الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 79/الخزانة الزكية

مجلة المقتبس/العدد 79/الخزانة الزكية

بتاريخ: 1 - 9 - 1912


أو مجموعة كتب أحمد زكي باشا المصري

ليس في بلد الإسلام بلدة كمصر ضاهتها بنهضتها وضارعتها برجالها. ولا أرض كتب لها أن اقتبست من مدنية الغرب القدر الكافي الذي قام منذ نحو قرن بفضل عصابة فاضلة تشبعت بالحضارة الحديثة والحضارة القديمة فأتت من جلائل الأعمال ما أعجب به البعيد والقريب.

واسم أحمد زكي باشا أمين سر الوزارة المصرية (سكرتير مجلس النظارة) وأحد نوابغ مصر في هذا العصر يجب أن يثبت في القائمة الأولى من أسماء أولئك العاملين الأخيار.

ربما تقول بعض الحاسدين (وهل خلا يوم ذو نعمة من حاسد جاحد) ـ: إن عين الحب رمداء، فأنت يا هذا تنوه بأصدقائك كثيراً في حين ينزلهم المصنفون منازلهم، ويزنونهم بمعيار نراك لا تحسن استعماله. فلا تستهويهم المحبة في نقد رجالهم وتقدير أعمالهم وجوابنا لمن يقول هذا ويدعي أن زكي باشا يعرف فقط كيف يظهر لقومه مسائل يحسنها: إن من حفظ حجة عَلَى من يحفظ، ونحن قد نظرنا في أكثر أعماله العلمية منذ زهاء اثنتي عشرة سنة وأطلنا التأمل في كتبه تأليفاً كانت أو ترجمة وفي مقالاته ومحاضراته وحكمنا العقل ونبذنا الهوى ثم انقلبنا ونحن عَلَى مثل اليقين بأن أمثاله قلائل في مصر والشرق، وأنه عامل أمين في خدمة أمته، ولغته جدير أن يقرن في العلم والعمل مع نظرائه من أساتذة الغرب.

أمثال صديقنا هذا وهم لا جرم صفوة أجيال أتت عَلَى مصر وهي تنهض حتى وصلت بفضل حكومتها - لا التي تناهض أبناءها الراشدين بل تأخذ بأيديهم - إلى هذه الدرجة من الرقي ويمتاز عَلَى كثير من الخاصة بمضائه ونشاطه. عرفه بذلك قومه وهو يافع فشاب، وهو اليوم كذلك في سن الكهولة. وقد وصل بجده وعصاميته إلى المناصب العالية، فلم تشغله الزخارف والبهارج عن السير بما أخذ النفس به من التعلم والتعليم منذ وعى ورشد. وأكبر دليل نقدمه عَلَى إثبات دعوانا هذه خزانة كتبه التي جمعت فأوعت من نفائس القدماء والمحدثين والشرقيين والغربيين ولا عجب فاختيار المرء شاهد عقله.

قد عرفناك باختيارك إن كا ... ن دليلاً عَلَى اللبيب اختياره بدأ زكي باشا بجرثومة مكتبته وهو تلميذ بمدرسة الحقوق الخديوية سنة 1883 فكانت النقود التي كان يعطيه إياها أخوه محمود بك رشاد رئيس المحكمة الابتدائية الأهلية بالقاهرة سابقاً يشتري بها كتباً إفرنجية مما يستطيع التلميذ أن يقتصده من نفقته أما الكتب الثمينة فكان أخوه يشتريها له فيضم إليها الكتب التي كان أخذها من المدارس وجوائز ومن الأساتذة الفاحصين عَلَى سبيل التشجيع ومن ذلك تولد فيه الغرام بالكتب كما قال لنا عن نفسه.

فمكتبته والحالة هذه جمعت انتخاباً واختباراً. وما برح يضم إليه من الكتب العربية والإفرنجية التي يمكن أن تفيد الإنسان في مباحث عمومية ترجع إلى ارتقاء الشرق ولما قرأ التواريخ وتخيل المجد الكبير الذي أثله العرب في مدنيتهم من غير أن يقف عَلَى تفاصيل ذلك حدثته نفسه بأن يجعل خزانة كتبه مرجعاً لمن يريد إرجاع المجد إلى الشرق. ولذلك كان يقتني كل كتاب كان يصل إليه أو يقع تحت طاقته حتى يكون منها مجموعة ابتدائية فكانت أكبر مساعد للاستمرار عَلَى تكثيرها.

