الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 75/أخبار وأفكار

مجلة المقتبس/العدد 75/أخبار وأفكار

مجلة المقتبس - العدد 75
أخبار وأفكار
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 1 - 5 - 1912


العرب والتجارة

بين تخوم آسيا وأفريقية تيقظ شعب يعهد سكوتاً لكنه سيستولي عَلَى البحر الرومي ثم يتدخل لينافس الغربيين ونحن الآن لا يمكننا أن نقول شيئاً عن الحروب الصليبية قبل أن نذكر طرائف تلك الأمة ونبيها محمد (ﷺ) حتى البعثة المحمدية. كان العرب أنسباء اليهود يعيشون العيشة الرعائية غير أنهم عشاق سفر امتازوا بحب التجول وقوة الهجوم وشدة الانفعال وليس لهم إلا الشرف وحب الشعر والأدب وبغض الكذب مذهب يدينون به عَلَى أن أكثر الأديان التي وجدت قبل البعثة المحمدية كانت تشابه العقيدة الفتشية وتجير الاستلاب لا رابطة بين القبائل تضم الشعث سوى احتفالهم العام في أم القرى كل عام.

كان الأنبياء الحنيفيون منذ القرن السادس من التاريخ المسيحي تثرى عَلَى العرب لقطع شأفة الوثنية وإرجاعهم لملة أبيهم إبراهيم ومحمد أحد هؤلاء الحنيفيين بيد أنه أفصحهم لساناً وأكثرهم إقناعاً للعقول.

ولد محمد في مكة عام 570 بين القرشيين سدنة الكعبة ومروجي سلع عقائدهم القديمة فما قام ينذر ويكبر حتى خاصمه أهل قبيلته بل اقرب الناس إليه وقاوموه جد المقاومة فلم ير بداً من المهاجرة إلى يثرب التي سميت بعدئذ بالمدينة وهنا ابتدأ تاريخ المسلمين الهجري موافقاً 16 تموز 622م.

وبعد دخول يثرب وجد بلداً طيباً لبذر بذور دعوته فاتخذ له أنصاراً مخلصين اشتد بهم أزره فأعلن الحرب عَلَى المكيين ثم دخل مكة وطنه ظافراً وكسر فيها الأصنام ونشر الحكمة والكتاب وجمع شملهم بآصرة الوحدة الإسلامية العربية ثم توفي بعد أداء وظيفته العظمى عام 632.

الإسلام أو الاستسلام إلى الله بعث إلى أتباع محمد وأنصاره روح النشاط والغيرة وعصبية ملكتهم زمام العالم وجعلتهم أساتذة إذ في قرن واحد أي من 632 إلى 732 استولى خلفاؤه الصحابة الراشدون والأمويون الوارثون ومن بعدهم عَلَى سورية وفلسطين والجزيرة سنة 638 ومصر 639 وفارس 642 ثم تتابع استيلاؤهم عَلَى تركستان وقطعة من الهند وبلاد الأرمن وقبرص وإقيريطش (كريت) وطرابلس الغرب وأفريقية الشمالية كلها وعلى صقلية وسردينيا والجزائر البالبارية ثم هجم تيارهم عَلَى بلاد غاليا الإفرنجية وهدد هناك كيان النصرانية إلا أنه وقف هذا التيار الجارف في بواطيه عام 732م

