► فهرس :إسلام | نقلا عن: "دليل دورة الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله التاسعة لعام 1428هـ" المطبوع بواسطة المكتب التعاوني لتوعية الجاليات بصامطة، جيزان. | ☰ |
الحمد لله الذي نشر على منابر الكائنات أعلام التوحيد، ونكس رايات أهل الشرك والتنديد، وقصم بشدة بطشه كل جبار عنيد، وأيد بنصره وتأييده من أفرده بالتوحيد، وسقى قلوبهم بوابل الكتاب وطل السنة فأثمرت المعتقد الخالص والقول السديد، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، وما ربك بظلام للعبيد؛ أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله لذة النظر إلى وجهه في يوم المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المحصي المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، تعالى عن أن يكون له شريك في الملك أو ولي من الذل أو صاحبة أو ولد أو والد أو كفؤ أو نديد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله سيد الخلق وخاتم الرسل الكرام العبيد، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين جردوا سيوف الحق لإزهاق كل باطل وإرغام كل كفار عنيد.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله رحمكم الله، واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثا ولا سدى، بل والله خلقكم لأمر عظيم، وخطب جسيم، بينه في محكم تنزيله، وهو الحكيم في خلقه وشرعه الصادق في قيله، ومن أصدق من الله قيلا، وأبين دليلا: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } فأخبرنا تعالى أنه ما خلقنا إلا لعبادته، والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وأصل العبادة وقوامها الذي لا قوام لها بدونه هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل ونزلت به الكتب ومن أجله أمر بالجهاد، وفرض على كل فرد من الأفراد، ولأجله خلقت الدنيا والآخرة، والجامع له كلمة خفيفة اللفظ واسعة المعنى جليلة القدر، وهو لا إله إلا الله، كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة فهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره وساق شجرته وعمود فسطاطه، وبقية الأركان والفرائض متفرعة عنها متشعبة منها مكملات لها مقيدة بالتزام معناها، والعمل بمقتضاها، فهي العروة الوثقى التي قال الله تعالى: { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها } الآية، وهي العهد الذي ذكر الله تعالى في قوله: { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا }، وهي الحسنة التي ذكر الله عز وجل في قوله: { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون }، وهي كلمة الحق التي ذكر الله عز وجل في قوله: { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون }، وهي كلمة التقوى التي ذكر الله تعالى في قوله: { وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها }، وهي المثل الأعلى الذي ذكر الله تعالى: { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }، وهي الحسنى التي ذكر الله عز وجل في قوله: { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى }، وهي القول الثابت الذي قال الله عز وجل: { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } الآيات، وعنها يسأل الله الرسل وأممهم حيث يقول تعالى: { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين }، فيقول للرسل: { ماذا أجبتم } ويقول للأمم: { ماذا أجبتم المرسلين }، وفي الحديث: «لو أن السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله»، ولكنها قد قيدت بقيود ثقال، هي أثقل على من أضله الله من الجبال، وأشق عليه حملها من السلاسل والأغلال، أما من وفقه الله وهداه، ويسر له سبل النجاة، وجعل هواه تبعا لما جاء به رسوله ومصطفاه، فهي أسهل عليه وألذ لديه من العذب الزلال.
الأول: العلم بمعناها الذي دلت عليه وأرشدت إليه، قال الله تعالى: { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } أي شهدوا بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم، وفي مسلم عن عثمان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» فقيدها بالعلم بمعناها وهو نفي العبادة عن كل ما سوى الله عز وجل، وإثباتها لله وحده لا شريك له. أما من هذى بها هذيانا ككلام النائم لا يعلم معناها، فكيف ينفي ما نفت ويثبت ما أثبتت وهو لا يعلم شيئا من ذلك، أم كيف يعمل بمقتضى ما لا يعلمه.
الثاني: اليقين بما دلت عليه في الشهادة والغيب، المنافي لمناقضه من الشك والريب، قال تعالى: { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون }، فقصر الإيمان عليهم مع التقيد بكونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا، فلا إيمان لمن قالها شاكا مرتابا، ولو قالها بعدد الأنفاس، ولو صرح بها حتى يسمع جميع الناس، وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة»، وفيه من حديثه أيضا أن رسول الله ﷺ بعثه بنعليه فقال: «اذهب بنعليّ هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة» الحديث، فقيد استحقاق قائلها دخول الجنة وتبشيره بها بكونه غير شاك فيهما، وبكونه مستيقنا بها قلبه، والمعنى في ذلك واحد، فنفي الشك يفيد ثبوت اليقين، وثبوت اليقين يفيد نفي الشك.
