مجلة المقتبس/العدد 92/أخبار وأفكار
→ مخطوطات ومطبوعات | مجلة المقتبس - العدد 92 أخبار وأفكار [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 1 - 9 - 1914 |
المكرر يحلو
جاءنا من الأمير شكيب أرسلان ما يأتي: قد نقلتم عن (الشرق) مقالتي في صناعة السكر في الشرق واشتهار بلاد فلسطين بها وما ذكره ياقوت الحموي عن زراعة قصب السكر في غور بيسان وصناعته في تلك الأرجاء إلى غير ذلك.
وأزيدكم الآن برهاناً آخر وهو أنه وجدت في طرف أريحا الغربي آثار ثلاث معاصر للسكر مما يعزز هذه الحقيقة ويقوي الحجة على أهل زماننا هذا في إهمالهم زراعة السكر وعمله في بلاد كانت منذ مئات من السنين معدنة ومخزنة.
وأزيدكم أيضاً برهاناً آخر على عناية المسلمين بهذه الزراعة وتلك الصناعة وإن كان في جهة المغرب فالإسلام عالم واحد فأقول ورد في كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى عند ذكر المنصور السعدي واسطة عقد الملوك السعديين أصحاب فاس، مراكش أنه بنى قصر البديع المشهور في حاضرة مراكش وابتدأ ببنائه في شوال سنة ست وثمانين وتسعمئة واتصل العمل فيه إلى سنة 1. . 2 ولم يتخلد ذلك ألفترة، قال: وحشد له الصناع حتى من بلاد الإفرنجة فكان يجتمع كل يوم فيه من أرباب الصنائع ومهرة الحكماء خلقاً عظيم حتى كان ببابه سوق عظيم يقصده التجار ببضائعهم ونفائس أعلافهم وجلب له الرخام من بلاد الروم فكان يشتريه منهم بالسكر وزناً بوزن على ما قيل وكان المنصور قد اتخذ معاصر السكر ببلاد حاقة وشوشاوة وغيرهما حسبما ذكره الفشتالي رحمه الله في المناهل هذا وقد أدرك أهل سوريا الآن ما فرطوا من أمر عمل السكر وقصروا به عن أسلافهم وعرفوا ما فاتهم من الأرباح الطائلة بعدم وجود معمل واحد أومعملين للسكر في بلادهم في هذا العصر الحاضر الذي نشأ عن الحرب فضلاً عما اضطر بالأجسام من فقد السكر وغلاء الحلوى لأنه من المقرر أن الأمزجة تلتاث بانقطاعها عن الحلويات ولا شك أن الأمراض التي نشأت في هاتين العامين كان من جملة أسبابها قلة السكر وأجدر بهذه البلاد أن تنبهها الحرب العامة إلى استدراك فرطات كثيرة من جملتها هذه.
الحرب ومنسوب المياه
كتب أحد مهندسي برلين في عام 1897 كتاباً سماه أدوار الحرب والاجتهاد العقلي في حياة الشعوب تنبئ فيه أن هذا الدور الذي نحن الآن فيه يكون فيه أدهش الحروب مستنداً في دعواه على منسوب مياه الأرض فإنها تختلف بموجب قانون لا يتغير بين طرفين متباينين: ألفيضانات الكثيرة واليبوسة والجفاف.
