الإقليم الثالث - الجزء الثاني | نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الإقليم الثالث - الجزء الرابع المؤلف: الإدريسي |
الإقليم الثالث - الجزء الرابع |
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الثالث من الأرضين أكثرها خلاء وعامرها قليل وأهلها عرب مفسدة في الأرض مغيرة على من جاورها.
وفيها من البلاد زويلة ابن الخطاب ومستيح وزالة وأوجلة وبرقة.
وعلى ساحل البحر المحيط قصور جمل يحيط بها التفصيل وفيها من البلاد المشهورة صرت وأجدابية أما وإن كانتا في زماننا هذا في نهاية ضعف وقلة عامر فقد بقي لهما ومنهما توهم رسم مع حلية اسم والمراكب ترد عليهما بالأمتعة النافقة فيهما ومنافعهما على قدرهما وها نحن ذاكرون هذه المدن والأرضين والقصور والبحور واصفون بحالاتها والحول والقوة لله سبحانه. فأما مدينة برقة فمدينة متوسطة المقدار ليست بكبيرة القطر ولا بصغيرة غير أنها في هذا الوقت عامرها قليل وأسواقها كاسدة وكانت فيما سلف على غير هذه الصفة وهي أول منبر ينزله القادم من بلاد مصر إلى القيروان ولها كور عامرة بالعرب وهي في بقعة فسيحة يكون مسيرها يوماً وكسراً في مثله ويحيط بهذه البقعة جبل وأرضها حمراء خلوقية التراب وثياب أهلها أبداً حمر وبذلك يعرف أهلها في سائر البلاد المحيط بها والصادر عنها والوارد إليها كثير في الأحايين لأنها بعيدة عن البلاد المجاورة المقاومة لها في جميع حالاتها وهي برية بحرية وكان لها من الغلات في سالف الزمان القطن المنسوب إليها الذي لا يجانسه صنف من أصناف القطن وكان بها وإلى الآن ديار لدباغ الجلود البقرية والنمور الواصلة إليها من أوجلة وهي الآن يتجهز منها المركب والمسافرون الواصلون إليها من الإسكندرية وأرض مصر بالصوف والعسل والزيت وتخرج منها التربة المنسوبة إليها فينتفع بها الناس ويتعالجون بها مع الزيت للجرب والحكة وداء الحية وهي تربة غبراء وإذا ألقيت في النار فاحت لها رائحة كرائحة الكبريت وهي فظيعة الدخان كريهة الرائحة والطعم.
ومن برقة إلى مدينة أوجلة في البرية عشر مراحل بسير القوافل وكذلك من برقة إلى أجدابية ست مراحل وهي من الأميال مائة واثنان وخمسون ميلاً ومن برقة إلى الإسكندرية إحدى وعشرون مرحلة وهي من الأميال خمس مائة ميل وخمسون ميلاً والأرض التي بينهما يقال لها أرض برنيق.
وأجدابية مدينة في ضحضاح من حجر مستو كان لها سور فيما سلف وأما الآن فلم يبق منها إلا قصران في الصحراء والبحر منها على أربعة أميال وليس بها ولا حولها شيء من النبات وأهلها الغالب عليهم يهود ومسلمون تجار ويطوف بها من أحياء البربر خلق كثير.
وليس بأجدابية ولا ببرقة ماء جار وإنما مياههم من المواجل والسواني التي يزرعون عليها قليل الحنطة والأكثر الشعير وضروب من القطاني والحبوب ومن أجدابية إلى أوجلة خمس مراحل.
ومدينة أوجلة مدينة صغيرة متحضرة فيها قوم ساكنون كثيرو التجارة وذلك على قدر احتياجهم واحتياج العرب وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها ومنها يدخل إلى كثير من أرض السودان نحو بلاد كوار وبلاد كوكو وهي في رصيف طريق والوارد عليها والصادر كثير وأرض أوجلة وبرقة أرض واحدة ومياهها قليلة وشرب أهلها من المواجل.
ومن أوجلة إلى مدينة زالة عشر مراحل غرباً وهي مدينة صغيرة ذات سوق عامرة وبها أخلاط من البربر من هوارة وتجارات وفي أهلها حماية ومروة.
ومن زالة يدخل إلى بلاد السودان أيضاً وكذلك من مدينة زالة إلى مدينة زويلة عشرة أيام وبين زالة وزويلة مدينة صغيرة تسمى مستيح ومن زالة إلى أرض ودان ثلاثة أيام.
وودان جزائر نخل متصلة وعمارات كثيرة ومن زالة إلى مدينة صرت تسعة أيام ومن مدينة صرت إلى أرض ودان خمس مراحل وودان هذه ناحية في جنوب مدينة صرت وهما قصران بينهما مقدار رمية سهم والقصر الذي يلي الساحل خال والذي مع البرية مسكون ولها آبار كثيرة ويزرعون بها الذرة وبغربيها غابات وحولها شجر التوت كثير وشجر تين ذاهب ونخل كثير وتمور لينة حلوة أما وإن كانت تمور أوجلة أكثر فتمور ودان أطيب ومنها يدخل إلى بلاد السودان وغيرها.
وأما مدينة زويلة ابن خطاب فمنها إلى صرت خمس مراحل كبار ومنها إلى السويقة المسماة بسويقة ابن مثكود ست عشرة مرحلة ومدينة زويلة ابن خطاب في صحراء وهي مدينة صغيرة وبها أسواق ومنها يدخل إلى جمل من بلاد السودان وشرب أهلها من آبار عذبة ولها نخل كثير وتمرها حسن والمسافرون يأتونها بأمتعة من جهازها وجمل من أمور يحتاج إليها والعرب تجول في أرضها وتضر بأهلها قدر الطاقة.