وإن استبحار عمرانهم وسرعة انتشار سلطتهم في المسكونة لما يساعد كثيراً عَلَى فهم مكانة المدنية العربية تلك المدنية التي يعتقد بدينها اليوم أكثر من 300 مليون من البشر فقد كانت هذه الحضارة الباهرة في القرون الوسطى مزيجاً من المدنية البيزنطية والمسيحية وتم هذا المزيج المدني بأمرين الأول عشق العرب للتجارة والثاني غرامهم بالاستعمار وقد قال نبي العرب الذي كان قائد قوافل في حداثته ثم صار تاجراً: (إن الله يحب المؤمن المحترف) وأمر العرب أن يدرسوا فنون الأدب والعلوم قائلاً (الناس عالم ومتعلم ولا خير فيما بينهما) ولذلك أصبحوا لذكائهم الوقاد وحب اطلاعهم عَلَى كل شيء يخوضون غمار العلوم الطبيعية والرياضية فابتدعوا الكيمياء وبرعوا بها وطبقوا تلك العلوم عَلَى الزراعة والصناعة ولهم المنة عَلَى سائر الأمم بأرقامهم العربية النائبة مناب الرومانية وباستنباطهم فن الجبر والمقابلة واختصارهم الهندسة وأعمالهم الجميلة الفلكية في أبحاث سميت الشمس ومعادلة الليل والنهار والبقع الشمسية فقد اصطنعوا الآلات العجيبة الفلكية كالإسطرلاب ونحوه واكتشف كيماويوهم وأطباؤهم خواص الألكحول والنشادر وحامض الآزوت والكبريت والمياه المعدنية وأدخلوا في كثير من علاجاتهم مواد من نبات بلادهم الوطنية كالكافور والراوند والسنامكي وقد أوصلتهم قرائحهم التاريخية لإنشاء عمل شعري بديع وهو ألف ليلة وليلة أقول وهم أسرع الناس إلى تدوين أنسابهم وملاحمهم وأبطالهم ورواية أشعارهم والكتابة في الفلسفة والتاريخ وفنون الاجتماع كابن خلدون وغيره من جهابذة الإسلام.

أما الفنون الجميلة فإن العرب نهجوا فيها نهج البيزنطيين ولم يخالفوهم إلا بعدم تجسيم الحيوان ولكنهم استعاضوا عنه بالنقش النباتي من تشبك أوراق وأقواس باهرة وفصفصة زاهرة وآطام ومعاهد ساحرة كقصور تونس ومصر وبغداد وجامع عمر في القدس وجامع قرطبة والقصر في أشبيلية والحمراء في غرناطة الخ.

والعرب عمال زراعة ورجال براعة فقد برعوا في سقي الجنائن واخترعوا النواعير العجيبة بل ووطنوا النباتات والأشجار الأفريقية والآسيوية في أوربا كالنخل والبرتقال والتوت والقطن وقصب السكر والذرة والأرز والحنطة السوداء والزعفران والهندباء والخرشوف والسبانخ والباذنجان والطرخون والبصل والياسمين الخ.

وينسب إليهم اختراع طواحين الهواء ونواعير الماء وهم هم الصناع المجيدون الأولى صنعوا الجلود القرطبية وعملوا البسط الفاخرة ونسيج الشف (برنجك) والحرير سيما الأقمشة الموصلية والأقمشة والأسلحة الدمشقية وبخارى دمشق وبلنسية ومعامل الزجاج الملون ومصانع الفخار اللامع والأواني المغربية وموارد أخرى عديدة بها أثرت بغداد طليطلة وقرطبة.

وفي التجارة أحرز العرب فوق النضال عَلَى سواهم فقد رقوا الصناعة البحرية ووضعوا قوانين لحقوق الملاحة واستعاروا بيت الإبرة من الصينيين (بوصلة) وضبطوا التجارة بفن مسك الدفاتر أي ضبط وشرحوا الكفالة وأنشأوا المصارف للفقراء ووضعوا السفاتج (كمبيالة) المألوفة وردود التمسك (بروستو) وبعثوا روح الحركة في مصارفنا الحديثة.

