مقدمة ابن خلدون المؤلف: ابن خلدون |
القسم الأول من تفصيل الكلام على هذه الجغرافيا
إعلم أن الحكماء قسموا هذا المعمور كما تقدم ذكره على سبعة أقسام من الشمال إلى الجنوب يسمون كل قسم منها إقليماً فانقسم المعمور من الأرض كله على هذه السبعة الأقاليم كل واحد منها أخذ من الغرب إلى الشرق على طوله.
فالأول منها مار من المغرب إلى المشرق مع خط الاستواء بحده من جهة الجنوب و ليس وراءه هنالك إلا القفار و الرمال و بعض عمارة إن صحت فهي كلا عمارة و يليه من جهة شمالية الإقليم الثاني ثم الثالث كذلك ثم الرابع و الخامس و السادس و السابع و هو آخر العمران من جهة الشمال و ليس وراء السابع إلا الخلاء و القفار إلى أن ينتهي إلى البحر المحيط كالحال فيما وراء الإقليم الأول في جهة الجنوب إلا أن الخلاء في جهة الشمالي أقل بكثير من الخلاء الذي في جهة الجنوب.
ثم أن أزمنة الليل و النهار تتفاوت في هذه الأقاليم بسبب ميل الشمس عن دائرة معدلي النهار و ارتفاع القطب الشمالي عن آفاقها فيتفاوت قوس الليل و النهار لذلك و ينتهي طول الليل و النهار في آخر الإقليم الأول و ذلك عند حلول الشمس برأس الجدي لليل و برأس السرطان للنهار كل واحد منهما إلى ثلاث عشرة ساعة و كذلك في آخر الإقليم الثاني مما يلي الشمال فينتهي، طول النهار فيه عند حلول الشمس برأس السرطان و هو منقلبها الصيفي إلى ثلاث عشرة ساعة و نصف ساعين و مثله أطول الليل عند منقلبها الشتوي برأس الجدي و يبقى للأقصر من الليل و النهار ما يبقى بعد الثلاث عشرة و نصف من جملة أربع و عشرين الساعات الزمانية لمجموع الليل و النهار و هي دورة الفلك الكاملة و كذلك في آخر الإقليم الثالث مما يلي الشمال أيضاً ينتهيان إلى أربع عشرة ساعة و في آخر الرابع إلى أربع عشرة ساعة و نصف ساعة و في آخر الخامس إلى خمس عشرة ساعة و في آخر السادس إلى خمس عشرة ساعة و نصف و إلى آخر السابع إلى ست عشرة ساعة و هنالك ينقطع العمران فيكون تفاوت هذه الأقاليم في الأطول من ليلها و نهارها بنصف ساعة لكل إقليمه يتزايد من أوله في ناحية الجنوب إلى آخر في ناحية الشمال موزعة على أجزاء هذا البعد.
و أما عرض البلدان في هذه الأقاليم و هو عبارة عن بعد ما بين سمت رأس البلد و دائرة معدل النهار الذي هو سمت رأس خط الاستواء و بمثله سواء ينخفض القطب الجنوبي عن أفق ذلك البلد و يرتفع القطب الشمالي عنه و هو ثلاثة أبعاد متساوية تسمى عرض البلد كما مر ذلك قبل. و المتكلمون على هذه الجغرافيا قسموا كل واحد من هذه الأقاليم السبعة في طوله من المغرب إلى المشرق بعشرة أجزاء متساوية و يذكرون ما اشتمل عليه كل جزء منها من البلدان و الأمصار و الجبال و الأنهار و المسافات بينها في المسالك و نحن الآن نوجز القول في ذلك و نذكر مشاهير البلدان و الأنهار و البحار في كل جزء منها و نحاذي بذلك ما وقع في كتاب نزهة المشتاق الذي ألفه العلوي الأدريسي الحمودي لملك صقلية من الإفرنج و هو زخار بن زخار عندما كان نازلاً عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة مالقة و كان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السادسة و جمع له كتباً جمة للمسعودي و ابن خرداذيه و الحوقلي و القدري و ابن إسحاق المنجم و بطليموس و غيرهم و نبدأ منها بالإقليم الأول إلى آخرها و الله سبحانه و تعالى يعصمنا بمنه و فضله.