ولما دخل صاحب هذه الخزانة في خدمة الحكومة أخذ يخصص نصف راتبه الشهري لمشترى الكتب والنصف الثاني لسائر حاجياته وكثيراً ما كان يزيد النصف المخصص لابتياع الكتب عَلَى نصف الضروريات وما برحت أكثر ديونه إلى هذا العهد إلى الوراقين والطباعين وبائعي الكتب الجديدة والعتيقة في أوربا ومصر. ولما سافر إلى أوربا أول مرة سنة 1892 رجع ومعه غنيمة كبرى من الكتب وكلها إفرنجية مما يلزم الشرق وبعد ذلك اتسعت أمانيه وأصيح همه أن يكون لخزانته مزية حتى غدت الآن تستحق أن تكون مرآة يرى فيها الطالب معارف الشرق وعلومه سواء كانت من نفثات الشرقيين العرب مسلمين أو غير مسلمين أو قرائح الإفرنج. وأكثر كتب الإفرنج عنده بالإفرسية ومنها ما كتب باللاتينية والألمانية والإنكليزية والإيطالية. وهو يحس الفرنسية إحسانه بالعربية وله إلمام بالإيطالية والإنكليزية والإسبانية يستعين به في معرفة ما قد يحتاج إليه أثناء مباحثه. ولطالما سمع الخطبة العلمية في الجمعية الجغرافية الخديوية التي هو وكيلها باللغة الفرنسية فنقلها ارتجالاً إلى العربية وبالعكس من العربية إلى الفرنسية ولطالما فعل ذلك في مؤتمرات المستشرقين في أوربا وهو ينوب عن الحكومة المصرية فيها. وهذا من جملة الأسباب التي كثرت بها صلاته مع علماء المشرقيات في الغرب حتى لا يكاد إمام من أئمتهم إلا ذاكره في الموضوع الذي يغلب عليه واستفاد منه.

ومازال صاحب هذه الخزانة يسعى وراء غايته كلما ذب إلى أوربا في مهمة علمية فيعود بنفائس الكتب وغرائبها مما يرجع كله إلى إظهار حضارة العرب وفضلهم حتى اجتمعت إليه الآن معظم الكتب العربية التي طبعها علماء الإفرنج المستشرقين منذ القرن الخامس عشر للميلاد إلى يوم الناس هذا. وحصل أيضاً عَلَى مجموعة نادرة تحوي كل التراجم أو المباحث التي خاض غمارها علماء الفرنجة ولاسيما ما يتعلق منها بالعرب والإسلام وقد زار سورية زيارة رسمية عقاب انتشار الدستور العثماني وكان لبناء دمشق حظ وافر من الأخذ من معارفه وانتفع ناشئتا بحديثه وخطبته الرنانة وأعجب الخاصة من القوم ببيانه وتحقيقه العلمي وودوا لو زار سورية كل سنة واحد من أمثاله فتوخى إفادتها وتعليمها.

ذهب إلى الآستانة مرات فوجد المجال فسيحاً فيما هو بصدد من إحياء آثار العرب ووقع عَلَى كنوز في مكاتبها قلما وفق للاطلاع عليها أحداً قبله. وبمعاونة حسين حلمي باشا الصدر الأسبق تيسرت له المطالب وفتحت له الأبواب بعد الحرية العثمانية واشتغل كما يشاء. ولما علم الجناب الخديوي بالأمر عاونه عَلَى ما اخذ النفس به ولا عجب فالحكومات الرشيدة تعرف أن لا رونق لبلادها بدون علم. والعلم في الشرق لم تقم له سوق نافعة إلا في ظل الملوك العاقلين فإن تنشيطه من خصائص الجمعيات والأمراء المفصلين. عَلَى نحو ما كان في العرب ولا يزال إلى عهد قريب. فرأى صديقنا (وذلك مذهبه منذ القديم) أن الناسخ ماسخ لا يعول عليه في نقل الكتب النادرة فاستحسن النقل بالفوتوغراف ليكون لديه الصل برمته. واستحضر من سفرته هذه زهاء مئة كتاب بالتصوير الشمسي وكلها نفائس كان يظن أنها مفقودة. فلما رأت الحكومة المصرية هذه الهمة الفائقة وبحثت في هذا العمل المجيد كان أول مظاهر له الجناب الخديوي ورئيس الوزارة الحالي محمد باشا سعيد وناظر معارف مصر أحمد حشمت باشا فأحبوا أن يكون الشرف كله لمصر لا لمصري واحد، خصوصاً ومصر اليوم هي المكلفة بإحياء مجد العرب ووراثة تراثهم المأمونة عليهم.