وكنت تراهم حيثما سكنوا مهدوا السبيل وعمروا المرافئ والفرض وأصلحوا وأنشأوا الفنادق والرباطات ورتبوا سير القوافل الاقتصادية ولم تكن المدن الإسلامية غير أوساط تجارية كبرى وبغداد دار السلام لم تكن من القرن الثامن للعاشر وميناؤها الصرة غير مستودعات للشرق بحذافيره فقد كان بها مليون من السكان وكان لتجارها الكبار علائق مع الموصل والبلاد الأرمنية وفارس وتركستان (بخارى وسمرقند) والهند وجزائر الصوند (جاوة وسومطرة) التي كانت تبيع الأخشاب الثمينة وكانوا يواصلون الصين بطريقتين بري وهو ما نهجه الرومانيون ممتد في سهول البابير ووادي تاريم والآخر بحري وهو المحيط الهندي ومحطاته مرفأ قانطون وستيغارة القديمة التي كانوا يجلبون منها الأقمشة الحريرية والأواني الصينية وقطن نانكين والورق الأرزي وصمغ اللك ثم يرجعون أدراجهم إلى بغداد لتوزيعها عَلَى سائر الجهات التي يستعمل أهلوها سكة الخلفاء. والدرهم الفضي كان يساوي نحو فرنك والدينار الذهبي مقدار 13 أو 14 فرنكاً وقد أهدى هارون الرشيد خليفة بغداد لشارلمان الأقمشة الحريرية والعطور وشمعداناً مشعباً من القلز (برونز) وساعة مائية كانت سبباً لإعجاب فرنجة إيكس لاشابل فقابله عَلَى ذلك بالخيول المطهمة والبغال المزينة وكلاب الصيد وأقمشة مدنية فريز الصوفية.

وكانت بغداد متصلة بكابل لأسواقها الشهيرة مع سمرقند وحلب المرتبطتين بحبل من القوافل السيارة متين. وهكذا كان ينقل شال كشمير وأقمشتها ومسك التبت وتركستان وعقاقيرها عَلَى ظهور الجمال في الغدو والآصال. وكانت دمشق مدينة الصناعة الجميلة مركز تجارة شبه جزيرة العرب ومصر وسورية. وبواسطة ثغر السويس كانت تصل العرب بضائع عدن وجدة. وقد تحول لمصر قسم عظيم من الحركة التجارية وذلك من البلاد التي نبتت فيها البذور الإسلامية كالشرق الأقصى ومنه الصين وماليزيا وأصقاع قروناندل ومالابار وجزيرة مدغسكر وقد أنشأ الخلفاء الفاطميون مصر القاهرة أي مدينة النصر ولا تبعد عن منفيس القديمة كثيراً.

واحتفظت مدينة الإسكندرية ملياً بمكانتها السابقة وجرفت عربها نهر تراجان مرة ثانية وبه شدد وثائق النيل بالبحر الأحمر وسبروا بأسفارهم أغوار بلاد الحبشان وكردوفان وأسسوا المكاتب التجارية في أقطار أفريقية الشرقية ومونباسا وكيلوا وموزامبيق وصوفيا وميلندا وجلبوا منها المسحوق الذهبي والعاج وحراشف السلاحف البحرية وأصبح في المغرب من العواصم الشهيرة كالقيروان ومرفأها السوس الصغير وأرغلا وواحتها الغنية في الصحراء الجزائرية وتلمسان وفاس وغيرها من المدن الكبرى التي كانت ينابيع البيع والشراء والأخذ والعطاء.

وكان سكان فاس 500 ألف وتصدر مختلف الأصواف والجواهر (المعادن) والعطور والجلود المراكشية واستعمرت مستعمرات في فزان وطواط والسودان وكانت طمبكتو التي يقطعها نهر النيجر مجمعاً كبيراً من مجامع الوكلاء التجارية. وأما قرطبة عاصمة الأندلس فقد كانت تحتوي عَلَى مليون من البشر وعلى 273 ألف بيت و60 ألف قصر (خلعت عليه جمالها الأيام) وكانت في أشبيلية 300 ألف نسمة وطليطلة 200 ألف وكذلك غرناطة وقادس ومالقة والمرية ومرسية وجيان وطليطلة وسرقسطة وبرشلونة فقد كانت هذه البلاد تضم بين جوانحها مختلف الشعوب الإسبانية ومتباين الأمم الغربية التي كانت ترد حياضها لتناول أقداح العلوم والصنائع والفنون ولجلب صنائع التبرج والزينة ودامت العلائق الاقتصادية زمناً بين بيزر ومونبليه الفرنسويتين وبين إسبانيا المسلمة.

