مجلة المقتبس/العدد 80/مطبوعات ومخطوطات
→ مرآة الشباب | مجلة المقتبس - العدد 80 مطبوعات ومخطوطات [[مؤلف:|]] |
أخبار وأفكار ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1912 |
ثلاثة كتب
كتاب الألفاظ الكتابة وكتاب الألفاظ الأشباه والنظائر وكتاب الألفاظ
هذه ثلاثة كتب مختلفة العناوين ومختلفة أسماء المؤلفين والموضوع واحد والنص واحد والمؤلف الحقيقي واحد لكن قضى التسرع عَلَى ناشريها أن يصدروها بأسماء مؤلفين هم غير كاتبها أو مصنفيها كما سترى.
فالعنوان الأول هو اسم الكتاب الذي تولى طيه الأب لويس شيخو. فقد جاء في مفتتح السفر المذكور وهو الذي بأيدينا ما هذا نقل حرفه: كتاب الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن بن عيس الهمذاني. اعتني بضبطه وتصحيحه الأب لويس شيخو اليسوعي. طبع سابعة بمطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت سنة 1898 برخصة نظارة المعارف الجليلة في الآستانة العليا. حق الطبع محفوظ للمطبعة. .
والعنوان الثاني هو اسم الكتاب الذي عني بنشره أحد عليما بغداد وإليك ما جاء في صدره: كتاب ألفاظ الأشباه والنظائر للإمام اللغوي عبد الرحمن بن سعيد الأنباري عليه رحمة الباري. وهو كتاب لم ينسخ عَلَى منواله ناسخ، ولم يسلك طريق مناهجه ناهج، مشهور عند أرباب اللغة والأدب، منتزع من أوعية السنة العرب. قديم التصنيف، عجيب الترتيب والتأليف، سليم من الغلط، حسن الأسلوب والنمط، وقد طبع بعد تصحيح أبي البركات خير الدين السيد نعمان ابن المفسر المشهور محمود أفندي الألوسي زاده، مفتي بغداد، سهل الله تعالى له كل مطلب ومقصد يراد، آمين. - التمثيل الأول. - طبع برخصة نظارة المعارف في القسطنطينية سنة 1302. (هـ - 1884 - 1885 م) طبع في مطبعة أبو الضيا. .
والعنوان الثالث هو اسم الكتاب المذكور عَلَى رواية صاحب كتاب الفهرست (أي ابن النديم الوراق) فقد قال في ص137 عبد الرحمن بنن عيسى الهمذاني (بالدال المهملة) كاتب بكر بن عبد العزيز أبي دلف. وكان شاعراً كاتباً وله من الكتب: كتاب الألفاظ. وقال في ص 171 من الكتاب المذكور: كتاب الألفاظ (وفي الأصل مطبوع ألفاظ وهو غلط الطبع) لعبد الرحمن بن عيسى الهمداني (بالدال المهملة).
فأي العناوين هو الأصح وما اسم المؤلف من التحقيق؟ قلنا: أصح هذه العناوين هو ما ذكره ابن النديم لأن المؤلف قديم وله أتم الوقوف عَلَى أسماء الكتاب والمصنفين وكل من يطالع كتابه الفهرست يشهد له بسعة الإطلاع وغزارة العلم فعنوان الكتاب هو إذن كتاب الألفاظ وزيادة الكتابية في من النساخ، وزيادة الأشباه والنظائر هي من زيادة الناسخ أيضاً أو من الواقف عَلَى طبعه وعليه فالأوفق أن يعاد العنوان إلى صحته بدون زيادة.
وأما اسم المؤلف الحقيقي فلا جرم أنه الاسم الذي أورده ابن النديم أي: عبد الرحمن بن عيسى الهمداني (بدال مهملة) وميم ساكنة نسبة إلى همدان وهي قبيلة باليمن من حمير ينسب غليها جماعات عديدة من العلماء. لا نسبة إلى همذان بميم مفتوحة وذال معجمة فإن هذه اسم بلدة من بلاد فارس. ووهم الطابع في هذا الاسم هين. لكن وهم العلامة الآلوسي عظام لأنه وإن كان قد كتب عَلَى أول صفحة من الكتاب أنه لابن الأنباري فكيف جاز له أن يكتب عَلَى رأس كل صفحة من صفحاته (وهي 132) هذه الكلمات: كتاب الألفاظ لعبد الرحمن بن عيسى. فكان يجب عليه أن يطابق أحد الأمرين عَلَى الآخر إما أن يقول إنه لابن الأنباري في صدر الكتاب ومثانيه وإما أن ينسبه لابن الأنباري أولاً وآخراً. عَلَى أن عمله هذا أبان كل الإبانة أنه غالط لا محالة. ومن غريب الأمر أن الشيخ الآلوسي ذكر ترجمة ابن الأنباري قبل أن يذكر مقدمة المؤلف ولها أورد هذه المقدمة قال فيها: قال عبد الرحمن بن عيسى حماد: الصناعات مختلفات. . . فكيف لم ير البون البين بين النسبين وهما واضحان متميزان. عَلَى أن الإنسان إذا تذكر هذا الكلام المأثور: لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة. تحقق أن أعظم العلماء قد يزل مع عليه من حسن النية وإخلاص الطوية.