فرأى أمام هذه العناية العالة أن يقدم هدية لأمته وأهل بلده فأوقف مكتبته كلها ولا يقل ثمنها عن اثني عشر ألف جنيه بمكاتبها وخزائنها وقماطرها وكراسيها وكل ما يتعلق بها. فأكبر الجناب الخديوي هذه الخدمة فاصدر أمراً بتخصيص قسم مستقل من دار الكتب الخديوية منعزلاً عنها وخاصاً بأحمد زكي باشا يشتغل فيه طوال حياته لنفع أمته وبلاده. والذي حدا الواقف عن هذا العمل منذ الآن أنه خشي أن يأتيه القدر المحتوم فجأة فيبدد كتبه أيدي سياء خصوصاً وقد رأى العبرة بعينه في كتب علي باشا مبارك والأمير محمد إبراهيم والشيخ رضوان العفش وحسين باشا حسني وغيرها من المكاتب المصرية الخاصة التي اشترى بعض نفائسها وضمها إلى خزانته. فأوقف ما يملكه منذ اليوم وأخرجه من داره قال: أخرجت المكتبة من ملكي حتى إذا جاءني أمر ربي ذهبت وليس في النفس حاجة. لأن ثمرة عمري وهي المكتبة موضوعة في كلاءة الأمة والحكومة فلا يعبث بها وارث ولا شبه وارث خصوصاً وأني أعتقد أن من يوقف شيئاً عَلَى الخير يؤجل نفاذه إلى ما بعد موته لا يكون له الحق في طلب الثواب عند الله لأنه تبرع مما آل إلى ورثته. وإني أحب تجديد العمل بالسنة الشريفة. فقد قال رجل للنبي ﷺ: يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال: أن تتصدق وأنت صحيح حريص تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان (رواه البخاري في صحيحه).

لم يقف الواقف عند هذا الحد بل إنه ما برح في كل يوم وفي كل شهر يشتري كتباً من أوربا ويستحضر الأسفار الثمينة بالفوتوغرافيا نت الآستانة ويضم هذا وذاك إلى مجموعته النفيسة ليكتفي الباحث بما فيها عن غيرها. ومن مميزات مكتبه إنها تضم أمهات الكتب في كل فن وعلم ومطالب لأن جامعها أراد أن يغتني بها عن الرجوع إلى دار الكتب الخديوية. وفيها كتب كثيرة من المطبوعات في مصر والهند والعراق والشام وغيرها مما لا يكاد يوجد في دار الكتب الخديوية. دع الكتب الكثيرة المحفوظة التي حوتها وقلت نظائرها في دار الكتب الكبرى هذا مع حفظ النسبة الاعتراف الصحيح بأن دار الكتب الخديوية بالنسبة لهذه الخزانة أوسع مادة وأغزر قيمة ولكن خزائن الأفراد قد يكون فيها من النوادر والوفاء بالحاجة ما لا يسقط عَلَى مثله في الخزائن العامة. وكيف يكون وجه للمفاخرة بين مجموعة جمعها رجل فرد بوسائله الذاتية وهو لم يرث عن أهله قرشاً واحداً وبين دار كتب هي مجمع ما بقي مما خلفه السلاطين والملوك والأمراء وأهل الثروة والكبراء من أعيان المصريين. قال صديقنا في عظمة دار الكتب الخديوية: وناهيك بمكتبة نفحها إسماعيل بنفحاته، وتولاها توفيق بعناياته، ثم شملها عباس برعاياته. ولا يمكن التنصيص عَلَى تعيين ما عنده من النفائس ولطالما شهد عمال الكتب الخديوية أنفسهم عَلَى ما فيها من الذخائر والأعلاق ويكفي أنك مها درت في ديار مصر وقلبتها من أدناها إلى أقصاها من دور الحكومة الرسمية ومعاهد العلم العمومية حتى لو ذهب إلى الدفتر خانة المصرية لا تجد فيها أثراً لجريدة الوقائع المصرية التي كانت تصدر في أوائل عهدها أيام محمد علي. ولكنك إذا أتيت الخزانة الزكية تجد قسماً عظيماً منها وتقرأ فيها المعجب المطرب مما يدل عَلَى حالة البلاد في تلك الأيام وأنت لو التمسته بالمنكاش في تضاعيف الكتب أو بمسائلة الشيوخ لا تصل إليه بتة هذا مثال واحد من أمثلة كثيرة.