الإقليم الأول ، و فيه من جهة غربيه الجزائر الخالدات التي منها بدأ بطليموس بأخذ أطوال البلاد و ليست في بسيط الإقليم و إنما هي في البحر المحيط في جزر متكثرة أكبرها و أشهرها ثلاث و يقال أنها معمورة و قد بلغنا أن سفائن من الإفرنج مرت بها في أواسط هذه المائة و قاتلوهم فغنموا منهم و سبوا و باعوا بعض أسراهم بسواحل المغرب الأقصى و صاروا إلى خدمة السلطان فلما تعلموا اللسان العربي أخبروا عن حال جزائرهم و أنهم يحتفرون الأرض للزراعة بالقرون و أن الحديد مفقود بأرضهم و عيشهم من الشعير و ماشيتهم المعز و قتالهم بالحجارة يرمونها إلى خلف و عبادتهم السجود للشمس إذا طلعت و لا يعرفون ديناً و لم تبلغهم دعوة و لا يوقف على مكان هذه الجزائر إلا بالعثور لا بالقصد إليها لأن سفر السفن في البحر إنما هو بالرياح و معرفة جهات مهابها و إلى أين يوصل إذا مرت على الاستقامة من البلاد التي في ممر ذلك المهب و إذا اختلف المهب و علم حيث يوصل على الاستقامة حوذي به القلع محاذاة يحمل السفينة بها على قوانين في ذلك محصلة عند النواتية و الملاحين الذين هم رؤساء السفن في البحر و البلاد التي في حافات البحر الرومي و في عدوته مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه في الوجود و في وضعها في سواحل البحر على ترتيبها و مهاب الرياح و ممراتها على اختلافها معها في تلك الصحيفة و يسمونها الكنباص و عليها يعتمدون في أسفارهم و هذا كله مفقود في البحر المحيط فلذلك لا تلج فيه السفن لأنها إن غابت عن مرأى السواحل فقل أن تهتدي إلى الرجوع إليها مع ما ينعقد في جو هذا البحر و على سطح مائه من الأبخرة الممانعة للسفن في مسيرها و هي لبعدها لا تدركها أضواء الشمس المنعكسة من سطح الأرض فتحللها فلذلك عسر الاهتداء إليها و صعب الوقوف على خبرها. و أما الجزء الأول من هذا الإقليم ففيه مصب النيل الآتي من مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه و يسمى نيل السودان و يذهب إلى البحر المحيط فيصب فيه عند جزيرة أوليك و على هذا النيل مدينة سلا و تكرور و غانة و كلها لهذا العهد في مملكة ملك مالي من أمم السودان و إلى بلادهم تسافر تجار المغرب الأقصى و بالقرب منها من شماليها بلاد لمتونة و سائر طوائف الملثمين و مفاوز يجولون فيها و في جنوبي هذا النيل قوم من السودان يقال لهم (( لملم )) و هم كفار و يكتوون في وجوههم و أصداغهم و أهل غانة و التكرور يغيرون عليهم و يسبونهم و يبيعونهم للتجار فيجلبونهم إلى المغرب و كلهم عامة رقيقهم و ليس وراءهم في الجنوب عمران يعتبر إلا أناسي أقرب إلى الحيوان العجم من الناطق يسكنون الفيافي و الكهوف و يأكلون العشب و الحبوب غير مهيأة و ربما يأكل بعضهم بعضاً و ليسوا في عداد البشر. و فواكه بلاد السودان كلها من قصور صحراء المغرب مثل توات و تكدرارين و وركلان. فكان في غانة فيما يقال ملك و دولة لقوم من العلويين يعرفون ببني صالح و قال صاحب كتاب روجار إنه صالح بن عبد الله بن حسن بن الحسن و لا يعرف صالح هذا في ولد عبد الله بن حسن و قد ذهبت هذه الدولة لهذا العهد و صارت غانة لسلطان مالي و في شرقي هذا البلد في الجزء الثالث من الإقليم بلد ( كوكو ) على نهر ينبع من