مجلة المقتبس/العدد 81/مدينة كربلاء
→ نحن وأوربا | مجلة المقتبس - العدد 81 مدينة كربلاء [[مؤلف:|]] |
رحلة إلى المدينة المنورة ← |
بتاريخ: 1 - 11 - 1912 |
1ً معناها اللغوي
كربلاء بالمد تطلق اسم علم لبلدة من ديار عراق العرب واقعة في البر بعيدة عن الفرات، وكانت فيما سلف اسم قطعة من أرض فيها قرية بجانبها المزارع وفي اشتقاق كلمة كربلاء آراء عديدة منها: أولاً أنها مأخوذة من كربل وهو نبات له نور أحمر مشرق يقال أنه الحماض. ثانياً إنها مشتقة من الكربلة بهاءٍ وهي الرخاوة في القدمين. وقيل ثالثاً أنها من الكربلة بمعنى المشي في الطين يقال جاء مكربلاً كأنه يمشي في الطين. وقيل رابعاً أنها من الكربلة بمعنى الخوض في الماء والخلط، وقيل خامساً أنها مأخوذة من الكربلة بمعنى تهذيب الحنطة وتنقيتها من القسطل كالغربلة ومنه نما جاء في هذا البيت:
يحملني حمرآء رسوباً للثقل ... قد غربلت وكربلت من الصقل
سادساً قال قوم: إنها حديثة الوضع مشتقة من الكرب والبلاء فحففت ونحتت وصارت كربلاء. سابعاً قيل أنها كلمة كلدانية معناها حرم الله وهذا القول أقرب إلى الصحة من غيره لأنه كان في تلك الديار معبود وله حرم فسمي باسم الهيكل. ثامناً ذكر صاحب دبستان المذاهب أن المجوس يزعمون أن لفظة كربلاء مشتقة من كلمتين فارسيتين معناهما العمل العلوي. واللفظتان هما كاربالافعربتها العرب بكربلاء وهذا رأي ضعيف وضعفه ظاهر. وهم يزعمون أنها كانت بيوت نيران ومعابد لهم في الزمن السالف، والعصر الغابر.
2ً كربلاء القديمة
ذكر لي ثقات أن كربلاء الحالية التي فيها قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما هي غير كربلاء القديمة التي كانت المزارع في ربضها حين ورود الحسين إليها بل إن كربلاء القديمة واقعة في الجنوب الشرقي من البلدة الحالية ويطلق عليها اليوم اسم كربلة بهاءٍ. وذكر آخرون أنها واقعة في الشمال الغربي من كربلاء الحالية مما يلي أرض القرطة وهي اليوم مكان مرتفع يسمى باصطلاح الناس العرقوب ويبعد موقعها عن قبر الحر بن يزيد سبعة آلاف متر، وأرضها من أملاك آل بحر العلوم وهي أسرة شريفة من كربلاء. ويستدلون بما ذكره المؤرخون في دواوين أخبارهم أن الحسين رضي الله عنه حين إقامته بأرض الطف ابتاع الأرض التي تلبي قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف دره وتصدق بها عليهم وشرط أم يرشدوا إلى قبره من يزوره ثلاثة أيام ولم يذكروا أنه اشترى أرضاً تسمى كربلاء، وهو دليل واضح يشير إلى أن كربلاء كانت من أرض الطف بعيدة عن قبر الحسين.
ولهم دليل آخر وأوضح بياناً من المتقدم وهو: إنه لم يسمِّ في وقت من الأوقات سابقاً محل القبر الشريف وما اتخذ حوله من الدور والأبنية باسم كربلاء وتأييد ذلك يؤخذ من كلام علي رضي الله عنه: كأن بأوصالي يتقطعها عسلان الفوات بين نواويس وكربلا فنفى بكلامه هذا أن يكون محل قبره الشريف كربلاء بل إنها عَلَى ما يظهر خارجة عنها. ونما أطلقت لفظة كربلاء عَلَى هذه القطعة الحالية لمجاورتها للقطعة التي كانت تسميت بهذا الاسم وهي كربلة.
