الإقليم الخامس - الجزء العاشر | نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الإقليم السادس - الجزء الأول المؤلف: الإدريسي |
الإقليم السادس - الجزء الثاني |
إن هذا الجزء الأول من الإقليم السادس تضمن في حصته أرض برطانية بأسرها وبعض أرض صايص وبلاد بيطو والذي وقع فيه من أسماء البلاد البرطانية منها نانطس ورينش وشنت مجيال ودول ودنام وشنت مهلو وشنت مثاو ولنيونش وكرنتين وكنبلرين وفينش وردون وباتس وفيه من بلاد بيطو مدينة صايس وشنت جوان وبلفير ونريد أن نتكلم في أوصافها بما امكن من ذلك ونأتي بصفاتها وهيئاتها حسب ما سبق لنا فيما سلف من الكتاب بعون الله تعالى .فنقول إن بلفير مدينة متحضرة على البحر الملح ذات سور وأسواق ممكنة وفيها مصايد للحوت ومعايش وأقوات كافية وهي في قعر الجون ومراكبها تسافر إلى شنت ياقوب وغيرها وإلى سائر البلاد المجاورة لها ومن بلفير إلى مدينة شنت جوان سبعون ميلاً شرقاً وكذلك من شنت جوان إلى أنقلازمة أربعون ميلاً وشنت جوان وأنقلازمة هما من أرض بيطو. ومن بتارش إلى مدينة قتال أربعون ميلاً وكذلك من قشتال إلى طرش سبعون ميلاً وترش أرض صغيرة غربيها أنجيرش وشمالها أرض صايص وجنوبها أرض بري وقشتال مدينة صغيرة جداً وفيها إلى سواق عامرة وتجارات قليلة وهي بلد حرث وزرع وماشية ومن مدينة بلفير على البحر إلى مدينة نانطس سبعون ميلاً ونانطس مدينة على نحر البحر في قعر جون خارج من البحر وهي أول بلاد برطانية ونانطس مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات حروث وأسفار ومراكب وداخل وخارج وهي مدينة حصينة رائقة ومنها يتجون البحر إلى جهة الشمال. ومن نانطس إلى مدينة شنت مجيال التي هي آخر بلاد برطانية مائة ميل وعشرة أميال في البر ومن مدينة نانطس إلى مدينة شنت مجيال في البحر ثماني مائة ميل وثلاثون ميلاً وذلك أن البحر يتجون هناك كثيراً ويتقعر وينضم من أعلى أرض برطانية حتى يعود البر كالكيس فمه ضيق ووسطه واسع. فمن أخذ من نانطس إلى مدينة شنت مجيال على البر صار إلى مدينة رينش ثمانين ميلاً ورينش مدينة كبيرة أقطارها عامرة وخيراتها وافرة ولها سور حصين وبها أسواق نافقة وصناعات دائمة قائمة. ومن مدينة رينش في البر إلى شنت مجيال أربعون ميلاً وشنت مجيال مدينة متحضرة على البحر الملح وهي حسنة القطر وافرة العمارة كثيرة الخيرات متصلة الحراثات. ومن أراد السفر في البحر سار من مدينة نانطس إلى مدينة باتس خمسين ميلاً مع تقعير الجون وباتس مدينة جليلة عامرة بهانشاء وإقلاع وحط وبها أسواق كثيرة وبيع وشراء. ومن مدينة باتس إلى ردون وهي على طرف الجون ستون ميلاً وردون مدينة متحضرة صغيرة القطر خصبة رفيهة المعايش حسنة المباني عامرة بالناس. ومنها إلى مدينة فينش وتروى بينش وهي على طرف داخل في البحر خمسون ميلاً وموضعها مطل على البحر وهي في ذاتها حسنة بهية كثيرة العامر وبها إنشاء وسفر. ومنها إلى مدينة كنبلرين وهي في وسط جون مائة ميل وعشرون ميلاً ومدينة كنبلرين مدينة صغيرة عامرة لها أسواق وبيع وشراء وصناعات كثيرة. ومن مدينة كنبلرين إلى مدينة شنت كرنتين خمسون ميلاً وهي على طرف داخل في البحر وهي كثيرة العامر جامعة للصادر والوارد وبها معايش ومتصرفات وبيع وشراء. ومنها إلى مدينة لنيونش مائة ميل وخمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة