→ كتاب المضاربة | ابن حزم - المحلى كتاب المضاربة (مسألة 1367 - 1377) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الإقرار ← |
كتاب المضاربة وهي القراض
1367 - مسألة : القراض كان في الجاهلية ، وكانت قريش أهل تجارة لا معاش لهم من غيرها وفيهم الشيخ الكبير الذي لا يطيق السفر ، والمرأة والصغير ، واليتيم ، فكانوا وذوو الشغل والمرض يعطون المال مضاربة لمن يتجر به بجزء مسمى من الربح فأقر رسول الله ﷺ ذلك في الإسلام وعمل به المسلمون عملا متيقنا لا خلاف فيه ، ولو وجد فيه خلاف ما التفت إليه ؛ لأنه نقل كافة بعد كافة إلى زمن رسول الله ﷺ وعلمه بذلك . { وقد خرج ﷺ في قراض بمال خديجة رضي الله عنها } .
1368 - مسألة : والقراض إنما هو بالدنانير والدراهم - ولا يجوز بغير ذلك ، إلا بأن يعطيه العرض فيأمره ببيعه بثمن محدود ، وبأن يأخذ الثمن فيعمل به قراضا ، لأن هذا مجمع عليه ، وما عداه مختلف فيه ولا نص بإيجابه ، ولا حكم لأحد في ماله إلا بما أباحه له النص . وممن منع من القراض بغير الدنانير ، والدراهم : الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو سليمان ، وغيرهم .
1369 - مسألة : ولا يجوز القراض إلى أجل مسمى أصلا إلا ما جاء به نص ، أو إجماع . ولا يجوز أن يشترط عبدا يعمل معه ، أو أجيرا يعمل معه ، أو جزءا من الربح لفلان ؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل . وأما المالكيون ، والشافعيون : فتناقضوا ههنا فقالوا في القراض كما قلنا ، وقالوا في " المساقاة " لا تجوز ألبتة إلا إلى أجل مسمى . وكذلك قالوا في " المزارعة " في الموضع الذي أجازوها فيه - ولا فرق بين شيء من ذلك مع خلافهم في " المزارعة " و " المساقاة " السنة الواردة في ذلك ، وتركوا القياس أيضا - وبالله تعالى التوفيق .
1370 - مسألة : ولا يجوز القراض إلا بأن يسميا السهم الذي يتقارضان عليه من الربح ، كسدس ، أو ربع ، أو ثلث ، أو نصف ، أو نحو ذلك ، ويبينا ما لكل واحد منهما من الربح ؛ لأنه إن لم يكن هكذا لم يكن قراضا ولا عرفا ما يعمل العامل عليه فهو باطل - وبالله تعالى التوفيق .
1371 - مسألة : ولا يحل للعامل أن يأكل من المال شيئا ولا أن يلبس منه شيئا ، لا في سفر ولا في حضر . روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال : ما أكل المضارب فهو دين عليه . وصح عن إبراهيم ، والحسن : أن نفقته من جميع المال - قال إبراهيم : وكسوته كذلك قال ابن سيرين ليس كذلك . وقولنا ههنا هو قول الشافعي ، وأحمد ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة ، ومالك : أما في الحضر فكما قلنا ، وأما في السفر فيأكل منه ويكتسي منه ويركب منه بالمعروف - إذا كان المال كثيرا - وإلا فلا ، إلا أن مالكا قال : له في الحضر أن يتغذى منه بالأفلس . وهذا تقسيم في غاية الفساد ؛ لأنه بلا دليل ، وليت شعري ما مقدار المال الكثير الذي أباحوا هذا فيه ؟ وما مقدار القليل الذي منعوه فيه ؟ وهذا كله باطل لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فلا يجوز اشتراطه - فإن لم يشترط فهو أكل مال بالباطل . ثم أيضا يعود المال إلى الجهالة فلا يدري ما يخرج منه ؟ ولا ما يبقى منه ؟ وقليل الحرام حرام - ولو أنه مقدار ذرة ، وكثير الحلال حلال - ولو أنه الدنيا وما فيها . فإن قالوا هو ساع في مصلحة المال ؟ قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ وإنما هو ساع لربح يرجوه ، فإنما يسعى في حظ نفسه .
