الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 82/المدنية السياسية

مجلة المقتبس/العدد 82/المدنية السياسية

بتاريخ: 1 - 12 - 1912


في

القرن العشرين

أما حان خوض المأزق المتلاحم ... وهز يراع فيه سم الأراقم

فقد ضج من وقع البلاء وبرحه ... (بنو الشرق) حتى ضاق ذرع المكارم

وأكبر أقطاب الشعوب تعصباً ... رمونا به من قبل شد التمائم

فلو مر منهم طارق الطيف بيننا ... وريع لدكوا مشمخر الدعائم

وثارت أساطيل. وطارت مطاود ... ودبت جيوش بالقنا والصوارم

ولو عقدت الموت الزؤام عجاجه ... وخيم مثل العارض المتكارم

وسدت فجاج الشرق أشلاء أهله ... وجاش بآذي الدم المتلاطم

لما انحدرت من مقلة الغرب عبرة ... ولا ارتفعت في الغرب صيحة لائم

ولا قيل أين السلم؟ والعدل؟ والحجي ... ولا أين - إنجيل المسيح المسالم ـ

فقد بات في (مراكش) السيف مصلتاً ... يراوح ما بين الطوى والحلاقم

ودارت رحى الأهوال في أرض (برقة) ... وذاق (بنو طهران) من العلاقم

وهبت إلى (دار الخلافة) عصبة ... من القوم والأضغان ملء الحيازم

وهدد (فردينند) قوم (محمد) ... بأندلس آخر غداة التصادم

فأين ملوك الغرب؟ أين رجاله ... فتأخذهم للسلم غضبة ناقم

فإن كان ضعف المرءِ ذنباً يشينه ... فلا خير في ملك ولا شرع حاكم

وكيف يكون النهي والأمر في يد ... ملوثة من مهدها بالجرائم

فيا لك من عصر يلوذ بظله ... ثعالب في زي الليوث الضراغم

يخالب فيهم (ذو السياسة) تره ... ويرهف للعدوان غرب العزائم

وما الشر طل الشر إلا لأنه ... يحاول باسم الخير جر المغانم

ولله در الغرب فالقوم كلهم ... ملائك لم يعلق بهم وهم واهم

فما انتفخت أوداجهم من تعصب ... ولا امتلأت أحشاؤهم من شخائم

ولله أرض شرفوها بوطئهم ... فما عرفت من بعد عيب واص وإن غض منهم خوضهم في ضلالهم ... وشعث منهم سعيهم بالنمائم

تعرض سيف. وانبرت بندقية ... ودافع عنهم مدفع غير واجم

وذلك ما يدلي به القوم إن كبت ... بهم حجة أو عز قمع مخاصم

جهلنا ولم ندرك حقيقة أمرهم ... وران عَلَى الألباب ريب المزاعم

كنار يجول الليل دون دخانها ... فيخفى ويبدو ضوئها غير قاتم

فيا ليت أسرار الطبيعة لم تزل ... محجبة في الغيب عن كل عالم

فلا يرفع البارود في الناس صوته ... ويبرم فيه حكمه غير راحم

ولا تذر الأرجاء مخترعاتهم ... تموج بأنواع الحتوف الغواشم

فنقنع في الجهل الذي فيه راحة ... وننعم في غي الظنون الرواجم

فلا يزرع (العلم الحديث) عن الهوى ... نفوساً أبت إلا ركوب المظالم

فما هذبوا بالعلم إلا سلاحهم ... ويا ويح علم بات معول هادم

يصب عَلَى البلدان صوت عذابه ... وينسف فيها كل عال وقاتم

ويعصف بالأرواح في كل غارة ... تقام بها الأعراس بين المآتم

يقولون - هذا القرن - تم شبابه ... فهذا ربيع الدهر جم المواسم

وحسبك (بالعشرين) طيشاً وخفة ... تجر عَلَى الإنسان شل المغارم

فيا رب قد كنت (لآدم) وحده ... جنانك ما من كاشح أو مزاحم

يروح ويغدو في النعيم مسبحاً ... بحمدك مغموراً بفيض المراحم

فما هي إلا هفوة منه مرة ... فأصبح ذاك المجد أضغاث حالم

فهل جنة من بعد هذا لنسله ... وقد هتكوا بالبغي ستر المحارم

وبات طلاع الخافقين فجورهم ... ولم يقرعوا من أجله سن نادم

ففجر من الطوفان ثجاج مائه ... ليغشل عنها رجس تلك المآثم

أجل!! أنت عدل!! تلك آثار (تدمر) ... (وبابل) في طي المدى المتقادم

وقد باد ملك الروم إلا رسومه ... وكم قيل ملك الروم غير مقاوم

وكم شحذ اليونان رأياً مسدداً ... فطاش بهم عند الخطوب الدواهم

وذلك ما زاد التفجع والأسى ... وعلمان كيف احتقار العظائم فيا دولاً ذل القضاء لأمرها ... فساد صروح الملك فوق الجماجم

وكاثر كثبان الرمال عديدها ... وقامت بأعباء الأمور الجواسم

رويداً - فإن الدهر مازال صرفه ... يدور - وإن الملك ليس بدائم

ويا رمم القتلى بكل تنوفة ... ويا لهب النيران بين العواصم

ويا دارس الأطلال في كل دمنة ... ويا ماثل الآثار بين المعالم

ويا موج (بحر الروم) في كل ساحة ... ويا خفقات الريح بين العوالم

ففي حدثي التاريخ عن مدنية ... يشارك فيها الوحش أبناء آدم

الديار المصرية // فؤاد الخطيب