وأما برشلونة وأشبيلية فكانتا من أكبر الموانئ الإسبانية وكانت الأولى ترسل سفنها للمغرب وآسيا الصغرى ورودس والقسطنطينية وعقدت في مصر معاهدات شتى مع بيزا وجنوة الإيطاليتين في مسائل الحوالات وسائر أعمال المصارف. وأما أشبيلية فكانت تبعث أساطيلها وعماراتها للأوقيانوس الأطلانطيكي لمداهمة الجزائر البريطانية وبلاد القاع (هولاندة).

وإن تعجب فأعجب للعرب كيف نبغ بينهم لأسفارهم المترامية أساتذة جغرافيون شذبوا بأقل وقت كتاب بطليموس واكتشفوا بلاداً أخرى بغير أقدامهم لم توطأ ووسعوا المصورات التقويمية للغربيين وأشربوهم ذوق التنقل وحب الترحال نخص بالذكر منهم المسعودي وابن حوقل وابن بطوطة والإصطخري ونرفع بين مشاهير الرواد راية سليمان وأبي زيد حسان اللذان عاشا للقرن التاسع ولقبا بالمحمديين وجاب أولهما شبه جزيرة مالقا واكتشف سلسلة الجبال المسماة باسمه لليوم وسبر طول نهر السند واطلع ثانيهما عَلَى أحوال ماليزيا والتبت وأقطار المحيط الهندي الأفريقية. وكم وكم عادت الحروب الصليبية عَلَى الغرب بخيرات لا تستقصى ولو لم يكن منها غير تحطيم قيود التعصبي الكنيسي لكفى. وذلك لما رآه الصليبيون من تسامح المسلمين وتساهل مشاهير أمرائهم مثل صلاح الدين الأيوبي والملك العادل اللذين لقي منهم أهل الصليب كل شرف ولطف وتفضل وبضدها تتميز الأشياء ولذلك يمكننا أن نقول أن الكنيسة ورؤساءها كبطرس الراهب الذين أرادوا تقويتها ورفعة شأنها لم يسعوا لحتفهم إلا بظلفهم لأن تلك الحروب لم تجدهم إلا شراً.

وإذا تألم الوجدان من تصالح الغرب مع الشرق وانقطاع ينابيع الدماء لذلك فقد اكتسبت هاتان الأمتان من الفوائد المادية والأخلاقية التي أذاقتهم طعم السعادة ما نساهم أيام الشقاء. وهكذا ترى البحارة انتشرت بعد الحروب الصليبية أكثر من انتشارهم أيام الممالك الرومانية فتعودت أوربا من العرب عادات الفضيلة والمدنية وكل ما يهون الحياة ويحليها للأنفس وابتدأ الغربيون يطوفون اقتباساً عن العرب مختلف أنواع النبات والحيوان واخذوا يصنعون الأقمشة القطنية والحريرية وسكر القصب والألكحول وقلدوا العرب في أزيائهم وعمل الأسلحة العربية ثم توطد الأمن واتحدت العلائق والإسلاميون وذاق الصليبيون لذة الأسفار بعد حروبهم حتى صار الآسيويون من الرأس الأصفر لا يخشون من رحيلهم إلى رومية وليون وبرشلونة وباريس بل ولوندرا العصيبة.

انقلب مجن الزمان بعد تلك الحروب وزالت الريب والمخاوف وابتدأ المتصالحون يمتلكون هذه الأرض يسبرونها ويشكون في هيئتها حتى جرهم ترقي الجغرافيا لاكتشافات عديدة في العلوم الطبيعية والفلسفية بله نقول أيضاً أن تلك الحروب الصليبية وإن سبقت رواج أسواق النجارة غير أن هذه التجارة قد قربت متفرق المتحاربين ورأبت منهم الصدع وأسقطت السلاح من أيديهم وقدمت الهيئة الاجتماعية كثيراً.

