► | ☰ |
مسألة من مسائل الإمام أبي عبد الله أحمد ابن حنبل في العقيدة في كلام الله عز وجل وإنكار قول الجهمية
أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي البغدادي, قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي قراءة عليه, وأنا اسمع, في شوال سنة أربع وتسعين وأربع مئة, أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب: أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى البزار ـ بهمذان ـ حدثنا صالح بن أحمد الحافظ, قال: سمعت عبد الله بن إسحاق بن سيامرد يقول:
التقيت مع المروذي لي بطرسوس, فقلت له : يا أبا بكر, كيف سمعت أبا عبد الله يقول في القرآن؟
قال: سمعت أبا عبد الله يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق, فمن قال: مخلوق, فهو كافر.
قلت: كيف سمعته يقول فيمن وقف؟
قال: هذا رجل سوء, وأخاف أن يدعو إلى خلق القرآن.
قلت له: يا أبا بكر, كيف سمعت أبا عبد الله يقول في اللفظ؟
قال: من قال لفظه في القرآن مخلوق فهو جهمي.
قلت أنا له: وأيش الجهمي؟
قال: شك في الله أربعين صباحاً.
قلت: من شك في الله فهو كافر.
قال: نعم.
فتوى الخطيب في مسألة الصفات
أخبرنا الشيخ أبو طالب المبارك بن علي الصيرفي ـ إذناً ـ قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني لي ـ قراءة عليه ـ وأنا اسمع في ربيع الأول من سنة ست وخمس مئة, قال: أخبرنا الخطيب الحافظ أبو بكر أحمد بن علي البغدادي قال:
كتب إلي بعض أهل دمشق يسألني عن مسائل ـ ذكرها , ـ فأجبته عن ذلك ـ وقرأه لنا في جواب ما سئل عنه ـ فقال: وقفت على ما كتب به الشيخ الفاضل , أدام الله تأييده وأحسن توفيقه وتسديده , وسكنت إلى ما تأدى إلي من علم أخباره , أجراها ... لي على آثاره , وأجيبه بما أرجو أن يقع وفاق اختياره , وأسأل الله العصمة من الزلل والتوفيق , لإدراك صواب القول والعمل , بمنه ورحمته . أما الكلام في الصفات : فإن ما رُوي منها في السنن والصحاح مذهب السلف ـ رضوان الله عليهم ـ إثباتها , وإجراؤها على ظواهرها , ونفي الكيفية والتشبيه عنها . وقد نفها قوم , فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه , وحققها من المثبتين قوم ,فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف . والقصد إن ما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمور , ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه .
والأصل في هذا : أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات , ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله , فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عز وجل هو إثبات وجود ,لا إثبات كيفية , فكذلك إثبات صفاته , إنما هو إثبات وجود , لا إثبات تحديد وتكييف . فإذا قلنا : لله تعالى يد , وسمع وبصر , فإن ما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه , ولا نقول : إن معنى اليد : القدرة , ولا معنى السمع والبصر : العلم , ولا نقول : إنها جوارح , ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح , وأدوات للفعل .
ونقول : إنما وجب إثباتها ؛ لأن التوقيف ورد بها , ووجب نفي التشبيه عنها ,لقوله تبارك وتعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [ الشورى : 11] وقوله عز وجل : ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص : 4] .
ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث , ولبسوا على من ضعف علمه , بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد , و لا يصح في الدين , ورموهم بكفر أهل التشبيه , وغفلة أهل التعطيل , أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات , يفهم منها المراد بظاهرها , وآيات متشابهات , لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم , ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع , فكذلك أخبار الرسول ﷺ جارية هذا المجرى , ومنزلة على هذا التنزيل , يرد المتشابه منها إلى المحكم , ويقبل الجميع .
فتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام :
منها: أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها ؛ لاستفاضتها وعدالة نقلتها , فيجب قبولها والإيمان بها , مع حفظ القلب أن يسبق إليه اعتقاد ما يقتضي تشبيه الله بخلقه , ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات , والتغير والحركات .
والقسم الثاني: أخبار ساقطة بأسانيد واهية , وألفاظ شنيعة , أجمع أهل العلم بالنقل على بطولها , فهذه لا يجوز الاشتغال بها , ولا التعريج عليها .
والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها , فقبلها البعض دون الكل , فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها ؛ فإني لم أشتغل بها , ولا تقدم مني جمع لها , و لعل ذلك يكون فيما بعد , إن شاء الله.