الإقليم السادس - الجزء السابع | نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الإقليم السادس - الجزء الثامن المؤلف: الإدريسي |
الإقليم السادس - الجزء التاسع |
تضمن هذا الجزء الثامن من الإقليم السادس الأرض المنتنة وأرض سمريقي وهي أرض الترك الخرلخ وأرض سيسيان والبلاد الخراب التي أتت على فسادها ياجوج وماجوج وهي بلاد وحشة متباعدة الأقطار بعيدة الأسفار قليلاً ما يدخل إليها التجار والمتجولون وإنما يتصرف فيها أهلها لوحشة أرضها وكثرة رباها وتوالي الأمطار فيها فأما أرض سمريقي فبلادها مرصان وغوران ودادمي وسقراه وخيماخيث ونجرغ وارصاه وخرمان ودنبهة ولخمان وأرض سيسيان بلاد أكثرها صحار وليس بها من البلاد كثير ومن مشهور بلادها سقماقية وطغورا وتتصل بها البلاد الخراب وليس منها الآن شيء معمور إلا مدينة رقوان ويجب علينا أن نصف طرقات هذه البلاد ومتصرفاتها وبعض أحوالها وصفاتها بحول الله فنقول: إن أرض سمريقي بلاد تكتنفها من جنوبها جبال متراقية وشواهق شامخة يصعب الصعود إليها ولا تسلك إلا على طرق قليلة وهي وحشة صعبة وكذلك يحيط بها من جهة الشرق أيضاً جبال وأما غوران ومرصان وسقراه ودادمي فإن هذه الأربع بلاد يحيط بها جبل مستدير عليها مثل استدارة النون ولا يدخل إليها إلا على فم ضيق يمنعه القليل من الرجال وعلى هذا الفم عقد من الجبل إلى الجبل جسور من الصخر متصلة والمرتبة على أعلى هذه الجسور ويشق على هذا الفم الذي يدخل منه إلى البلد نهر كبير يأتي من داخل الجبل ويخرج على فم هذا المضيق ويتصل جريه إلى بركة عظيمة خارج الجبل وعلى هذه البركة قوم ظواعن يربعون عليها وينتقلون عنها حسبما يفعله الظواعن في كل أرض من الترك ويخرج من هذه البركة نهر يأخذ في جهة الجنوب فيصب في نهر درندة. ومدينة غوران مدينة صغيرة وبها يسكن ملك هذا الصنف من الأتراك المسماة الخرلخ وله جنود وقواد وعمال وذلك أن لهذا الملك حزماً واجتهاداً وجلادة واحتراساً ممن جاوره وأنس إليه وبلاده مثقفة محصنة ومن مدينة غوران إلى مدينة دندرة أربع مراحل على جبال شاهقة وطرق صعبة. ومن مدينة غوران إلى مدينة مرصان ثلاث مراحل في جهة الشرق ومدينة مرصان على أعلى جبل صعب الإرتقاء وهي مدينة حصينة حسنة لها أسواق وصناعات وبها عيون مياه جارية في أعلى الجبل. ومن مدينة مرصان إلى مدينة سقراه أربع مراحل شرقاً وهي مدينة في سفح الجبل المحيط بهذه المدن المذكورة وقطرها كبير وماؤها غزير وبها أسواق على قدرها وصناعات وفعال. وكذلك من مدينة مرصان أيضاً إلى مدينة دادمي أربع مراحل وكذلك من مدينة دادمي إلى مدينة سقراه أربع مراحل ومدينة دادمي في سند الجبل المذكور وهي متحضرة صغيرة القدر كثيرة العامر ويزرع بها كتان كثير يعم أكثر تلك البلاد وهي على منبع نهر دائم الجري ولهم أرحاء وغلات وبساتين وجنات ومن مدينة دادمي إلى مدينة غوران انحداراً في النهر ثلاث مراحل وفي البر ست مراحل. وبين مدينة دادمي ومدينة شهذروج في جهة الشمال خمسة أيام والطريق على الجبال وعرة وطرق متعذرة فمن أراد ذلك خرج من مدينة دادمى فيقطع الجبل صعوداً ونزولاً مرحلة ومنها