الإقليم الثاني - الجزء السادس | نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الإقليم الثاني - الجزء السابع المؤلف: الإدريسي |
الإقليم الثاني - الجزء الثامن |
ومن مدينة فيربور إلى دزك ثلاث مراحل ودزك مدينة جليلة كبيرة عامرة وبها تجارات كثيرة وبضائع نافقة وأقاليم متصلة وشرب أهلها من عيون وآبار وفي جهة الغرب مائلاً مع الجنوب جبل كبير منيع ويسمى الجبل الملح وإنما سمى بذلك لأن أكثر مياهه ملحة وبه عمارات وقرى. ومن دزك إلى راسك ثلاث مراحل ومدينة راسك أهلها خوارج ولها إقليمان يدعى أحدهما الخروج والثاني يدعى كيركايان وبهذه المدينة وأقاليمها قصب السكر كثير والفانيذ يعمل بها كثيراً ويتجهز به إلى سائر الآفاق.
وقد يعمل بناحية ما سكان أيضاً سكر كثير وفانيذ وكذلك إقليم قصران يزرع به قصب السكر كثيراً فيحمل منه السكر والفانيذ كثيراً شرقاً وغرباً وقصران وفاسكان يجاوران الطويران وعامة أهلها والغالب عليهما الشراة.
ويتصل بنواحي كرمان مدينة مشكي وهي عامرة بالناس وفي أهلها منعة وشدة بأس وبها نخل وزروع وإبل وجمل من الفواكه الصرودية.
ولسان أهل مكران فارسي ومكراني وبهما يتكلموق ولباس عامتهم القراطق ولباس التجار والجلة منهم القمص المكممة والأردية ويتعممون بالفوط والمناديل المصفحة بالذهب مثل زي تجار أهل العراق وفارس.
ومن بلاد مكران مدينة فلفهرة وأصقفه وبند وقصرقند وهذه البلاد كلها بلاد تتقارب في القدر وتشتبه أحوال أهلها وبها تجارات وعمارات ومقاصد رابحة.
ومن فلفهرة إلى راسك مرحلتان ومن فلفهرة إلى أصقفه مرحلتان ومن أصقفه إلى بند مرحلة غرباً ومن أصقفه إلى دزك ثلاث مراحل ومن بند إلى قصرقند مرحلة ومن قصرقند إلى كيه أربع مراحل.
ومن المنصورة إلى مدينة طويران نحو خمس عشرة مرحلة والطويران مدينة مجاورة للفهرج من بلاد كرمان.
والطويران واد فيه مزارع وعمارات وقصبته تدعى طويران منسوبة إلى الوادي وهي مدينة حصينة لها فرج ومتنزهات وزراعات متصلات.
ومنها إلى قزدار أربع مراحل وهي مدينة عامرة كبيرة صالحة القدر بها أسواق وتجارات وأحوال حسنة ولها أقاليم وقرى عامرة.
وبغربيها مدينة كيزكانان وبها ينزل والي الطويران ومدينة كيزكانان متحضرة كثيرة الناس رخيصة الأسعار ولها بساتين وحدائق وأعناب وفواكه ولا نخل بها.
ومن مدينة الطويران إلى مدينة مستنج في وسط المفازة ثلاث مراحل وهي مدينة صغيرة قليلة الفواكه كثيرة نتاج الإبل والأغنام.
ومنها إلى مدينة الملتان في آخر بلاد السند عشر مراحل ومدينة الملتان مجاورة لبلاد الهند وهي مدينة نحو المنصورة في الكبر وبعض الناس يجعلها من بلاد الهند وتسمى فرج بيت الذهب.
وبها صنم يعظمه أهل الهند ويحجون إليه من أقاصي بلدانها ويتصدقون عليه بأموال جمة وحلي كثير وطيب وشيء يقصر الوصف عنه تعظيماً له وإجلالاً وله خدام وعباد يأوون إليه وينفقون ويلبسون من ماله المتصدق به عليه.
وسميت الملتان باسم الصنم.
والصنم على صورة الإنسان مربع على كرسي من جص وآجر قد البس جميع جسده جلداً يشبه السختيان أحمر لا يتبين من جسده شيء إلا عيناه فمنهم من يزعم أن بدنه من خشب ومنهم من يدفع ذلك القول عنه وينكره غير أنه لا يترك بدنه مكشوفاً وعيناه جوهرتان وعلى رأسه إكليل من ذهب مرصع والصنم قد تربع ومد ذراعيه على ركبتيه كأنه يحسب أربعة وهو معظم عندهم جداً.