وتمتاز هذه الخزانة بأنها تجمع الكتاب النفيس بما تقلب عليه من الأدوار والأطوار فتجد منه مخطوطاً بخط اليد أولاً ومطبوعاً ببولاق ثم نسخة مطبوعة منه في الشرق والغرب إن لم تجد ترجمته إلى اللغة الفرنسية في الغالب أو الإنكليزية أو الإسبانية أو اللاتينية أو الإيطالية أو الألمانية. ثم الكتب التي كتبها جهابذة العلماء عَلَى الكتاب أو عَلَى المؤلف. بحيث أن الباحث يتيسر له والحالة هذه أن يستوفي موضوعه بأسهل شيء وأن يكمله بحسب حاجته ومقدار همته.

ومن الكتب المخطوطة النادرة عنده أربعة أجزاء لا بن عساكر وأربعة أجزاء مرآة الزمان لابن الجوزي ونسخة كاملة من تاريخ ابن خلدون عليها خط الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر ونسخة من الجزء الرابع من تاريخ الجبرتي ويظن أنه يحتوي عَلَى فصول كثيرة اضطروا إلى حذفها من النسخة التي طبعت في بولاق لأن فيها ما فيها مما يختص بمحمد علي ولكنه لم يحقق ذلك بطريقة يقينية غير أن ضخامة الجزء تجل الظن أقرب إلى اليقين خصوصاً والصفحة من المخطوط تعادل ثلاث صفحات من المطبوع عَلَى الأقل فتزيد باقل تقدير 153 صفحة م المخطوط وإذا أضيف إليها 40 صفحة من المخطوط أيضاً فيكون المجموع المطبوع في النهاية العظمى ومع التسامح الزائد معادلاً لألف صفحة من المخطوط وربما كان ما بقي بعد ذلك من المخطوط هو عبارة عن مجموع الفصول والجمل والعبارات التي استصوبوا حذفها من الأصل لبعض الاعتبارات وذاك يعادل خمسين صفحة من نسخة بولاق المطبوعة سنة 1297 هـ ومن الغريب أن صاحب النسخة المطبوعة نص عَلَى أن طبعته بلا زيادة ولا تنحسين ولا إجادة ولكنه لم يفصل هذا المجمل ولم يقل لنا أنه لم ينقص منها شيئاً.

وفيها مجموعة الكتب التي صدرت في بولاق وفي مطبعة أركان حرب الجهادية المصرية وفي مدرسة الطب المصرية. ومما يجب إلفات النظر إليه في هذه المناسبة أن محيي مصر محمد علي كان يأمر بأن يذكر في كل كتاب طبع بعهده بأنه هو الثاني أو الثالث أو الرابع من نوعه. يعرف ذلك من النظر في كتب زكي باشا. فعنده قاموس للغة العربية، والطليانية مطبوع في زمن محمد علي وهو ثاني كتاب ظهر في مطبعة بولاق الأميرية أم الكتاب الأول الذي طبع في بولاق لا نعلمه وليس لهذا الكتاب أثر في الخزائن الأخرى ذلك عدا الكتب المطبوعة في ديار الشام والجزيرة (الموصل) وتونس والجزائر ومراكش وجزيرة مالطة وغيرها.

