ندم المؤلف: كيت شوبان المترجم: موسوعتي |
، نشرت لأول مرة في مجلة Century مايو 1894، وأصبحت فيما بعد جزءً من مجموعة ليلة في أكادي، نوفمبر 1897. |
مامزيل أوريلي تمتلك مظهر قوي وجيد، وخدود حمر، والشعر الذي كان يتغيّر من البني إلى الرمادي، ونظرة مصرّة. تلبس قبعة الرجال في المزرعة، ومعطف جيش أزرق وقديم حين يكون بارد، وأحياناً أحذية كبيرة.
مامزيل أوريلي لم تفكّر بالزواج. لم تقع أبداً في الحب.في سن العشرين، تقدّم لها رجل للزواج، وهي رفضت بسرعة، وعند سن الخاممسين لم تكن قد عاشت لتندم لذلك.
لذلك كانت وحيدة تماماً في العالم، باستثناء كلبها بونتو، والزنوج الذين يعيشون في الأكواخ ويعملون في الزراعة، والطيور، وعدد قليل من البقر، وبغلين، بندقيتها (التي تقتل بها الطيور الجارحة)، ودينها.
ذات صباح وقفت مامزيل أوريلي في رواقها، وتتأمّل، بأيديها على وركيها، مجموعة صغيرة من الأطفال الصغار جداً الذين، وبكل النوايا والمقاصد، قد يكونون قد هبطوا من الغيوم، وكان مجيئهم غير متوقع وكان محيراً، وكان غير بالمرغوب فيه. كان هؤلاء الأطفال من أقرب جاراتها، أوديل، التي لم تكن، في نهاية المطاف، قريبة جداً.
الشابة قد وقفت أمامها قبل خمس دقائق، مع هؤلاء الأطفال الأربعة. في ذراعيها كانت تحمل إلودي الصغيرة؛ سحبت تينوم بيد غير راغبة؛ أمّا مارسيلين ومارسيليت تابعا بخطوات غير حازمة.
وكان وجهها أحمر ومشوهاً بالدموع والإثارة. وكانت قد استدعيت إلى الأبرشية المجاورة بسبب مرض أمها الخطير؛ وزوجها كان بعيداً في تكساس—يبدو لها ببعد المليون ميل عنها؛ وكان فالسان ينتظرها بعربة البغل لأخذها إلى المحطة.
«بدون شك، مامزيل أوريلي؛ يجب أن تحنفظي بهؤلاء الصغار لي حتى أرجع.الله عليم، فإنني لن أزعجك لو كانت هناك وسيلة أخرى! اجعليهم لك، مامزيل أوريلي؛ استفيدي منهم. أنا، هناك، أكون شبه مجنونة بين الصغار، وليون ليس في البيت، وربما لا أجد ماما حية!» -- إمكانية مروعة مما دفع أوديل إلى اتخاذ قرار نهائي متسرع ومتشنج لترك أسرتها التي تحتاج المواساة.
غادرتهم مزدحمين في الظلة الضيقة من على شرفة البيت الطويل، والمنخفض؛ ضوء الشمس الأبيض كان يضرب على لوحات بيضاء قديمة؛ بعض الدجاج تتخرّش في العشب عند أسفل السلم، واحدة جريئة منها صعدت بقوة، ويرسمية، ولتعبر الرواق دون هدف. كانت هناك رائحة وردية لطيفة في الهواء، وصوت ضحك الزنوج قادمة عبر حقل القطن المزهر.
وقفت مامزيل أوريلي تتأمل الأطفال. تابعت مارسيلين بنظرة نقدية، التي كانت تحت وطأة إلودي البدينة. واستطلعت مارسيليت بنفس الأسلوب المحاسب التي كانت صامتة بدموعها وحزن مسموع وتمرّد تينوم. وخلال تلك اللحظات القليلة التأملية جمّعت أفكارها، وحددت ما العمل التي ينبغي أن يكون كي تنفذ الواجب. فبدأت بإطعامهم.
إذا مسؤوليات مامزيل أوريلي قد بدأت وانتهت هنالك، سيكون قابل للفصل بسهولة؛ فمحتوى مخزنها كان كافياً لطارئة من هذا النوع. ولكن الأطفال الصغار ليسوا خنازير صغار: فهم يحتاجون يتطلبون الاهتمام الذي كان غير متوقع تماماً من قبل مامزيل أوريلي، والتي كانت بغير استعداد لإعطاءه.
إنها، في الواقع، غير ملائمة للغاية في إدارة أطفال أوديل خلال الأيام الأولى القليلة. كيف يمكنها أن تعرف بأن مارسيليت تبكي دوماً عندما تُحدَّث بنبرة صوت عال وآمر؟ كانت إحدى خصوصيات مارسيليت. تعرّفت على شغف تينوم للزهور فقط عندما كانت تلتقط كل زهور الغردينيا والورود الطيبة كي تدرس بناءها النباتية.
«لا يكفي أن تكلميه، مامزيل أوريلي،» أخبرتها مارسيلين؛ «عليك أن تربطيه إلى كرسي. هذا ما كانت تفعله ماما حين يكون مشاغباً: تربطه إلى كرسي.» الكرسي الذي ربطت مارسيلين تينوم كان فسيح ومريح، واغتنم الفرصة ليأخذ قيلولة فيه، وقد كان العصر حاراً.
في الليل، عندما أمرتهم كلهم إلى النوم كما لو كانت ترعي الدجاج إلى بيتها، وبقوا هناك جاهلين أمرها. ماذا عن قمصان النوم البيضاء التي يتعين اخذها من غلاف الوسادة التي جلبوها معهم، وتهز بيد قوية حتى تطقطق كالسوط؟ ماذا عن حوض الماء التي يتعين ووضع في وسط السطح، والذي فيه تغسل الأرجل الصغيرة المتعبة، المغبرّة، ومسمّرة بالشمس حتى تصبح حلوة ونظيفة؟ وجعل مارسيلين ومارسيليت يضحكا بمرح—الفكرة أن مامزيل أوريلي للحظة اعتقدت أن تينوم سيغفو إلى النوم دون إخباره قصّة كروك ميتان أو الذئب غارو، أو كليهما؛ أو أن إلوديقد تنام إن لم تهز بأغنية.
«أقول لك، العمة روبي،» أبلغت مامزيل أوريلي طباختها بسرية؛ «أنا، أفضل إدارة إثني عشر مزرعة بدلاً من أطفال أربعة. إنه متعب! إلهي! لا تحدثيني عن أطفال!»
«ليس من المتوقّع أنك تعرفين كل شيء عنهم، يا مامزيل أوريلي. أرى ذلك أمس بصراحة حين أرى ذاك الطفل الصغير يلعب مع كيس المفاتيح لديك. ألا تعرفين أن ذلك يجعلهم يكبرون ليكونوا أشخاص صعبين، أن يلعبوا مع المفاتيح؟ ذاك كما يجعل أسنانهم قوية إن نظروا في المرآة. تلك الأشياء التي يجب أن تعرفيها في إدارة الأطفال.»
مامزيل أوريلي بالتأكيد لم تتظاهر أو تتطلّع إلى ذلك المدى البعيد والخفي من المعرفة في الموضوع كما تمتلك العمة روبي، التي في أيامها «ربّت خمسة ودفنت ستّة.» كانت مسرورة لمعرفة القليل من حيل الأم كي تخدم حاجة اللحظة.
أصابع تينوم اللزجة رغمته على كشف مريلات بيضاء التي لم ترتدِها منذ سنوات، وكان عليها أن تعوّد نفسها لقبلاته الرطبة—العبارات ذو الطبيعة المحبّة والوافرة. رجعت لسلة الخياطة، والتي نادراً ما تُستخدم، من أعلى الدولاب، ووضعها في مكان قريب يسهل الوصول إليه والتي تطلبها الكسوات الممزقة. أخذها بضعة أيام حتى اعتادت على الضحك، والبكاء، والأحاديث التي ترددت أصداؤها في المنزل وحوله طوال اليوم. ولم تكن الليلة الأولى أو الثانية أن استطاعت النوم بسهولة مع بدن الصغيرة إلودي الساخنة، الممتلئة بقربها، ونفسها الحار على خدها كما لو كان هواء من جناح عصفور.
ولكن في نهاية أسبوعين مامزيل أوريلي اعتادت على هذه الأمور، ولم تعد تشكو.
كما كان في نهاية أسبوعين أن مامزيل أوريلي، في ليلة واحدة، تتطلع بعيداً نحو المكان حيث يتم تغذية البقر، ورأت عربة فالسان الزرقاء تلف في منعطف الطريق. جلست أوديل جوار الأسمر، ومستقيمة الظهر وفي حالة تأهب. وهم يتقرّبون، وجه الشابّة المبتهجة بيّن أن رجوعها كان سعيداً.
ولكن هذا الرجوع، غير معلنة وغير متوقعة، ألقى مامزيل أوريلي إلى رفرفة كما لو كانت قلقة. لا بد من جمع الأطفال. أين كان تينوم؟ هنالك في الورشة، يعمل كي تصبح سكينته حادّة. مارسيلين ومارسيليت؟ يقطّعا ويشكّلا دميات في ركن من الرواق. أما إلودي، فكانت آمنة بين يدي مامزيل أوريلي؛ وبدأت تصرخ بالسرور حين رأت العربة الزرقاء المعروفة التي كانت ترجع أمها إليها.
إنتهت الإثارة، وقد ذهبوا. كيف كان المكان هادئ بدونهم! مامزيل أوريلي وقفت على الرواق، وتنظر وتستمع. لم تعد تستطيع أن رؤية العربة؛ الشمس الغاربة الحمراء والمغيب الرمادي الأزرق رفع ضباب أرجواني على الحقول والطريق الذي أخفاها من نظرها. لم تعد تستطيع سماع صفير وصرير عجلاته. ولكنها يمكن أن تسمع بصوت ضعيف أصوات الأطفال الحادة السعيدة.
إلتفت إلى المنزل. الكثير من العمل ينتظرها، فالأطفال تركوا خلل حزين من بعدهم، إلا أنها لم تبدأ على الفور بتصحيح ذلك. مامزيل أوريلي جلست بجوار الطاولة. رمقت الغرفة ببطئ، التي كانت ظلال المساء تزحف، وتتعمّق حول جسدها الوحيد. أنزلت رأسها على ذراعها، وبدأت بالبكاء. أوه، لكنها بكت! لا بهدوء، كما تفعل النساء كثيراً. بكت وكأنها رجل، بتجهّش كما لو أنه يمزّق روحها. لم تلاحظ بونتو يلعق يدها.