مجلة المقتبس/العدد 93/الألمانية والإفرنسية
→ ../ | مجلة المقتبس - العدد 93 الألمانية والإفرنسية [[مؤلف:|]] |
جرمانيا الكبرى ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1914 |
شعر العامّة والخاصّة في العهد الأخير بالحاجة الشّديدة إلى معرفة اللغة الألمانيّة في هذه الدِّيار وفي غيرها من البلاد التي حالفت جرمانيا وكانت هذه الحرب التي أدهش فيها الألمان بعلومهم وتفنُّنهم في المسائل الحربية والاجتماعية والاقتصادية من أكبر الدواعي إلى ذلك وكان الخاصة من قبل يشعرون هذا الشُّعور ولكن قلَّة أطماع ألمانيا في امتلاك بلاد الشَّرق الأقرب لم يحملها كما حمل فرنسا منذ القديم على أن تبذل همَّتها لنشر لغتها فيه وتركت المسائل لطبيعتها خصوصاً ومن سياسة ألمانيا أن لا تميل إلى تجزئة قوتها فتفضِّل نشر علمها على قطعةٍ صغيرة وراء حدودها على أن تستعمر مملكةً واسعةً في إفريقية وآسيا كما هو حال فرنسا. وحال ألمانيا في نشر لغتها تبعاً لسياستها بالطَّبيعة.
ولم نفتأ بالمناسبات منذ خمس عشرة سنةً نشير على ناشئتنا بتلقُّف هذا اللسان ونحسن لأصحاب الشأن في الأمر ودعاة العلم الصحيح نشره في مصر والشّام خاصةً ولقد قلنا في رحلتناغرائب الغربالتي نُشِرت سنة1327 - 19. 9 ما نصُّه: إنَّ اقتصارنا نحن معشر العثمانيين والمصريين والسُّوريين خاصَّةً على اللغة ألفرنساوية في الأكثر هو من الاحتكار الضّارّ فيجب أن نعرف كلّنا أو بعضنا لغة أمَّةٍ كبرى تريد أن تحارب العالم حرباً اقتصادية حتى لا يكون مثلنا مثل لفرنسيس مع جيرانهم الألمان قبل حرب السَّبعين جهلوا ما لديهم نم ماديَّاتهم فخسروا في ماديّاتهم ومعنوياتهم.
نعم نتوفَّر على الأخذ من أوربا كل ما تمتاز به مملكة من ممالكها فنحول وجهتنا بعد الآن إلى جرمانيا نتعلَّم علومها واقتصادها ومتاجرها وبريَّتها ونأخذ من فرنسا الزراعة والحقوق وعن إنكلترا السِّياسة والعلوم البحريَّة وعن إيطاليا الصنائع النَّفيسة ونجعل للغة الألمانية والإيطاليَّة حظَّاً من عنايتنا حتَّى لا نكون حكرةً مضَّرةً لحكومةٍ خاصَّةٍ من حكومات الغرب فنحن كما نريد في السِّياسة أن نعامل الدُّول كلّها بوئام يجب أن نأخذ عن كلِّ دولةٍ راقيةٍ أحسن ما عندها حتى لا نكون من الجامدين على أمَّةٍ بعينها والجامدون في مسائل الِّين كالجامدين في مسائل الدُّنيا لا يخلو حالهم من ضرر على المجتمع
ولمّا رحلنا إلى الغرب في رحلتنا الثَّنية نبحث عن موادٍّ قديمةٍ وحديثةٍ لكتابنا خطط الشَّامالذي أخذناه منذ زمنٍ نعني بتأليفه اجتمعنا بالعلاّمة كويدي المستشرق الإيطالي فكان مما سألنا إياه فيما إذا كنّا نعرف اللغة الألمانيَّة فأسف كثيراً على هذا القصور وق كنتم تعرفون هذه اللغة كما تعرفون الإفرنسيَّة لسهل عليكم اقتباس المواد التي تحتاجونها إلى كتابكم وكشف حقائقٍ عن تاريخ عمران بلادكم. ثم انقلبنا بعد شهرين إلى بلاد المجر واجتمعنا بالعلاَّمة غولدصير المستشرق المجري وهو كالسّنيور كويدي من أئمة المشرقيَّات في الغرب المشار إليهم بالبنان فسألنا في خلال الحديث ونحن نسترشده لإيجاد موادًّ لكتابنا إذا كنّا نعرف الألمانية فقال لنا مثل مقال صاحبه الإيطالي وزاد تلهفنا كثيراً قوله أن معظم ما نريده في هذا الموضوع مكتوبٌ محضَّر بهذه اللغة لا يحتاج إلا إلى ترجمةٍ ونشرٍ