إلى جانب نهر شوران مرحلة ومن النهر إلى منزل الصحراء ومنه إلى بركة شهذروج ومدينة شهذروج في وسط جزيرة شهذروج وهي جزيرة كبيرة يحيط بها نقعة ماء أكثرها أقاصير وهي مدينة جليلة عامرة وبها أسواق وصناعات قائمة وغلات دائمة ومتصرفات جمة ومدينة شهذروج أيضاً منيعة وهي على شفير الأرض المنتنة من جهة شرقها ونهرها أيضاً منبعه من جبل اسقاسقا وهو جبل معترض من الشمال إلى ناحية الجنوب مشرقاً قليلاً. ويخرج من هذا الجبل خمسة أنهار أحدها نهر شهذروج ونهر آخر أسفل هذا النهر وعلى بعد يومين منه يخرج نهر كبير ويتفرع بعد خروجه وجريه يوماً فرعين فيصبان في نهر شوران في جهة الجنوب وهذه الأنهار في شرقي الأرض المنتنة وأما الأنهار الثلاثة الباقية فإنها ينابيع نهر اثل تخرج من هذا الجبل المسمى اسقاسقا فيمر الكل منها في جهة الغرب وبعد جريها أياماً يجتمع جميعها ويصير جسداً واحداً ثم يمر إلى أن يصل أرض بلغار فيعود راجعاً إلى ما يلي المشرق حتى يجوز على قرب أرض الروسية وينقسم هناك فيمر القسم الواحد منه إلى مدينة مطرخا فيصب في البحر بينها وبين مدينة الروسية وأما القسم الثاني منه فإنه ينزل من أرض بلغار ويلتوي في جهة الجنوب والشرق حتى يصل أرض الخزر فيصب في اثل في بحر الخزر. وأما الأرض المنتنة فهي أرض ممتدة حرشاء الأطناب سوداء طولها عشرة أيام جرداء من النبات لا يوجد في شيء من ترابها ولا في جبالها نبات البتة وهي بالجملة وحشة الأكناف بعيدة الأطراف ماؤها غائر ودليلها حائر وسالكها كرب وروائحها منتنة كريهة وليس بها مأوى لعامر ولا مسلك لقاصد يأنس إليه الخاطر وفي آخر هذه الأرض مما يلي شمالها مدينة سقماقية وهي مدينة كبيرة عامرة لا ملك لها ولا رئيس بها وإنما يتولى أحكامها ويتصرف في أمورها شيوخها ورؤوسها وهي مدينة في رأس جبل منيع ومعقل رفيع ولأهلها مزارع ومرافق في حضيض جبلها ويسمى جبلها طغورا وعلى ست مراحل من مدينة سقماقية مدينة طغورا وبهذه المدينة سمي الجبل جبل طغورا وهي مدينة متوسطة المقدار بها عمارة وافرة وأحوال نامية وهاتان المدينتان هما في شرقي الأرض المنتنة وفي غربي أرض سيسيان. ومدائن أرض سيسيان كلها خراب من قبل أيام الإسكندر وبنيانه السد وما عمر من بلادها شيء إلا مدينة رقوان كما قد ذكرناه ومدينة رقوان متوسطة البلاد الخربة أرض سيسيان وطول هذه الأرض إلى متصل الخراب بها سبعة وعشرون يوماً وسنذكر الأرض المنتنة والأرض الخراب بعد هذا إن شاء الله عز وجل. ثم نرجع إلى ذكر ما بقي من أرض سمريقي فنقول إن صفة الطريق من مدينة دادمي المتقدم ذكرها إلى مدينة لحمان في أقصى الشرق من دادمي إلى العقبة صعوداً ونزولاً عنها مرحلة ومن أسفل الجبل يمر من شاء في النهر صاعداً إلى مدينة خيماخيث خمسة أيام وكذلك في البر. وخيماخيث مدينتان على نهر شوران والمدينة الجنوبية منهما مدينة كثيرة الزراعات والأشجار وعندهم خشب كثير يجلب إليها من جبال نجرغ ومن هذه المدينة يخرج الكثير من البلاد وهي مدينة عامرة وبها صناعات كثيرة وتدبغ بها جلود النمور والشنزاب وأما المدينة الشمالية من خيماخيث فهي بين وادي شوران ويصب بأسفلها