3ً ما يجاور كربلاء من المواطن المختلفة
وحول كربلاء مواطن مختلفة منها: الطف بالفتح والفاء مشددة. وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب عَلَى ريف العراق قال الحموي فيما رواه عن الأصمعي وإنما سمي طفاً لأنه دنا من الريف من قولهم خذ ما طفالك واستطف أي ما دنا وأمكن. . وقال أبو سعيد سمي الطف لأنه مشرف عَلَى العراق من أطف عَلَى الشيء بمعنى أطل وقيل إنما سمي بالطف لأنه طرف البرية مما يلي الفرات وكان يجري بجنبها، وطف الفرات ما ارتفع منه، وقيل هو الشاطئ منه، وكان في الطف عدة عيون جارية وقرى ومزارع كثيرة.
وفي حدوده مواطن منها (باخمرا) بالراء عَلَى سبعة عشر فرسخاً من الكوفة وهي التي قتل فيها إبراهيم بن عبد الله أخو صاحب النفس الزكية بأمر المنصور العباسي، ومنها السماوة قريبة من ذي قار ونضرب صفحاً عن سائر ما في حدودها ونقتصر عَلَى ما تلي حدودها وهي الفرات في شرقيها وشماليها وعين التمر التي من قراها شفاثا والقطقطانة وعين الصيد والرهيمة في جنوبيها.
وكانت أرض الطف من ديار الفرس ومسالحهم بالقطقطانة، وينصب من قلبهم الحكام عليها ثم تملكها الإسكندر المقدوني بعد محاربته ملك فارس دارا بن بهمن وتقسيمه ديارهم بين ملوك الطوائف فانتهز العرب الفرصة لما في أنفسهم من ريف العراق وكثرة خصبه واستبشروا بما وقع بين الملوك من الاختلاف وطمعوا بغلبة الأعاجم عَلَى ما يلي بلادهم منه أو مشاركتهم فيه، فاجتمعوا رؤساء العرب وقرروا المسير إليها وانتزاعها من أيدي أكاسرة الفرس وكان أول من سار إليها عَلَى ما ذكر الطبري الحيقار بن الحيق في جماعة من قومه وأخلاط من الناس ثم سار مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم اللات، ومالك بن زهير بن فهم بن تيم اللات وغطفان بن عمرو وزهير ابن الحارث، وصبيح بن صبيح فيمن تنحى عنهم من عشائرهم وحلفائهم، ونزلوا الأنبار إلى محل الحيرة في طف الفرات وغربيه وما والاها من المظال والألخيبة، لا يسكنون بيوت المدر، ولا يجامعون أهلها فيها، واتصلت جماعتهم فيما بينها، وكانوا يسمون عرب الضاحية. فكان أول من ملك منهم عليهم مالك بن فهم إلى أن ظهر أردشير بن بابك وتغلب عَلَى سائر ملوك الطوائف وقهرهم ودان له الناس وضبط الملك واسترجع الطف من العرب وأقر جذيمة الأبرش عَلَى ما هو عليه من تملكه الحيرة وكان ملك جذيمة الأبرش عَلَى الحيرة وبشاطئ الفرات والاها بعد أبيه مالك بن فهم وفي آخر عهد الدولة الساسانية كان ينصب عَلَى أرض الطف عامل من قبل كسرى مستقل بأمره لا يتأمر عليه ملك الحيرة، وكان العامل عليها في عهد كسرى يزدجردقيس بن مسعود بن خالد وهو الذي أمره كسرى أن يعين إياس بن قبيصة الطائي عَلَى هانئ بن مسعود الشيباني وكان إياس ملكاً في الحيرة مكان النعمان بن المنذر ملكه كرى بعد قتله النعمان. وكان سبب وقوع هذه الحرب وقعة ذي قار وذلك أن كسرى طلب تركة النعمان بن المنذر من هانئ فأبي تسليمها فوقعت تلك الحرب الطاحنة كما تقدم.