حسنة متحضرة ذات ديار حسنة وأرزاق ممكنة ومعايش كثيرة وخير عام. ومنها إلى مدينة شنت مثاو مائة وخمسون ميلاً وهي مدينة متوسطة في قرطيل خارج في البحر وهناك يتصل بقعر أرض برطانية و بها إرساء وإقلاع وحط وأهلها مياسير وتجاراتها كثيرة. ومن مدينة شنت مثاو إلى مدينة شنت مهلو على البحر مائة ميل وهي مدينة كثيرة الخيرات وافرة العمارات بها تجار مياسير وصناعات قائمة نافقة ولها زراعات وعمارات متصلة. ومنها إلى مدينة دنام خمسون ميلاً ودنام مدينة متحضرة لها سور حجارة وبها أسواق وعمارات وافرة وإرساء وإقلاع وسفر دائم إلى جميع الجهات. ومن دنام إلى مدينة دون خمسون ميلاً وهي مدينة جليلة في وسط جون وبها أسواق عامرة وأحوال صالحة ومتاجر نافقة وخيرات دائرة وحبوب كثيرة وشربهم من الآبار ولهم عيون مياه وكروم وغراسات. ومن مدينة دول إلى مدينة شنت مجيال خمسون ميلاً ومدينة شنت مجيال مشهورة متحضرة متوسطة المقدار لها كروم وأشجار وبها كنيسة مقصودة ولها أموال وأحباس كثيرة. ومن مدينة شنت مجيال في البر جنوباً إلى مدينة صايس تسعون ميلاً وهي من أرض إفرنسية وهي مدينة كبيرة عامرة خصبة رفيهة كثيرة الخيرات شاملة لأنواع البركات عامرة الجهات كثيرة الشجر والغراسات ولها كروم متصلة وهي من قواعد مدن إفرنسية. ومن مدينة صايس إلى مدينة مانس ثلاثون ميلاً وسنذكرها فيما بعد وكذلك من مدينة صايس إلى مدينة جارطرش ثمانون ميلاً بين شرق وجنوب ومن مدينة صايس إلى رينش المتقدم ذكرها في أرض برطانية شمالاً سبعون ميلاً وكذلك من رينش إلى مدينة بينش التي على البحر السابق ذكرها غرباً تسعون ميلاً. وهذه البلاد التي ذكرنها بلاد تتقارب صفاتها وتتشابه حالاتها وتتصل عماراتها وجهاتها وتشتبك أقاليمها وغلاتها وتتفاضل موجنوباًتها وخيراتها والجهالات على أهلها غالبة وغلظ الطبع فيهم موجود ظاهر وهي بالجملة بلاد خصب ورفاهية وقلة مبالاة بالأمور ويكتنفهم من جهة المغرب البحر المظلم وتأتيهم منه أنواء وأمطار متصلة وضبابات عامة ولسيما البلاد التي تلي الساحل منه. وهذا البحر بحر غليظ المياه كدر اللون هائل الموج عميق القعر متصل الظلمات صعب المركب عاصف الرياح لا يعرف انتهاؤه في جهة المغرب وبه جزائر كثيرة غير عامرة وقليل ما يسلك هذا البحر إلا نادراً والقوم الذي يسلكونه لهم به معرفة وجسر على ركوبه وأيضاً فإنهم يسيرون فيه مساحلة لا يفارقون البر منه وأيام سفرهم فيه أيام قلائل وهي مدة شهر أسطريون وشهر أوسو وأكثر ما يركبه القوم المسمون بالإنكليسيين وأهل جزيرة إنكرطارة وهي جزيرة كبيرة عامرة بها مدن كثيرة وعمارات وحروث وأنهار جارية وسنأتي بذكرها ونستقصي صفاتها في موضعها بحول الله تعالى . وهذا البحر هو على ما وصفناه من هوله وغلظه به سمك كثير سمين ومصايده في أماكن معلومة منه وبه كثير من الدواب العظام الخلق البحرية ما يربي على الوصف حتى إن أهل تلك الجزائر الداخلة يتخذون من أعظمها وفقر ظهورها خشباً لبيوتهم وينحتون منها دبابيس وأسنان رماح وخناجر ويصرفون خرز هذه الدواب فيتخذونها منابر للصعود والقعود ويتصرفون في أعظم هذه الدواب كا يتصرف أهل سائر البلاد في الخشب وهنا انتهى بنا القول في هذا الجزء والحمد لله على ذلك كثيراً حمداً مباركاً دائماً. نجز الجزء الأول عن الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله.