مجلة المقتبس/العدد 91/كتاب نادرفي أصول التدريس
→ القدس وتواريخها العربية | مجلة المقتبس - العدد 91 كتاب نادرفي أصول التدريس [[مؤلف:|]] |
فوائد الحرب ← |
بتاريخ: 1 - 8 - 1914 |
في خزانة كتب جامع الحيدر خانة كتب مخطوطة ومطبوعة هي من أحسن السلف للخلف وأثمن ما أحتوت عليه مكتبات العراق، ولمرا فإن الذي وقف هذه الخزانة هو داود باشا والي العراق وهو خير وال على أريكة الحكم في هذا القطر المحبوب تولى سنة1232هـ 1816م وكان عالماً فاضلاً أنشأ المدارس العظيمة ودور الخير والإحسان جالس العلماء والحكماء والفضلاء والزهاد وأكرم وفادتهم وأحسن إليهم ما أستطاع إلى الإحسان سبيلاً وفي أيامه أخذت روح العلم تدب في أبناء العراق فقامت نهضة علمية كبرى تحت حماية هذا الوزير لا تزال آثارها باقية إلى الآن فكثر المؤلفون في زمانه وراج سوق الأدب رواجاً عظيما حتى وقفت على أبوابه الشعراء وكان يجيزهم على حسب كفاءتهم ومقدرتهم. وقد أوتي نمت التوفيق ومسالمة الدهر ما لم يؤت أحد قبله من ولاة العراق فإن الأمور انقادت إليه بطبيعتها وأطاعه جميع قطان العراق حاضره وباديه عربه وعجمه وكان محباً للعمران فتاقت نفسه إلى تقليد المدن الأوروبية في طرز البناء وشق الجواد وتعزيز الصناعة فجلب الصناع من الأوروبين وأخذ في أسباب التمدن والعمران وأمر بصنع المدافع والبنادق على الطرز الجديد حينئذ ونظم جيوشاً ضخمة على آخر نظام في زمانه حتى يلغت جنوده أكثر من مائة ألف فطمع في الاستيلاء على دبار العجم وأكتسح عدة ولايات منها وطمحت نفسه إلى الاستيلاء على آسيا الصغرى والاستقلال بالعراق العربي افتداء بمعاصرة محمد علي باشل الكبير أمير مصر وجد الأسرة الخديوية وقد داخل الدولة الرعب والخوف من اتساع الخرق عليها فأرسل عليه السلطان محمود الثاني جيشاً عدده عشرون ألفاً وناط قيادته بأحد الوزراء وهو علي باشا اللظ وصادف لحسن حظ هذا القائد أن دهم العراق وباء وبيل أفنى أكثر جيش الوزير داود وهذا ما جعله يسلم نفسه إلى علي باشل بعد حدوث عدة معارك خسر فيها جيش العراق عدداً غير يسير من الجنود فذهب إلى الآستانة وظل فيها إلى سنة126. هـ1244م بعد أن مكث فيها ثلث سنوات لاقى في خلالها حفاوة وإكراماً من السلطان محمود من أبنه السلطان عبد المجيد وكان يلبس أيام الأعياد حلة رسمية كتب على صدرهاشيخ الوزراءبالطراز المذهب ثم إن عبد المجيد خان أرسله شيخاً على الحرم النبوي سنة126. هـ1844م وبقي في المدينة منشغلاً بالعلم والتدريس ونفع أهل ذلك القطر بفضله وكان عاقداً العزم على فتح مدرسة لتنوير أفكار الحجاز ولكن أختر منه المنية سنة1667هـ185. مولم يتم ما أرادهوفن في البقيع تجاه قبة سيدنا عثمان بن عفان. فرجل هذه منزلته في العلم والسياسة والإرادة لا ينتخب لخزانته إلا كل نفيس نادر وهكذا فإن خزانته لا لا ترى في زواياه غير ما تميل إليه النفس ويصبو إليه القلب من غرائب المصنفات وعجائب المؤلفات. وبينما كنا على عادتنا نجيل الطرف في طرفها ونملأ العين والفؤاد من محاسن كتبها إذا أهدانا السيد محمود شكري الألوسي من علماء العراق إلى كتاب نفيس نادر الوجود ويعد من أنفس ما ألف في القرون المتأخرة ذلك هو كتابتحفة الجنانفي أصول التدريس والتعليم لمؤلفه حيتي أفندي أحد قضاة