1372 - مسألة : وكل ربح ربحاه فلهما أن يتقاسماه ، فإن لم يفعلا وتركا الأمر بحسبه ثم خسر في المال فلا ربح للعامل ، وأما إذا اقتسما الربح فقد ملك كل واحد منهما ما صار له ، فلا يسقط ملكه عنه ؛ لأنهما على هذا تعاملا ، وعلى أن يكون لكل واحد منهما حظ من الربح ، فإذا اقتسماه فهو عقدهما المتفق على جوازه ، فإن لم يقتسماه فقد تطوعا بترك حقهما وذلك مباح .
1373 - مسألة : ولا ضمان على العامل فيما تلف من المال - ولو تلف كله - ولا فيما خسر فيه ، ولا شيء له على رب المال ، إلا أن يتعدى أو يضيع فيضمن ، لقول رسول الله ﷺ { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .
1374 - مسألة : وأيهما أراد ترك العمل فله ذلك ويجبر العامل على بيع السلع معجلا - خسر أو ربح - لأنه لا مدة في القراض ، فإذ ليس فيه مدة فلا يجوز أن يجبر الآبي منهما على التمادي في عمل لا يريده أحدهما في ماله ، ولا يريده الآخر في عمله ، ولا يجوز التأخير في ذلك ؛ لأنه لا يدري كم يكون التأخير ؟ وقد تسمو قيمة السلع ، وقد تنحط ، فإيجاب التأخير في ذلك خطأ ، ولا يلزم أحدا أن يبيح ماله لغيره ليموله به . والعجب ممن ألزم ههنا إجبار صاحب المال على الصبر حتى يكون للسلع سوق ليمول بذلك العامل من مال غيره ، وهو لا يرى إجباره على تدارك من يموت جوعا من ذوي رحمه ، أو غيرهم ، بما يقيم رمقه ، وهذا عكس الحقائق - وبالله تعالى التوفيق .
1375 - مسألة : وإن تعدى العامل فربح ، فإن كان اشترى في ذمته ووزن من مال القراض فحكمه حكم الغاصب - وقد صار ضامنا للمال إن تلف أو لما تلف منه بالتعدي ، ويكون الربح له ، لأن الشرى له . وإن كان اشترى بمال القراض نفسه فالشرى فاسد مفسوخ ، فإن لم يوجد صاحبه البائع منه فالربح للمساكين ؛ لأنه مال لا يعرف له صاحب . وهذا قول النخعي ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان ، وابن شبرمة ، وأبي سليمان - وبالله تعالى التوفيق .
1376 - مسألة : وأيهما مات بطل القراض - : أما في موت صاحب المال فلأن المال قد صار للورثة ، وقد قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . أما في موت العامل ، فلقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وعقد الذي له المال إنما كان مع الميت لا مع وارثه ، إلا أن عمل العامل بعد موت صاحب المال ليس تعديا ، وعمل الوارث بعد موت العامل إصلاح للمال . وقد قال الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } فلا ضمان على العامل ، ولا على وارثه إن تلف المال بغير تعد ، ويكون الربح كله لصاحب المال ، أو لوارثه ، ويكون للعامل ههنا أو لورثته أجر مثل عمله فقط ، لقوله تعالى : { والحرمات قصاص } فحرمة عمله يجب له أن يقاص بمثلها ؛ لأنه محسن معين على بر - وبالله تعالى التوفيق .
1377 - مسألة : وإن اشترى العامل من مال القراض جارية فوطئها فهو زان عليه حد الزنا ؛ لأن أصل الملك لغيره ، وولده منها رقيق لصاحب المال . وكذلك ولد الماشية ، وممر الشجر ، وكرى الدور ؛ لأنه شيء حدث في ماله ، وإنما للعامل حظه من الربح فقط ، ولا يسمى ربحا إلا ما نما بالبيع فقط - وبالله تعالى التوفيق .