بعض الجبال هنالك و يمر مغرباً فيغوص في رمال الجزء الثالث و كان ملك كوكو قائماً بنفسه ثم استولى عليها سلطان مالي و أصبحت في مملكته و خربت لهذا العهد من أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مالي في محلها من تاريخ البربر و في جنوبي بلد كوكو بلاد كاتم من أمم السودان و بعدهم و نغارة على ضفة النيل من شماليه و في شرقي بلاد و نغارة و كاتم بلاد زغاوة و تاجرة المتصلة بأرض النوبة في الجزء الرابع من هذا الإقليم و فيه يمر نيل مصر ذاهباً من مبدإه عند خط الاستواء إلى البحر الرومي في الشمال و مخرج هذا النيل من جبل القمر الذي فوق خط الاستواء بست عشرة درجة و اختلفوا في ضبط هذه اللفظة فضبطها بعضهم يفتح القاف و الميم نسبة إلى قمر السماء لشدة بياضه و كثرة ضوءه و في كتاب المشترك لياقوت بضم القاف و سكون الميم نسبةً إلى قوم من أهل الهند و كذا ضبطه ابن سعيد فيخرج من هذا الجبل عشر عيون تجتمع كل خمسة منها في بحيرة و بينهما ستة أميال و يخرج من كل واحدة من البحيرتين ثلاثة أنهار تجتمع كلها في بطيحة واحدة في أسفلها جبل معترض يشق البحيرة من ناحية الشمال و ينقسم ماؤها بقسمين فيمر الغربي منه إلى بلاد السودان مغرباً حتى يصب في البحر المحيط و يخرج الشرقي منه ذاهباً إلى الشمال على بلاد الحبشة و النوبة و فيما بينهما و ينقسما في أعلى أرض مصر فيصب ثلاثة من جداوله في البحر الرومي عند الإسكندرية. و رشيد و دمياط و يصب واحد في بحيرة ملحة قبل أن يتصل بالبحر في وسط هذا الإقليم الأول و على هذا النيل به بلاد النوبة و الحبشة و بعض بلاد الواحات إلى أسوان و حاضرة بلاد النوبة مدينة دنقلة و هي في غربي هذا النيل و بعدها علوة و بلاق و بعدهما جبل الجنادل على ستة مراحل من بلاق في الشمال و هو جبل عال من جهة مصر و منخفض من جهة النوبة فينفذ فيه النيل و يصب في مهوى بعيد صباً هائلاً فلا يمكن أن تسلكه المراكب بل يحول الوسق من مراكب السودان فيحمل على الظهر إلى بلد أسوان قاعدة الصعيد إلى فوق الجنادل و بين الجنادل و أسوان اثنتا عشرة مرحلة و الواحات في غربيها عدوة النيل و هي الآن خراب و بها آثار العمارة القديمة. و في وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس منه بلاد الحبشة على واد يأتي من وراء خط الاستواء ذاهباً إلى أرض النوبة فيصب هناك في النيل الهابط إلى مصر و قد وهم فيه كثير من الناس و زعموا أنه من نيل القمر و بطليموس ذكره في كتاب الجغرافيا و ذكر أنه ليس من هذا النيل. و إلى وسط هذا الإقليم في الجزء الخاص ينتهي بحر الهند الذي يدخل من ناحية الصين و يغمر عامة هذا الإقليم إلى هذا الجزء الخامس فلا يبقى فيه عمران إلا ما كان في الجزائر التي في داخله و هي متمددة يقال تنتهي إلى ألف جزيرة أو فيما على سواحله من جهة الشمال و ليس منها في هذا الإقليم الأول إلا طرف من بلاد الصين في جهة الشرق و في بلاد اليمن. و في الجزء السادس من هذا الإقليم فيما بين البحرين الهابطين من هذا البحر الهندي إلى جهة الشمال و هما بحر قلزم و بحر فارس و فيما بينهما جزيرة العرب و تشتمل على بلاد اليمن و بلاد الشحر في شرقيها على ساحل هذا البحر الهندي و على بلاد الحجاز و اليمامة