وكانت قرى الطف قبل الفتح الإسلامي ضياعاً لكبار العجم، ولما ورد سعد بن أبي وقاص العراق كتب من لهم الضياع إلى كسرى وحرضوه عَلَى إرسال الجيوش لصد غارات المسلمين خوفاً من أن يستولوا عليها فسببوا حضور رستم القائد الفارسي الكبير لحرب الإسلام فوقعت بأيدي المسلمين بعد حرب القادسية والمدائن وتشتت شمل الفرس فيهما، ولما تم الأمر للمسلمين أقطعوها وإليها يشير الأقيشر الأسدي في قصيدته المشهورة:
إني يذكرني هنداً وجارتها ... بالطف صوت حمامات عَلَى نيق
نبات ماءٍ معاً بيض جآجئها ... حمر مناقرها صفر المحاليق
أبدي السقاة منهن الدهر معملة ... كأنما لونها رجع المخاريق
أفني تلادي وما جمعت من نشب ... قرع القوافيز أفواه الأباريق 4ً ما يرادف اسم كربلاء
تعرف كربلاء أو المحل الذي فيه قبر الحسين بأسماء مختلفة منها الحائر واختلف علماء اللغة في وجه تسميته، قال ياقوت مع اللغويين: الحائر حوض يصب إليه مسيل الماء من المطار سمي بذلك لأن الماء يتحير فيها ويرجع من أقصاه إلى أدناه، وقيل أنها سمت بالحائر بعد أن أطلق المتوكل العباسي الماء عَلَى القبر الشريف فحار حول القبر، وارتفع القبر في الهواء بإذن الله، أو لأمر آخر حاصله عدم وصول الماء إلى القبر، وقيل هو المكان المطمئن فيجتمع فيه الماء فيتحير فيه ولا يخرج منه ونشاهد اليوم مصداق هذا القول من انخفاض محل القبر الشريف وما حوله من الحرم والأورقة والصحن والغرف المحيطة بالصحن والمتشرف بالزيارة إذا أراد الدخول من أي جهة شاء إلى أرض الصحن الشريف وهو الآن قد ارتفع كثيراً بالنسبة إلى ما كان عليه من الانخفاض عند بناء السراديب وفرش أرض الصحن بالرخام.
5ً موقع كربلاء الحالي
قد رأيت فيما تقدم من كلامنا ما هو موقع كربلاء في الزمن الحالي ونأتي بذكر حدودها في الزمن الحالي فنقول: كربلاء واقعة عَلَى ضفة نهر الحسينية قريبة من الدرجة 32 عرضاً ونحو الدرجة 42 طولاً من باريس، وهي في الحنوب الغربي من بغداد وعلى بعد 30 كيلومتراً منها، ويحدها من الشمال الشرقي مدينة بغداد، ومن الشرق الجنوبي مدينة الحلة أو خرائب بابل القديمة، ومن الجنوب والغرب بر الشام. وهي تعد من أمها مدن العراق لكثرة نفوسها واتساع تجارتها، وخطورة مركزها، والذي أذاع شهرتها الحالية فطبق الخافقين وجود قبر ريحانة الرسول وأخيه وإذ يأتي لزيارة هذه الأماكن المشرفة كثير من المسلمين من كل حدب وصوب، فيزرونها كل عام، كما يزورون البيت الحرام، وهي الآن تعد مركز لواء يقسم إلى عدة أقضية ونواحٍ وقرى.
6ً مساحتها ونفوسها وتقسيماتها
تقدر مساحة لواء كربلاء بـ 23000 كيلومتر مربع، وأرضها خالية من الجبال والآكام، قليلة الغابات، كثيرة العيون الينابيع، وهي بلدة متموجة بالسكان يبلغ عدد سكانها 75000 ألف نسمة منها 20 ألفاً من العثمانيين و40 ألفاً من الإيرانيين وبعض الأجانب مختلفي العناصر، و15 ألفاً من الزوار والغرباء الوافدين من ديار قاصية، وربوع نائية، كديار العجم والهند والأفغان وكورقاف (قفقاسية) وفيها عدد قليل من اليهود وليس فيها نصارى، وهذا كبير بالنسبة لمدينة من مدن العراق ككربلاء، ولكن هذا ربما زاد إلى ضعفيه أيام الزيارات في شهر ذي الحجة المحرم فإنك ترى أزقتها ضيقة عَلَى اتساعها، وفنادقها الكثيرة مملوءة بأخلاط الناس.
ويقسم لواء كربلاء إدارياً إلى ثلاثة أقضية وهي مركز قضاء كربلاء والهندية والنجف، وإلى سبع نواحٍ، وهي ثلاثة منها في مركز القضاء وأسماؤها: المسيب والرحالية وشفاثا، وواحدة في الهندية وهي الكفل. وأربع في النجف وهي: الكوفة. والرحبة. والتاجية. وهور الدخن.