وبيت هذا الصنم في وسط الملتان وبأعمر سوق فيها وهي قبة عظيمة مزخرفة منمقة قد أتقن بنيانها وشيدت عمدها ولونت صنعها وأوثقت أبوابها والصنم فيها.
وحول القبة بيوت مبنية يسكنها خدام هذا الصنم ومن يعتكف عليه.
وليس بالملتان من الهند والسند قوم يعبدون الأوثان إلا هولاء الذين في هذا القصر مع هذا الصنم وغير ذلك من أهل الهند والسند إنما يحجون إليه تعظيماً له ولما عاينوه من أمره وذلك أن ملوك الهند المجاورون الملتان إذا قصدوا إليها وأرادوا خربها وانتزاع هذا الصنم منها تبادر خدامه فأخفوا الصنم وأظهروا كسره وإحراقه فيرجع القاصدون إليها عن خربها ولولا ذلك لخربت الملتان فيقول المضلون بهذا الصنم إنه نصرة الله في هذا المكان فيعظمونه تعظيماً كثيراً.
ولا يعرف من صنع هذا الصنم ولا يحدون لصنعه أولاً وهو غريب.
والملتان مدينة كبيرة عامرة عليها حصن منيع ولها أربعة أبواب وبخارجها خندق محفور ونعمها كثيرة وأسعارها رخيصة ولأهلها أموال طائلة.
وإنما سميت الملتان فرج بيت الذهب لأن محمد بن يوسف أخا الحجاج أصاب بها أربعين بهار ذهب والبهار ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون مناً وكلها في بيت فسميت بذلك فرج الذهب والفرج الثغر.
وللملتان نهر صغير عليه أرحاء ومزارع ويصب في نهر مهران السند.
ومنها إلى جندور وهي قصور مجتمعة ميل ونصف وهذه القصور محكمة البناء شاهقة الذرى وتخترقها مياه عذبة كثيرة.
والوالي ينزلها في أيام الربيع وفي أيام فرجه وحكل الحوقلي أن والي هذه المدينة كان على عهده ير كب من هذه القصور إلى الملتان في يوم كل جمعة على فيل له سيرة متوارثة عن آبائه.
والغالب على أهل الملتان أنهم مسلمون والحكم فيها للإسلام ورئيسهم مسلم.
وبجهة الجنوب من مدينة الملتان إلى مدينة الندور ثلاثة أيام وهي مدينة عامرة جامعة للخيرات مشهورة البركات وبها تجار وناس نظاف ولباسهم الثياب المحكمة وزيهم حسن ومعايشهم خصبة ويقال إنها من بلاد الهند.
وهي على ضفة نهر عذب يمد نهر مهران ويفرغ فيه قبل أن يتصل بسمد وبعد الملتان.
ومن مدينة الملتان إلى جهة الشمال برية متصلة بشرقي الطويران.
ومنها أيضاً إلى حد المنصورة قوم رحالة يسمون البدهة وهم قبائل وبشر كثير متفرقون متقلبون ما بين حدود الطويران ومكران والملتان ومدن المنصورة وهم كالبادية من البربر لهم أخصاص وآجام يأوون إليها وبطائح مياه يعيشون فيها وهي في غربي نهر مهران.
ولهم إبل فارهة حسنة وبها تنتج الفالج وهي إبل يرغب فيها أهل خراسان وغيرهم من أهل فارس وأشباهها لنتاج البخت البلخية والنوق السمرقندية وذلك أن هذه الجمال لها خلق حسان ولكل بختي منها سنامان بخلاف هذه الإبل التي عندنا في بلادنا.
ومن المنصورة إلى أول حدود البدهة ست مراحل ومن آخر حدود البدهة إلى مدينة كيز نحو عشر مراحل ومن أول البدهة إلى التيز التي بآخر مكران ست عشرة مرحلة.
والمدينة التي يلجأ إليها أهل البدهة في بيعهم وشرائهم وقضاء حوائجهم مدينة قندابيل.