وكل هذه الأرضين التي ذكرناها ملك بأيدي العرب فمن قصر العطش إلى قافز هي لناصرة وعميرة وهما قبيلتان من العرب.
ومن قافز إلى طلميثة إلى لك هي لقبيلة من البربر متعربين يقال لهم مزاتة وزناتة وفزارة وهم يركبون الخيول ويعتقلون الرماح الطوال ويحمون تلك الأرض عن العرب إن تدوس ديارهم ولهم عزة ونخوة وجلادة.
فأما البحر الذي تضمنه هذا الجزء فهو لمن قطعه روسية سبع مجار وأمياله سبع مائة ميل وهذا الجون على تقويره ثلاث عشرة مجرى وأمياله ألف ميل وثلاث مائة ميل وذلك لأن من طرف قانان إلى مدينة صرت ثلاث مجار وقد ذكرنا مدينة صرت فيما سلف.
ومن مدينة صرت إلى قصر مغداش مجرى ونصف ومنه إلى الجزيرة البيضاء مجرى ونصف إلى قصر سربيون مجرى ومن قصر سربيون إلى قصر قافز نصف مجرى إلى برنيق نصف مجرى إلى الأربعة بروج مجرى ثم إلى توكرة خمسون ميلاً ثم إلى طلميثة خمسون ميلاً ثم إلى الطرف مجريان وهذا ذكر مجمل.
ونريد أن نذكر ما عليه من القصور فإذا خرج الخارج من طرف قانان صار إلى قصور حسان قطعاً في البرية أربع مراحل كبار ليس بها شيء من الماء وهو وطاء ولا عوج به ولا أمت وقصور حسان لا عامر بها وإنما هي الآن في وقتنا هذا خراب لم يبق منها إلا أثر غابر وبها ماء يشرب من بئرين قريبتي القعر ومنهما يتزود بالماء المار بها والجائي ويأخذ منهما ما يكفيه لشربه في مسافة سفره ومنها إلى الأصنام ثلاثون ميلاً ويسمى هذا الجون جون زديف والماء يوجد بها في خروق أحساء محفورة في الرمل على ضفة البحر الملح وسميت الأصنام لأن بالقرب منها في البرية عدة أصنام وهي من بناء الروم الأول.
ومن الأصنام إلى القرنين وهو قصر كبير عامر وفي وسطه بئر عميقة وإليه تصب مياه الأمطار في زماننا ومنه إلى صرت ثلاثة عشر ميلاً ومدينة صرت ذكرناها قبل هذا بما فيه كفاية ومنها إلى قصر العبادى على البحر أربعة وثلاثون ميلاً ومن قصر العبادى إلى اليهودية أربعة وثلاثون ميلاً وهو قصر عامر وفيه زراعات على مياه تستخرج بالسواقي من آبار ومن اليهودية إلى قصر العطش أربعة وثلاثون ميلاً وهو قصر عامر وفيه زراعات وفيه ثلاث جباب.
ومن قصر العطش إلى منهوشة ثلاث مراحل لا ماء فيها وهي سباخ وطيئة ومنهوشة على البحر ومياهها في أحساء تحتفر في الرمل على البحر وسميت منهوشة لأن في رمالها أفاع صغار طول الواحدة شبر لا زائد وهي تضر وتنهش من لا يعلم أمرها ومن أسرى بالليل في تلك الأرض وبها قطائع بقر وحشية وكذلك بها ذئاب كثيرة وضباع تفترس السالك إذا تبين الضعف فيه.
ومن منهوشة إلى بئر الغنم نحو من ثلاثة عشر ميلاً وهي على آخر السبخة المنسوبة إلى منهوشة ومنها إلى الفاروخ مرحلة وهي من الأميال ثلاثون ميلاً ومن الفاروخ إلى حرقرة خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى بوسمت عشرون ميلاً ثم إلى سلوق أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى اويرار ثلاثون ميلاً ثم إلى قصر العسل اثنا عشر ميلاً ثم إلى مرينة سبعة وعشرون ميلاً ثم إلى برقة خمسة عشر ميلاً والطريق من سلوق إلى قافز مرحلة.
وقافز قصر في وسط وطاء برنيق وفي شرقيها غابة متصلة إلى البحر وبينها وبين البحر أربعة أميال وبمقربة من قافز في جهة الشرق بحيرة مع طول البحر يحجزها تل رمل وماؤها عذب وطولها ستة عشر ميلاً وفي سعتها نحو من نصف ميل ومن نصف هذه البحيرة تبتدئ الغابة وبهذه الأرض قبائل رواحة.
ومن قافز إلى قصر توكرة مرحلتان وهو قصر كبير عامر آهل وفيه قوم من البربر وحوله أرض عامرة وسوان يزرع عليها القطاني والشعراء محيطة بها.
ومنها إلى قمانس وهو قصر عشرة أميال ومنه إلى اوطليط وهو قصر عامر بالناس نصف يوم ومنه إلى الأربعة بروج وهو قصر يوم ومنه إلى قصر العنين عشرة أميال.
ومنه إلى قصر طلميثة وهو حصن جيد عليه سور حجارة عشرة أميال وهو عامر بالناس والمراكب تقصد إليه بالمتاع الحسن من القطن والكتان ويتجهز منه بالعسل والقطران والسمن في المراكب الواصلة إليه من الإسكندرية وحوله قبائل رواحة من جهة المغرب ومن طلميثة إلى جهة المشرق قبائل هيب وسنأتي بما اتصل بهذه البلاد والأرضين بعد هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.