نهر حيثان وهي مدينة كبيرة جداً ولها أرحاء ودواليب ومصايد للحوت ونهر حيثان منبعه من جبل طغورا. ومن مدينة خيماخيث مع النهر في جهة الشرق وتأريب مع الجنوب إلى مدينة ارصاه أربع مراحل وهي مدينة عامرة كثيرة الديار فسيحة الأقطار كثيرة المياه غزيرة الأنهار ولها كروم ومزارع وهي على ضفة نهر يخرج من جبل رشنان وهو جبل عظيم والثلج لا يفارق أعلاه أبد الدهر في شتاء وصيف ويخرج منه نهران هما ينبوعا نهر شوران المتقدم ذكره قبل هذا. وعلى حضيض هذا الجبل من جهة الجنوب مدينة نجرغ وهي مدينة كبيرة عامرة فيها بشر كثير وهي من بلاد سمريقي وفيها أجناد ورجال وأولو نجدة وحدة وبين نجرغ ومدينة ارصاه مرحلتان ونصف وبينهما عرض الجبل ومدينة ارصاه في شماله على منبع النهر ونجرغ على جنوب هذا الجبل. ومن شاء سار من مدينة ارصاه مع شرق وجنوب إلى مدينة خرمان وهي على نهر ينسب إليها وهو نهر عظيم يخرج من جبل مرغار وهو الجبل العظيم الذي طوله أزيد من ثماني مائة ميل وقد رسمناه قبل هذا وخلف هذا الجبل من جهة الجنوب قبيل من الترك الغزية يسمون خنغاكث ظواعن وربما طرقوا بلاد سمريقي في أيام قلائل وأرهجوها وانصرفوا إلى بلادهم وجبل مرغار حاجز بين أرض خنغاكث وأرض سمريقي وهذا النهر الذي عليه مدينة تخرمان نهر كبير يخرج من جبل مرغار ويجري في جهة الشمال إلى بحيرة عظيمة مستقرها بين جبال غامرة وبلاد قفرة وهذا النهر قعره كله أحجار كبار ملس لا يقدر أحد على جوازه راكباً وإنما يجاز في أعمق مواضعه في المراكب وماؤه صادق البرد أبداً ويقال إنه متى عجن بمائه العجين أغناه عن الخمير. ومن أراد السفر من مدينة ارصاه إلى مدينة دنبهة سار سبعة أيام في عين الشرق في سهول وأوطية وربائع وخصب زائد ومدينة دنبهة مدينة حسنة على ضفة نهر لخمان وفي غربيه ولخمان مدينة يخرج هذا النهر من أسافل جبلها فينسب إلى هذا النهر ومدينة دنبهة مدينة عامرة كثيرة الساكن بها أسواق وأهلها دهاقن ولهم أغنام وسوائم كثيرة وهذا النهر يصل إلى البركة التي يصب فيها نهر خرمان التقدم ذكره قبل هذا وهذا النهر كثير الماء ساكن الجري والمراكب تسافر فيه من دنهة إلى البركة ثم إلى مدينة خرمان صعوداً في النهر. ومن مدن سمريقي الخرلخ مدينة لخمان وهي مدينة كبيرة على جبل شونيا وهذا الجبل حاجز بين بلاد سمريقي وبلاد سيسيان التي بها بلاد الخراب التي كان تولى إخرابها ياجوج وماجوج أيام كان السد مفتوحاً فلما كان أيام الإسكندر ردع ياجوج وماجوج من تلك البلاد وبنى الردم وبقيت خراباً وأخبر خورين برخان مند التركي في حين تأليفنا لهذا الكتاب أن تلك البلاد كلها في هذا الوقت عامرة وأن أرض سيسيان كلها عامرة. فأما مدينة لخمان فهي مدينة حسنة جليلة عامرة وفيها صناخئع ومعايش وبين أهلها وبين الأغزاز حرب لاقحة وقد يتهادون في بعض الأوقات ويصلحون ذات بينهم ويصطلحون وقد لا يتفقون على صلح البتة وهم أهل شدة واعتزاز على من جاورهم ويحيط بأرض سمريقي في جهة الشرق أرض التركش المجاررة للسد وسنذكرها بعد هذا بعون الله. نجز الجزء الثامن من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله.