حكم منوشهر مائة و عشرين عاما
و ساس البلاد بالعدل
قال صاحب الكتاب: لما مات أفريدون رضی الله عنه استقر منوشهر على سرير الملك فتسارع الناس الى طاعته، و أصفقوا على بيعته، و تناهبوا شكر اللّه تعالى على ما قيضه لهم من ميامن أيامه، و محاسن سيره. و أخلصوا الدعاء بثبات دولته و دوام مدّته فكان يحذو حذو جدّه فى عمارة العالم، و يتقيل أثره فى بت المعدلة و تحريض الخلائق على عبادة اللّه تعالى و التنكب عن معاصيه، و اتباع أوامره و نواهبه. و كان هو ثامن ملوك الفرس. و فى نوبته ولد زال الملقب بدستان الذى طن العالم بصيته، و استفاضت الأخبار عن رجوليته، و ضربت الأمثال به و بابنه فى الآفاق، و أصفق الخلائق على رجوليتهما بالانفاق.
و نصح منوشهر أولاده
ثم إن منوشهر لما أناف على مائة و عشرين سنة دنت وفاته، و جاءه المنجمون و نعوا اليه نفسه، و أنذروه بتقارب أجله، و انتهاء عمره. فجمع الموابذة و الهرابذة و الأمراء و القوّاد ، و دعا بولده نوذر فوعظه و نصحه و قال له: إن العاقل لا يغتر بالأمر و النهى، و لا يثق بهذا التاج و التخت.
فإنى قد نيفت على المائة و العشرين أعالج الخطوب، و أمارس الحروب. و نالتنى سعادة الملك أفريدون، و توصلت إلى أن أدركت ثار إيرج و انتقمت له من سلم و تور، و طهرت العالم من العبث و الفساد، و شيدت الدور و القصور، و عمرت المدن و البلاد. و هأنا الآن كأننى لم أكن من أهل الدنيا و قاطنيها.
و إنى مسلم إليك التاج و التخت كما سلمهما إلىّ أفريدون. و كأنى بك قد خلعت ما تلبسه من ذلك.
فاجهد ألا يتبعك من بعدك سوى الذكر الجميل. و ستتجدّد عن قليل نبوّة فيبعث اللّه عز و جل موسى نبيا بناحية المغرب. فصدّقه و آمن به و لا تحيدن عن طاعته. و تنكب سبيل مخالفته.
و سيخرج من الترك عسكر عظيم يملكون هذه الديار. فعليك بالصبر فإن أمامك أمورا عظاما و خطوبا صعابا. و ستلقى من ابن بشنك معضلة لا تبقى و لا تذر، و ذاهية يضيق بها عليك المورد و المصدر.
فاذا أناخ عليك الزمان بكلكله فاستعن بسام و ولده. و اعلم أن هذا الغصن الذى تفرّع الآن من دوحة زال سيدوّخ بلاد الترك و يتوغل ديارهم. و يطلب بثارك و ينتقم لك. فلما فرغ من مقالته هذه جرت دموعه على وجهه، و وقع البكاء و الشهيق على ولده. فتنفس منوشهر و غمض عينيه، و فاضت نفسه من غير مرض و لا وصب. و مضى لسبيله حميد الأثر مرضى السير، مشكور الورد و الصدر. و كانت مدّة ملكه مائة و عشرين سنة.