وفي نسخة صاحب كتاب الألفاظ بعض الاختلاف فطبعة بيروت تقول في ترجمة عبد الرحمن وفي المقدمة: عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الهمذاني الكاتب. وطبعة الآستانة تقول: عبد الرحمن بن عيسى بن حماد وابن النديم يقول: عبد الرحمن بن عيسى الهمداني. فلا غرو أن نسب حماد داخل في نسب عبد الرحمن لكن هل ترى كان من أجداده أم لقب أبيه. فهذا ما لا يتضح إلا بعد التنقيب عن هذا الاسم في عدة نسخ وفي ذكر نسب المؤلف كمعجم الأدباء لياقوت. ولهذا لا نجزم فيه.
ومن غريب الأمر أن طابع النسخة البيروتية مع وفرة اطلاعه عَلَى المطبوعات العربية في الشرق والغرب لم يذكر طبعة هذا الكتاب في القسطنطينية، فهل كان منه جهلاً أم تجاهلاً؟ نقول: الأليق أن نقول أنه فعل ذلك منه لأن نسخة الآستانة وإن طبعت قبل نسخته فإنها لم تطبع إلا قبل أربعة أشهر فقط ولما كانت مطبوعات الآستانة قليلة الشهرة لخلو الحاضرة من الجرائد العربية يومئذ هان لنا أن نفهم جهله لما يطبع هناك. وعلى كل فكان الأجدر به أن يذكر هذه الطبعة في النسخ التي جدد نشرها بعدئذ. ولعل الأمر فاته بالمرة وهذا ليس ببعيد. وأما بعد الآن فهو ليس بمعذور.
وإن سألتني أي النسختين هي الفضلى: ألطبعة الآلوسية أم الطبعة البيروتية؟
قلنا: عليك أن تعلم قبل هذا أن الطبعتين وإن كانتا تتفقان بعض الأحيان تختلفان في أغلب المرار. وهذا الاختلاف موجود في الأبواب وفي كثرة المواد. فإنك مثلاً تجد أبواباً غير مذكورة في الطبعة الآلوسية وهي مذكورة في الطبعة البيروتية طوراً وبالعكس. ثم إنك تجد في الباب الواحد مادة وافرة في نسخة دون النسخة الأخرى. هذا فضلاً عن الاختلاف في تتالي الأبواب وفي عناوينها ثم إنك تجد في الطبعة الآلوسية أغلاط طبع لا تحصى كما أن أغلاط الطبعة البيروتية في اللغة كثيرة.
وقبل أن نصدر حكم المفاضلة بين النسختين نذكر باب المعايب في كلتا الطبعتين ليمكنك أن تقبل حكمنا أو ترذله بعد الاطلاع عَلَى مثال يكون لك بمنزلة قياس تقيس عليه ما ورد في كلتا الطبعتين.
1ً جاء في الصفحة 12 من كتاب الألفاظ المطبوع في الآستانة ما هذا نصه:
باب المعايب
يقال ثلب فلان (حاشية: قال الواقف عَلَى تصحيحه: لعل فلاناً بالنصب، ولكنه كتب بالدفع (كذا. وهذا من غلط الطبع والأصح: الرفع) في الأصل مصححه). قال صاحب هذه المقالة: الصح أن يقال: ثلب فلاناً. وأما فلان فمن غلط الناسخ لا غير. وقصبهن وشتره، وضرسه، وسمه به، وندد به، وشرديه، وسعيه، وتنقصه، وعابه، وجد به، ووقع به، وشعث منه، وألحم عرضه، وقرع صفاته، ورتغ في عرضه، وسبه، وقذعه، وزوده الخنا، وأخذ من جنبه، وقرع مسامعه، ومزق أديمه، وقرع مروته، ونحت إثلته بالفتح، واخذ من عرضه، واتبعه القبيح، وذكر معايبه، ومثالبه، ومعايره، ومشانيه، ومناقصه، ومخازيه، ومساويه، ومقابحه، ومقاذره ومفاضحه، وسوآته، ومسآته. قالت ليلى الأخيلية:
لعمرك ما بالموت عار عَلَى الفتى ... إذا لم تصبه في الحيوة المعابر
والقذع، والخنا، والرفث، والفحش هو قبيح الكلام، ويقال فلان بذي اللسان، ملحب، سباب، وقد بذو يبذوه بذاءة، والإزراء، والطعن والقدح، والغميزة (كذا) والتعبير، في طريق واحد، ويقال: كان من فلان نوافر، وبوادر، وقوارص، وشتايم، وقد سفه علينا غلان سفاهة، ولم يكن سفيهاً تقول: نعوذ بالله من قوارعه، وقواذعه، ونواقره، وقوارص لسانه.