ومن ميزاتها أن فيها مجموعة من المجلة الاسياوية الباريزية منذ أو عدد صدر منها سنة 1822 إلى الآن، ونسخة من لسان العرب عَلَى ورق الكتان،. وفيها أكبر مجموعة في الشرق لما كتب عن اللغة العربية مما هو من أبحاث علماء الشرق وعلماء الإفرنج بحيث أن الحكومة المصرية تجد فيها كل ما يلزمها في وضع معجم للشوارد والأوابد والضوابط والروابط ولمصلحات العلوم والصنائع والفنون عَلَى ضروبها وفروعها حتى تكون تلك الدواوين رجعاً يعود عليه كل عربي في كل موضوع ومصطلح يوم تصح عزيمتها عَلَى إبراز هذا الأثر النفيس الخالد.

ومن الكتب النفيسة كتاب الفتوة في الإسلام وفيه أبواب في مكارم الأخلاق بحسب الطريقة الإسلامية وينتهي بفصل طويل في مجالس الفتوة ونظامها الداخلي وهو أشبه شيء بنظام الماسون واصطلاحاتهم ورموزهم وأعمالهم وقبول الجانب في زمرتهم. وهو فصل مهم ولا يوجد هذا الكتاب في مجموعة أخرى فيما نعلم. ومنها كتاب تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد الذي تكلمنا عليه منذ بضع سنين في مجلة المقتطف وهي النسخة الوحيدة المعروفة من الكتاب.

ومن مميزاتها كتب الطب المطبوعة في أوربا بالعربية والإفرنجية، ومنها ما يتعلق بالفلسفة والعلوم كالكيمياء والطبيعة والفلك والميكانيكا والآلات الروحانية (المفرغة من الهواء) وكتب ابن سينا ومنها القانون وجزء من الشفاء مطبوع في مدينة رومية سنة 1593 بعد اختراع الطبع بمدة قليلة ويتلوه كتاب النجاة في المنطق.

ومن مخطوطات هذه الخزانة قطع من تاريخ الدولة الأموية من أول خلافة الوليد لبن عبد الملك إلى انقراض الدولة العباسية وهي عَلَى رأي صاحب الخزانة أوفي تاريخ معروف لهاتين الدولتين ويظهر أن المؤلف كتب كتابه في مصر عقب انقراض الدولة العباسية مباشرة لأنه يشير إلى شيخه وأستاذه ابن الأنجب الساعي. ومنها تاريخ محمد علي باشا مؤسس الأسرة الخديوية للشيخ خليل بن أحمد الرحبي بعثه عَلَى وضعه الشيخ محمد العروسي يحتوي عَلَى حالة مصر قبل الفرنسيس وحالة أمرائها وأخلاق محمد علي وعلى إخراجه من كان بمصر من المفسدين من المماليك وغيرهم وعلى تعميره لأرض مصر وإحياء قطرها بالزرع وعلى بعض آثاره من البنية والعمارات وعلى ذكر إحياء الدولة الكتبة المسلمين وعلى ما انشأه من السفن وعلى ذكر العساكر الجهادية ووجوب اتخاذهم بالأدلة الشرعية والسؤال عن القوانين الموسومة للعساكر الجهادية هل هي مطابقة بعد للشرع الشريف أم لا.