و ما إليهما كما نذكره في الإقليم الثاني و ما بعده فأما الذي على ساحل هذا البحر من غربيه فبلد زالع من أطراف بلاد الحبشة و مجالات البجة في شمالي الحبشة ما بين جبل العلاقي أعالي الصعيد و بين بحر القلزم الهابط من البحر الهندي و تحت بلاد زالع من جهة الشمال في هذا الجزء خليج باب المندب يضيق البحر الهابط هنالك بمزاحمة جبل المندب المائل في وسط البحر الهندي ممتداً مع ساحل اليمن من الجنوب إلى الشمال في طول اثني عشر ميلاً فيضيق البحر بسبب ذلك إلى أن يصير في عرض ثلاثة أميال أو نحوها و يسمى باب المندب و عليه تمر مراكب اليمن إلى ساحل السويس قريباً من مصر و تحت باب المندب جزيرة سواكن و دهلك و قبالته من غربيه مجالات البخة من أمم السودان كما ذكرناه و من شرقيه في هذا الجزء تهائم اليمن و منها على ساحله بلد علي بن يعقوب و في جهة الجنوب من بلد زالع و على ساحل هذا البحر من غربيه ترى بربر يتلو بعضها بعضاً و ينعطف من جنوبيه إلى آخر الجزء السادس و يليها هنالك من جهة شرقيها بلاد الزنج ثم بلاد سفالة من ساحله الجنوبي بلاد الوقواق متصلة إلى آخر الجزء العاشر من هذا الإقليم عند مدخل هذا البحر من البحر المحيط. و أما جزائر هذا البحر فكثيرة. من أعظمها جزيرة سرنديب مدورة الشكل. و بها الجبل المشهور يقال ليس في الأرض أعلى منه و هي قبالة سفالة. ثم جزيرة القمر و هي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة و تذهب إلى الشرق منحرفة بكثير إلى أن تقرب من سواحل أعالي الصين و يحتف بها في هذا البحر من جنوبيها جزائر الوقواق و من شرقيها جزائر السيلان إلى جزائر أخر في هذا البحر كثيرة العدد و فيها أنواع الطيب و الأفاويه و فيها يقال معادن الذهب و الزمرد و عامة أهلها على دين المجوسية و فيهم ملوك متعددون و بهذه الجزائر من أحوالي العمران عجائب ذكرها أهل الجغرافيا و على الضفة الشمالية من هذا البحر في الجزء السادس من هذا الإقليم بلاد اليمن كلها فمن جهة بحر القلزم بلد زبيد و المهجم و تهامة اليمن و بعدها بلد صغيرة مقر الإمامة الزبدية و هي بعيدة عن البحر الجنوبي و عن البحر الشرقي و فيما بعد ذلك مدينة عدن و في شمالها صنعاء و بعدهما إلى المشرق أرض الأحقاف و ظفار و بعدها أرض حضر موت ثم بلاد الشحر ما بين البحر الجنوبي و بحر فارس. و هذه القطعة من الجزء السادس هي التي الكشف عنها البحر من أجزاء هذا الإقليم الوسطى و ينكشف بعدها قليل من الجزء التاسع و أكثر منه من العاشر فيه أعالي بلاد الصين و من مدنه الشهيرة خانكو و قبالتها من جهة الشرق جزائر السيلان و قد تقدم ذكرها و هذا آخر الكلام في الإقليم الأول و الله سبحانه و تعالى و لي التوفيق بمنه و فضله.
الإقليم الثاني: و هو متصل بالأول من جهة الشمال و قبالة المغرب منه في البحر المحيط جزيرتان من الجزائر الخالدات التي مر ذكرها و في الجزء الأول و الثاني منه في الجانب الأعلى منهما أرض قنورية و بعدها في جهة الشرق أعالي أرض غانة ثم مجالات زغاوة من السودان و في الجانب الأسفل منهما صحراء نستر متصلة من الغرب إلى الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجار ما بين بلاد المغرب و بلاد السودان و فيها مجالات الملثمين