2ً: وجاء في هذا الباب في الصفحة 20 من الطبعة البيروتية بهذه الصورة:
باب الثلب والطعن
تقول: مازال فلان يذكر معايب فلان، ومثالبه. ومساوئه. ومقابحه. ومشايينه. ومقاذره. ومناقصه. ومخازيه. ومعايره. ومساءته. وسوآته.
قالت ليلى الأخيلية في المعايير:
لعمرك ما بالموت عار عَلَى الفتى ... إذا لم تصبه في الحيوة المعابر
ويقال: ثلب فلاناً، وتنقصه. وعابه. (ويقال:) عيرته كذا، ولا يقال بكذا.
قال النابغة:
وعيرتني بنو ذبيان خشيته ... وهل عليَّ بأن أخشاك من عارِ
ويقال: نكرت عَلَى فلان ما صنع وأنكرته ونكرته. (ومنه قول القرآن الجليل:) نكروا لها عرشها أي غيروه.
ويقال: شبعة، وجدبه جدباً، وقصبه، وجرحه، وشز به، وشزبه، وشز عليه، وضرسه، وشعث منه، وسمع به، وندد به، وزرى عليه. (يقال:) زرى فلان عَلَى فلان فعله إذاً عابه. ونقصه زرياً، وأزرى به إذا صغره إزراءَ. وقدح فيه، وطعن عليه، ونقم عليه ومنه وفي عرضه سبه، وقذعه، وقفاه يقفوه، وطاخه بقبيح إذا لطخه به، ووقع فيه، وقرع صفاته إذا قال قبيحاً في عرضه، ونحت أثلته، واستطال في عرضه (والفحش، والقذع، والخنا، والرفث، القبيح من الكلام). (يقال: فلان بذئ اللسان، ملحب، وسباب، ألحمته عرض فلان إذا أمكنته من شتمه. (والإزرار، والطعن، والقدح، والغميزة، والتعبير (في طريق واحدة). (وتقول:) قد كانت في فلان قوارص، ونواقر، وشتائم. (فنقول:) نعوذ بالله من قوارعه.
ولواذعه، ولواذعه، وقوارص لسانه، وبذئ فلان يبذأ، وبذؤ يبذؤ بذاءة، وقد رسفه غلينا سفاهة، ولم يكن سفيهاً وقد سفه.
قال ترى بين هاتين النسختين فرقاً ظاهراً. والصواب والغلط يتجاذبان الطرفين فمرة يكونان في هذه النسخة ومرة في تلك فتمسك أنت بما يوافق الصحة.
وبعد هذا التبيين نقول: إن نسخة بيروت أصح طبعاً من نسخة الآلوسي. فإن الأغلاط التي وردت في طبع هذه الأخيرة تنفر كل إنسان من مطالعتها. ومع ذلك ففيها من الفوائد ما لا تراه في النسخة البيروتية. ولهذا يجدر بأحد الأدباء أن يجمع بين النسختين ويصحح الواحدة. عَلَى الأخرى ليكسب رضا الجميع في إحياء مآثر السلف.
الخلاصة
كتاب الألفاظ (ولا يجوز لك أن تغير هذا العنوان بقولك: كتاب الألفاظ الكتابية. أو كتاب ألفاظ الأشباه والنظائر) هو لعبد الرحمن بن عيسى (بن) حماد الهمداني نسبة إلى همدان القبيلة اليمانية المشهورة. وليس لعبد الرحمن بن محمد بن سعيد الأنباري، لاسيما إن علمت أن ابن الأنباري ولد سنة 513 وتوفي سنة 577 وأن الهمداني توفي سنة 320 وإن من النسخ القديمة الكتابة التي ظفر بها الطابع البيروتي ما كتب سنة 522 أي تسع سنوات بعد ولادة ابن الأنباري فلا يعقل أنه ألف كتابه في هذا العمر. وعليه يجب تصحيح ما ورد من الخطأ والوهم في هذا الباب. فإن تفعل تحظ بالصواب.
