الإقليم الثاني - الجزء التاسع | نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الإقليم الثاني - الجزء العاشر المؤلف: الإدريسي |
الإقليم الثالث - الجزء الأول |
إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الثاني وبه تمام الإقليم الثاني تضمن من البلاد الصينية الشرقية مدينة سوسة الصين وسعلا وطوغما وصينية الصين واسنخوا وشذخو وباجة وبشهيار وقاشا وسارخا وبه من الجزائر التي في البحر الشرقي جزيرة النمنج وجزيرة السبارة وفيه من الأنهار الكبار نهر خمدان الصين وهو من الأنهار الكبار المشهورة التي نطقت بما التواريخ وأثبتت ذكرها الكتب.
وها نحن نبتدئ الآن بشرح معلوماتها ونوضح صفاتها بحول الله وعونه فنقول إن مدينة سوسة مدينة مشهورة معلومة مذكورة كثيرة التجارات متصلة العمارات جامعة الخيرات وأموال أهلها كثيرة وتجاراتهم مباركة موفورة وقراضهم مفترق في الآفاق ومتصل بكل الأمصار.
ويصنع بها الغضار الصيني الذي لا يعدله شيء من فخار الصين جودة وبها طرز كثيرة مشهورة بعمل الحرير الصيني الرفيع القيمة المحكم الصنعة الذي لا يقرن به غيره وسوسة الصين على شرقي نهر خمدان الكبير ومنها إلى مدينة قابطوا أربع عشرة مرحلة وكذلك سوسة أيضاً إلى مدينة صينية الصين ست عشرة مرحلة ومن سوسة أيضا إلى مدينة سعلا ثمانية أيام.
ومدينة سعلا على ضفة نهر وهي عامرة بالساكن حسنة المساكن كثيرة التجارات موفورة العمارات وإليها مقصد التجار من كل الأقطار المجاورة لها والمتباعدة عنها بضروب البضائع نوافق الأمتعة وأنواع من التجارات وليست بكبيرة القطر لكنها مجتمعة متحضرة ويعمل بها ثياب حرير كثيرة وفخار.
ومنها إلى مدينة صينية الصين سبع عشرة مرحلة ومن سعلا إلى طوغما ثماني مراحل ومدينة طوغما مدينة كبيرة لا حصن عليها لكنها عامرة وبها جمل بضائع ويتجهز منها بأصناف من التجارات.
ومنها إلى صينية الصين ثماني مراحل وصينية الصين في أقصى الصين ولا تعدلها مدينة في الكبر وكثرة العامر وسعة التجارات وكثرة البضائع واجتماع التجار إليها من سائر الأقطار ومن بعض المدن الهندية المجاورة للصين وبهذه المدينة ملك من ملوك الصين من أهل الملك لكنه تحت يد البغبوغ وهذا الملك الأعظم كما حكينا عنه.
ومن مدينة الصينية إلى مدينة اسنخوا ثماني مراحل وهي على بطحاء أرض ممتدة لا ينبت بها شيء إلا الزعفران غرسا ومن ذات نفسه بريا ومنها يتجهز بالزعفران إلى سائر أقطار الصين ويباع بها منه ما يعم الكل كثرة وطيبا وقد يعم بهذه المدينة الحرير والغضار وليس في هذه البلاد التي ذكرنا صنعة أجل عند أهلها من الفخار والرسم ولا فوق الرسم عندهم صنعة.
ومما يحكى في الكتب الصحيحة الأخبار أن ملوك الصين وأكثر ملوك الهند لا يتركون الرسم بل يقولون به ويتعلمونه ويتكلفون منه أكثر مما يتكلفه المتعلمون له حتى أنه لا يولي الملك من أبنائه إذا كان عنده كثرة أولاد إلا أرسمهم وأمهرهم في صنعة الرسم.
ولم تزل ملوك الهند تعمل مثل هذا ولا تقدم على الرسم أيضاً والتصوير صنعة وإنما يلحق بها فالفضل صنعة الفخار وذلك أنهم يسمون صانع الفخار خالقاً صغيراً والمصور خالقاً كبيراً.