من صنهاجة و هم شعوب كثيرة ما بين كزولة و لمتونة و مسراتة و لمطة و وريكة و على سمت هذه المفاوز شرقاً أرض فزان ثم مجالات أزكار من قبائل البربر ذاهبة إلى أعالي الجزء الثالث على سمتها في الشرق و بعدها من هذا الجزء الثالث و هي جهة الشمال منه بقية أرض وذان و على سمتها شرقاً أرض سنترية و تسمى الواحات الداخلة و في الجزء الرابع من أعلاه بقية أرض الباجويين ثم يعترض في وسط هذا الجزء بلاد الصعيد حافات النيل الذاهب من مبدأه في الإقليم الأول إلى مصبه في البحر فيمر في هذا الجزء بين الجبلين الحاجزين و هما جبل الواحات من غربيه و جبل المقطم من شرقيه و عليه من أعلاه بلد أسنا و أرمنت و يتصل كذلك حافاته إلى أسيوط و قوص ثم إلى صول و يفترق النيل هنالك على شعبين ينتهي الأيمن منهما في هذا الجزء عند اللاهون و الأيسر عند دلاص و فيما بينهما أعالي ديار مصر و في الشرق من جبل المقطم صحارى عيذاب ذاهبة في الجزء الخامس إلى أن تنتهي إلى بحر السويس و هو بحر القلزم الهابط من البحر الهندي في الجنوب إلى جهة الشمال و في عدوته الشرقية من هذا الجزء أرض الحجاز من جبل يلملم إلى بلاد يثرب في وسط الحجاز مكة شرفها الله و في ساحلها مدينة جدة تقابل بلد عيذاب في العدوة الغربية من هذا البحر. و في الجزء السادس من غربيه بلاد نجد أعلاها في الجنوب و تبالة و جرش إلى عكاظ من الشمال و تحت نجد من هذا الجزء بقية أرض الحجاز و على سمتها في الشرق بلاد نجران و خيبر و تحتها أرض اليمامة و على سمت نجران في الشرق أرض سبأ و مأرب ثم أرض الشحر و ينتهي إلى بحر فارس و هو البحر الثاني الهابط من البحر الهندي إلى الشمال كما مر و يذهب في هذا الجزء بانحراف إلى الغرب فيمر ما بين شرقيه و جوفيه قطعة مثلثة عليها من أعلاه مدينة قلهات و هي ساحل الشحر ثم تحتها على ساحله بلاد عمال. ثم بلاد البحرين و هجر منها في آخر الجزء و في الجزء السابع في الأعلى من غربيه قطعة من بحر فارس تتصل بم القطعة الأخرى في السادس و يغمر بحر الهند جانبه الأعلى كله و عليه هنالك بلاد السند إلى بلاد مكران و يقابلها بلاد الطوبران و هي من السند أيضاً فيتصل السند كله في الجانب الغربي من هذا الجزء و تحول المفاوز بينه و بين أرض الهند و يمر فيه نهره الآتي من ناحية بلاد الهند و يصب في البحر الهندي في الجنوب و أول بلاد الهند على ساحل البحر الهندي و في سمتها شرقاً بلاد بلهرا و تحتها الملتان بلاد الصنم المعظم عندهم، ثم إلى أسفل من السند، ثم إلى أعالي بلاد سجستان. و في الجزء الثامن من غربيه بقية بلاد بلهرا من الهند، و على سمتها شرقاً بلاد القندهار. ثم بلاد منيبار و في الجانب الأعلى على ساحل البحر الهندي و تحتها في الجالب الأسفل أرض كابل و بعدها شرقاً إلى البحر المحيط بلاد القنوج ما بين قشمير الداخلة و قشمير الخارجة عند آخر الإقليم و في الجزء التاسع ثم في الجانب الغربي منه بلاد الهند الأقصى و يتصل فيه إلى الجانب الشرقي فيتصل من أعلاه إلى العاشر و تبقى في أسفل ذلك الجانب قطعة من بلاد الصين فيها مدينة شيغون ثم تتصل بلاد الصين في الجزء العاشر كله إلى البحر المحيط و الله و رسوله أعلم و به سبحانه التوفيق و هو و لي الفضل و الكرم.