دمشق

المترجم: عز الدين شيخ السروجية

أخوان روح القدس

كل دعوة تجد في أميركا بلاد الغرائب أنصاراً وكل مذهب يصادف أخواناً وأخداناً. وقد قرأنا في المجلة مقالة في مذهب جديد نشأ منذ بضع عشرة سنة يزعم أربابه أن المرضى مأخوذون لا يشفون إلا بطرد الشيطان عن أجسامهم بضربات من التوراة. نشأ هذا المذهب في ولاية مين في دورها. ثم انتشر بفضل رئيسه فرانك ستانفورد الذي يدعوه أشياعه إلياس الثاني ويرونه ظل الله عَلَى الأرض عَلَى أن من لا يعتقدون فيه يرونه من أبرع المشتغلين بالروحانيات أما الملحدون فيعتبرونه متعصباً محتالاً.

ولما شرع هذا الرجل بتأسيس معبد لشيعته لم يكن يملك قرشاً فتبرع أحد الأخوان بالأرض وعمروها في مدة قليلة ومنهم المهندس والبناء ومنهم الذي أتى بالأحجار وآخر بالأخشاب وغيره بمواد البناء ومنهم من وقف ماله كله بحيث لم يمض عَلَى تأسيس هذه الشيعة 15 سنة إذ تأسست سنة 1896 حتى أصبح رأس المال لها نصف مليون فرانك أتت كلها من صلوات يتلوها صاحب المذهب والأخوان يعتمدون عَلَى الله ولذلك يرون أنهم يغنيهم رب السماوات وقد زعموا أن الله بذاته أوعز بإنشاء هذا المعبد وقدر انجازه عَلَى أتم صوره مع ما يتبعه من مستشفى ذو أربع طبقات ومدارس ومساكن وغير ذلك فكانت الدراهم إذا نضبت يأتيهم الفرج من حيث لم يحتسبوا فيغادرون العمل ويزعمون أن مئات أووا إلى هذا المستشفى فشفوا من أوصابهم من فالج وغيره بضرب كتاب التوراة عَلَى الحائط فما هو إلا أن تغادر أجسامهم الشياطين التي تلبستها وقد ثبت ذلك فيما قالوا بألوف من الشهادات عَلَى أن التطبب في هذا المستشفى مجاني يدخله الأخوان وغيرهم.

ويدعي ستانفورد أنه ينفذ إرادة الله عَلَى الأرض فيصعد كل يوم إلى برج عالٍ في المعبد ويكلم المولى كما كزان يفعل موسى الكليم يستملي أوامره تعالى ثم يبلغها أخوانه فيجيبون عليها بالسكوت.

وأصل ستانفورد قس من أهل كنيسة الباتيست في نيوهاميشر وهو قوي نشط شاب تخلى أول أمره عن كل ما يملك وبقي يسيح ثلاث سنين ونصفاً فنصح له أصحابه أن لا يأتي ما أتى من ترك راحته وزوجته فلمك يسمع وبث دعوته فقبلها من قبلها متأثرين من هيئته العظيمة وحركته الآمرة وكلامه المقنع وأسسوا المعبد في مكان عالٍ مشرف عَلَى مدينة مين ووضعوا تحت أمره مصرف الله وكل ما فيه للرب أقام ستانفورد وكيلاً عنه.