الثالث: القبول لها المنافي لرد مدلولها، قال الله تعالى: { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } والآيات هنا المراد بها القرآن ومعظمه في حق هذه الكلمة، وذكروا ووعظوا، وهم لا يستكبرون أي عن الإيمان بالله وطاعته وذلك هو حقيقة التأله المنفي عن سوى الله بـ˝لا إله˝ المثبت له سبحانه بـ˝إلا الله˝، ولا رد أعظم من الاستكبار ولهذا قال تعالى في حق من ردها بعد أن ذكر ما وعدهم به من العذاب أنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، ويقولون: { أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون }، فلم يتركوا آلهتهم المنفية بلا إله ولم يقبلوا إثبات إلا الله، فقال تعالى تكذيبا لهم وتصديقا لنبيه ﷺ: { بل جاء بالحق وصدق المرسلين }، وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «مثل ما بعثني الله به من الدين والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بشر الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به»، فانظر هذا الحديث واعتبر به فهو عبرة لأولي الأبصار فإنك إذا أمعنت النظر فيه رأيته يحتوي على ما لم يتسع له المجلدات الكبار، والمقصود هنا أن المثلين الأولين لمن قبل هدي الله الذي هذه الكلمة أصله وإن كانوا على درجتين متفاوتتين، والمثل الثالث لمن لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبله فلم ينتفع هو ولم ينفع غيره، بل هو ضرر محض على نفسه وعلى غيره.
الرابع: الانقياد لمعناها المنافي لترك العمل بمقتضاها، قال الله تعالى: { ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى } الآية، يسلم وجهه إلى الله فينقاد ويقبل على طاعته وهو محسن أي موحد، فقد استمسك بالعروة الوثقى أي بلا إله إلا الله، فخرج بذلك من لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسنا فإنه لم يتمسك بها وهو المعني بقوله تعالى بعد ذلك { ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبؤهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور، نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ }، وفي الأربعين أن رسول الله ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» فجعل الشرط في الإيمان أن ينقاد لما جاء به الرسول ﷺ.
الخامس: إخلاص الدين لله عز وجل المنافي للشرك الذي لا يقبل معه، قال الله تعالى { ألا لله الدين الخالص }، وقال تعالى { فاعبد الله مخلصا له الدين }، وقال تعالى { قل الله أعبد مخلصا له ديني }، وقال تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }، وقال تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين } الآية، فجعل الله تعالى الشرط كونهم مع المؤمنين أن يخلصوا دينهم لله فمن قالها ظاهرا ولم يك مخلصا فليس هو مع المؤمنين بل هو مع المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار. وقال رسول الله ﷺ: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود وجابر وغيرهما، ولما قال له أبو هريرة من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله قال: «من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه»، وهذا مما لا يحتمل التأويل ولا يحتاج إلى تفصيل.
السادس: الصدق المنافي للكذب، وهو أن يتواطأ على ذلك القلب واللسان، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }، وقال تعالى في كشف ما أضمره المنافقون وهتك أستارهم حيث أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر: { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } فزاد الله قلوبهم مرضا وأنها لم تواطئ ألسنتهم فهم أشر من الكفار، ومأواهم الدرك الأسفل من النار، وقد بين الله عز وجل في سورة التوبة كثيرا من فضائحهم بقوله سبحانه وتعالى ومنهم ومنهم وكذا في سورة النساء وإذا جاءك المنافقون وغيرها يشهد سبحانه أنهم لكاذبون، وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي ﷺ «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار» متفق عليه. وفي حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ يسأل عن أركان الإسلام التي أعظمها هذه الكلمة لما أخبره النبي ﷺ بذلك قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: والله لا أزيد عليها ولا أنقص، فقال رسول الله ﷺ: «أفلح إن صدق»، فاشترط في فلاحه أن يكون صادقا فخرج بذلك الكاذب المنافق فإنه لا فلاح له أبدا بل له الخيبة والردى عياذا بالله من ذلك.
السابع: المحبة، وهو أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب في الله ويبغض في الله ويوالي في الله ويعادي في الله، قال تعالى: { والذين آمنوا أشد حبا لله }، وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } الآية، وقال تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } الآية، فوصف الله سبحانه عباده المؤمنين بأنهم أشد حبا وأنهم يحبهم ويحبونه وأنهم لا يوادون من حاد الله ورسوله ولا يتولوهم، قال تعالى: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين }، وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار»، وفيه أيضا عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
ثم اعلم أنه لا يكون من شهد أن لا إله إلا الله مؤمنا حتى يشهد أن محمدا رسول الله ﷺ مع التزامه فيها بجميع الشروط التي قدمناها مع أدلتها من الكتاب والسنة والتي فرقت بين هاتين الشهادتين وبين شروطها المذكورة منطوقا ومفهوما.
