→ أحكام العــدة | ابن حزم - المحلى أحكام العـــدة (مسألة 1992 - 1993) ابن حزم |
أحكام العـدة (مسألة 1994 - 2001) ← |
أحكام العـــدة
1992 - مسألة: العدد ثلاث: إما من طلاق في نكاح وطئها فيه مرة في الدهر فأكثر.
وأما من وفاة، سواء وطئها أو لم يطأها. وأما المعتقة إذا اختارت نفسها وفراق زوجها فإن هذه خاصة دون سائر وجوه الفسخ: عدتها عدة المطلقة سواء سواء.
وأما سائر وجوه الفسخ، والتي لم يطأها زوجها فلا عدة على واحدة منهن، ولهن أن ينكحن: ساعة الفسخ، وساعة الطلاق.
برهان ذلك: أن عدة الطلاق، والوفاة: مذكورة في القرآن، وكذلك سقوط المسقوطة العدة عن التي طلقت ولم يطأها المطلق في ذلك النكاح.
وأما المعتقة تختار فسخ نكاحها: فكما روينا من طريق أبي داود أنا عثمان بن أبي شيبة أنا عفان بن مسلم أنا همام بن يحيى عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس: أن زوج بريرة كان عبدا أسود اسمه مغيث فخيرها يعني رسول الله ﷺ وأمرها تعتد.
قال أبو محمد: فلو كانت عدة غير المذكورة في القرآن لبينها رسول الله ﷺ بلا شك، وإنما قلنا: إنها عدة الطلاق ; لأنها عدة من حي لا من ميت فصح إذ أمرها عليه الصلاة والسلام بأن تعتد من فراقها له وهو حي أنها العدة من مفارقة الحي بلا شك.
وأما سائر وجوه الفسخ سواء كانت من نكاح صحيح أو من عقد فاسد: فلا عدة في شيء من ذلك ; لأنه لم يوجب ذلك قرآن، ولا سنة، ولا حجة فيما سواهما. ولا يكون طلاق إلا في نكاح صحيح، وكذلك لا عدة من وفاة من ليس عقد زواجه صحيحا ; لأن الله تعالى لم يوجب عدة طلاق له، أو وفاة، إلا من زوج، ومن عقده فاسد ليس زوجا، فلا طلاق له، وإذ لا طلاق له فلا عدة من فراقه، وإذ ليس زوجا فلا عدة من وفاته ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. فإن قالوا: قسنا كل فسخ على المعتقة تختار فراق زوجها.
قلنا: القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأن جميع وجوه الفسخ لا خيار فيه للمنفسخ نكاحها إلا المعتقة فقد أجمعوا بلا خلاف على مفارقة حكمها لحكم سائر المنفسخ نكاحهن، والعدة الواجبة إنما هي حكم أمر الله تعالى به، ليس شيء منها لأستبراء الرحم.
برهان ذلك: أن المخالفين لنا في هذا لا يخالفوننا في أن العدة: على الصغيرة الموطوءة أي التي لا تحمل، والعجوز الكبيرة التي لا تحمل: في الطلاق والوفاة، ولو خالفونا في الطلاق في الصغيرة لكان قول الله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} حاكما بصحة قولنا وبطلان قولهم. ومعنى قوله تعالى: {إن ارتبتم} إنما هو إن ارتبتم كيف يكون حكمها لا يجوز غير ذلك ; لأن اللائي يئسن من المحيض لا يشك أحد في أنه لا يرتاب فيها بحمل.
وكذلك لا يختلفون في أن الخصي الذي بقي له من الذكر ما يولج، فإن على امرأته العدة وهو بلا شك لا يكون له ولد أبدا.
وكذلك لا يختلفون في أن من وطئ امرأته مرة، ثم غاب عنها عشرات السنين، ثم طلقها أن العدة عليها. ولا شك في أنها لا حمل بها، ولو كانت العدة خوف الحمل لاجزأت حيضة واحدة وبالله تعالى التوفيق.
1993 - مسألة: وعدة المطلقة الموطوءة التي تحيض ثلاثة قروء وهي بقية الطهر الذي طلقها فيه ولو أنها ساعة أو أقل أو أكثر ثم الحيضة التي تلي بقية ذلك الطهر، ثم طهر ثاني كامل، ثم الحيضة التي تليه، ثم طهر ثالث كامل: فإذا رأت أثره أول شيء من الحيض فقد تمت عدتها ولها أن تنكح حينئذ إن شاءت. واختلف الناس في هذا: فقالت كما قلنا.
وقالت طائفة: الأقراء الحيض مع اتفاق الجميع على الطاعة لقوله عز وجل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}.
قال أبو محمد: القروء جمع " قرء " والقرء في لغة العرب التي بها نزل القرآن: يقع على الطهر ويقع على الحيض، ويقع على الطهر والحيض: أنا بذلك أبو سعيد الجعفري أنا محمد بن علي المقري أنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس النحوي أنا أبو جعفر الطحاوي أنا محمد بن محمد بن حسان أنا عبد الملك بن هشام أنا أبو زيد الأنصاري قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول فذكره كما أوردنا وقال الأعشى: أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها غريم عزائكا مورثة مالا وفي الأصل رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فأراد الأطهار وقال آخر: يا رب ذي ضغن على قارض له قروء كقروء الحائض فأراد الحيض. وممن روي عنه مثل قولنا جماعة.
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها.
وبه إلى الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين مثل قول زيد نصا، قال الزهري: وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وبه يأخذ الزهري.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر مثل قول زيد المذكور نصا وهو قول أبان بن عثمان، والقاسم بن محمد بن أبي بكر. وبه يقول مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأبو سليمان، وأصحابهم. وقال بعض هؤلاء: إذا رأت أول الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها، ولا يجوز لها أن تتزوج حتى ترى الطهر من تلك الحيضة.
كما روينا من طريق سعيد بن منصور أنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور بن زيد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إذا حاضت الثالثة فقد برئت منه، إلا أنها لا تتزوج حتى تطهر.
ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد ذهبت منه قال يحيى فقلت له: أتتزوج في الحيضة الثالثة قال: لا، روي هذا القول عن إسحاق بن راهويه. وتوقفت في ذلك طائفة.
كما روينا عن الحجاج بن المنهال أنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن سليمان بن يسار قال طلق رجل امرأته طلقة أو طلقتين فلما دخلت في الحيضة الثالثة مات فطلبت ميراثه، فأتي معاوية بن أبي سفيان في ذلك، فأرسل في ذلك إلى رهط من أصحاب رسول الله ﷺ منهم: فضالة بن عبيد، فلم يجد عندهم بذلك علما. واضطرب في ذلك أحمد بن حنبل: فمرة قال: الأقراء الأطهار ومرة قال: الأقراء الحيض، ومرة توقف في ذلك. واختلف القائل بأنها الحيض: فقالت طائفة: له رجعة ما كانت في الحيضة الثالثة، فإذا رأت الطهر منها فلا رجعة عليها.
كما روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني عمرو بن مسلم عن طاووس قال: يراجعها ما كانت في الدم، وهو قول سعيد بن جبير.
روينا من طريق سعيد بن منصور أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال: هو أحق بها ما كانت في الدم، وهو قول ابن شبرمة، والأوزاعي، وروينا عن بعض الصحابة ما يدل على ذلك.
كما روينا من طريق مالك عن نافع، عن ابن عمر قال: عدة الأمة حيضتان، وعدة الحرة ثلاث حيض.
ومن طريق الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت مثل ذلك سواء سواء.
وقالت طائفة: كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن رفيع عن معبد الجهني قال: إذا غسلت فرجها من الحيضة الثالثة فقد بانت منه.
وقالت طائفة: إن له أن يرتجعها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم النخعي عن علقمة، عن ابن مسعود أنه كان عند عمر بن الخطاب فأتته امرأة مع رجل فقالت: طلقني ثم تركني حتى إذا كنت في آخر ثلاث حيض وانقطع عني الدم وضعت غسلي ونزعت ثيابي فقرع الباب وقال: قد راجعتك فقال عمر لأبن مسعود: ما تقول فيها فقال: أراه أحق بها ما دون أن تحل لها الصلاة، فقال له عمر: نعم ما رأيت، وأنا أرى ذلك.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن علي بن أبي طالب قال: لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة.
ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: أن رجلا طلق امرأته طلقة، فلما أرادت أن تغتسل من الحيضة الثالثة راجعها فاختصما إلى أبي موسى الأشعري، فاستحلفهما بالله الذي لا إله إلا هو لقد حلت لها الصلاة فأبت أن تحلف، فردها إليه وصح مثله أيضا، عن ابن مسعود.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: أرسل عثمان إلى أبي بن كعب في ذلك فقال أبي بن كعب: أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من حيضتها الثالثة، وتحل لها الصلاة قال: فما أعلم عثمان إلا أخذ بذلك.
ومن طريق وكيع عن محمد بن راشد عن مكحول عن معاذ بن جبل، وأبي الدرداء مثله.