ولا عجب أن أصبح اللسان الألماني مصدراً لنا في تاريخ أمّتنا ونحن أمّةٌ متأخِّرة في مضمار العلم فالألمان لكثرة الأخصّائيين في كلِّ شيءٍ عندهم أصبحوا حجّةً في العلوم والآداب في الغرب كلِّه ويكفي أن أهم كتب الطِّبِّ في اللغة الإنكليزيَّة منقولة عن مؤلفي الألمان وأهمُّ كتب الفلسفة عند لفرنسيس مترجمةٌ عن علماء ألمانيا وفلاسفتها وانَّ زهاء نصف ما نُشر باللغة العربيَّة من آداب قومنا وتاريخهم وعمرانهم ولسانهم نشره الألمان وعلَّقوا عليه الشُّروح والحواشي والتّحقيقات الممتعة والفهارس النَّافعة والباقي نشره الأمريكان والإنكليز ولفرنسيس والرّوس والطّليان والإسبان والسّويسريّون والنّمساويّون والمجريّون والهولنديون والسّويديّون وغيرهم من أمم الحضارة وكان علينا بعد أن انتشرت تجارة ألمانيا في العالم ونازعت التجارة الإنكليزيَّة الأميركيَّة وغيرها أن نسعى إلى أن نحذق هذا اللسان كما حذقنا الإفرنسيّة والإنكليزيّة حديثاً وحذقنا الإيطاليَّة قديماً وتعلَّم بعضنا الرّوسيّة واليونانيَّة وإلى اليوم لا يوجد سوى أفراد قلائل تحقّقوا بأجزاء هذه اللغة من رجال الجيش العثماني أو من سكان فلسطين وسورية ممن درسوا في مدارس القدس وحيفا ويافا وحلب وكلها معاهد في التعليم جديدةٌ نشأت وارتقت بعد استحكام صلات التقّرب بين ألمانيا والعثمانيّة وبعد إنشاء الخطِّ البغدادي ومسيس الحاجة إلى موظفين من أبناء هذه البلاد الألمانية كما يعرفون العربية والتركيّة. فقصّر الألمان وقصّرنا في نحن أيضاً في هذا السّبيل.
ومن الأسباب التي قعدت حقيقة باللغة الألمانية عن الانتشار في هذه الديار أيضاً أن بروسيا كانت كألمانيا اليوم تحب أن ترقي بنفسها وجيرانها أولا والأقربون أولى بالمعروف وكانت من الدول الثانوية في الغرب فلما أصبحت ألمانيا بالوحدة الألمانية دولة كثيرة الحصا كبيرة الواقعة وغلبت فرنسا في حرب السبعين أخذت لغتها تنتشر في الغرب بطبيعة الحال. أما الآن فإذا كتب النصر الأخير للألمان على خصومهم تصبح لغتهم أو تكاد عامة بين الأمم كما أصبحت اللغة الإفرنسية
من قبل وانتشرت بالقوى التي بذلها لويز الرابع ونابليون.
جاء في تاريخ جودت أن المعارف ألفرنساوية انتشرت بكثرة على عهد لويز الرابع عشر حتى حصل للأمم جمعاء آنسة بها وانتشرت آداب لفرنسيس في كل أمة وأصبح هذا الملك يتدخل في شؤون الممالك الأوروبية فعم تعليم اللسان ألفرنساوي منذ ذاك العهد وأصبحت الأمور السياسية تكتب بالافرنسية. وذكر أيضاً أن معاهدة قينارجة بين العثمانيين والروسيين كتبت من جهتنا بالتركية والإيطالية ومن جهة روسيا بالروسية والإيطالية وفي ذلك دليل اللغة الإيطالية كانت إلى ذاك الوقت معتمداً علها أكثر من الإفرنسية في الغرب.