ومن مخطوطاتها الدر الثمين في تاريخ اليمن في أيام الإمام محمد بن عايط، وكتاب روح الروح فيما حدث بعد المئة التاسعة من الفتن والفتوح في اليمن. وفي الخزانة كتب منقولة بالفوتوغرافيا وهي من الأمهات أو النوادر ولا بأس أن نشير إلى بعض ما حوته خزانتنا الزكية من الكتب المأخوذة بالتصوير الشمسي فمنها تاريخ السودان في أيام محمد علي وكتاب المجاراة والمجازاة للصفدي ونسختان من الهدايا والتحف للخالديين ومختصر ذخيرة ابن بسام للأسعد بن مماتي والتذكار الجامع لمن ملك طرابلس ومن كان بها من الأخيار وهو التاريخ الوحيد في ما نعلم الذي ألف في هذه المملكة عَلَى انفراد. والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي (في ثلاثة أجزاء) والبصائر الذخائر له أيضاً (في خمسة أجزاء) ومقدمة ابن خلدون وفيها تصحيح المؤلف وخطه. والشعور بالعور وهو قاموس لأعظم المشاهير الذين أصيبوا بفقد إحدى أعينهم، وصبح الأعشى نسخة كاملة سبع مجلدات فرغ المؤلف منها سنة 814 وهذه النسخة مكتوبة سنة 817 وهي أجود من النسخة المبتورة الموجودة في دار الكتب الخديوية وروايات المبرزين وأعلام المميزين لابن سعيد الأندلسي.

ومن المخطوطات رحلة الشيح محمد بشير البرتلي من بلاد توات إلى الحرمين وصف فيها الصحارى والبلاد في القرن الثاني عشر للهجرة وقطعة منقولة بالفوتوغرافيا من كشف البيان عن وصف الحيوان، وهو موسوعات ألفها فتح الله السكندري الذي كان في أيام السلطان الأشرف برسباي وهو عبارة عن ستين جزءاً موجودة بخط المؤلف في المكتبة السليمانية وفي مكتبة طوبقبو بالآستانة. وفي هذه القطعة معلومات وافية غريبة عن المؤلف والمهم ذكر قائمة الكتب التي نقل عنها وهي تربو عَلَى الثلاثة آلاف كتاب. من المخطوطات من عيون التواريخ لابن شاكر جزآن (ومنه عدة أجزاء في المكتبة الظاهرية بدمشق وكتاب ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه وأرجوزة الصفدي في جميع من حكموا دمشق الشام عَلَى عصره ورسالة أخرى في ذات الموضوع عَلَى ترتيب حروف الهجاء وفي المكتبة الأحمدية في حلب) ومن المنقول بالفوتوغرافيا سير أعلام النبلاء للذهب أصله في أربعة عشر جزءاً ضخمة وكان موجوداً في القاهرة وفيها فقد الجزء الأول والثاني ثم انتقلت النسخة كما قال زكي باشا في جملة ما انتقل من كتب مصر إلى القسطنطينية وهناك ضاع الجزء الأخير فبقي من الكتاب ثلاثة عشر جزءاً. ومن المخطوطات كتاب الداني في حروف المعاني لبدر الدين ابن أم القاسم ومنها التحفة الوردية للعلامة عبد القادر البغدادي وهو كتاب مفيد جداً بالأدب وحسبنا في التعريف به نسبته لمؤلفه. وألطف ما فيه ما كتبه المؤلف بخطه في آخره:

قابلها مؤلفها وصحح ما تيسر منها فإن كاتبها لا يكاد يكتب كلمة صحيحة لا بارك الله فيه فإنه أتعبني في تصحيحها من غير نسخة فإن الأصل كان عنده ليكتب منه ستكتب هذه النسخة كان مسافراً نفع الله بها من كتبت لأجله وهو الوزير الجليل والصدر النبيل عبده باشا الشهير بنشانجي باشا لطف الله به في الدارين آمين. قاله بفمه وكتبه بقلمه الفقير إلى الله تعالى محبه عبد القادر البغدادي لطف الله به وبأسلافه وبجميع المسلمين. وتم ذلك في الليلة الرابعة عشرة من شهر رمضان من شهور سنة 1087. وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله عَلَى عبده وخليله محمد وآله وصحبه وسلم إلى يوم الدين. .