وللوصول من طرف إلى آخر يقتضي من الزمان 11. سنوات أي نصف الزمن اللازم وهو 22. سنة التي تتم فيها حركات بعد الإبرة من خط نصف النهار وتتبدل الحرارة في الأقاليم الشمالية وهذا الدور من 11. سنين ينقسم إلى أربعة أدوار مختلفة كل دور 28 سنة اثنان منها تمثل الأكثرية واثنان منها تمثل الأقلية فأدوار الجفاف على حسب رأي المهندس المومأ إليه تولد الحرب وأدوار إدرار المياه تبشر الإنسانية بدور ارتقاء في المدنية والدور بحد ذاته يختلف طولاً وقصراً في الحرب والمدنية على معدل حدود الدور المقابل لها فقد حدث دور جاف عظيم من سنة 1737 إلى 1765 وكان ذلك عهد الحروب، فر بدر بك الكبير واتبع ذلك الدور من سنة 1765 إلى 1793 وقد علا منسوب الماء كثيراً فكان فيه العصر الذهبي في الآداب والارتقاء العام لراحة الإنسانية وعلى العكس في الدور التالي بين 1693 و1821 وقد بلغ الجفاف حده فيه فجرت في خلاله الحرب العامة على عهد نابليون ومن سنة 1821 - 1848 وهو عهد رطوبة كان ارتقاء الحضارة على قدم نشاط يسير في ظل السلام واتبع هذا الدور عهد الجفاف فوقعت فيه حروب 1848 - 1876 ثم جاء دور الرطوبة من سنة 1876 - 19. 4 وفيه تمت مدهشات الارتقاء الذي نعرفه وقد تنبأ المهندس المومأ إليه سنة 1897 أن عهد الجفاف من سنة 19. 4 - 1932 سيكون طافحاً بالحوادث ولكنها تأتي على شدتها بين سنتي 191. - 192. فحرب روسيا واليابان وحرب البلقان والحرب العامة الحالية تؤيد كلام هذا المتنبي. ومن رأيه أن عهد الرطوبة يبدأ سنة 1932 وينتهي سنة 196. فيكون دور علم وحضارة ولكنه لا يفوق ما وقع من أمثاله بين سنتي 1876 - 19. 4 ومن سنة 196. إلى 1988 يبدأ أيضاً دور الحروب وتبقى مع ذلك في حد معين وسط فتأمل.
مدارسنا ومدارسهم
كتب خالد ضيا بك الكاتب العثماني الشهير مقالة في إحدى صحف الأستانة قال فيها:
أن أمور المعارف في ألمانيا معدودة من الشؤون الداخلية وعليه فإن هذه الإمبراطورية العظيمة المؤلفة من ولايات مختلفة تختلف إدارة مدارسها باختلاف ولاياتها فلكل منها تنسيق وترتيب يخالف تنسيق المدارس في ولاية أخرى ولكنا بقطع النظر عن الأمور ألفرعية نجد أن المدارس كلها في هذه الإمبراطورية ترجع إلى غرض واحد وتتبع غاية فذة ولا ينتظر من مملكة مؤلفة من ولايات مختلفة تساوت من حيث العلم والمدنية واتحدت أفكارها الحيوية والقومية غير هذه النتيجة.
إن درجات المدارس في ألمانيا لا تختلف عن درجاتها عندنا إلا اختلافاً طفيفاً. المدارس الابتدائية فالإعدادية فالعالية ومتى جاز التلميذ هذه الثلاث سلاسل الكبيرة (وهو عندنا في درجة التخرج من المدارس السلطانية) فإما أن يبرز إلى ميدان الحياة تواً وإما (إن كان قصده دوام التحصيل) أن يقصد إلى مدارس الأخصّاء حيث يجد أمام المدارس العليا للأمور التطبيقية وشعبات دور ألفن المختلفة مفتحة الأبواب.
دققت كثيراً في مجتازي هذه السلاسل المدرسية الثلاث وبحثت عن السبب الأولي في ألفائدة العظيمة المتأتية عن هذه المدارس فتبين لي أن السبب في ذلك لا كتب التدريس ولا الأساتذة ولا التلاميذ وإنما هو أصول التدريس وإن المدروسين آنفاً من حيث المكانة هم في الدرجة الثانية.
وبعد أن بحث في كتب التدريس الألمانية المكملة المنقحة الخالية من الحشو والأطناب والمتبعة كلها في سلسلة التدريس غاية واحدة قال: أن أول ما يلفت النظر في هذه المدارس هو الارتباط والمحبة بين التلامذة والمعلمين أول ما يتبادر إلى الذهن عندنا من لفظة المعلم أنه (يأتي ساعة كذا ويذهب ساعة كذا ويأخذ أجرة كذا)
أما عند الألمان فالمعلم مع تلميذه كالأب مع ابنه والمعلم عندهم لا يعرف اسم التلميذ فقط بل يعرف مزاياه ونقائصه وخاصيات مزاجه وقابلية ذكائه ويعرف أيضاً النقط المحتاجة إلى الإصلاح والتمريض إلى الإصلاح والتمريض في التلميذ فيوجه نحوها عنايته ويبذل وسعه في تقويمها.