دار السلام فتصفحناه ملياً وطالعنا معظم فصوله وأبوابه فإذا هو آية من الآيات وقل من نسج على منواله في الترتيب والتبويب وبديع الأفكار والذي يطلع عليه ويقرأ بعض مطالبه يخيل إليه أنه يقرأ بعض مطالبه يخيل إليه أن يقرأ كتابات رجل راق بأفكاره وأسلوبه تلقى العلم في أكبر معهد علمي في هذا العصر ولم نقف على كتاب في هذا ألفن من الكتب الحديثة ما يصح أن يقاس بهذا السفر المفيد وبالجملة فانه من كتب أصول التدريس على اختلاف أجناسها وأزمانها وكثيرا ما اجتهدنا في الوقوف على ترجمة حياة المنصف ومنشاة وتأليفه فلم نوقف إلى ذلك لضياع الأسانيد في المحكمة الشرعية واندثار أثارها التي تنبئنا عن احو اله وإعماله وهذا الكتاب سيخلد ذكره ابد الدهر وبذكره في زمرة الأعلام المبرزين في كل ألفنون. وقد عرفنا من لهجته في كتابه انه ينتمي إلى عنصر غير عربي أو انه عربي ولكنه قضى العقود الأولى من حياته في بلاد غير عربية فان أسلوب إنشائه دل على ذلك بدليل ميله الشديد إلى السجع في الإنشاء وتكليف نفسه فوق طاقتها فيأتي كلامه أحيانا معقدا تظهر عليه اثأر التكلف وهي خلة قل بين كتاب العرب من يميل أليها اللهم إلا ما جاء طبيعيا وأرسلته النفس إرسالا فذلك لا عيب إذ يجيء عفوا خالصا من كل شائبة تفسد معناه وتخل بجوهر الكلام. وجل ما وقفنا عليه من ترجمة هذا الرجل ما كتب على ظهر الكتاب حين وقفة وإليك نصه: الحمد لله الذي أوقف جناته على أوليائه وأكرمهم بمزيد نعمه آلائه والصلوة والسلام على سيدنا محمد صفوة أنبيائه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأحبائه وبعد فقد أوقف هذا الكتاب المسمىبتحفة الجنانتأليف حياتي القاضي أفندي بمدينة بغداد دار السلام الوزير الأكرم والدستور المكرم. صاحب الخيرات والمبرات. والي بغداد والبصرة شهرزور حضرة داود باشا يسر الله له من الخير ما يحب ويرضى ويشل على مدارسته المسماة الداودية الواقعة في الجانب الشرقي من محلة الحيدر خانة من محلات بغداد دار السلام وقفاً صحيحاً شرعياً وحبساً مؤبداً مرعياً وشرط أن لايخرج من المدرسة المذكورة ولا يباع ولا يوهب ولا يرهن ولا يبدل فمن بدله بعد ما سمعه فإما أثمه على الذين يبدلونه أن الله سميع عليم وكان ذلك سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية أهل يقع الكتاب في 2. . صفحة في كل صفحة 17 سطراً وكل سطر مؤلف من نحو 16 كلمة وخطه بديع جداً كتب سنة 1226 هـ1811 م كما يفهم من كتابة في آخر النسخة وهي: لقد وقع ألفراغ من كتابة هذه النسخة يوم الاثنين لخمس عشرة خلت من رجب ألفرد على يد أفقر العباد وأحوجهم إلى رحمة ربه الغني عبد الرحيم نجل الشيخ اسماعيل المولوي غفر الله له ولوالديه سنة ست وعشرين ومائتين وألف هو الظاهر أن الناسخ كان من مشاهير الخطاطين في عصره وأنه نسخ الكتاب على نسخة المؤلف لقرب عهده به ومعاصرته له ووجوده معه في حاضرة واحدة وهي بغداد وهو مؤلف من متن وشرح كلاهما للمؤلف وقد علمنا بعد أن أكثرنا من تصفحه أنه مشتمل على مقدمة ومقالتين وخاتمة أما المقدمة ففي حد علم التدريس وموضوعه وفائدته وغايته والمقالة الأولى فهي في أحوال التدريس وفيها سبعة فصول فالفصل الأول في بيان إقساء الدرس ذاتاً لا وصفاً وألفصل الثاني في بيان أقسام الدرس