وأهم المخطوطات في هذه المكتبة مجموعة كاملة للمؤلفات العربية الخاصة بالكتابات السرية المعروفة الآن بالشفرة وكيفيتها عند العرب واستخراجها. قال صاحب هذه الخزانة وكان العرب تسمي هذا الفن بفن الترجمة ورحل التراجم وحل المترجم والذي يشتغل بذلك المترجم (بكسر الجيم) ولذلك ترى المؤلفين الأقدمين مثل ابن النديم وغيره عندما يتكلمون عن الكتب المنقولة عن اليونانية والفارسية يستعملون في الغالب لفظة النقل ولا يستعملون لفظة المترجم ولا الترجمة إلا نادراً. ولما كان هذا العلم خفياً خاصاً بأسرار الحكومات الإسلامية فكان مضنوناً به ولا يصل الجمهور إليه فلذلك جهل كثير من الناس معنى هذه الكلمة حتى أن كتب اللغة لا تشير إليها بل إن شراح المقامات (عندما أشار الحريري إليها في إحدى مقاماته) جهلوها ولم يفسروها وتمحلوا فيها بل إن صاحب لسان العرب نفسه لم يذكرها كان عارفاً تمام المعرفة بهذا الفن وكان هذا الفن مستعملاً في الدولة الإسلامية من أيام المأمون إلى الحروب الصليبية فأخذ الإفرنج عن المسلمين الذين أخذوا مبادئه عن اليونانيين ثم رده الإفرنج إلينا. ولجهلنا بمعارف أهلنا اخترناه باسمه الجديد عند الإفرنج وهو الشفرة التي نقلها الإفرنج عن كلمة صفر العربية واستعملوها بمعنى الأرقام لأنهم استخدموا الأرقام بدلاً من الحروف في الكتابات السرية ثم غننا جعلنا بدلاً من الشفرة لفظة الجفر لتقارب المخرجين خصوصاً وإن الجفر كان يستعمل في الألغاز بالحوادث المستقبلة فصار من هناك شبه علاقة جعلت العامة تعتقد أن الجفر المستعملة الآن هي مأخوذة من لفظة جفر المستعملة في كتابة الملاحم. والصواب غير ذلك.

ويضيق بنا المجال إذا أردنا الإفاضة أكثر من ذلك في وصف هذه الخزانة. ومما فيها كثير من المصورات (الخرائط) المعمولة في أيام العباسيين وبعدهم وخريطة إفرنجية صنع العلامة فلاماريون الفلكي عن السماء وما فيها من الكواكب عليها أسماء الكواكب بالعربي والفرنساوي وضعها زكي باشا. ومنها مجموعة الفرمانات الصادرة باللغة التركية بخصوص الحكومة المصرية من أول محمد علي إلى آخر إسمعيل. ومجموعة أخرى من المصورات لبلاد الأناضول المشهورة مرسومة مدنها بالألوان تريها ظاهرة مجسمة لواحد من أرباب الفنون المسلمين. وفيها صورة جميلة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.

ومن مزايا هذه المكتبة أن صاحبها مثل صديقنا أحمد بك تيمور يعرف ما في خزانته، ليس جماعة للكتب فقط. وعلى بعض شروح وحواش وورق ومفكرات. وتجد فيها الكتب المطبوعة النفيسة أكثر من المخطوطة العربية وأكثر من الإفرنجية والخزانة التيمورية أغنى بمخطوطاتها وأحسن بتنسيقها كما أن الخزانة الزكية أغنى بمطبوعاتها النادرة. ولكل منها مزية تختلف باختلاف محيط صاحبها وأسبابه ومعارفه. ومن غريب الاتفاق أننا كنا هذه المرة أيضاً مع أستاذنا الشيخ طاهر الجزائري يوم زيارة المكتبة الزكية زيارة طويلة لنستملي من صاحبها البحاثة بعض ما لقفناه عنه آنفاً.

عَلَى أننا نعرف خزانته منذ ثماني سنين وكان حفظه الله رخص لنا بالاختلاف إليها يوم كانت في داره بعابدين أي وقت أحببنا، كما فعل الآن، وإنا نأخذ منها ما نشاء ونرجعه متى نشاء، وقد فعل هذه المرة كذلك ولم يخص بهذه النعمة الأدبية إلا أفراداً معدودين من أصحابه. وإنا لنرجو في الختام أن تطول أيام أحمد زكي باشا لينفع مصر وكل قطر يعلمه ويعلم هذا الشرق العربي بهمته ويزيد في نهوضنا العلمي والأدبي بمشاركته الغربيين ومنافستهم في إحياء آثار سلفنا.