ثم رأى هؤلاء الأخوان أن يبثوا دعوتهم في أقطار الأرض فاتخذوا لهم أسطولاً يركبونه هم وحدهم وهم يتولون بأنفسهم جميع أموره وهو عبارة عن سفينتين ويخت وهذا الأسطول ساعد ستانفورد وأشياعه أن يطوفوا أهم بلاد الكرة الأرضية فبينا كنت تراهم في ليفربول إذا هم في فلسطين وكانت الصلوات تقام في غياب ستانفورد كما لو كان حاضراً يقيمها أكبر الجماعة سناً ويعتقدون بأن روح صاحب المذهب لا تفتأ تدبر أمرهم. وهم اشتراكيون بالفعل فينال كل أخ في اليوم كمية محددة من الخبز والطحين تقل وتكثر بحسب الإيجاب من السماوات التي ينفذ أمرها ستانفورد وجميع الخوان يعتمدون عَلَى الله ولا يحسبون حساب الغد بل الله كفيل بحاجاتهم ويتعلم الأولاد كلهم في المدارس الاعتماد عَلَى الله بحيث أن هؤلاء الجماعة لا يحزنون ولا يتأثرون حتى لمصابهم في أعزتهم فإذا مات لهم عزيز يجعلونه في نعشه بدون احتفال ولا أبهة ولا يبكون عليه ويعتقدون أن الجسم هو غشاوة الروح التي يرفعها الله إليه وهو حر مطلق فيها وما التألم للمصاب إلا وهم وعبارة عن قامة الحجة عَلَى عمل المولى ولا يحفلون كثيراً بقبور موتاهم بل يكتبون اسم المتوفى بدون اسم أسرته بحيث يدرس بعد حين. وكان عدد هذه الشيعة إبان إنشائها نحو مائتي نسمة ولم يزد عددهم كثيراً بعد ولكن لهم في جميع الولايات المتحدة أشياع يمثلون ستانفورد في مذهبه ومن هؤلاء الأخوان من كانوا أغنياء فتخلوا عن كل ما تملك أيديهم للطائفة ومنهم من كان يملك الخمسين أو المئة ألف فرنك.

وقد كتب ستانفورد كيف تدار آسيا وأفريقية وأوربا والشرق الأقصى والصين واليابان وجزائر مالايو ومصر وفلسطين وإيطاليا وفرنسا وإنكلترا لخدمة طائفته قال لقد أقنعتني هذه السياحات بأنه من المتعذر نشر الإنجيل بسرعة في مجموع شعوب الكرة الأرضية فإن هذا العمل من الأوهام لأن كثيراً من البشر لم يسمعوا باسم الله قط ولا يعتقدون بشيءٍ في حين ينبئ كل شيءٍ بوجود الله إلا هذا الإنسان الذي يكفر به كما قال شاتوبريان فإن عشب الوادي وأرز الجبل تقدسه والحشرة تطن بمديحه والفيل يسلم عليه في الصباح الطير يتغنى باسمه في الأوراق والصاعقة تبث قدرته والبحر المحيط يعلن عظمته واتساع ملكوته وما غير الإنسان منكر للصنائع ولا أكاد أجد ثلاثة ملايين من سكان الرض كلهم لا يعرفون من هو المسيح وإني لا أعتقد بأن الناس سيعرضون عَلَى الديان في اليوم الأكبر مقسومين إلى قسمين قسم يقوده المسيح والآخر المسيح الدجال إلى غير ذلك من العقائد وبعضه ملفق من الأديان السماوية وبعضه من عادات القوم وتقاليد صاحب المذهب.