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله وسلم تصديقه في جميع ما أخبر به عن ربه عز وجل من أنباء ما قد سلف وأخبار ما سيأتي، وفي ما أحل من حلال وحرم من حرام، تصديقا جازما بيقين صادق لا شكوك تداخله ولا أوهام، والامتثال والانقياد لما أمر به من شرائع الإسلام، والكف والانتهاء عما نهى عنه من المحارم والأسقام، واتباع شريعته والتزام سنته في السر والجهر مع الرضا بما قضاه والاستسلام، وذلك لأنا إذا علمنا وتيقنا أنه رسول من عند الله عز وجل علمنا وتيقنا أن أمره ونهيه وجميع شرعه إنما هو تبليغ منه لما أمر به الله ونهى عنه وشرعه ولهذا قال تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا }، وقال تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }، وقال تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }، وقال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } فطاعة الرسول ﷺ هي من طاعة الله ومعصيته معصية لله واتباعه هو اتباع محاب الله ومرضاته وموجبات مغفرته ورحمته وتحكيمه هو تحكيم ما أنزل الله وكراهية حكمه كراهية حكم الله عز وجل، فهو ﷺ لم يأمر إلا بما أمر الله به، ولم ينهى إلا عما نهى الله عنه، ولم يشرع إلا بأمر من الله، ولم يحكم إلا بما أراد الله عز وجل ولهذا قال تعالى: { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين }، وقال تعالى: { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين }، وقال تعالى: { قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا، إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا }، وقال تعالى: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس }، فهو ﷺ عبد لا يُعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع فنشهد أنه عبد الله ورسوله، شرفه الله بالعبودية ونوه بوصفه بها في أشرف مقاماته، فقال تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا }، وقال تعالى: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } وقال: { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب }، وقال تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } إلى غير ذلك، وقد شهد تعالى بالرسالة فقال: { والله يعلم إنك لرسوله }، وقال تعالى: { محمد رسول الله }، وقال تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل }، وقال تعالى: { رسولا منهم يتلو عليهم آياته }، وقال تعالى: { عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }.
ونشهد بعموم رسالته إلى الناس جميعا جنهم وإنسهم، قال الله تعالى: { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون }، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»، وقد أخذ الله عز وجل ميثاق النبيين على الإيمان به فقال تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين }، ونشهد أن كل عامل بعد بعثته على خلاف ما بعث به ﷺ لن يقبل منه مثقال ذرة ولو عمل لأن الله بعثه بدين الإسلام والله تعالى يقول: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». ونشهد أنه ﷺ لم يتوفاه الله عز وجل حتى أكمل لنا به الدين وبلغ ما أرسله به البلاغ المبين، ولم يترك خيرا إلا دل الأمة عليه وأرشدهم إليه، ولا شرا إلا حذرهم منه ونهاهم عنه، وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد أنزل الله عز وجل في حجة الوداع التي هي آخر اجتماعه بالناس { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }، وفيها خطب ذلك الجمع العظيم وقال في خطبته تلك: «ألا هل بلغت، قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، ثلاثا يرفع إصبعه إلى السماء وينكثها إلى الناس اللهم اشهد» الحديث في الصحيحين.
ونشهد أنه خاتم النبيين ولا نبي بعده، ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب ومن صدقه فهو كافر، قال الله تعالى: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين }، وفي حديث الدجال في الصحيحين وغيرهما قال ﷺ إنه يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي، وكذا في المسند من حديث ثوبان رضي الله عنه: «وأنه يكون بعدي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي»، فهو ﷺ خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين حتى الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } قال أهل التفسير: ورفع بعضهم درجات هو محمد ﷺ، وفي حديث الشفاعة الطويل «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، ونؤمن بما أجراه الله على يديه من المعجزات الخوارق للعادة التي أعظمها القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقال فيه ﷺ: «إني تارك فيكم ما إذا تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله» الحديث في الصحيح، ونؤمن بما سيكرمه الله به في الآخرة من الكرامات التي أعظمها المقام المحمود الذي وعده، وأنه أول من يفتح له باب الجنة، إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت حصر، والأدلة من الكتاب والسنة على مطالب الشهادتين وشروطها أكثر من أن تحصر، وقد اقتصرنا في كل مسألة على دليل من الكتاب والسنة لقصد الاختصار وإلا فهو بعض من كل، ودق من جل، وقطرة من بحر، وفيه إن شاء الله كفاية لمن أراد الله إخراجه من الظلمات إلى النور، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.