وبين كيزكانان وقندابيل إقليم يعرف بإيل وفيه مسلمون وغيرهم من البدهة المقدم ذكرهم ولهم غلات وزروع وأحوال واسعة وكروم مثمرة وخصب وإبل وغنم وبقر وإنما سمي هذا الإقليم بإيل لأنه تغلب على هذه الناحية رجل كان اسمه إيلا وظهرت البركة فيهم أيام مدته فسموا هذا الإقليم بإيل على اسمه إلى الآن.
ومن قندابيل إلى المنصورة نحو عشر مراحل.
ومن بلاد السند أيضاً مدينة خوكخليا وكوشه وقديرا وهما مدينتان مكاربتان في القدر وبهما عمارات ومتاجر للبدهة.
ومن مدن الطويران محياك وكيزكانان وسورة وقزدار وكشدان وماسورجان.
وبين مدن الطويران إلى بلاد المنصورة مفاوز وبرار متصلة ومنها أيضاً في جهة الشمال إلى ناحية سجستان مفاوز وعشار معطلة متصلة ومدينة ماسورجان مدينة كبيرة عامرة بها متاجر ومكاسب ولها عمارات وقرى كثيرة وهي على نهر الطويران.
ومنها إلى قصبة الطويران اثنان وأربعون ميلاً.
ومن ماسورجان إلى درك يامونه مائة وأحد وأربعون ميلاً.
ومن درك يامونه إلى فيربوز ويقال فيربوس بالسين مائة ميل وخمسة وسبعون ميلاً.
فهذه جملة بلاد مكران والسند والطويران.
وكذلك من الطويران إلى المنصورة ألف ميل وسبعون ميلاً.
فأما ما اتصل بالسند من بلاد الهند فمدينة مامهل وكنباية وصوبارة وخابيرون وسندان وماسويا وصيمور.
ولها من الجزائر البحرية أوبكين وجزيرة المند وجزيرة كولم ملى وجزيرة سندان.
ومدن الهند كثيرة منها مامهل وكنباية وموبارة وأساول وجنارل وسندان وصيمور والجندور والسندور وزويلة في المفازة ولمطة وأودغست ونهروارة ولهاور وغيرها مما سنأتي بذكره في أمكنته بعون الله تعالى.
فأما مدينة مامهل فقوم يحسبونها من الهند وقوم يجعلونها من السند وهي على رأس المفازة المتصلة بينها وبين كنباية والديبل وبانيه.
وهي مدينة جامعة عامرة وهي طريق الداخلين من السند إلى بلاد الهند وبها تجارات وحولها عمارات وهي قليلة الفواكه كثيرة الكسب والمواشي ومنها إلى المنصورة تسع مراحل على مدينة بانيه.
ومن مامهل إلى مدينة كنباية خمس مراحل ومدينة كنباية على ثلاثة أميال من البحر وهي في ذاتها حسنة الشكل وبها الإقلاع والحط وبها جمل بضائع وتجارات من كل الآفاق ويخرج منها إلى كل الجهات.
وهي أيضاً على خور تدخله المراكب وترسي به وماؤها كثير.
وعلى هذه المدينة حصن منيع بنته ولاة الهند عند ما تغلب عليها صاحب جزيرة كيش.
ومن مدينة كنباية في البحر إلى جزيرة أوبكين مجرى ونصف.
وكذلك من جزيرة أوبكين إلى جزيرة الديبل مجريان وهي أول بلاد الهند وينبت في أرضها الزروع والأرز وفي جبالها تنبت القنا الهندية وأهلها عباد بدود.
ومنها إلى جزيرة المند ستة أميال وأهلها لصوص.
وفها إلى كولي ستة أميال.
ومن كولي على الساحل إلى مدينة سوبارة نحو خمس مراحل وهي تبعد عن البحر نحو ميل ونصف وهي مدينة متحضرة عامرة كثيرة الساكن ولها تجارات ومرافق وهي فرضة من فرض البحر الهندي وبها مصائد ومغايص اللؤلؤ.
وعليها جزيرة ثارة وهي صغيرة وفيها قليل نارجيل وقسط.
ومن مدينة سوبارة إلى مدينة سندان نحو خمس مراحل وبينها وبين البحر ميل ونصف ميل وهي مدينة متحضرة الأهل وسكانها أهل حذق ونبالة وهم تجار مياسير متجولون وهي كبيرة القدر والمسافر إليها كثير والخارج عنها كثير.
وفي جانب الشرق منها جزيرة تسمى بها وتنسب إليها وهذه الجزيرة واسعة القطر كثيرة الزرع والنخل والنارجيل وبها تنبت القنا والخيزران وهي في عداد بلاد الهند.