فالتلميذ عندهم بين يدي المعلم أشبه بالمريض تمضي عليه مدة طويلة تحت مراقبة الطبيب وتدقيقه وإليك أصول التدريس عندنا: بعد أن يصعد المعلم منصة التدريس يشير إلى أحد التلامذة بالقيام فيقول مثلاً مخاطباً التلميذ برقمه 166 دور سلطنة السلطان سليم الأول فإما أن يأخذ التلميذ بسرد صحيفة أوصحيفتين مما بقي في ذهنه من الحفظ متلجلجاً متلعثماً يطلب مساعدة حافظته له ومداخلتها في الأمر وإما أن ينقطع من أول الأمر فيشير إليه المعلم بالجلوس وينهض غيره قائلاً 275 وهكذا تمضي مدة الدرس بين مختلف الأرقام أما التلامذة غير المعرضين للأسئلة فإما أن يشتغلوا بحفظ ما أهملوه من هذا الدرس وعندها لا نر إلا أعيناً مغمضة وشفاهاً تهتز وتضطرب وإما أن يخط هذا رسماً ويبري ذلك قلماً ويكتب ذلك مكتوباً.
أما الحال في ألمانيا فليس على هذا المنوال وقد زار الكاتب ودخل إلى أحد الصفوف أثناء درس التاريخ فقال:
إن التلاميذ بعد أن سلموا علينا للجلوس على مقاعدهم وأعينهم محدقة في معلمهم فقط ينتظرون ولم يكن أمامهم كتاب ولا ورق. ذكر المعلم موضوع درسه في جملة واحدة والموضوع هو هذاتبسيط دولة بروسيا والأسرة المالكة وبعد أن مكث ثانية أورد سؤالاً في هذا الموضوع فرفع التلاميذ أيديهم وكان هذا الصنف بأجمعه مستعداً لإعطاء الجواب ولكن المعلم أشار إلى أحدهم باسمه فنهض التلميذ حالاً وأجاب عن السؤال بنحو صحيفة مما كان حفظه وتعلمه ولكن لم يكن ما أورده تكراراً لعبارة كتاب معين ربما ينسى اليوم أوغداً وربما يحفظها دون أن يعرف معناها بل كان الجواب الذي أورده بلسانه نفسه حسب فهمه. وهكذا تسلسلت الأسئلة وتوالت وارتفعت الأيدي ثم انحطت ومضت نصف ساعة على هذا الموضوع أوالمباحثة وكان المعلم بلا شبهة قد تعب أكثر من كل التلامذة.
وكانت هذه المباحثة أشبه بامتحان عمومي منها يدرس لأن الأجوبة كانت ترد علناً والأسئلة تثب من هنا إلى هناك والأيدي تعلوثم تنزل وبهذا الأسلوب لم يبق نقط مجهولة في هذا الموضوع وكان المعلم في الدرس الذي قبل هذا الدرس قد كتب تقريراً في (تبسيط دولة بروسيا والأسرة المالكة هو هنزلون) فقرأه التلامذة وأضافوا الذي بقي في ذهنهم من هذا التقرير إلى ما قرؤوه في هذا الكتاب الذي بأيديهم واليوم في هذه المباحثة أوالمجاوبة العلمية فإن الذين كان فهمهم ناقصاً أوأهملوا الدرس أونسوه أصبحوا كأنهم درسوه من جديد.
وقال الكاتب أن الألمان قد طبقوا هذا الأسلوب في التدريس ليس على درس واحد فقط بل على دروس الحساب والجغرافية والكيمياء والحكمة الطبيعية والتاريخ الطبيعي حتى على الألسن والأدبيات وختم مقاله بقوله: ليست المدارس الألمانية الابتدائية بأحسن من المدارس العثمانية ولكن التلميذ الألماني متعلم أكثر من التلميذ العثماني وفضلاً عن ذلك فإن الأول يمكنه أن يستعمل علمه فيما يفيده في حياته وهذا على ما أظن الغاية المهمة التي يجب أن نسعى إليها.