الإقليم الثالث: و هو متصل بالثاني من جهة الشمال ففي الجزء الأول منه و على نحو الثلث من أعلاه جبل درن معترض فيه من غربيه عند البحر المحيط إلى الشرق عند آخر و يسكن هذا الجبل من البربر أمم لا يحصيهم إلا خالقهم حسبما يأتي ذكره و في القطعة التي بين هذا الجبل و الإقليم الثاني و على البحر المحيط منها رباط ماسة و يتصل به شرقاً بلاد سوس و نول و على سمتها شرقاً بلاد درعة ثم بلاد سجلماسة ثم قطعة من صحراء نستر المفازة التي ذكرناها في الإقليم الثاني و هذا الجبل مطل على هذه البلاد كلها في هذا الجزء و هو قليل الثنايا و المسالك في هذه الناحية الغربية إلى أن يسامت وادي ملوية فتكثر ثناياه و مسالكه إلى أن ينتهي و في هذه الناحية منه أمم المصامدة ثم هنتانة ثم تينملك ثم كدميوه ثم مشكورة و ثم آخر المصامدة فيه ثم قبائل صنهاكة و هم صنهاجة و في آخر هذا الجزء منه بعض قبائل زناتة و يتصل به هنالك من جوفيه جبل أوراس و هو جبل كتامة و بعد ذلك أمم أخرى من البرابرة نذكرهم في أماكنهم. ثم إن جبل درن هذا من جهة غربيه مطل على بلاد المغرب الأقصى و هي في جوفيه ففي الناحية الجنوبية منها بلاد مراكش و أغمات و تادلاً و على البحر المحيط منها رباط أسفى و مدينة سلا و في الجوف عن بلاد مراكش بلاد فاس و مكناسة و تازا و قصر كتامة و هذه هي التي تسمى المغرب الأقصى في عرف أهلها و على ساحل البحر المحيط منها بلدان أصيلا و العرايش و في سمت هذه البلاد شرقاً بلاد المغرب الأوسط و قاعدتها تلمسان و في سواحلها على البحر الرومي بلد هنين و وهران و الجزائر لأن هذا البحر الرومي يخرج من البحر المحيط من خليج طنجة في الناحية الغربية من الإقليم الرابع و يذهب مشرقاً فينتهي إلى بلاد الشام فإذا خرج من الخليج المتضايق غير بعيد انفسح جنوباً و شمالاً فدخل في الإقليم الثالث و الخامس فلهذا كان على ساحله من هذا الإقليم الثالث الكثير في بلاده ثم يتصل ببلاد الجزائر من شرقيها بلاد بجاية في ساحل البحر
ثم قسطنطينية في الشرق منها و في آخر الجزء الأول و على مرحلة من هذا البحر في جنوبي هذه البلاد و مرتفعاً إلى جنوب المغرب الأوسط بلد أشير ثم بلد المسيلة ثم الزاب و قاعدته بسكرة تحت جبل أوراس المتصل بدرن كما مر و ذلك عند آخر هذا الجزء من جهة الشرق
و الجزء الثالث من هذا الإقليم على هيئة الجزء الأول ثم جبل درن على نحو الثلث من جنوبه ذاهباً فيه من غرب إلى شرق فيقسمه بقطعتين و يعبر البحر الرومي مسافة من شماله فالقطعة الجنوبية عن جبل درن غربيها كله مفاوز و في الشرق منها بلد عذامس و في سمتها شرقاً أرض و دان التي بقيتها في الإقليم الثاني كما مر و القطعة الجوفية عن جبل درن ما بينه و بين البحر الرومي في الغرب منها جبل أوراس و تبسة و الأوبس و على ساحل البحر بلد بونة ثم في سمت هذه البلاد شرقاً بلاد أفريقية فعلى ساحل البحر مدينة تونس ثم السوسة ثم المهدية و في جنوب هذه البلاد تحت جبل درن بلاد الجريد توزر و قفصة و نفراوة و فيما بينها و بين السواحل مدينة القيروان و جبل و سلات و سبيطلة و على سمت هذه البلاد كلها شرقاً بلد طرابلس على البحر الرومي و بإزائها في الجنوب جبل دمر و نقرة من قبائل هوارة متصلة بجبل درن و في مقابلة غذامس التي مر في نهرها في آخر القطعة الجنوبية و آخر هذا الجزء في الشرق سويقة ابن مشكورة على البحر و في جنوبها مجالات العرب في أرض و دان و في الجزء الثالث من هذا