ساتسنا.
وصف كتاب جامع التعريب، بالطريق القريب
من تأليف أحد علماء القرن الثاني عشر الهجري أو السابع عشر
الميلادي.
في جامع مرجان من جوامع بغداد خزانة كتب جليلة من وقف نعمان الآلوسي المؤلف الشهير ابن المؤلف الكبير محمد الآلوسي. وبين كتبها الخطية كتاب اسمه جامع التعريب، بالطريق القريب. إلا أن صاحبه لم يذكر اسمه لا في صدر الكتاب ولا في عجزه. والظاهر أنه عالم من علماء القرن الحادي عشر للهجر نقول ذلك تقريباً وتكهناً ولا تأكيداً وتثبتاً اعتماداً عَلَى كلام صاحب كشف الظنون المتوفى سنة 1068 هـ 1658 م إذ يقول عن معرب الجواليقي: وهو كتاب لم يعمل فيه أكثر منهفالظاهر من هذا القول أن الحاج خليفة لم يعرف هذا الكتاب الذي نشير إليه لعدم وجوده يومئذ. وإلا لما قال تلك العبارة. ثم أن مؤلف جامع التعريب لم ير كتاب الخفاجي لأنه لو رآه أو كان ممن عاش قبله لذكره أيضاً في مقدمته وعليه نظن أن الكاتب كان في عصر الحاج خليفة والخفاجي نفسيهما.
وهذا الكتاب من أوسع وأحسن ما كتب في هذا الموضوع والنسخة الموجودة أمامنا حسنة الخط طولها 22 سنتيمتراً في عرض 17 وفيها 360 صفحة وفي كل صفحة 25 سطراً وهي مجلدة بالسختيان والكاغد أخضر اللون. قال الناسخ في آخرها: تمت كتابته في سلخ جمادى الأولى سنة 1203 بخط أفقر الوردي وأضعفهم إلى الغنى القوي عبد الكريم بن أحمد بن محمد الطرابلسي الخلوتي الحنفي غفر الله له ذنوبه آمين. .
وإذا وقفت عَلَى مقدمته عرفت بعد منزلته. قال: الحمد لله الذي صان بلغة العرب الكتاب والسنة. واظهر بها عَلَى غيرها من اللغات الفضل والمنة. ومنع بمن أقامه بضبطها الأجنبي والغريب. وميز لهم ما وقع بها من الأعجمي وما فيه من التعريب أحمده عَلَى التوفيق لسلوك الأدب. ولزوم تحصيل فضائل العجم والعرب أما بعد فإني بعد أن وقفت عَلَى كتاب المعرب ابتداع الأستاذ أبي منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الجواليقي شكر الله مسعاه. وجعل الجنة مقره ومثواه. كان محتاجاً إلى تتمة في الترتيب. وزيادات فائقة في آثار التعريب. ظفرت بكتاب التنزيل والتكميل. مما استعمل في اللفظ الدخيل. الذي جمعه الفاضل المنيع جمال الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن أبي بكر بن موسى العذري الرثوثي الشهير والده بشيشي (ويروى سيسي) بخطه. فوجدته والله قد أفرغ الوسع في التتبع والاستشهاد بهمة تقارب رتبة الاجتهاد. بل أحسن فيه الجمع وحسن الترتيب. ومعونة للطالب والأديب. غير أن فيه تكراراً وإطالة ربما تفضي إلى الكسل والملالة. فأحببت أن أختصر من الأصل ما زاد جرياً عَلَى المألوف والمتعارف والمعتاد، مع رعاية الاختصار والإيجاز. وتبيين ما يتحقق الإحاطة به والامتياز. مع زيادات وحسن تلخيص. تباعداً عن الإسهاب والتمحيص. وسميته: جامع التعريب. بالطريق القريب. والله أسأل المعونة والتوفيق. - ثم قال: باب الهمزة مع الألف: آب وهو يكتبها هكذا آاب أب بألف ممدودة وراءها ألف هاوية كما كان يفعل الأقدمون في مثل هذه الألفاظ. ثم يذكر بعدها آاجاص. آاجر. آاجنقان. آاذار. آادم. . . الخ. وهو يشرح كل لفظة شرحاً مشبعاً لا يبقي لمستزيد زيادة.
