدينة ناروس مائة ميل بين شمال وغرب وهي مدينة صغيرة متحضرة ذات أسواق وبيع وشراء. ومن مدينة ناروس في جهة الشرق إلى مدينة صلاو مائة ميل وخمسة وثلاثون ميلاً ومن مدينة ناروس إلى مدينة فيرة غرباً خمسون ميلاً ومن فيرة إلى مدينة نابى غرباً خمسة وعشرون ميلاً.
ومن مدينة صلاو إلى مدينة كويابة من أرض بلغار ثماني مراحل وكويابة مدينة الترك المسمين روسا. والروس ثلاثة أصناف أحدها قبيل منهم يسمى براوس وملكهم يسكن مدينة كويابة وقبيل آخر منهم يسمى الصلاوية ويسكن ملكهم مدينة صلاوة وهي مدينة في رأس جبل وقبيل ثالث يسمى الأرثانية وملكهم منهم مقيم بمدينة أرثا. ومدينة أرثا مدينة حسنة على جبل حصين وموضعها بين صلاوة وكويابة ومن كويابة إلى أرثا أربع مراحل ومن أرثا إلى صلاوة أربعة أيام ويبلغ تجار المسلمين من أرمينية إلى كويابة. وأما أرثا يحكي الشيخ الحوقلي أنه لا يدخلها أحد من الغرباء لأنهم يقتلون كل غريب يصل إليهم البتة ولا يتجرأ أحد أن يدخل أرضهم وتخرج من عندهم جلود الأنمار السود والثعالب السود والرصاص ويخرجها من عندهم مخار كويابة. والروس يحرقون مواتهم ولا يتدافنون وبعض الروس يحلقون لحاهم وبعضهم يفتلها مثل أعراف الدواب ويضفرها ولباسهم القراطق الصغار ولباس الخزر والبلغارية والبجناك القراطق التامة من الحرير والقطن والكتان والصوف. وبلغار أمم وبشر كثير وتتصل عمارتهم إلى قرب من عمارة الروم. ولسان الروس غير لسان الخزر وبرطاس.
والبلغار اسم المدينة وفيهم نصارى ومسلمون وبها مسجد جامع للمسلمين وقربها مدينة سوار وأبنيتها خشب يأوي إليها أهلها في الشتاء وفي الصيف يأوون إلى الخركاهات. والنهار عند الروس والبلغارية يبلغ قصره في الشتاء أن يكون ثلاث ساعات ونصفا قال الحوقلي وقد شاهدت ذلك عندهم في الشتاء وكان النهار بمقدار ما صليت الأربع صلوات كل صلاة في عقب الأخرى مع ركعات قلائل بين الأذان والإقامة. والخزر بلاد كثيرة بين البحرين معاً والخزر مسلمون ونصارى وفيهم عباد الأوثان ولهم بلاد ومدن منها سمندر وهي خارج الباب والأبواب وبلنجر والبيضاء وخمليج وكل هذه البلاد بناهه أنوشروان كسرى وهي إلى الآن عامرة قائمة الذات. فمن باب الأبواب إلى سمندر أربعة أيام وبين الباب والأبواب ومملكة السرير ثمانية أيام ومن اثل إلى سمندر ثمانية أيام. ومن اثل إلى أول حد من برطاس عشرون يوماً وبرطاس أرض من أولها إلى آخرها نحو خمسة عشر يوماً. ومن برطاس إلى بجناك عشرة أيام ومن اثل إلى بجناك مسيرة شهر. ومن اثل إلى بلغار على طريق المفازة نحو شهر وفي الماء شهرين وهي صعود والحدور في النهر نحو عشرين يوماً. ومن بلغار إلى أرل حدود الروس عشر مراحل ومن بلغار إلى كويابة نحو من عشرين مرحلة ومن بجناك إلى بسجرت الداخلة عشرة أيام ومن بسجرت الداخلة إلى بلغار خمسة وعشرون يوماً. والخزر اسم للإقليم وقصبته اثل واثل اسم النهر الذي يجري إليها من الروس وبلغار ويغيض في بحر الخزر ومنبع هذا النهر من جهة المشرق من ناحية البلاد الخراب فيمر على الأرض المنتنة مغرباً حتى يجوز على ظهر بلغار ويعود راجعاً إلى ما يلي المشرق حتى يجوز على الروس ثم على بلغار ثم على برطاس حتى يقع في أرض الخزر فيصب في البحر ويقال إنه يتشعب منه نيف وسبعون نهراً ويبقى عمود النهر يجري إلى الخزر. وأيضاً إن برطاس أمم متاخمون للخزر وليس بينه وبين الخزر أمة أخرى وهم أصحاب بيوت خشب وخركاهات لبود أيضاً ولهم مدينتا برطاس وسوار ولبرطس لسان يتكلمون به غير لسان الخزر وكذلك لسان الروسية. والروسية صنفان فصنف منهم وهم هولاء الذين تكلمنا عليهم في هذا الموضع وصنف منهم آخر يجاورون بلاد أنكرية ومقذونية وهم الآن في حين تأليفنا لهذا الكتاب قد تغلبوا على برطاس وبلغار والخزر وقد استخرجوا البلاد من أيديهم ولم يبق لغيرهم من الأمم إلا الاسم في الأرض فقط. وفي أرض الخزر جبل باترة وهو جبل معترض من الشمال إلى الجنوب وفيه معادن فضة ومعادن رصاص جيد ويستخرج منه الكثير فيتجهز به إلى جميع الجهات والنواحي. وأيضاً فإننا نقول إن في بحر بنطس الواقع رسمه في هذا الجزء جزيرتين إحداهما انبلة والثانية نونشكة وهما عامرتان ويقابل جزيرة انبلة من مدن الساحل مطرخا وبينهما مجريان وبين جزيرة انبلة وجزيرة نونشكة ويقابل جزيرة نونشكة من بلاد الساحل قمانية البيض وبينهما مقدار ثلث مجرى في البحر. وبجزيرة نونشكة يصاد الحوت المسمى شهريا وهو نوع من السقنقور يصاد عند هيجان البحر في مرسى بغربي الجزيرة يفعل مثل ما يفعله السقنقور في الباه بل هو أفضل منه وذلك أن الصائد إذا أرسى شبكته في البحر وتعلق بها هذا السمك المعروف أنعظ إنعاظاً شديداً خارجاً من العادة فيعلم به الصائد من قبل أن يراه وهو قليل الوجود ومقدار هذا الحوت يكون جرمه من ذراع إلى شبر خاصة ولا زائد عليه يملح بعد التشريح بالملح والزنجبيل ويلف في أوراق الأترج ويهدى إلى الملوك الساكنين بتلك الأرضين فيجيزوون عليه ومقدار ما يمسك منه الآخذ تحت لسانه وزن قيراط لا غير وهذا صحيح معلوم حكاه جملة من المخبرين الذين سلكوا هذا البحر وعلموا عوائده وعجائبه. وجملة البحر المسمى بنطس يتصل من جنوبه ببلاد لازقة إلى أن يتصل بقسطنطينة وطوله ألف ميل وثلاث مائة ميل وعرضه ثلاث مائة ميل وأعرض موضع فيه يكون أربع مائة ميل وبشماله يصب نهر دنابرس ويأتي من ظهر بحيرة طرمى وهي بحيرة كبيرة طولها من المشرق إلى المغرب ثلاث مائة ميل وعرضها مائة ميل وسنذكرها ونرسمها على ما هي عليه في موضعها بحول الله وقوته أعني من الإقليم السابع. نجز الجزء السادس من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.