ومن طريق وكيع عن عيسى الحناط عن الشعبي عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله ﷺ الخير، فالخير: منهم: أبو بكر، وعمر، وابن عباس: أنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
ومن طريق عبد الرزاق عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير: أن عبادة بن الصامت قال: لا تبين حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل لها الصلوات وصح هذا عن عطاء بن أبي رباح وعبد الكريم الجزري، وسعيد بن المسيب، والحسن بن حي، وسوى في ذلك بين المسلمة والذمية. وقال شريك بن عبد الله القاضي: إن فرطت في الغسل عشرين سنة فله الرجعة عليها.
قال أبو محمد: هذا ظاهر ما روينا عن الصحابة آنفا نعني القائلين: هو أحق بها ما لم تغتسل وتحل لها الصلوات.
وقالت طائفة: كما روينا عن عبد الرزاق، عن ابن جريج عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري قال: إلا أن ترى الطهر ثم تؤخر اغتسالها حتى تفوتها تلك الصلاة، فإن فعلت فقد بانت حينئذ. وبه يقول سفيان الثوري وأبو حنيفة،
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كانت حيضتها عشرة أيام فبتمامها تنقضي عدتها، ولا تحل للأزواج اغتسلت أو لم تغتسل، رأت الطهر أو لم تره. قالوا: وأما الذمية فبانقطاع الدم من الحيضة الثالثة تنقضي عدتها وتحل للأزواج كانت عدتها عشرا أو أقل من عشر، اغتسلت أو لم تغتسل. قالوا: وأما المسلمة التي حيضها أقل من عشرة أيام فله الرجعة عليها ما لم تغتسل كلها ولو لم يبق لها من الغسل إلا عضو واحد كامل. قالوا: وكان القياس أنه إن بقي لها عضو كامل لم تغسل أن لا يكون له عليها رجعة قالوا: ولكن ندع القياس، ونستحسن أن يكون له عليها الرجعة، فإن لم يبق لها أن تغسل إلا بعض عضو فلا رجعة له عليها، وقد حل لها الزواج. ولأبي حنيفة قول آخر وهو أنه إن بقي عليها من العضو أكثر من قدر الدرهم البغلي فله الرجعة عليها، فإن بقي عليها منه قدر الدرهم البغلي فلا رجعة له عليها، ولا يحل لها الزواج حتى تغسل تلك اللمعة. قال: فلو رأت الطهر من الحيضة الثالثة وهي مسافرة لا ماء معها فتيممت، فله عليها الرجعة ما لم تصل. قال: فلو وجدت ماء قد شرب منه حمار ولم تجد غيره فاغتسلت به، أو تيممت فلا رجعة له عليها، ولا يحل مع ذلك لها الزواج.
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد، وهو قول لا يعرف عن أحد قبله وكذلك تحديد من حد انقطاع العدة بأن يمضي لها وقت صلاة فلا تغتسل ; لأنه قول لا دليل على صحته أصلا، لا من قرآن، ولا من سنة، ولا رواية صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا قول صاحب. وكذلك قول من قال حتى تغسل فرجها من الحيضة الثالثة فسقطت هذه الأقوال كلها. ولم يبق إلا قول من قال: هو أحق بها ما لم تغتسل وتحل لها الصلاة، وقول من قال: إن بطهرها من الحيضة الثالثة تتم عدتها. وهو قولنا، فوجدنا حجة من قال: هو أحق بها ما لم تحل لها الصلوات يحتجون بأنه صح عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود،
وروي عن أبي بكر الصديق، وأبي موسى الأشعري، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وغيرهم، وإن لم يصح عنهم قالوا: ومثل هذا لا يقال بالرأي.
قال أبو محمد: وما نعلم لهم شغبا غير هذا، وهو باطل ; لأنه لا يحل أن يضاف إلى رسول الله ﷺ بالظن الذي أخبر عليه الصلاة والسلام أنه أكذب الحديث، ما لم يأت عنه عليه الصلاة والسلام لا سيما والثابت عن عمر، وابن مسعود ما ذكرنا قبل من أنه رأي رأياه لا عن أثر عندهما قالاه. ومع ذلك فلا يفرح الحنفيون بهذا الشغب، فهم أول مخالف للصحابة في هذا المكان ; لأن الثابت عمن ذكرنا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن له الرجعة ما لم تحل لها الصلاة، وهم يقطعون عنه الرجعة قبل أن تحل لها الصلاة إذا بقي لها شيء من أعضاء جسدها ولو قدر الدرهم.
قال أبو محمد: وقد خالف من ذكرنا هذا من رأى من الصحابة أن بدخولها في الحيضة الثالثة تتم عدتها فبطل هذا القول أيضا بلا شك إذ لا دليل على صحته من قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، فلم يبق إلا قول من قال إن بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة تتم عدتها، وهو قول من قال: الأقراء الحيض، فوجدنا من حجتهم أنه لو كان القرء الطهر لكانت العدة قرأين وشيئا من قرء والله تعالى أوجب ثلاث قروء. فصح أنها الحيض التي تستوفى ثلاث منها كاملة.