وصفاً والفصل الثالث في الأسباب أي أسباب التمام والوفاء والنقصان والفصل الرابع في الدوران أي دوران الدرس بين التمام والوفاء والفصل الخامس في الحذف والترك والفصل السادس في فن الدرس وما يناسبه ألفصل السابع في بيان ما للدرس من الشروط وأما المقالة الثانية ففيها موقفان الموقف الأول وفيه تسع فصول ألفصل الأول في بيان متن الدرس والفصل الثاني في بيان أصل الدرس والفصل الثالث في بيان شرح الدرس والفصل الرابع في فرع الدرس وهو ما يجري فيه من جزيئاته والفصل الخامس في كمال الدرس وهو تقرير النكت المعينة للمعنى المقصود والفصل السادس في فيض الدرس وهو تقرير النكت الغير معنية للمعنى المقصود والفصل السابع في زيادة الدرس والفصل الثامن في فصول الدرس وهو تقرير كلام أجنبي العبارة مطلقاً والفصل التاسع في ربط الدرس أما الموقف الثاني فهو فيما يناسب التقرير وفيه ثلاثة مطالب المطلب الأول في طريق التقرير والمطلب الثاني في أداء الدرس والمطلب الثالث في طريقة استخراج الدرس من غيره وأما الخاتمة فهي تشتمل على تحرير الأجراء وهذه آخر فصول الكتاب وقد افتتح المؤلف كتابه بعبارة بليغة لولا أن التسجيع يغلب عليها فاخل بمعانيها خللاً بيناً وهو أنه أهدى مصنفه إلى السلطان سليم خان الثالث بعد أن امتدح أعماله وصفاته في خطبة الكتاب وإليك نصها بالحرف قال الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم والصلوة والسلام على صاحب اللوح والقلم وعلى آله وصحبه الذين نطقوا بالمبادئ والحكم أما بعد فلما كانت الحكم العلية من بسط الوجود في البرية هي المعرفة والطاعة بحسب مرتب الوضع في البضاعة وكانت هذه فائدة الإرسال والإنزال وعليها دور الغدو والأصال فاستدعى تحقيقها تشعب علوم مدونة ليرى نقطة العلم المتكثر مبينة فالعلماء لتدوينها ملهمون وفي إحاطة مزاياها مستقصون إلى ترتيب قواعدها موفقون وأنها لكتب يشهدها المقربون فكأنهم لم يتركوا مما يطلبون إلا أنهم عن علم الأجراء ساكتون فعطفنا العنان إلى جمعه وتدوينه فلما وقفنا إليه بالعلف تكوينه هدانا فيه إلى متن متين ثم أرشدنا إلى شرحه المبين ولقد الهمنا في أثناء جمعه عرضه إلى حضرة السلطان الأعظم والخاقان المعظم مولى ملوك العرب والعجم وهاب جلائل العم والدقائق فياض سجال النوال على الخلائق ألفائز بالحكمة العلمية والعملية الجامع للرياستين الدينية والدنيوية
كسا به الله دهراً حلة نسجت ... بالعدل والقسط والأنصاف والهمم
سداؤه الشرع والإحسان لحمته ... طرازها من حرير اللطف والكرم
بابه كعبة الحاجات يطوي إليه من كل فج عميق وتستقبل إليه وجوه الآمال من كل بلد سحيق الباسط جرده فراش العنوان ألفائض لطفه زلال الأمان
وما قيل فيه غير أن ضيوفه ... تلام بنسيان الأحبة والوطن
رافع رايات الشرع القديم المتين خافض الكفرة والعجزة والمشركين
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... لهن فلول من قراع الكتائب
قاهر الأكاسرة والغفافرة مبيد ألفراعنة الجبابرة صاحب السلطنة العظمى ووارث الوكالة الكبرى فليخضع السادات دون سريره ... كخضوع وجه الأرض دون سمائه
وبالجملة لو شبهته بذي المحاسن كلها لما أصبت في الجميع دقها وجلها ولعمري أن لساني كليل في فضائله وفواضله ومعارفه وعواطفه ولطائفة:
