قد علم الجبر الذي نسب إليه جبريل، وهو كلّ الخيرات سبيل، أن في مسكني حماطة ما كانت قطّ أفانية، ولا الناكزة بها غانيةّ، تثمر من مودّة مولاي الشيخ الجليل، كبت الله عدوّه، وأدام رواحه إلى الفضّل وعدّوه، ما لو حملته العالية من الشجر، لدنت إلى الأرض غصونها، وأذيل من تلك الثمرة مصونها. والحماطة ضرب من الشجر، يقال لها إذا كانت رطبة: أفانية، فإذا يبست فهي حماطة. قال الشاعر:
| ||
إذا أمّ الوليِّد لم تطعني | حنوت لها يدي بعصا حماط |
وقلت لها: عليك بني أقيش، فإنّك غير معجبة الشَّطاط وتوصف الحماطة بإلف الحيّات لها، قال الشاعر:
| ||
أتيح لها، وكان أخا عيال، | شجاع في الحماطة مستكن |
وإن الحماطة التي في مقرّي لتجد من الشوق حماطة، ليست بالمصادفة إماطة. والحماطة حرقة القلب، قال الشاعر:
| ||
وهمٍّ تملأ الأحشاء منه | .................... |
فأما الحماطة المبدوء بها فهي حبة القلب، قال الشاعر:
| ||
رمت حماطة قلب غير منصرفٍ | عنها، بأسهم لحظ لم تكن غرباً |
وإنّ في طمري لحضباً ،وكلّ بأذاتي، لو نطق لذكر شذاتي ما هو بساكن في الشقاب، ولا بمتشرف على النقاب، ما ظهر في شتاء وصيف، ولا مرّ بجبل ولا خيف، يضمر من محبة مولاي الشيخ الجليل، ثبت الله أركان العلم بحياته،ما لا تضمره للولد أمّ، أكان سمُّها يدّكر أم فقد عندها السُّم. وليس هذا الحضب مجانساً للَّذي عناه الراجز في قوله:
| ||
وقد تطويت انطواء الحضب | ..................... |
وقد علم، أدام الله جمال البراعة بسلامته، أن الحضب ضرب من الحيات، وأنّه يقال لحبة القلب حضب، وإنّ في منزلي لأسود، وهو أعزّ عليّ من عنترة على زبيبة، وأكرم عندي من السُّليك، عند السُّلكة، وأحق بإيثاري من خفاف السُّلميّ بخبايا ندبة وهو أبداً محجوب، لا تجاب عنه الأغطية ولا يجوب، لو قدر لسافر إلى أن يلقاه، ولم يحد عن ذلك لشقاء يشقاه. وإنه إذ يذكر، ليؤنَّث في المنطق ويذكر، وما يعلم أنّه حقيقي التذكير، ولا تأنيثه المعتمد بنكير. لا أفتأ دائباً فيما رضي، على أنّه لا مدفع لما قضي. أعظمه أكثر من إعظام لخم الأسود بن المنذر وكندة الأسود بن معد يكرب، وبني نهشل بن دارم الأسود بن يعفر ذا المقال المطرب.
ولا يبرح مولعاً بذكره كإيلاع سحيم بعميرة في محضره ومبداه، ونصيب مولى أمّية بسعداه. وقد كان مثله مع الأسود بن زمعة، والأسود بن عبد يغوث ... والأسودين اللذين ذكرهما اليشكري في قوله:
| ||
فهداهم بالأسودين وأمر الله | بلغ يشقى به الأشقياء |
ومع أسودان الذي هو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيءّ، ومع أبي الأسود الذي ذكره امرؤ القيس، في قوله:
| ||
وذلك من خبرٍ جاءني | ونبَّئته عن أبي الأسود |
وما فارقه أبو الأسود الدؤلي في عمره طّرفة عين، في حال الراحة ولا الأين وقارن سويد بن أبي كاهل يرد به على المناهل. وحالف سويد بن الصامت، ما بين المبتهج والشامت. وساعف سويد بن صميع، في أيّام الرَّتب والرَّيع وسويد هذا، هو الذي يقول:
| ||
إذا طلبوا مني اليمين، منحتهم | يميناً كبرد الأتحميّ الممزق | |
وإن أحلفوني بالطّلاق، أتيتها | على خير ما كنّا، ولم نتفرق | |
وإن أحلفوني بالعتاق، فقد درى | عبيد غلامي أنّه غير معتق |
وكان يألف فراش سودة بن زمعة بن قيس امرأة النبيَّ، ﷺ، ويعرف مكانه الرسول، ولا ينحرف عنه السُّول، ودخل الجدث مع سوادة بن عديّ، وما ذلك بزول بديّ، وحضر في نادٍ حضره الأسودان اللّذان هما الهنم والماء، والحرة الغابرة والظَّلماء. وإنَّه لينفر عن الأبيضين، إذا كانا في الرَّهج معرَّضين، الأبيضان اللذان ينفر منهما: سيفان، أو سيف وسنان، ويصبر عليهما إذا وجدهما، قال الراجز:
| ||
الأبيضان أبردا عظامي | الماء والفتُّ بلا إدام |
ويرتاح إليهما في قول الآخر:
| ||
ولكنه يمضي في الحول كلُّه | وما لي إلاّ الأبيضين شراب |
فأمّا الأبيضان اللذان هما شحم وشباب، فإنّما تفرح بهما الربَّاب، وقد يبتهج بهما عند غيري، فأمّا أنا فيئسا من خيري. وكذلك الأحامرة والأحمران يعجب لهما أسود ران، فيتبعه حليف سترٍ، ما نزل به حادث هتر.