الإقليم يمر أيضاً فيه جبل درن إلا أنه ينعطف عند آخر إلى الشمال و يذهب على سمته إلى أن يدخل في البحر الرومي و يسمى هنالك طرف أوثان و البحر الرومي من شماليه يغمر طائفة منه إلى أن يضايق ما بينه و بين جبل درن فالذي وراء الجبل في الجنوب و في الغرب منه بقية أرض و دان. و مجالات العرب فيها ثم زويلة ابن خطاب ثم رمال و قفار إلى آخر الجزء في الشرقي و فيما بين الجبل و البحر في الغرب منه بلد سرت على البحر ثم خلاء و قفار تجول فيها العرب ثم أجدابية ثم برقة عند منعطف الجبل ثم طلمسة على البحر هنالك ثم في شرقي المنعطف من الجبل مجالات هيب و رواحة إلى آخر الجزء و في الجزء الرابع من هذا الإقليم و في الأعلى من غربيه صحارى برقيق و أسفل منها بلاد هيب و رواحة ثم يدخل البحر الرومي في هذا الجزء فيغير طائفة منه إلى الجنوب حتى يزاحم طرفه الأعلى و يبقى بينه و بين آخر الجزء فيها قفار تجول فيها العرب و على سمتها شرقاً بلاد الفيوم و هي على مصب أحد الشعبين من النيل الذي يمر على اللاهون من بلاد الصعيد في الجزء الرابع من الإقليم الثاني و يصب في بحيرة فيوم و على سمته شرقاً أرض مصر و مدينتها الشهيرة على الشعب الثاني الذي يمر بدلاص من بلاد الصعيد عند آخر الجزء الثاني و يفترق هذا الشعب افتراقه ثانية من تحت مصر على شعبين آخرين من شطنوف و زفتي و ينقسم الأيمن منهما من قرمط بشعبين آخرين و يصب جميعها في البحر الرومي فعلى مصب الغربي من هذا الشعب بلد الإسكندرية و على مصب الوسط بلد رشيد و على مصب الشرقي بلد دمياط و بين مصر و القاهرة و بين هذه السواحل البحرية أسافل الديار المصرية كلها محشوة عمراناً و فلجاً و في الجزء الخاص من هذا الإقليم بلاد الشام و كثرها على ما أصف و ذلك لأن بحر القلزم ينتهي من الجنوب و في الغرب منه عند السويس لأنه في ممره مبتدىء من البحر الهندي إلى الشمال ينعطف آخذاً إلى جهة الغرب فتكون قطعة من انعطافه في الجزء طويلة فينتهي في الطرف الغربي منه إلى السويس و على هذه القطعة بغد السويس فاران ثم جبل الطور ثم أيلة مدين ثم الحوراء في آخرها و من هنالك ينعطف بساحله إلى الجنوب في أرضي الحجاز كما مر في الإقليم الثاني في الجزء الخامس منه
و في الناحية الشمالية من هذا الجزء قطعة من البحر الرومي غمرت كثيراً من غربيه عليها الفرما و العريش و قارب طرفها بلد القلزم فيضايق ما بينهما من هنالك و بقي شبه الباب مفضياً إلى أرض الشام و في غربي هذا الباب فحص التيه أرض جرداء لا تنبت كانت مجالاً لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر و قبل دخولهم إلى الشام أربعين سنة كما قصة القرآن، و في هذه القطعة من البحر الرومي في هذا الجزء طائفة من جزيرة قبرص و بقيتها في الإقليم الرابع كما نذكره و على ساحل هذه القطعة عند الطرف المتضايق لبحر السويس بلد العريش و هو آخر الديار المصرية و عسقلان و بينهما طرف هذا البحر ثم تنحط هذه القطعة في انعطافها من هنالك إلى الإقليم الرابع عند طرابلس و غزة و هنالك ينتهي البحر الرومي في جهة الشرق و على هذه القطعة أكثر سواحل الشام ففي شرقه غزة ثم عسقلان و بانحراف يسير عنها إلى الشمال بلد قيسارية ثم كذلك بلد عكاء ثم صور ثم صيداء ثم ينعطف البحر إلى الشمال في الإقليم الرابع و يقابل هذه البلاد الساحلية من هذه القطعة في هذا الجزء جبل عظيها يخرج من ساحل أيلة من بحر القلزم و يذهب في ناحية الشمال منحرفاً إلى الشرق إلى أن يجاوز هذا الجزء و يسمى جبل اللكام و كأنه حاجز بين أرض مصر و الشام ففي طرفه عند أيلة العقبة التي يفر عليها الحجاج من مصر إلى مكة ثم بعدها في ناحية الشمال مدفن الخليل عليه الصلاة و السلام عند جبل السراة يتصل من عند جبل اللكام المذكور من شمال العقبة ذاهباً على سمت الشرق ثم ينعطف قليلاً و في شرقه هنالك بلد الحجر و ديار ثمود و تيماء و دومة الجندل و هي أسافل الحجاز و فوقها جبل رضوى و حصون خيبر في جهة الجنوب عنها و فيما بين جبل السراة و بحر القلزم صحراء تبوك و في شمال جبل السراة مدينة القدس عند جبل اللكام ثم الأردن ثم طبرية و في شرقيها بلاد الغور إلى أذرعات و في سمتها دومة الجندل آخر هذا الجزء و هي آخر الحجاز.