وذكر سنيوبوس أن الآداب الفرنسوية انتشرت في القرن الرابع عشر حتى عمت الغرب وأصبح اللسان ألفرنساوي لغة جميع المجتمعات الراقية بل اللسان الرسمي
(1) هي قصبة صغيرة على 7. كيلوامتراً من جنوب سلسترة في بلغاريا اشتهرت بأنها كانت محل عقد المعاهدة بين العثمانية وروسيا على عهد عبد الحميد الأول وكاترينا الثّانية سنة 1774م
(2) تاريخ الحضارة لشارل سنيوبوس يتخاطب به رجال السياسة في الحكومات وبه ينشؤون المعاهدات وأصبح من المألوف في كل مكان تعليم أبناء الأسر الشريفة اللغة ألفرنسية وأن تمثل القصص ألفرنسية ويتحدث الناس ي القاعات باللسان ألفرنسي وبالغ الألمان في هذا السبيل كثيراً حتى أن الأمراء ورجال البلاط الملوكي أمسوا لا يعرفون حتى اللغة الألمانية وينظرون إلى هذه اللهجة بأّنها تصلح للقرويّين والعملة وألف ملك بروسيا كتبه باللغة ألفرنسية وأخذت ماري تيريز تراسل وزراءها بالافرنسية واقترح المجمع العلمي في برلين أواخر القرن الثامن عشر أن يكون موضوع المسابقة في بيان شرف اللغة ألفرنسية.
والغالب أن اللغة ألفرنسية لم تحرز كل هذا القبول في قلوب الأمم لمزية فيها ليست لغيرها بل لأن السياسة قضت بانتشارها ولأن أهلها توفروا على نشرها بأن نشأ لهم أدباء وفلاسفة وعلماء استفاضت بن العالمين شهرتهم واللغات في الدول تابعة في النباهة والخمول لحالة الدولة التي تحمي حماها وإلا فليست الإيطالية مثلاً دون الإفرنسية بجمالها ورنتها بل ربما كانت أسهل منها ومع هذا نازعتها الإفرنسية من عهد لويز الرابع عشر الذي طالت أيامه واشتهرت بكثرة نوابغها في الشعر والأدب والنقد الأخلاقي والفلسفة والتاريخ والفنون.
قالت مدام دي ستايل في كتابها (ألمانيا) الذي ألفته في سنة 181. منذ عهد لويز الرابع عشر أخذت جميع المجتمعات الجميلة في القارة الأوروبية تحصر وكدها في تقليد ألفرنساويين ما عدا الإسبانيين وإيطاليا وقد اعتقد القوم في فينّا (وكانت إذ ذاك مهد الألمانية)
وأفرطوا في اعتقادهم أن من إمارة الظرف أن لا يتكلم المرء بغير الإفرنسية على حين ليس المجد ولا الظرف في كل بلد إلا عبارة عن ألفكر الوطني والصفات الوطنية وقد أُدهش الفرنسويون أوروبا ولا سينا ألمانيا ببراعتهم في الرقائق والأضاحيك ولقد كان البولونيون والروسيون وهم بهجة المجتمع في فينّا لا يتكلمون بغير اللغة ألفرنسية ويحاولون أن يبعدوا عن تلك العاصمة روح الألمانية. وللبولونات أساليب تأخذ بمجامع القلوب في مزجهم التصورات الشرقية إلى مرونة ألفكر ألفرنساوي وحدته - انتهى المقصود منه.
قلنا وقد كان للروس غرام لارنسية بدأ ذلك على عهد بطرس الأكبر مصلح روسيا الحديثة وواضع أساس نهضتها الذي خبع رقبة القديم ولغتها المدنية الغربية بدون قيد ولا شر وكان في روسيا من حيث حب التجدد كالسلطان سليم الثالث العثماني ولكن المحيط ساعد الأول أكثر من هذا الثاني فقبل المدنية الهولندية والمدنية الفرنسوية وأسس الكليات وأسس الكليات العظمى ونظم الأساطيل ودرب الجيوش ومن عهده شاعت الإفرنسية بين طبقات الشعب الراقية وكادت تكون لغة التخاطب في القصور والمجامع العامة وعمت قواعد البلاد الروسية ولا يزال إثر ذلك ظاهراً للعيان في مملكة القياصرة حتى اليوم.
وكل دروب الغرب تعني بتعليم اللغة ألفرنسية عناية فائقة في كلياتها وجامعاتها بل في مدارسها الوسطى وقل في خاصة الأم الأوروبية والأمريكية من لم يحأول أن يتكلم بها الباريزي نفسه لمسيس حاجته إليها في العلم والسياسة والتجارة والصناعات بحيث أصبحت على طول الزمن عامة حقيقة ولها شيء من المرونة واللّطف وهذا على ما تظن ماحدا بعلماء هذه اللغة وأهل الأدب منها أن يتوفّروا على تحسينها وترويجها الكتب المنوّعة والمجلات وجميع أساليب النّشر.