لا يدرك الواصف المطري خصائصه ... وإن يكن سابقاً في كل ما وصفا
إلا وهو السلطان بن السلطان السلطان سليم خان الثالث بن السلطان مصطفى خان الثالث بن السلطان أحمد خان الثالث لا زال لواء مجده منشوراً وطالع سعده منصوراً حائزاً في سلطنته مكاناً وتمكيناً ومظهراً لقوله إن فتحنا لك فتحاً مبينا ومصدقاً لقوله وينصرك الله نصراً عزيزاً ومشمولاً بقوله والله يؤيد بنصره من يشاء:
من قال آمين أبقى الله مهجته ... فإن هذا دعاء يشمل البشرا
لكن نسبة هذه التحفة إلى بابه كرجل جرادة من نمل على بابه فو الله لم أتحف هذا إلا لكون الهدية عن قدر مهديها ولكون هذا وإن كان في ذاته شيئاً قليلاً لكنه لندرته بل لعدم أمثاله يكون لدى حضرته أمراً مقبولاً ولأن نقل علم بقي في القوة إلى الآن براعة استهلال ظهور ألفتوحات في هذا الزمان وبالجملة فكل ما هو عظيم بالذات والصفات فهو بالنظر إلى عتبته العلياء بضاعة مزجاة فتوسلنا إلى بابه حتى نتوصل إلى نيل آمالنا لدى أعتابه اللهم انصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً قريباً واجعل بابه محط رحال الأفاضل وملاذ أرباب ألفضائل وعون الإسلام والمسلمين وغوث الأنام والمؤمنين وسلمه في كل حالة باسمه السلام وأعانه في مهام أموره بالإلهام وأسعده في الدارين كل الإسعاد وفسح في عمره بالنصر والإمداد ورحب أسلافه يوم المعاد وهو الموفق للسداد والرشاد أهو ومن هنا شرع في بيان مقدمة الكتاب إلى آخر فصوله ولو أردنا أن ستقصي كل ما جاء فيه من سديد الآراء والأفكار ومحاسن الأبحاث ونفائس الموضوعات لضاق بنا المجال ولكن يكفي للاستدلال على أنه ذخيرة نادرة من آثار السلف كون موشي بردها من أعظم قضاة الشرع في الزوراء وكون مقتنيها ذلك الرجل العظيم داود باشا كبير وزراء الدولة على عهده وكونه مهدى إلى ملك هو من أجل ملوك آل عثمان قدراً وارفعهم مقاماً واسماهم ذكراً نعني به السلطان سليم الثالث ولكي يقف القراء على درر محتوياته وجواهر مضامينه ومقالاته استخلصنا نبذة صغيرة من متن الكتاب تاركين الشرح خشية الإسهاب والأطناب وهو مثال من أمثلة جلالة قدر هذا السفرقال في حد الدرس والتدريس: انه علم تعرف به أحوال الدرس والتدريس إجمالا لتعصم مراعاته عن الخطأ فيه والدرس هو العبارة الصالحة للتدريس فيها من كتاب أو رسالة أو غيرها والتدريس ملكة يقتدر بها على تقرير ما فهم من العبارة مع القدرة على إنادة كل ما لها وما عليها ومن الجرح والتعديل وهو لا يتحقق إلا بعد الكمال العرفي بل الحقيقي فالدرس لا يصح إطلاقه إلا على من له وقوف تام على القواعد بشرا شرها مقتدراً على إجرائها في كل مجاريها إذا اهتم كما إن ألفقيه لا يصح إطلاقه إلا على من له ملكة الاستنباط في كل مسألة وإن الحكيم لا يقال إلا على من له إطلاق تام بحقائق الأشياء كافة بحسب الطاقة البشرية وبالجملة إن أهل كل فن من ألفنون المدونة لا يصح إطلاقه عليه حقيقة إلا إذا بلغ درجة لو عرض عليه أية مسألة وأية شبهة يقتدر أن يجيب عليها بجواب صحيح وكثيراً ما يطلق التدريس على التقرير مطلقاً. وقال في تعريف موضوع هذا العلم: الدري والتدريس المشاركان في الانتساب إلى الإفادة أو في التعقل لأنهما متضايقان على أن الدرس جزء من التدريس بل في جميع الأعراض الذاتية