محصول الذهب والفضة

كتب إيف كويو الاقتصادي الشهير رئيس تحرير مجلة الاقتصاديين الباريزية مقالة في الذهب والفضة قال فيها ما تعريبه ملخصاً: كانت أوربا عَلَى عهد اكتشاف أميركا سنة 1492 فقيرة جداً بالمعادن الكريمة تملك ما قيمته نحو مليار فرنك من الذهب والفضة وباكتشاف أميركا انصرفت الرغبة إلى جلب الأبيض والأصفر. ويؤخذ من تقرير وضعه بعض الاقتصاديين متخذ ين الكيلو غراماً واحداً قياساً فقدروا كيلو غرام الذهب بـ 3444 فرنكاً و44 سنتيماً وكيلو غرام الفضة بـ 222 فرنكاً - إنه بلغ محصول الذهب من سنة 1493 - 1520 5800 كيلو غام قيمتها 20 مليون فرنك ومحصول الفضة 47 ألف كيلو قيمتها 10 ملايين فرنك وهكذا تدرج المحصول بحسب الأدوار حتى بلغ ما استخرج من الذهب من سنة 1581 - 1600 7380 كيلو من الذهب قيمتها 25 مليون فرنك و418900 كيلو من الفضة قيمتها 93 مليوناً. وكان مجموع محصول الذهب والفضة من سنة 1561 إلى سنة 1580 - 1800 مليون وفي العشرين السنة التالية بلغ مجموع ثمن المستخرج من المعدنين 2370 وهكذا بلغ مجموع قيمة ما استخرج من الذهب والفضة خلال مئة وسبع سنين 4170 مليون فرنك أي نحو أربعة أضعاف ما كان في أوربا عَلَى عهد الفتح الأميركي سنة 1492 ومع كل هذا فإن إسبانيا لم تغتن بما ورد عليها أكثر من جميع ممالك أوربا من الذهب ووقعت في ضائقة لا مثيل لها وأصبح جند فيليب الثاني بلا طعام ولا علوفات فيعيشون بالنهب والحاجيات غالية غلاءً فاحشاً أدى لوقوع الشكايات العامة.

فحددوا سعر الحنطة ومنعوا إصدار المصنوعات إلى أميركا كما منعوا إخراج الصوف فكان المعدنان الكريمان ينهالان عَلَى انفرس بواسطة صيارفة جنويين.

وما برح الاقتصاديون منذ بودين في القرن السابع عشر إلى لوك إلى مونتسكيو إلى دافيد هوم إلى جايمس ميل إلى نيكلسون وإضرابهم يقولون في ارتفاع أسعار الذهب والفضة آراء وإن اختلفت في ألفاظها فمآلها واحد فقد قال هوم: زيدوا البضائع تنزل قيمتها وزيدوا النقود ترتفع قيمتها. وقال الأستاذ نيكلسون: الذهب ريح التجارة ومد الصناعة وجزرها وكثرته وقلته يعلي أو يخفض الأسعار العامة كالريح أو الجزر يزيد أو يخفف سرعة البواخر.

وبعد فقد كان محصول الذهب مدة 358 سنة أي من سنة 1493 إلى 1850 4752000 كيلو قيمتها 16736 مليون فرنك ومحصول الفضة 149826000 كيلو ثمنها 40617 مليون فرنك وبلغ محصول الذهب من سنة 1851 إلى 1875 (16448) مليون فرنك أي أنه تضاعف وبلغ محصوله من سنة 1876 - 1910 (39) مليار فرنك أي أن مجموع محصوله في 35 سنة ساوى المجموع السابق كله وزاد عليه 18 في المئة وقد زاد محصول الذهب منذ اكتشف مناجمه في كاليفورنيا سنة 1849 وفي أوستراليا سنة 1850.

وزادت حركة الغنى في أوربا بعد سنة 1847 وقت المجاعة ثم وقفت وقوفاً مؤقتاً زمن الثورات التي حدثت من سنة 1848 إلى 1849 في بعض بلاد أوربا وبعد قبول إنكلترا لقانون حرية المقايضة فقبض الناس أيديهم وتعطلوا عن العمل ونهبت الأموال فلما زالت تلك الغشاوة عادت الحركة أكثر من قبل وكثر الطلب أكثر من العرض كما هي العادة في مثل هذه الأحوال بعد اشتداد النوازل وتكاثر الأهوال وكلما كان معدنوا الذهب في كاليفورنيا وأوستراليا يغرقون بما يستخرجونه منة هذا المعدن الكريم وهم في حاجة للمصنوعات والمأكولات كانت الحركة تزيد بين الأمم وتربح من ذلك البلاد الصناعية أرباحاً هائلة فضاعفت إنكلترا من سنة 1850 إلى سنة 1856 خطوطها الحديدية فحدث 4000 ميل زيادة وأنفق من هذا الذهب في حرب القريم كمية ولكن كل حرب يعقبها ارتفاع في الأسعار. فالنشاط في الصناعة قد بدأ من جلب الذهب من كاليفورنيا وأوستراليا إلى شرقي الولايات المتحدة فانشأت خطوطاً حديدية كثيرة بحيث بلغ ما مدته من سنة 1849 - 1857 (21) ألف كيلومتر ومن ذلك راجت سوق المضاربات والمصارف وكان من أمر هذه الحركة في ارتفاع السعار أن عادت فحدثت أزمة مالية في أميركا فاغلق فيها 150 مصرفاً دع عنك شركات الضمان التي أفلست ولم يبق من مصارف نيويورك سوى مصرف واحد من 69 مصرفاً استطاع أن يؤدي ما عليه واصاب إنكلترا من هذه الضائقة شيء كثير إذ كان لها في أميركا من الأموال ما تبلغ قيمته ثمانين مليون ليرة وعقيب حرب إيطاليا وحرب الشمال مع الجنوب في أميركا عادت الأسعار فارتفعت لا لكثرة الذهب بل لأن الذهب أصبح يقايض عليه بورق.