إلا أن الناسخ وإن كان حسن الخط وخطه تعليق إلا أنه لا يحسن النسخ ولهذا فقد مسخ ألفاظاً كثيرة ولجهله معناها فصورها بصورة مألوفة السمع سهلة الفهم لكن لا تنطبق عَلَى بقية العبارة: فلهذا يحتاج القارئ إلى التيقظ التام في تصفح الكتاب. وفي شرحه بعض الألفاظ شروح إضافية الذيل، ناقلاً إياها عن عدة كتاب سبقوه مما يحرص عليها كل الحرص. وربما خرج في كلامه إلى ما محل له كما كان يفعل المصنفون في سالف العهد. - والمؤلف قد أدخل في سفره ألفاظاً جمة لم ترد في معربات الجواليقي ولا في شفاء الغليل ولا فيغيرهما من مؤلفات هذا القبيل. ولهذا نرى طبعه من الضروريات. وربما ذكر في كتابه أعلام المدن والرجال لكنها دون الألفاظ الجنسية عدداً واعتناء.
وقد حان لبنا أن نعطي مثالاً من كلامه ونذكر ما جاء في أبو جاد من الشرح وقد ورد في الصفحة 11 من النسخة المذكورة. وهذا نصه بحرفه:
أبو جاد لفظ سرياني قيل أنه اسم ملك من الأول وكذا هوز. حطي قيل اسم لأول أيام الأسبوع عن سيبويه. أبو جاد وهوز وحطي بياء مشددة أسماء عربية وأما كلمن وسعفص وقريشات فإنهن أعجميات لا يتصرفن وأنشد:
أتيت مهاجرين فعلموني ... ثلاثة أحرف متتابعات
وخطوا لي أبا جاد وقالوا ... تعلم سعفصاً وقريشات
قال أبو سعيد السيرافي: فصل سيبويه بين أبي جاد وهوز وحطي فجعلهن أعجميات. وكان أبو العباس يجيز أن يكن كلهن أعجميات. وقال بعض المحتجين بسيبويه: إنه جعلهن عربيات لأنهن مفهومات المعاني في كلام العرب. ودقد جرى أبو جاد عَلَى لفظ لا يجوز إلا أن يكون عربياً تقول إن هذا أبو جاد. ورأيت أبا جاد. وعجبت من أبي جاد قال أبو سعيد: والذي يقول أنهن أعجميات غير مبتعد عندي إن كان يريد بذلك الأصل فيها العجمة لأن هذه الحروف عليها يقع تعلم الخط السرياني وهي معارف. وقال بعضهم: جاد في قولك: أبو جاد مشتق من جاد يجود أو من الجواد وهو العطش أو من قولهم جوداً له أي جوعاً له! ووقع الناس في أبي جاد أي في باطل قال الإمام قطرب: قولهم أبجد وهو أبو جاد وإنما حذفت واوه لأنه وضع لدلالة المتعلم. فكره التطويل والتكرار وإعادة المثل نمرتين فكتبوا أبجد بغير واو وألف لأن الألف في أبجد والواو في هوز قد عرفت صورتاهما وكل ما مثل من هذه الحروف استغني عن إعادته. قال أبو عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني يقال: إن أول من وضع الكتابة العربية قوم من الأوائل نزلوا في عدنان بن أَدد فاستعربوا ووضعوا هذه الكتابة عَلَى عدد حروف أسمائهم فكانوا ستة نفر أسماؤهم: أبجد. هوز. حطي. كلمن. سعفص. قرشت. وأنهم ملوك مدين رئيسهم كلمون فهلكوا يوم الظلة مع قوم شعيب عليه السلام فقالت أخت كلمون ترثيه:
كلمون هد ركني ... هلكه وسط المحلة
سيد القوم أتاه الحتف ثاو وسطه ظله
جعلت نار عليهم ... دارهم كالمضمحلة
هذا وقد توهم الصغاني أن حمزة قائل هذه الأبيات في كتاب التنبيه عَلَى حدوث التصحيف. وليس كذلك ثم وجد ما جاء بعدهم حروفاً ليست من أسمائهم وهي ستة الثاء والخاء والذال والضاد والظاء والغين فسموها الروادف. ويدل عَلَى كون أبجد وما بعدها أسماء رجال وضعوا الكتابة العربية عليها كون هذه الكلمة الواقعة عَلَى حروف الهجاء لم تزل مستعملة عَلَى ممر الدهور عند كل أمة وجيل من سكان الشرق والغرب متداولة في الأعداد النجومية وكذا هنا عند السريانيين فهي الأصل الذي يتعلم منه الهجاء تبعهم في ذلك الإسرائيليون من اليهود والنصارى يدرسونه صبيانه في كنائسهم قائلين هجاء العبرانية ألف. باء كمل. دالث. يتبعونه بما بعده عَلَى حكاية لغتهم وهذا هو الذي عربه عرب الإسلام فقالوا أبجد مكان ألف. بأكمل دالث. قال ابن دريد: في حروف الهجاء العربي حرفان لا يجريان إلا عَلَى