→ فصل في معنى نسبوه إلى الإجماع | مراتب الإجماع/الجزء الثاني فصل واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء أم لا المؤلف: ابن حزم |
عودة الى صفحة أبن حزم ← |
قال أبو محمد قد أوضحنا قبل والحمد لله رب العالمين أن الإجماع لا يكون البتة إلا عن نص منقول عن رسول الله ﷺ لا على باطل لم يأت من عند الله تعالى من رأي ذي رأي أو قياس من قائس يحكمان بالظن فإن ذلك كذلك والسؤال باق وهل نقبل نقل أهل الأهواء وروايتهم فقولنا في هذا وبالله تعالى التوفيق إن من يشهد بقلبه ولسانه أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن كل ما جاء به حق وأنه بريء من كل دين غير دين محمد ﷺ فهو المؤمن المسلم ونقله واجب قبوله إذا حفظ ما ينقل ما لم يمل إيمانه إلى كفر أو فسق وأهل الأهواء وأهل كل مقالة خالفت الحق وأهل كل عمل خالف الحق مسلمون أخطؤوا ما لم تقم عليهم الحجة فلا يكدح شيء من هذا في إيمانهم ولا في عدالتهم بل هم مأجورون على ما دانوا به من ذلك وعملوا أجرا واحدا إذا قصدوا به الخير ولا إثم عليهم في الخطأ لأن الله تعالى يقول { دعوهم لآبآئهم هو أقسط عند لله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في لدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان لله غفورا رحيما } ونقلهم واجب قبوله كما كانوا وكذلك شهادتهم حتى إذا قامت على أحد منهم الحجة في ذلك من نص قرآن أو سنة ما لم تخص ولا نسخت فأيما تمادى على التدين بخلاف الله عز وجل أو خلاف رسوله ﷺ أو نطق بذلك فهو كافر مرتد لقول الله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وإن لم يدن لذلك بقلبه ولا نطق به لسانه لكن تمادى على العمل بخلاف القرآن والسنة فهو فاسق بعمله مؤمن بحقده وقوله ولا يجوز قبول نقل كافر ولا فاسق ولا شهادتهما قال الله تعالى { يأيها لذين آمنوا إن جآءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }
وقد فرق بعض السلف بين الداعية وغير الداعية
قال أبو محمد وهذا خطأ فاحش وقول بلا برهان ولا يخلو المخالف للحق من أن يكون معذورا بأنه لم تقم عليه الحجة أو غير معذور لأنه قامت عليه الحجة فإن كان معذورا فالداعية وغير الداعية سواء كلاهما معذور مأجور وإن كان غير معذور لأنه قد قامت عليه الحجة فالداعية وغير الداعية سواء وكلاهما إما كافر كما قدمنا وإما فاسق كما وصفنا وبالله تعالى التوفيق
ولا فرق فيما ذكرنا بين من يخالف الحق بنحلة أو بفتيا إذا لم يفرق الله تعالى ولا رسوله ﷺ بين ذلك إنما قال { تبعوا مآ أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أوليآء قليلا ما تذكرون } عم عز وجل ولم يخص
قال بعضهم إن الصحابة اختلفوا في الفتيا فلم ينكر بعضهم على بعض بل أنكروا على من خالف في ذلك قلنا ليس كما قلتم إنما لم ينكروا على من لم تقم الحجة عليه في المسألة فقط
وأنكروا أشد الإنكار على من خالف بعد قيام الحجة عليه وكيف لم ينكروا وقد ضربوا على ذلك بالسيوف من خالفهم فأي إنكار أشد من هذا أو ليس عمر قد قال والله ما مات رسول الله ﷺ ولا يموت حتى يكون آخرنا موتا وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فما قدح هذا في عدالته إذ قال مخطئا ثم رجع إلى الحق إذ سمع القرآن { إنك ميت وإنهم ميتون } وإن المتمادي على هذا القول بعد قيام الحجة عليه كافر من جملة غالية السبائية أو ليس ابن عباس يقول أما تخافون أن يخسف الله بكم الأرض أقول لكم قال رسول الله ﷺ وتقولون قال أبو بكر وعمر
وكان إسحاق بن راهويه يقول فيما روى عنه محمد بن نصر المروزي في الإمام أنه سمعه يقول من صح عنده حديث عن النبي ﷺ ثم خالفه يعني باعتقاده فهو كافر
قال أبو محمد صدق والله إسحاق رحمه الله تعالى وبهذا نقول وقد روي عن عمر أنه قتل رجلا أبى عن حكم رسول الله ﷺ ورضي بحكم عمر وكيف لو أدرك عمر وابن عباس رضي الله عنهما وإسحاق رحمه الله من نقول له قال الله عز وجل كذا وقال رسول الله ﷺ كذا قال أبى سحنون ذلك ومن قلنا له هذا حكم رسول الله ﷺ فقال أنا في غنى عنه ما أحتاج إليه مع قول العلماء ومن قال لنا لو رأيت شيوخي يستدبرون القبلة في صلاتهم ما صليت إلى القبلة
والله ما في بدع أهل البدع شيء يفوق هذه
وليت شعري إن كان هؤلاء القوم مؤمنون بالله تعالى وبالبعث وبأنهم موقوفون وأن الله سيقول لهم ألم آمركم باتباع كتابي المنزل ونبيي المرسل ألم أنهكم عن اتباع آبائكم ورؤسائكم ألم آمركم برد ما تنازعتم فيه إلي وإلى رسولي وقدمت إليكم الوعيد فماذا أعدوا من الجواب لذلك الموقف الفظيع والمقام الشنيع والله لتطولن ندامتهم حين لا ينفعهم الندم وكأن به قد أزف وحل
نسأل الله أن يوزعنا شكر ما من علينا من اتباع كلامه وحكم رسوله ﷺ ومن أن بغض إلينا اتباع من دونه ودون رسوله ﷺ ونسأله أن يميتنا على ذلك وأن يفيء بأهل الجهالة والضلالة آمين آمين