و عند منعطف جبل اللكام إلى الشمال من آخر هذا الجزء مدينة دمشق مقابلة صيدا و بيروت من القطعة البحرية و جبل اللكام يعترض بينها و بينها و على سنت دمشق في الشرق مدينة بعلبك ثم مدينة حمص في الجهة الشمالية آخر الجزء عند منقطع جبل اللكام و في الشرق عن بعلبك و حمص بلد تدمر و مجالات البادية إلى آخر الجزء و في الجزء السادس من أعلاه مجالات الأعراب تحت بلاد نجد و اليمامة ما بين جبل العرج و الصمان إلى البحرين و هجر على بحر فارس و في أسافل هذا الجزء تحت المجالات بلد الحيرة و القادسية و مغايض الفرات. و فيما بعدها شرقاً مدينة البصرة و في هذا الجزء ينتهي بحر فارس عند عبادان و الأيلة من أسافل الجزء من شماله و يصب! فيه عند عبادان نهر دجلة بعد أن ينقسم بجداول كثيرة و تختلط به جداول أخرى من الفرات ثم تجتمع كلها عند عبادان و تصب في بحر فارس و هذه القطعة من البحر متسعة في أعلاه مضايقة في آخر في شرقيه و ضيقة عند منتهاه مضايقة للحد الشمالي منه و على عدوتها الغربية منه أسافل البحرين و هجر و الاحساء و في غربها أخطب و الصمان و بقية أرض اليمامة و على عدوته الشرقية سواحل فارس من أعلاها و هو من عند آخر الجزء من الشرق لما على طرف قد امتد من هذا البحر مشرقاً و وراءه إلى الجنوب في هذا الجزء جبال القفص من كرمان و تحت هرمز على الساحل بلد سيراف و نجيرم على ساحل هذا البحر و في شرقيه إلى آخر هذا الجزء و تحت هرمز بلاد فارس مثل سابور و دار أبجرد و نسا و إصطخر و الشاهجان و شيراز و هي قاعدتها كلها و تحت بلاد فارس إلى الشمال عند طرف البحر بلاد خوزستان و منها الأهواز و تستر و صدى و سابور و السوس و رام هرمز و غيرها و أزجال و هي حد ما بين فارس و خوزستان و في شرقي بلاد خوزستان جبال الأكراد متصلة إلى نواحي أصبهان و بها مساكنهم و مجالاتهم وراءها في أرض فارس و تسمى الرسوم. و في الجزء السابع في الأعلى منه من المغرب بقية جبال القفص و يليها من الجنوب و الشمال بلاد كرمان و مكران و من مدنها الرودن و الشيرجان و جيرفت و يزدشير و البهرج و تحت أرض كرمان إلى الشمال بقية بلاد فارس إلى حدود أصبهان و مدينة أصبهان في طرف هذا الجزء ما بين غربه و شماله ثم في المشرق عن بلاد كرمان و بلاد فارس أرض سجستان و كوهستان في الجنوب و أرض كوهستان في الشمال عنها و يتوسط بين كرمان و فارس و بين سجستان و كوهستان، و في وسط هذا الجزء المفاوز العظمى القليلة المسالك لصعوبتها من مدن سجستان بست الطاق و أما كوهستان فهي من بلاد خراسان و من مشاهير بلاد سرخس و قوهستان آخر الجزء. و في الجزء الثامن غربه و جنوبه مجالات الحلج من أمم الترك متصلة بأرض سجستان من غربها و بأرض كابل الهند من جنوبها و في الشمال عن هذه المجالاة جبال الغور و بلادها و قاعدتها غزنة فرضة الهند و في آخر الغور من الشمال بلاد أستراباذ ثم في الشمال غرباً إلى أخر الجزء بلاد هراة أوسط خراسان و بها أسفراين و قاشان و بوشنج و مرو الروذ و الطالقان و الجوزجان و تنتهي خراسان هنالك إلى نهر جيحون.