لسان العرب ولا يوجدان في لغات سائر الأمم وهي الظاء والحاء وخوالف في الحاء بأنها موجودة في السريانية والعبرانية والحبشية وقيل الضاد لا تقع في لغة الروم كما أن الصاد لا تقع في لغة الفرس والذال لا تقع في لغة السريانيين كما أنه لا يقع في لغة العرب لام بعدها شين وكما لا يقع فيها حرفان من حروف الهجاء لفظهما واحد متجاورين في أوائل الأسماء نحو ششن كك وقد يقعان في أواخرها نحو تكك ومشش إلا في أسماء أصلها فارسية كحوببات وددان كما أنه لا يقع الدال في لغة الفرس في أوائل الأسماء والأفعال وغنما تقع في أواخرها وأواسطها وكون أصل الهجاء العربي مؤسس عَلَى: أبتث جحد ذرزس شصضط ظعغف قكلم نوهي هو قياس اب ت ث وألف من حروفها وبا وجمل تجري في العربية مجرى أبجد في السريانية لكن هذا الخبر صادر عن رجل كان يولد الأخبار عَلَى الأمم الذين بادوا كعاد وثمود وطسم وجديس وأضرابهم وإذا احتاج البى توليد أشعار يؤكد بها تلك الأخبار خرج ملتمساً ممن يحسن الشعر من الأعراب تقديره أن يقول شعراً من جنس مراده فكانوا يعلمون مثل كلمون هدركني وهذا الرجل هو الذي ادعى عَلَى آدم عليه السلام أنه أنشد:
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي طعم وريح ... وزال بشاشة الوجه المليح
وبدل أهلهم إثماً وخمطاً ... بجنات من الفردوس فيح
وجاورنا عدو ليس يتأتى ... لعين لا يموت فتستريح
فلولا رحمة الرحمن أضحى للع من جنان الخلد ريح (؟) كذا. والأصح: بكفك.
فيا أسفاً عَلَى هابيل ابني ... قتيلاً قد توسد في الضريح
فنسب معاواته إلى نبي الله شعراً ركيكاً واهن الركن ضعيف الأسر ذا أقواء مع ثبوت أن الأقوآء من أقبح عيوب الشعر وعدم مطابقة قوله تغيرت البلاد ومن عليها وأين كانت بقاع تلك البلاد ومن كان عليها إذ ذاك. علي بن هشام قال في كتابه التيجان بعد إنشاده هذا الشعر. قال جبير بن مطعم ليس هو إلى آدم عليه السلام بل هو متحول إليه وهود عليه (كذا) واستخف منه زعم من قال أن إبليس أجاب عنها بقوله:
تنج عن البلاد وساكنيها ... فقد في الخلد ضاق بك الفسيح
وكنت تعيش وزوجك في رخاء ... وقلبك من ذوي الدنيا فريح
فما انقلبت مكايدتي ومكري ... إلى أن فاتك الثمن الربيح
فلولا رحمة الجبار أضحى ... بكفك من جنان الخلد ريح.
ولعمري كم من مفسر ومؤرخ يذكر هذا الشعر ولم ينبه عَلَى ضعفه ووضعه فكم ترك الأول للآخر. وكم دام من السخف عَلَى الخواطر. وقد جاءت روايات عارية من الحال محققة للمحال من الأنبار إلى الحيرة ثم من الحيرة إلى مكة والطائف وتسويده ما روي عن يحيى بن جعدبة أنه قال سالت المهاجرين من أين صارت إليكم الكتابة بعد أن لم تكونوا كتبة فقالوا من الحيرة فسألنا بعده من أهل الحيرة ممن أخذتموها فقالوا من أهل الأنبار وروى ابن الكلبي والهيثم بن عدي: أن الناقل لهذه الكتابة من العراق إلى الحجاز حرب بني أمية وكان قدم الحيرة قدمة فعاد إلى مكة بها. قال: وقيل لأبي سفيان بن حرب ممن أخذ أبوك هذه الكتابة. فقال من أسلم بن سدرة وقال سالت أسلم ممن أخذت هذه الكتابة فقال من واضعها مرار بن مرة فحدوث هذه الكتابة للعرب قبيل الإسلام صحيح يؤيده حدوث آلات لم تكن لهم من قبل كالخطاب والشعر والبلاغة فإنها قريبة الميلاد من إقبال دولتهم وقد كانوا عبروا الدهر الطويل وهم أميون لا يقرءون ولا يكتبون وكان لحمير كتابة يسمونها المسند منفصلة غير متصلة وكانت مباينة لكتابة العرب عَلَى حدة في اللغة السير بعيدة الدار من بلادهم في منقطع الترب عَلَى شاطئ البحر جيراناً للحبشة والزنج وكانوا يحظرون تعليمها عَلَى العامة مع أنه كان لا يتعاطاها إلا من أذن له في تعلمها فلذلك دخلت دولة الإسلام وليس بجميع اليمن من يقرأ ويكتب. . .