قال أبو محمد: ليس كذلك بل بعض القرء قرء بلا شك، وبعض الحيض حيض.
قال أبو محمد وذكروا ما روينا من طريق أبي داود أنا محمد بن مسعود أنا أبو عاصم، عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين عن النبي ﷺ قال: طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان. وحدثنا حمام، أخبرنا يحيى بن مالك بن عائذ أنا أبو الحسن بن أبي غسان أنا أبو يحيى زكريا ابن يحيى الساجي أنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي أنا عمر بن شبيب المسلي أنا عبد الله بن عيسى عن عطية، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان.
قال أبو محمد: هذان خبران ساقطان لا يجوز الأحتجاج بهما ; لأن مظاهر بن أسلم ضعيف، وكذلك عمر بن شبيب، وعطية ضعيفان لا يحتج بهما، ولو صح أحدهما أو كلاهما لما خالفناه.
قال أبو محمد: فإن ذكر ذاكر الخبر الثابت عن رسول الله ﷺ، أنه قال للمستحاضة: إذا أتاك قرؤك فلا تصلي وإذا مر القرء تطهري ثم صلي من القرء إلى القرء والخبر الثابت عنه عليه السلام أنه أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها. قلنا: لم ننكر أن الحيض يسمى قرءا، كما أنكم لا تنكرون أن الطهر يسمى قرءا، وإنما اختلفنا في أي ذلك المراد من قوله تعالى: {ثلاثة قروء}. وقالوا: إنما أمر الله تعالى بطلاق النساء لأستقبال العدة. قالوا: فلو كان القرء هو الطهر لكان مطلقا في العدة .
فقلنا: هذا خطأ من حكمكم وبنائكم على مقدمة صحيحة ونعم، إن الطلاق إنما أمر الله تعالى بالطلاق في استقبال العدة، فلو كانت العدة التي هي الأقراء الحيض، لكان بين الطلاق وبين أول العدة مدة ليست فيها معتدة، وهذا باطل.
قال أبو محمد: فسقط كل ما احتجوا به وبقي قولنا فوجدنا حجة من قال به: ما روينا من طريق البخاري أنا إسماعيل بن عبد الله أنا مالك عن نافع، عن ابن عمر: أنه طلق امرأته، وهي حائض، فسأل عمر رسول الله ﷺ عن ذلك فقال رسول الله ﷺ مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء. فأشار رسول الله ﷺ إلى الطهر، وأخبر أنه العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء
فصح أن القرء هو الطهر.
وأيضا فإن العدة واجبة فرضا إثر الطلاق بلا مهلة فصح أنها الطهر المتصل بالطلاق، لا الحيض الذي لا يتصل بالطلاق. ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلق حائضا أن تعتد بتلك الحيضة قرءا وقد قال بذلك الحسن.
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة عن مطر الوراق عن الحسن فيمن طلق امرأته ثلاثا وهي حائض أنها تعتد بها من أقرائها. وقال ابن أبي عروبة: وحدثني قتادة، وأبو معشر، قال قتادة عن سعيد بن المسيب، وقال أبو معشر عن إبراهيم، قالا جميعا: لا تعتد بها.
قال أبو محمد: وأي القولين كان مراد الله تعالى، فالأقراء الأطهار أم الحيض فإن قولنا يقتضيهما جميعا ; لأن الطلاق يقع في الطهر فهو قرء، ثم الطهر الثاني، ثم الثالث، وبين الطهر الأول والثاني حيض، ثم بين الثاني والثالث حيض، ثم دفعة حيض آخر الثلاث. وقد قلنا: إن بعض الحيض حيض، وبعض الطهر طهر، وبعض القرء قرء، فهي ثلاثة أقراء بكل حال وبقول الحسن نقول إن طلقها ثلاثا وهي حائض فإنها تعتد بتلك الحيضة، ثم بالطهر الذي يليها، ثم بالحيضة الثانية ثم بالطهر الثاني، ثم بالحيضة الثالثة فإذا رأت الطهر منها فهو طهر ثالث حلت به للأزواج، وهكذا القول في عدة الأمة التي تعتق فتختار فراق زوجها إن كانت حين ذلك حائضا، ولا فرق.
وكذلك نقول في المطلقة ثلاثا في طهر مسها فيه، وفي المعتقة تختار فراق زوجها أنهما يعتدان بذلك الطهر قرءا. وقد صح عن الزهري أنها لا تعتد به، لكن بثلاثة أقراء مستأنفة. قالب:محلى ابن حزم - المجلد الخامس/أحكام العدة