وذلك لأن ما يلحق الشيء لجزئه الأعم وإن كان عرضا غربياً عند الأقدمين إلا أنه عرض ذاتي عند الآخرين وأما أحوال التدريس فلمساواته التدريس في الوجود والغرض معرفة الأحوال الجزئية الإجمالية للدرس والتدريس وفائدته العصمة عن الخطأ في الأحوال الجزئية. وأفاض في فصل أقسام الدرس إذ قال: إن الدرس إما بسيط وهو ما لا خلاف فيه حقيقة أو حكما وأما مركباً وهو بخلافه وكل منهما إما (؟) فالبسيط منه ما يحتاج إلى تفكير مكرر كقول المتنبي:
ولو فلم ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غيرت من خط كاتبه
والمركب ما يفتقر إلى تحرير محل النزاع كقول الأصوليين: التكليف بما لايطاق غير جائز عند النفية وقد يبلغ النكور إلى درجة الأجبار والأشكال كما سيجيء بيانهما وأما ميسور وهو ضد المنكور ثم إن المنكور إن ظهر المراد منه بعد إرادة ألفكر فهو معلوم كقوله:
ولو أن ما بي من جوي وصبابة ... على جمل لم يبقى في النار كافر
وكالألغاز والمعميات المقطوعة أسرارها كلغزي القلم ولغز العروة والذرة وكمعمى رحيم وإلا فإن قبل التوجيه الوجيه فمنكور موؤل كقوله:
عينان عينان لم يأخذهما رمد ... في كل عين من العينين نونان
نونان نونان لم يكتبهما قلم ... في كل نون من النونان عينان
وإلا فمنكور مجهول. وقال في أقسام الدرس من حيث الوصف: إن الدرس إما تام وهو العبارة الآخذة حقها ومستحقها وأما واف وهو العبارة الآخذة حقها وأما الناقص وهو العبارة الناقصة عن حقها وإن حق الدرس هو ما لا بد له من المنطوق وضعاً ودلالة واستعمالا ووقوفا ومن المفهوم المعتبر بل من القياس ومن الأدلة الأخرى عند قائلها وبهذا الأعتبار يوصف بأنه فصيح وبليغ وقوي ومفيد ونحو ذلك وإن ما مستحقه ما ذاد على الحق بعد وجوده وهذا إنما يحصل بكونه أفصح وأبلغ وأفيد وأقوى. ومشتملاً على ما يندفع به وما ترتفع الأسئلة وعلى الصنائع البديعية كالجناس والغز اللطيف فالمدرس إذا قرر الدرس مطلقاً على ما هو عليه فهو معدل وإذا قرر الوافي تاماً بزيادة مستحقة على حقه فهو مدبر وإذا قرر الناقص وافياً بزيادة حقه فقط أو بإبداله إليه فهو متم أو تاماً بالزيادتين أو الإبدال فهو محدد وإذا قرر التام والوافي كالناقص فإن كان مما يحذف ويفهم بالقرائن فهو معلق كما صدر من حذاق الأساتذة وإلا فهو مقصر كما وقع من القاصرين وكل هذه الأتماء على صيغة ألفاعل وإذا أطلق على المدرس يصير على أسم المفعول. ومن لطائف ما ذكره عرضاً من اختصاص بعض المشاهير قوله: قال السيوطي في تاريخ الخلفاء رأيت الحافظ الذهبي من كان فرد زمانه في فنه أبو بكر الصديق في الأنساب وعمر بن الخطاب في القيام بأمر الله وعثمان بن عفان في الحياء وعلي بن أبي طالب في القضاء وأبي بن كعب في القراءة وزيد بن ثابت في ألفرائض وأبو عبيدة بن الجراح في الإمامة وأبن عباس في التفسير وأبو ذر في صدق اللهجة وخالد بن الوليد في الشجاعة وحسن البصري في التذكير ووهب بن منبه في القصص وأبن سيرين في التعبير ونافع في القراءة والأداء وأبو حنيفة في ألفقه وأبو اسحق في المغازي ومقاتل في التأويل والكلبي في قصص القرآن والخليل في العروض وفضيل بن عياض في العبادة وسيبويه في النحو ومالك في العلم والشافعي في فقه الحديث وأبو عبيدة في الغريب وعلي بن المدني