وجل كتابات الأمم من سكان الشرق والغرب اثنتا عشرة كتابة وهي العربية والحميرية والفارسية والعبرانية واليونانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية والسريانية. فخمس منها اضمحلت وبطل استعمالها في بلادها وعدم من يعرفها في بلاد الإسلام وهي الحميرية والقبطية والهندية واليونانية والصينية وأربع مستعملات في بلاد الإسلام وهي العربية والفارسية والسريانية والعبرانية وأما العبرانية فنوع واحد لا تتفنن وإنما تتغير بخصيص أقلامهم حال التجويد أو التعليق. وأما الفارسية فتسعة فنون عَلَى ما ذكر أبو جعفر محمد بن المؤيد المتوكلي فإنه زعم أن الفرس كان إمام ملكها مقر عن أصناف إيراداتها (كذا) سبع كتابات وهي برم دفيره وكشته ودفيره ونيم كشته دفيره. وفروده دفيره. وسف دفيره. فمعنى الأولى الكتابة العامية والثانية الكتابة المغيرة والثالثة الكتابة المغيرة نصفها والرابعة كتابة الرسائل والخامسة كتابة السر وكانت كالترجمة والسادسة كتابة الدين وكان يكتب بها قرآنهم وكتب شرائع دينهم والسابع جامع الكتابات يشتمل عَلَى لغات الأمم من الروم والقبط والبربر والهند والصين والترك والنبط والعرب وكانت كتابة العامة من بينها ترسم قلماً وعشرين قلماً لكل فلم منها اسم عَلَى حدة نحو ما يقال في الخط العربي خط التجاويد. وخط النحاس. وخط القراطيس. وخط التحرير وخط التعليق وكانت صناعة الكتابة ذات أسماء مختلفة تلزم فنون طبقات الأعمال وقد نسي أكثر أسمائها لكثرتها فقد كانت غير ذلك فدرست وصاروا يستعملون منها هذه الأنواع السبعة كما كانوا يستعملون في المخاطبات اللغات الخمس الفهلوية والدرية والفارسية والخوزية والسريانية. فالأولى كان بها كلام الملوك في مجالسهم وهي منسوبة إلى فهله الواقعة اسماً عَلَى خمسة بلدان وهي: أصبهان والري وهمذان وماه نهادوند وآذربيجان والثانية لغة مدن المدائن وبها كان يتكلم من بباب الملك وهودر بالفارسية والغالب عليها من لغات أهل المشرق لغة أهل بلخ والثالثة كان يجري بها كلام الموابدة ومن ناسبهم من كور بلاد فارس والرباعة منسوبة إلى خوزستان وكورها الثلاث وبها كان يتكلم الأشراف في الخلوات كالتعري في الحمام والإبزن والمغتسل والخامسة منسوبة إلى كور بلد سورستان أعني العراق والسريانيون هم النبط وبها كان كلام حاشية الملك عند التماس الحوائج وتشكي الظلامات وكان للفرس كتابة العصا حكاها السلماني وكانت ملوك الفرس تودعها الأسرار في مخاطبة خواصها وعمالها ولم يكن بخط ولا بأعداد ولا بما يجري مجراها وإنما كانت تعمد إلى جلد أبيض فتقد منه سيراً طويلاً ثم تعمد إلى عصي الفيج أو المكاري فتلف السير عليها وتضم حروف السير بعضها إلى بعض ثم تدعو بمسامير تركبها عليها ثم تكتب فإذا انتهت الكتابة سلت تلك المسامير وكشف ذلك السير عن العصي فكان ما كان منها إلا نقط متفرقة ثم تلف السير وتجعل كالطبق ويقال للمكاري إذا نزلت منزلاً فضع طعامك عليه لتوهم أنه طبق طعامك فيكون هذا دأب الرسول إلى مبلغ المكتوب فح يرد لف السير عَلَى العصي كما كان رسم بأن يجعل الثقب التي في السير تجاه الثقب التي في العصي ويشك المسامير في الثقب ثم يضعها عند المكتوب إليه فهذه المتابة التي كانت إذا ضم بعضها إلى بعض أمكن قراءتها وإذا نشر زالت صورتها وتعذرت قراءتها. وسئل أحمد بن علي المتوكل عنها فأخذ درجاً من كاغد فكسر منه شبيهاً بورقتين وضم أثناءه بعضه إلى بعض ثم كتب عليه شيئاً يقرأ ثم نشره وبسطه فصار في كل موضع من الورقتين كالعلامة والنقطة فهذا الذي أريد بقول الشاعر: أي كتاب بالطي تعرفه ... وعندهم تبين أحرفه
وأشر مما يزيل صورته ... وكتبنا كلها تخالفه. اه بجرفه
فأنت ترى من هذا المثال، طويل المقال، الواسع المجال، إن هذا الكتاب الجليل من أحسن ما صنف في هذا القبيل. ولاسيما أن الكاتب قد أحاط بكثير من الألفاظ التي لم يذكرها من سبقه إلى هذا الموضوع. بل ولم ينوه عنها من جاء من بعده. ولهذا نتمنى أن يخرج هذا التصنيف اليتيمة إلى عالم المطبوعات. لينتفع بها محبو اللغات. ويقف عَلَى بعض محتوياته ما لا يوجد في كثير من المصنفات. قيض الله أديباً فاضلاً يعنى به. إنه عظيم كريم.