7ً زراعتها وتجارتها ووارداتها
أرض كربلاء خصبة للغاية. وتمتاز عن كثير من أراضي العراق بكثرة ينابيعها. وزراعتها متقدمة بعض التقدم إلا أنها ويا للأسف لم تزل عَلَى النمط القديم. وبدون أصول علمية. وتقدر الأرض المزروعة في كربلاء بـ 336569 فدانً. وحاصلاتها عبارة عن القمح والشعير والعدس والذرة والأرز وفي كربلاء بساتين كثيرة فيها النخيل. وأهلها يعنون عناية عظيمة بزراعته وهم خبيرون بما يعودون عليه بالجودة ونمو الثمر. والتمر عندهم من المعايش الثانوية بعد القمح. وليس فيه شيء إلا وله منفعة واستعمال عندهم. وقد بلغ من عنايتهم بالنخل أن طول جذع النخلة في بعض بساتينهم ربما تجاوز 68 قدماً وطول سعفها اثنتي عشرة قدماً. وجاء في الإحصائيات الأخيرة الرسمية أن غلة التمر في لواء كربلاء تقدر سنوياً بثلاثين ألف طن. وهي كمية وافرة تدل عَلَى ما وصلت وهي كمية وافرة تدل عَلَى ما وصلت إليه كربلاء من الرقي والتقدم المادي في عالم الزراعة.
وحيواناتها الأهلية كثيرة. ويولد في كربلاء كل سنة من البقر 42000 ومن الجاموس 20000 ومن الخيل 15000 ومن الحمير 18000 ومن البغال 16000 ومن الجمال20000 ومن الأغنام وسائر الماشية 500000 والمحصولات عَلَى كثرتها لا تكاد تسد عوز السكان لكثرة المختلفين إليها.
وأما تجارتها فخطيرة جداً وواسعة ممتدة إلى سائر الجهات العرقية. ولها علاقة تجارية بإيران. ومما يزيد امتداد تجارتها واتساعها وجود كثير من الإيرانيين والهنديين. ومن أهالي ما وراء النهر الذين اتخذوا كربلاء موطناً لهم يجلبون إليها بضائع وأموالاً من بلادهم ويأخذون بدلها من حاصلات كربلاء ويرسلونها إلى ديارهم ومن أجل ذلك ترى أسواق كربلاء مشحونة ببدائع الصنائع ونفائس المنسوجات وأغلبها فارسية. ويباع في أسواقها من السجاد الثمين البديع الصنع ما لا يباع نصفه في بغداد. وترى في حوانيتها الزعفران الفاخر الخالص من كل شائبة وغش مما لا تجد مثله في أغلب المدن العراقية.
وتختلف واردات كربلاء مع توابعها بين 45 ألف و70 ألف ليرة عثمانية. ونفقاتها لا تتجاوز 7 آلاف ليرة. ولو عنيت الحكومة بإرسال موظفين عارفين لغة أهلب البلاد غيورين عَلَى مصالح الدولة. وأسرعت فأنجزت أعمال سدة الهندية وشقت الجداول وحفرت الأنهار القديمة المندرسة. وعاملت الفلاح بالرفق واللين وصانت حاصلاته من كل أذى لازداد دخل الخزينة وتضاعفت وارداتها ولما احتاجت في السنوات الأخيرة إلى أن تمد يد العوز إلى الغرب.
8ً هواؤها وأنهارها
يختلف هواء كربلاء باختلاف فصول السنة. ولا يختلف كثيراً عن سائر مدن العراق والحر والبرد شديدان في كربلاء ولكنهما في بعض الأحايين يابسان. وأحياناً تشتد وطأة الشتاء. وربما نزلت الحرارة إلى 8 درجات في المدينة و16 في البرية. ويشتد الحر كل سنة حتى تبلغ 48 درجة في الظل. وكان قبل نصف قرن يبلغ 50 درجة إلا أنه كان يحتمل بعض الاحتمال إذا كان يابساً والهواء غربياً أو شمالياً. أما إذا كان شرقياً فتضيق الأنفس وتحرج الصدور. ويشتهي السكان سكن القبور. ويقتل الحر كل سنة عدة أناس بأمراض مختلفة تتولد من حمارة القيظ. ومما تقدم تعلم أن هواء كربلاء ردئ جداً في فصلي الشتاء والصيف. أما في فصلي الربيع والخريف فمعتدل للغاية.
ليس في كربلاء نهر يعتمد عليه غير الحسينية (بالتصغير). وهذا قد حفره السلطان العثماني سليمان خان القانوني سنة941 هـ 1534م لما افتتح بغداد وكان أهل كربلاء يشربون مياه الآبار قبل حفر الحسينية لبعدها عن الفرات. وامتداد الحسينية سبع ساعات أو 35 كيلومتراً وصدره من نهر الفرات عَلَى بعد 3 كيلومترات من جنوبي ناحية المسيب.