أمّا في هذا الشّرق الأقرب ونعني به البلاد العثمانيّة والمصرية والإيرانية فقد انتشرت في أواخر القرن الثّامن عشر وزاد انتشارها أكثر بعد عهد نابليون بونابرت فإنّ الحكومة العثمانية بعثت بعثات علمية كثيرة إلى مدارس فرنسا يتعلمون فيها العلوم ويتخرّجون في هذه اللغة وكذلك محمد علي الكبير فإنّه اقتصر في إرسال التّلامذة إلى مدارس فرنسا ليعودوا منها فينظّموا شؤون بلاده على أحدث الطّرق الغربية وكان مستشاروه جماعة من أكابر علماء فرنسا وهم الذين اكتشفوا الآثار المصرية باكتشاف الخطّ الهيروغليفي وأنشأوا المتاحف والحدائق العامة والقناطر والسّدود وأقاموا عمران مصر الحديثة وكان منهم جماعة نابليون ومنهم الذين جاؤوها بعد وبواسطة المدارس والبعثات التي أسسها محمد علي انتشرت اللغة ألفرنسية في وادي النيل.
وكلما كانت المطامع السياسية في هذه البلاد تزداد كانت المدارس تشاد وتنفق عليها فرنسا عن سعة. قال صاحب كتاب المسألة الشرقية لما صح العزم على تخريج طبقة من الناس في المملكة العثمانية يتولون أعمالها ويستلمون زعامتها بدون أن يكون لتعاليم الدينية تأثير فيهم أنشأت الحكومة العثمانية في الأستانة تحت حماية كلٍّ من فؤاد باشا ناظر الخارجية وسفير فرنسا إذ ذاك بحسب الخطّة التي رسمها فيكتور دروي (وزير المعارف في فرنسا) مدرسة غلطة سراي وهي مدرسة وسطى فتحت أبوابها لقبول الرعايا العثمانيين وأدار شؤونها أساتذة أوروبّيّون يعلِّمون باللغة الإفرنسيّة وكان ذلك رمزاً لعمل فرنسا الحريصة على تعليم الشّعوب الشّرقيّة بلغتها مبادئ المدنيّة الغربيّة فافتتحت هذه المدرسة يوم1أيلول 1868م واشتدَّ الاعتراض على هذا العمل وثارت خصّيصاً ثورة المتعصّبين الجامدين وأنشأ الرّوسيّون يهزؤون من هذا البابل في اختلاط الألسنة في هذه المدرسة وبلغ تلامذتها في السّنة القابلة ستمائة تلميذاً وكان ذلك أسعد دورٍ في التّنظيمات الخيريّة.
وقال رينيه بينون يعجب السّائح ألفرنساوي ويداخله السّرور عندما يدخل الشّرق إذ يسمع حيثما ينقلب نغمة لغته يرنُّ صداها ويجد حتّى في صميم بلاد آسيا الصّغرى مدارس فرنساويّة غاصّة بالأطفال من جميع العناصر والأديان يتعلّمون تهجئة حروف لغتنا ويستعدّون لمعرفة بلادنا تحت إدارة راهبةٍ أو أختٍ فرنساويّة صالحة يختلف أكثر من مئة ألف تلميذٍ إلى المدارس التي معظمها لرهبانٍ خصَّتها الحكومة ألفرنساويَّة بشيءٍ من المال مسانهةً أو حمتها حمايةً فقط ويزيد عدد هذه المدارس سنةً بعد أخرى وهؤلاء الأطفال ينبثون في أطراف المملكة وفي البيوت التّجاريّة والسّكك الحديديّة والمصارف يحسنون سمعة فرنسا وينشرون لغتها وآدابها ومدنيّتها. قال ومن كلّيّة بيروت الزّاهرة التّي يديرها الآباء اليسوعيون والّتي كتب في حقّها غوستاف لوردميه أنّ ليس في فرنسا مدينة كبرى تكون معاهد تعليمها العالي أكثر استعداداً من كلّيّة بيروت حتّى تصل إلى المدارس الحقيرة في المدن الصّغرى في أرمينية ومكدونية تجد أخوات القدّيس منصور يوزّعن بدون نظر إلى مذهب وقوميّة قليلاً من المعلومات ويقمن بالإسعافات الطّبية ويعملن كثيراً من الإحسان. قلنا وهذا سرّ حماية فرنسا لرجال الدّين في الشّرق يطردونهم من بلادهم ويحمونها في غيرها لأنهم هنا يتوفّرون على نشر لسانهم ومناحيهم وما تخال يرجع ذلك لهم بعد الحرب بعد أن نزعت منهم امتيازات الأجانب وشعرت الأمة العثمانية بالحاجة إلى تعليم وطنيّ تكون صيغته حبّ البلاد ومعرفة ما ينعشها.
