الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 8/السكك الحديدية في آسيا الصغرى

مجلة المقتبس/العدد 8/السكك الحديدية في آسيا الصغرى

مجلة المقتبس - العدد 8
السكك الحديدية في آسيا الصغرى
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 19 - 9 - 1906


عن مجلة الطبيعة الفرنسية

استفاض في الناس أمر السكة الحديدية البغدادية التي تجتاز آسيا الصغرى من أقصاها إلى أدناها وتقرب بلاد فارس والخليج الفارسي من أوربا. وسيبلغ بالقطار الحديدي عما قريب إلى بغداد وكانت معدودة من قبل من مدن ألف ليلة وليلة. فترن صفارة البخار وتجاوبها أصداء بلاد الكلدان والفرات ويحرك التمدن الحاضر بما خص به من الصفات قبور أخلاف بختنصر. وليس الخط البغدادي أول سكة امتدت في ذاك الرجا فقد وجدت منذ عهد بعيد في غربية خطوط حديدية أخرى نال امتيازها ماليون مختلفة أجناسهم والدولة تمدَّ معظمها بالمال وتعطيها ضمانات عن كل كيلومتر تختلف من عشرة إلى تسعة عشر ألف فرنك. أنشئ أول خط حديدي سنة 1856 وهو من أزمير إلى آيدين واحتفل بافتتاحه سنة 1866 ثم اتصل بدينار وامتدت منه ناشطة أو فرع إلى تيره وسوكه وجوريل وبوجه وسيدي كوي ودكزلي. وطول هذه الخطوط خمسمائة كيلومتر. وسنة 1866 أيضاً افتتحت سكة حديد أزمير - قصبة التي امتدت بعد أفيون قره حصار وأخذت منها ناشطة إلى صوما وطول هذا الخط بأجمعه خمسمائة كيلومتر أيضاً.

وفي نحو سنة 1871 شرع بإنشاء خط مدانيا - بورصة. وفي نحو ذلك العهد أنشأت الحكومة خطاً يكون متمماً لخط عظيم يصل إلى الخليج الفارسي بادئاً من اسكدار أو حيدر باشا ومنتهياً بأزميد. وسنة 1889 نالت شركة ألمانية امتيازاً بمد خط حديدي من أزميد إلى أنقرة ماراً باسكي شهر وطوله 576 كيلومتراً ولم يتسن إيصال الخط إلى بغداد ماراً بسيواس. وفي غضون ذلك أنشئ الخط الحديدي من مرسين إلى آذنة ماراً بطرسوس وهو الخط الذي سيصبح من فروع السكة البغدادية. وكل هذه الخطوط تربط المدن الساحلية ببعض الداخلية إلا قليلاً.

أما خط أنقرة وقيصرية فأخذ امتيازه لكنه لم يجر تخطيطه. وفي سنة 1888 مدَّ خط من يافا إلى القدس وسنة 1890 شرع بمد خط حديدي من بيروت إلى دمشق ماراً برياق ثم دمشق - مزيريب ثم فرع رياق - حماه. دع الخط الحديدي الذي أنشئ من دمشق وسيتصل بالمدينة ومكة ماراً بعمان فإنه ليس من الخطوط المعدودة من آسيا الصغرى.

ولا بأس من التصريح هنا بأن من تتمة الخط الحديدي البغدادي إنشاء الخط الذي كان بدأ به سنة 1895 من حيدر باشا إلى قونية ماراً بأفيون قره حصار فهو يصح أن يسمى من متممات خط أزمير فمن مدينة قونية إذاً تسير سكة حديد الخليج الفارسي مقتربة من خليج مرسينا. ويتحدث الإنكليز منذ نحو نصف قرن بهذا الخط لأنه يسهل المواصلات مع الهند حتى أنهم وضعوا سنة 1851 مشروع خط حديدي يمتد من السويدية في جنوبي إسكندرونة من أعمال سورية ماراً بإنطاكية وحلب والموصل فبغداد فالبصرة فالكويت. وفكر بعضهم في إنشاء خط حديدي من البوسفور إلى الموصل ماراً بسيواس وديار بكر كما اقترح الروس أن يجعلوا طرابلس مبدأ الخط. وكان ينوي أصحاب امتياز خط أنقرة - قيصرية أن يصلوه بدجلة والخليج الفارسي لكن شركة ألمانية فيها بعض الفرنسيين نالت الامتياز إلى 99 سنة بإنشاء خط حديدي من قونية إلى الخليج الفارسي يكون خط حيدر باشا قبالة الأستانة رأساً له فإذا اجتاز الخط اركلي يصل إلى سهل ثم يصعب تمديد الخطوط الحديدية لأنه يضطر إلى قطع سلسلة من جبال طوروس وفي شمالي الإسكندرونة يجتاز سلسلة أخرى من سلاسل جبال سورية ومن هناك ينشأ فرع صغير لتسهيل نقل الأدوات وتتصل حلب مع الخط الأصلي بفرع آخر يصل بينها وبين خط سورية ويستقيم سير الخط من أذنة إلى الموصل ومن هنا يتبع الخط مجرى دجلة إلى بغداد.

وفي مأمول القائمين بتمديد خط الخليج الفارسي أن ينجزوه سنة 1910 وهو مما يستبعد. وكيف دارت الحال فسيأتي هذا الخط بفوائد جزيلة أقلها تقريب المسافة بين أوربا والهند فإن معدل البريد الآن من لندن إلى بومباي في 14 يوماً و16 ساعة ومتى نجز خط بغداد يرسل البريد عن طريق آسيا الصغرى إلى ما بين النهرين في ثلاثة أيام و15 ساعة. لا جرم أن عدد الذاهبين إلى الهند والشرق الأقصى ممن يسافرون في البحر الأحمر وهو قرابة ربع مليون نسمة في السنة سيزيد كثيراً. وإذا صح ما يتحدثون به الآن من إنشاء جسر على البوسفور فسيجيء يوم تختصر فيه المسافة كثيراً فتسافر القطارات من كالى في فرنسا أو من لندن بدون أن تفرغ شحنها حتى تبلغ مصب شط العرب.