ويصب ماؤه في بطيحة (أبو دبس) عَلَى بعد أربع ساعات من جنوبي غربي كربلاء وتنضب مياه الحسينية في القيظ. فتحرج الصدور وتضيق الأنفس. ويغلو ثمن الماء ويضطر الأغنياء إلى جلب الماء من أماكن بعيدة وأما الفقراء فيحفرون الآبار. ويشربون مياهها فتتولد الأمراض. وتفشوا بينهم فشواً ذريعاً. وتفتك بالنفوس. والأشهر التي ينضب في أثنائها ماء الحسينية هي: حزيران. تموز. آب. أيلول. وسبب ذلك أن الحكومة أهملت أمر هذا النهر وتهاونت في كري مجراه بادئ بدءٍ حتى استفحل الخطر ويخشى من انقطاع المياه طول فصول السنة.
9ً وصف كربلاء وعمرانها
كربلاء مدينة واسعة الرجاء حافلة الأسواق. كثيرة المساجد. منظرها بهيج يسر الناظرين. وموقعها يوقف الأبصار. لها سور خرب كان أقيم لحفظها من غارات الأعراب بعد وقعة الوهابية ثم هدمه والي بغداد نجيب باشا سنة 1258هـ و1842م بأن سلط المدافع عليه من الجهة الشرقية عَلَى أثر ما وقع في كربلاء من الفتن في ذلك العهد. وإذا أتيتها وأنت قادم من النجف أو المسيب يذهب ببصرك نور مآذنها وقباب جوامعها المغشاة بصفائح من الذهب الإبريز. وتدهشك ساعاتها المبنية عَلَى بروج شاهقة ترى من مكان بعيد.
وكربلاء تقسمك إلى قسمين عتيق وجديدة. فالعتيق ضيقة الأزقة تكثر فيها التعاريج لا يتجاوز عرضها المترين. وبناؤها عَلَى الطراز القديم. وشوارعها مملوءة أوساخاً وأقذاراً ودورها عَلَى غير نظام. إلا أن ما يباع في أسواقها بديع الصنع. ونفيس الطرز. وأكثر سكانها إيرانيون وبينهم عدد قليل من مختلفي العناصر. وأما القسم الجديد. فاسواقه عريضة وشوارعه فسيحة عَلَى خط مستقيم تجري فيها الرياح جرياً طلقاً لا حائل يحول دونها. وليس فيها تعاريج. ويخترق هذا القسم عرضاً خمس جادات وطولاً أربع متصلة بعضها ببعض ويختلف عرض أزقتها بين 16 و18 متراً وطولها بين 200 و250 متراً عَلَى شكل هندسي جميل. وهناك ساحة تعرف بساحة الميدان تنار بروح الزيت الحجري ويوجد في وسطها بناء أقيم تذكاراً للحرية. وفي هذا القسم دوائر البلدية والبرق والبريد. وبيوت الكبار والأشراف وعمال الحكومة. وسائر الطرق تنار بالقناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري.
وفي كربلاء مستشفى فخم ذو بناء شامخ يناطح السحاب محفوف بالأوراد والأزهار من جميع جهاته ومنظره بهيج يأخذ بمجامع القلوب صرف عَلَى بنائه 5000 ليرة ولم يكمل بعد. وفيها دار حكومة حسنة مشيدة الأركان. وثكنة قوية للجند ودائرة بلدية. وقنصلية إنكليزية وروسية وإيرانية ووكلاء مسلمون. ومدارس دينية كثيرة ومدرستان ابتدائيتان إحداهما للهنود والأخرى للإيرانيين فيهما ما يناهز 150 طالباً ويصرف عليهما من جيوب أهل الفضل. ومدرسة ابتدائية وأخرى من نوع الرشدي. يصرف عليهما من واردات الحكومة. وفيها كتاتيب عددها زهاء 50 يتردد إليها ما يناهز ألف صغير يتعلمون مبادئ القراءة والخط. وفيها جامعان كبيران فخمان أحدهما يسمى جامع الحسين. والآخر جامع العباس. وهما أهم ما في كربلاء من الآثار وسيأتي ذكرهما مع تاريخ بنائهما ووصفهما في فصول خاصة ننشرها في أجزاء مقبلة:
بغداد
إبراهيم حلمي.