ثم غمرت فرنسا (المقتبس م 7 ص 162) بلادنا بالمعاهد الخيريّة والتهذيبية بهمة جمعية أخوة المدارس المسيحية وجمعية راهبات المحبة وكان مبشّروها ينزلون ربوع سوريا بالرغم مما قام في سبيلها من المصاعب وكانت فرنسا أبلغت مخصصاتها لمدارس مخصصاتها لمدارس سوريا وفلسطين إلى زهاء مليوني فرنك منها 45. . . . لمدارس الرهبنات و383. . . للمدارس المدنية و45. . . لمدارس مختلفة 122. . . للمعاهد الطبية هذا هو الظاهر في ميزانيتها عن سنة 1911م وهناك جمعيات تعمل على نشر التربية ألفرنساوية مثل جمعية أعمال مدارس الشرق التي أسست عام 1856م وجمعت اموالاً طائلة وزعتها على المعاهد الخيرية ومدارس الرهبنات في الشرق تبلغ قيمتها 3. . . . . فرنك ومثل مدارس الاتحاد الإسرائيلي ومثل مدارس الجمعية العلمانية وكلما كانت فرنسا ترى ألمانيا وإيطاليا وإنكلترا وأميركا تعنى بفتح المدارس في هذه الربوع كانت فرنسا تزيد المال المبذول في هذا السبيل وتنوّع الأساليب لبلوغ الغاية.
ونمت في السنين الأخيرة أعمال ألمانيا نموّاً غريباً إذ أسست كثيراً من المدارس الابتدائية وعدّة مدارس عالية ومدرسة إكليريكية في القدس وغيرها من صناعية ومستشفيات معتمدة في كلّ ذلك على الجمعيات الكاثوليكية الإنجيلية الألمانية وعلى اللجان الجنسية التي تستمد قوتها من الاتحاد النمساوي العام وقد فتحت في ميزانيتها اعتماد قدره 85. ألف مارك ينفق على معاهدها في سوريا وفلسطين. هذا إلى المدارس التي أنشئت منذ القديم في بيروت وحيفا ثم في حلب والأستانة وجميع ما تقدّم من منافسة الألمانية للإفرنسية قليل جداً لأننا لم نسمع برجل منّا نبغ حتى الآن في اللغة الجرمانية ويرى النابغين في ألفرنسية أكثر من أن يعدوا في قواعد البلاد مثل مصر والإسكندرية والأستانة وأزمير وسلانيك وبيروت حتى أن بعض الأُسرة تركت لفتها الأصلية وأصبحت تتخاطب وتتكاتب باللغة الافرنسية وكثيرا ما يشمئز الوطني وهو لا يسمع غير نغمة هذه اللغة ويرى المرزين فيها أكثر من لغتهم ومن كل لغة مما عمت به البلوى
لا يقل المتكلمون باللغة الألمانية اليوم عن مئة مليون وهذا العدد هو ضعفا المتكلمون بالافرنسية ولكن عدد الذين تعلموا الافرنسية من غير ألفرنساويين يربو كثيرا عن عدد من تعلموا من ير الألمانيين واللغة الألمانية هي لغة يعرفها الخاصة في المجر وروسيا وايطاليا وفرنسا وانكلترا والبلجيك وهولاندة والدانمرك والسويد منورج وأمريكا وتعلم لغةٍ غير اللغة الوطنيّة في أكثر هذه الممالك إجباري في المدارس وأكثر اللغات رواجاً اللغة الإفرنسيّة في غير البلاد ألفرنساويّة واللغتان الإنكليزيّة والألمانيّة في غير بريطانيا وجرمانيا
كانت اللغة الإيطالية رائجةً كثيراً في مصر والشّام في القرن الثّامن عشر فنازعتها اللغة الإفرنسيّة في القرن التّاسع عشر حتّى قلَّ عدد العارفين بها فهل تصبح اللغة الألمانيّة في هذه الدِّيار في القرن العشرين لغة العلم والتّجارة والسّياسة يا ترى ويكثر العارفون بها على مستوى العارفين باللغة الإنكليزيّة على الأقل أم تظلُّ للإفرنسيّة تلك الرّغبة وتحافظ بعد الحرب على تلك الشُّهرة؟ سؤالٌ ليس غير الأيّام كفيلةٌ بالجواب عنه.