رومانيا وجيوش التحالف
شهرت ألمانيا الحرب على النمسا والمجر هذا الشهر لتفتح ترانسلفانيا وتضم من فيها من الرومانيين أبناء عنصرها فشهرت ألمانيا والعثمانية وبلغاريا الحرب عليها والحرب الآن قائمة بين جيوش الرومان وقد أطلعنا على إحصاء أخير نشره أحد أساتذة كلية غراز قال فيه أن مساحة رومانيا السطحية تبلغ 139. 79 كيلومتراً مربعاً عدا ما دخل في ملكها من أرض بلغاريا سنة 1913 وهو 7726 كيلومتراً وهو أكثر من مساحة ربع ألمانيا وسكانها نحوسبعة ملايين ونصف أي أنه يسكنها 54 نسمة في كل كيلومتر وبحسب إحصاء سنة 1899 يوزع هذا الشعب على النحوالآتي خمسة ملايين ونصف روماني و1. 8. . . نمساوي ومجري و24. . . عثماني و32. . . من رعايا مختلفين من الممالك البلقانيا و8. . . ألماني و267. . . إسرائيلي وخمسة ملايين ونصف من سكانها يدينون بالمذهب الأرثوذكسي و15. ألفاً كاثوليك و23 ألفاً من البروتستان و18 في المئة من السكان هم من أهل المدن و81 وكسر من سكان الحقول وسكان العاصمة بكرش 341 ألفاً وفيها كلية كان عدد طلبتها سنة 9. 8 - 428. طالباً وميزانيتها مليون ونصف مارك وفي رومانيا كلية ياسي وهذي هي ثاني مدينة في رومانيا وكانت ميزانية حكومة رومانيا سنة 1915 - 486 مليون مارك وكسور من الدخل والخرج يصرف منها 47 مليون مارك على التعليم و79 مليوناً على الحربية وكان الدين عليهم 168 مليار مارك و7 في المئة من صادرات رومانيا تصدر إلى ألمانيا ويرد إليها من ألمانيا 4. في المئة من الواردات و23 في المئة من النمسا والمجر.
العلماء لا يحاربون
ذكرت جريدة الديلي نيوز الإنكليزية أنه جرى مؤخراً في لندرا توقيع ألحان من تأليف واكنر الألماني المتوفي سنة 1883 وأنه هذه هي المرة الأولى منذ إعلان الحرب لحنت فيها أغان لهذه الموسيقى بحضور جمهور كبير من الأهلين ومنهم ضباط بألبستهم الرسمية وربما عد بعضهم تلحين مؤلف ألماني انحطاطاً في الوطنية وعده آخرون علامة جيدة على تقرب الشعبين وقد ذكرت إحدى الصحف الألمانية أن القوم في ألمانيا لم يفتؤوا يتلون ويلحنون أقوال المؤلفين الذين هم من أمم معادية لألمانيا اليوم، فلم يتل موليير ألفرنسي ولا شكسبير الإنكليزي شيء من الحرب والحرب ليس مع الأفراد النوابغ وهم لكل أمة شرع.
وهكذا الحال في بلاد النمسا والمجر فإن نوابغ المؤلفين من لفرنسيس والإنكليز والروس تقرأ مصنفاتهم وتمثل رواياتهم كما كان في السابق واللغة ألفرنسية واللغة الإنكليزية تدرس في مدارس المجر كما كانت قبل الحرب وقد احتفلت ألمانيا منذ أشهر في مدينة نيمار بمرور ثلاثمائة سنة على وفاة شكسبير الشاعر الإنكليزي احتفالاً يليق بتكريم أمة عالمة للعلماء والأدباء من أي عنصر ولسان كانوا وناب
عن المجر رئيس مجمعها العلمي ولم يكدر صفوهذا الاجتماع مكدر ولم يذكر شكسبير إلا بالتجلة كأنه من شعراء ألمانيا نفسها فتأمل هذا التسامح في إكرام العلماء حتى زمن ألفتن والحروب.