وكذلك من مدينة اسنخوا إلى باجة أربع مراحل وهي مدينة الملك المسمى البغبوغ وبهذه المدينة دار ملكه وموضع رجاله وخزائن أمواله ومصون حرمه وعياله.
ومما حكى صاحب كتاب الأخبار عن ملوك الأمصار أن هذا الملك له أبدا مائة زوجة بمهور أنقاد ومتى لم يملك الملك منهم هذه العدة لا يسمى عندهم بملك الملوك وله من الفيلة أيضا المعدة للحرب ألف فيل مجففة برجالها وأسلحتها وأمتعها ومتى لم تكمل له هذه العدة فليس بملك الملوك عندهم وبهذين الشيئين من النساء والفيلة يفتخرون على غيرهم من الملوك.
ولا يلي الملك بالصين إلا من ورثه عن آبائه أو إخوته أو أقاربه هم جارون على سنن العدل وطريق الأمان وسيرهم حميدة مبنية على الحق.
وهذه المدينة على ضفة نهر خمدان وعلى هذا النهر يصعد إلى هذه المدينة من خانفوا وخانكو وغيرهما من مراقي الصين المشهورة ومن مدينة باجة إلى مدينة شذخو أربع مراحل ومدينة شذخو على نهر صغير يقع في البحر الشرقي وبين مدينة شذخو والبحر أربع مراحل ومن مدينة شذخو إلى مدينة بشهيار تسع مراحل.
ومدينة بشهيار مدينة فيها رئيس من قبل البغبوغ له خيول ورجال وحشم وعبيد وملك عظيم وهو يقاتل الترك الداخلين إليه ممن يجاوره منهم وهم الترك المسمون بالخاقانية والخزلجية ولهذا الملك خيول مندوبة لحراسة أبواب هناك في الجبل العظيم الحاجز بينهم وبين الترك وزيهم وزي الأتراك سواء لا فرق بينهم في ذلك.
ومن مدينة بشهيار إلى مدينة قاشا ثماني مراحل وهي مدينة أهلها خوارج عن مذهب أهل الصين وهم يحرقون موتاهم بالنار على مذهب الهندية ومن مدينة قاشا إلى مدينة شارخيا أربع مراحل وهي مدينة عامرة ومن قاشا إلى مدينة باجة عشر مراحل كذلك من مدينة شارخيا إلى مدينة باجة عشر مراحل.
فأما نهر خمدان الصين فإنه نهر عظيم وعليه عمارات وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذا النهر شجرة عظيمة باسقة يقال إنها من حديد وتسمى باللسان الهندية برشول وهي مبنية قي قعر النهر مثبتة وطولها من فوق الماء نحر من عشرة أذرع في غلط ذراع وكسر.
وفي رأسها ثلاث شعب غلاظ مسنونة محدودة كالنار وعندها رجل قاعد يقرأ كتابا ويقول للنهر يا عظيم البركة وسبيل الجنة أنت الذي خرجت من عيني الجنة ودللت، الناس عليها فطوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى بنفسه على هذا العمود فينتدب لذلك واحد أو عدة ممن حوله فيصعدون إلى الشجرة ويلقون أنفسهم على العمود فيسقطون ويموتون في ماء النهر والحاضرون هناك من الناس يدعون لهم بالطوبى والمسير إلى الجنة واللذة الدائمة ويقال إن نهر كنك يقع فيه.
وأما جزيرة النمنج التي في البحر الشرقي فإن مجرمي الصين يجمعون عليها ويدخلون إليها وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذه الجزيرة قوما لهم أذناب ولهم ملك منهم.
وفيما ذكرناه كفاية لذوي العناية وإلى هاهنا انتهى آخر الإقليم الثاني والحمد لله كثيرا.
نجز الجزء العاشر من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم الثالث إن شاء الله.