بغداد:
ساتسنا.
تقارير المجمع العلمي السميثوني
عن سنة 1909 - 1910 - 1911
1909 - 1910 - 1911
عودنا هذا المجمع أن يمتعنا كل عام بتقرير عن أعماله السنوية وذلك بكتاب ضخم يخصص القسم الأكبر منه لنشر ما يظهر في عالم المطبوعات من الأبحاث والمحاضرات العلمية سواء ظهرت في أوربا أو أميركا. وأمامنا الآن ثلاثة من هذه التقارير الأولى لسنة 1909 وأهم ما فيه من الأبحاث بحث في مستقبل العلوم الرياضية وبحث فيما إذا يميز المناطيد وآخر في تقدم الطبيعيات وآخر في مسألة النتروجين من الوجهة الحربية وآخر في مذنب هالي وعودته وآخر في طبقة الهواء العليا وآخر في المبلورات وغيره في الصخور النارية وفي البراكين وفي حفظ الموارد الطبيعية وفي البعثة البريطانية إلى القطب الجنوبي وآخر في رسم بحر غرينلاند ورحلة في أفريقية من النيجر إلى النيل ومحاضرة في ماضي العراق وحاضره ومستقبله ألقاها السير ويليام ويلكوكس في الجمعية الجغرافية الإنكليزية. ومبحثان في النشوء الحيواني ومذهب دارون. وآخر في قدم الإنسان في أوربا وآخر في نسبة العلم إلى حياة البشر وآخر في نسبة الحشرات إلى الأمراض وآخر في المقاومة الطبيعية للأمراض السارية وإسعافها وهذه الأبحاث كلها من أقلام نخبة رجال العلم في أوربا وأميركا.
أما تقرير سنة 1910 فهو كالذي سبقه في الحجم والإتقان وإن كان أدق وألطف من الأول ورقاً وأهم موضوعاته: بحث في تزاويق البسط والسجاد وفي تقدم فن الطيران حديثاً وآخر بالانتفاع في الأراضي المقفرة في غربي الولايات المتحدة وآخر في القوة الكهربائية من نهر المسيسبي وآخر وسائط التأمين في معامل الفولاذ في الولايات المتحدة وغيره في نقل الرسوم بواسطة التلغراف السلكي واللاسلكي والآراء الحديثة في تركيب المادة. التقدم الحديث في وسائط تجربة المفرقعات. السكنروسكوب. مسائل فلكية في المناطق الجنوبية. صلاح الأرض للحياة في المستقبل. حفظ الغابات. بحث في معرفة نوع الجنين وآخر في ريش النعام. نظرة من الوجه الاقتصادية والجغرافية في الشعوب السلافية المعاصرة. وآخر في سكان الكهوف في العالم الجديد والقديم. حالة المزارع الصحية والسل وانتشاره.
ويحوي تقرير سنة 1911 كغيره أبحاثاً مفيدة في الطبيعيات والفلك والحيوان والكيمياء وطبقات الأرض وحفظ الصحة إلى آخر ما نشر من الموضوعات الحديثة خلال تلك السنة.
وهذه التقارير في الجملة غاية في الإتقان والدقة مزدانة بالرسوم حسب ما تتطلبه الأبحاث والناظر إليها يشعر برقي هذا المعهد العلمي سنة عن سنة نفع الله العلم به وأكثر من أمثاله في العالم. وقيض لهذا الشرق العربي أناساً يخدمونه في الماديات ليخرجوا به من عالم الأدبيات والخطابيات.