ومن مدينة سندان إلى صيمور خمس مراحل وصيمور مدينة واسعة حسنة جليلة المباني حسنة الجهات وبها نارجيل كثير وقنا وبجبالها كثير من النبات العطر المحمول إلى سائر الآفاق.
وفي البحر منها على خمسة أيام جزيرة تسمى ملي وهي جزيرة كبيرة حسنة البقاع قليلة الجبال كثيرة النبات وبجزيرة ملي ينبت شجر الفلفل ولا يكون إلا بها أو بفدرينة أو بجرباتن ولا يوجد منه شيء إلا بهذه البلاد الثلاثة.
وهو نبات له ساق أشبه شيء بساق شجرة العريش وورقه كورق النبات اللبلاب فيه طول ولا تشريف له وله عناقيد مثل عناقيد الشبوقة وكل عنقود منها تكنه ورقه من المطر ويجنى إذا بلغ والفلفل الأبيض منه هو ما كان جنى منه في أول بلوغه وقبل ذلك.
وحكى ابن خرداذبه أن هذه العناقيد إذا كان المطر انحنت ورقاتها عليها وأكنتها من المطر فإذا ارتفع المطر ارتفعت الورقة عن العناقيد فما تعاودها إلا في حين المطر فإن عاد المطر عادت الورقة عليها وهذا غريب.
وأما كنباية وسوبارة وسندان وصيمور فكلها من بلاد الهند.
وصيمور بلدة من بلاد الملك المسمى بلهرا.
وملكه عظيم وبلاده واسعة العمارات كثيرة التجارات جامعة الخيرات وجباياته وافرة وأمواله مقنطرة وببلاده أيضاً أنواع وصنوف من أفاويه العطر.
وتفسير بلهرا مالك الملوك وهذا الاسم يتوارثه الملوك المستأخذة عن الملوك الماضية وكذلك سائر الملوك بالهند إذا صار الملك لملك منهم تسمى باسم الملك الذي كان قبله وأسماؤهم متوارثة بينهم لا ينتقلون عنها وقد صار ذلك بينهم سيرة يتبعونها.
وكذلك أيضاً ملوك النوبة وملوك الزنج وملوك غانة وملوك الفرس وملوك الروم يتوارثون الأسماء وقد ذكر أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبه في كتابه من هذا ما يجب ذكره في هذا المكان الذي بدأنا به فقال إن للملوك ألقاباً متوارثة بينهم مثل ملوك الصين لا يسمى أحد منهم إلا البغبوغ والبغبون أيضاً بالنون من آلاف السنين إلى اليوم أمم توورث وتدول بين الصينيين.
ومن ملوك الهند بلهرا وجابة والطافن والجرز وعابة ودمى وقامرون وكل واحد من هذه الأسماء لا يسمى بها إلا ملك يملك بلاداً وناحية لا يشركه في ذلك الاسم مشارك ولا ينتقل عنه وإنما يسمى بذلك الاسم من ملك ذلك المكان بعينه.
وكذلك ملوك الترك والتبت والخزر أسماؤهم خاقان إلا الخرلخ فإنه يسمى جبغويه وهو اسم متوارث يسمى به من ملك ترك الخرلخ وكذلك ملوك الزابج يسمى الملك فيهم الفنجب اسماً متوارثاً.
وملوك الروم يسمون بالقياصرة وقيصر اسم متوارث واقع بمن ملك الرومية كلها والأغزاز يسمى ملكها بشاه شاه أي ملك الملوك وهو اسم يتوارثه ملوكهم بينهم لا ينتقلون عنه وكذلك الفرس تسمى ملوكهم بالأكاسرة وأما السودان فإنما تنسب ملوكها إلى بلادها فاسم صاحب غانة غانة وملك كوغة اسمه كوغة وفيما جئنا به من هذا الفن إقناع وكفاية.
ومن بلاد الهند المضمنة في هذا الجزء خابيرون وأساول وهما مدينتان عامرتان بالناس والتجار والفعلة وأموالهم وافرة وصنعهم حسنة وبضاعاتهم نافقه.
وقد وصل المسلمون إلى أكثر هذه البلاد وتغلبوا على أطرافها في هذا الوقت وسنذكر ما اتصل بهذه البلاد من غيرها بحول الله وقوته.
نجز الجزء السابع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه إن شاء الله تعالى.