→ باب ذكر الاستواء | مجموع فتاوى ابن تيمية فصل في لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن ابن تيمية |
فصل في ذكرهم أن الشيخ طلب تفويض الحكم إلى شخص معين ← |
فصل في لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن
ما ذكرتم من لين الكلام، والمخاطبة بالتي هي أحسن، فأنتم تعلمون أني من أكثر الناس استعمالًا لهذا، لكن كل شيء في موضعه حسن، وحيث أمر الله ورسوله بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة، فنحن مأمورون بمقابلته، لم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن. ومن المعلوم أن الله تعالى يقول: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [1] فمن كان مؤمنًا فإنه الأعلى بنص القرآن.
وقال: {وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [2] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ. كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [3] والله محقق وعده لمن هو كذلك كائنًا من كان.
ومما يجب أن يعلم: أنه لا يسوغ في العقل ولا الدين طلب رضا المخلوقين لوجهين:
أحدهما: أن هذا غير ممكن، كما قال الشافعي رضي الله عنه: الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه ولا تعانه.
والثاني: أنا مأمورون بأن نتحرى رضا الله ورسوله، كما قال تعالى: {وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [4]، وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحدًا إلا الله، كما قال تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [5]، وقال: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [6]، وقال: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [7]، {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [8]. فعلينا أن نخاف الله، ونتقيه في الناس، فلا نظلمهم بقلوبنا، ولا جوارحنا، ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا، ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم.
ومن لزم هذه الطريقة كانت العاقبة له كما كتبت عائشة إلى معاوية: أما بعد: فإنه من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس، وعاد حامده من الناس ذامًا. ومن التمس رضا الله بسخط الناس رضى الله عنه، وأرضى عنه الناس.
فالمؤمن لا تكون فكرته وقصده إلا رضا ربه، واجتناب سخطه والعاقبة له، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا مع أن المرسل فرح بهذه الأمور جُوَّانيه في الباطن، وكل ما يظهره فإنه مراءاة لقرينه، وإلا فهما في الباطن متباينان. وثم أمور تعرفها خاصتهم، ويكفيك الطيبرسي قد تواتر عنه الفرح والاستبشار بما جرى مع أنه المخاصم، المغلظ عليه.
وهذا سواء كان أو لم يكن الأصل الذي يجب اتباعه هو الأول وقول النبي ﷺ: «لا تبدؤوهم بقتال، وإن أكثبوكم فارموهم بالنبل». على الرأس والعين، ولم نرم إلا بعد أن قصدوا شرنا وبعد أن أكثبونا ؛ ولهذا نفع الله بذلك.
هامش
- ↑ [آل عمران: 139]
- ↑ [المنافقون: 8]
- ↑ [المجادلة 20: 21]
- ↑ [التوبة: 62]
- ↑ [آل عمران: 175]
- ↑ [المائدة: 44]
- ↑ [النحل: 51]
- ↑ [البقرة: 41]