في العلل ويحيى بن معين في الزجال وأبو تمام في الشعر وأحمد أبن حنبل في السنة والبخاري في نقد الحديث والجنيد في التصوف ومحمد بن نصر المزوري في الاختلاف والجبائي في الاعتزال والأشعري في الكلام ومحمد بن ذكريا في الطب وأبو معشر في النجوم وأبو فرج الأصبهاني في المحاضرة وأبو القاسم الطبري العوالي وابن حزم في الظاهر وأبو الحسن البكري في الكذب والحريري في المقامات والمتنبي في ألفصاحة والموصلي في الغنا والصولي في الشطرنج والخطيب البغدادي في سرعة القراءة وعلي بن الهلال في الخط وعطا بن السليمي في الخوف والقاضي ألفاضل في الإنشاء والأصمعي في النوادر وأشعب في الطمع وابن سينا في الفلسفة. وقال في اختصاص الحيوان: صهيل الفرس. جوار البقرة. شجيج البغل. نهيق الحمار. رغاء البعير. حنس ألفيل. خوار الثور. بعار المعز. نبيب التيس. زئير الأسد. عواء الذئب. نباح الكلب. ضباع الثعلب. قباع الخنزير. ضغاء الهرة. ضحك القرد. بغام الظبي. ضغيب الأرنب. عرار النعام. صرصرة البازي. قعقعة الصقر. صفير النسر. هدير الحمام. سجع القمري. تغريد العندليب. صقاع الديك. قوقاء الدجاجة. ثؤاج الخروف. نقيق الضفدع. صريبر الجرادة. طنين الذباب. دوي النحل. نعيب الغراب. وقال في اختصاص ما سوي الحيوان: خرير الماء. بقبقو الجرة. نشنشة المقلى. هزيم الريح. هزير الرعد. عزيف الجن. حفيف الشجر. وسواس الحلي. جعجعة الرحى. صرير الباب والقلم. خفق النعل صليل السلاح. رنين القوس. اطيط المحمل. قلقلة القفل والمفتاح. وقد أسهب إسهابا غريباً عند كلامه على المباحث التي ذكرنا اشتمال الكتاب عليها مما يعجب المطالع ويلذ لكل من يود الإطلاع على براعة السلف في علم التدريس ورغبتهم إعلاء شانه ورفع منارة ووضع الأصول والقواعد له ليكون مبنياَ على أسس متينة وقواعد رصينة ويا حبذا لو استفزت الغيرة أفاضل العراق لطبع هذا السفر النافع فانه من اجل ما طبع وسيطبع من الكتب العربية ومما استوقف نظرنا ما جاء في خاتمة الكتاب قوله: وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين جرى ذلك في السبع الرابع أي يوم الأربعاء لأنه رابع الأسبوعوهو العشر الثالث أي اليوم الثالثمن الثلث الثالث أي العشر الآخر لان كل شهر يعتبر في ثلاث عشرات من السدس الخامس من النصف الثاني يعني يعتبر كل سنة عربية نصفين وكل نصف ستة أشهر فالسدس الخامس من النصف الثاني هو ذو القعدةمن العشر الثاني أي من السنة الثانية من القعدة يقال لكل من العشرين والثلاثين إلى التسعين عقد لاكن المراد منه هنا كل عشر من مائة ففي كل مائة عشر عشرات فيكون في كل مئة عشر عقود الثاني يعني العشرة الثانية وهي من احد عشر إلى عشرين من العشر الثالث وهي المائة الثالثة لان في ألف عشر مئات فكل منها عشر الألف من الألف الثاني وهو معلوم من الهجرة النبوية على آله أفضل التحيةقلنا ومعنا ما تقدم من هذه الألغاز انه فرغ من تصنيفه يوم الأربعاء في اليوم الثالث والعشرين من سنة بضع عشرة ومائتين وألف للهجرة النبوية وفي الكتاب غير هذه التعابير الغربية التي يحل ألغازها ويفسر غوامضها في الشرح وكل ما تقدم شواهد لا تحتمل النقد والتزييف تدل على فضل المؤلف وسعة علومه ومعارفه وانه إمام في هذا ألفن البديع غفر الله له
بغداد:
أ. ح العمر