ولئن كان المعول عَلَى الذهب في مقايضات الأمم فإن البلاد ذات العيارين أي التي تتعامل بالذهب عَلَى حد سواء ظلت ينهال عليها الذهب ومع هذا لم ترتفع أسعار الحاجيات عَلَى تلك النسبة فالحنطة لم ترتفع إلا بفضل الولايات المتحدة والسكر نزلت أسعاره لكثرة انتشار زراعة الشوندر وبفضل فتح برزخ السويس وتسهيل طرق الملاحة لم ترتفع أسعار الشاي وكثر محصول الحديد وخف سعره ولكتن كثر الطلب عليه بسرعة وزادت أسعار اللحم والجلد زيادة فاحشة وكان من نتائج حرب النمسا وبروسيا ارتفاع الأجور كما كان من نتائج حرب فرنسا وألمانيا أن صرف فيها مباشرة أو بالواسطة 14 مليار فرنك ثم أنشئت في الولايات المتحدة والنمسا وروسيا ألوف من الكيلومترات من الخطوط الحديدية. وكان من أمر الغرامة الحربية التي أخذتها ألمانيا من فرنسا أن زادت الحركة في ألمانيا زيادة عظمى وكانت النمسا قد دخلت في جميع ضروب المضاربات وفرنسا تحتاج للمال وإنكلترا تحتاج للنقود لكثرت ما أصدرت منها إلى خارج بلادها فحدثت فيها أزمة سنة 1875 وبها نزلت الأسعار وظل نزول الأسعار مطرداً من سنة 1873 ما خلا بعض الأحوال القليلة ومنذ ذاك الحين لم يحدث من الحروب المهمة سوى الحرب الروسي العثماني الذي أنفقت فيه نفقات هائلة ولكن وسائط النقل وذرائع الانتفاع كثرت ونز لت ونزلت أسعار الحبوب بما ورد عَلَى أوربا من حنطة الولايات المتحدة وكندا والهند وروسيا ثم حدثت حرب الترنسفال التي أنفقت فيها عدة مليارات من الفرنكات فأخذت السعار بالصعود ثم حدثت الحرب الروسية اليابانية فانفق عليها بضعة ملايين من مليارات الفرنكات ومن جملة الأسباب في ارتفاع الأسعار قلة مواشي أوستراليا التي كان من جفاف 1903 أن نزل عددها من 106000 رأس إلى 54 ألفاً وكثر الطلب عَلَى الصوف وكذلك زاد محصول الحرير والطلب عليه ومع تكاثر الناس والطلب عَلَى الحنطة كان محصول الذهب واحداً بالنسبة للحنطة واللحم بيد أن الذهب عَلَى زيادة محصوله السنة بعد الأخرى لم يكن السبب في ارتفاع الأسعار بل عن كثرته أقل من ترقي صناعات الفحم الحجري والحديد وإذا قيس محصول الذهب بالنسبة لمجموع صناعة العالم فقيمته طفيفة جداً.

فما يخرج من المعامل من أنواع الصناعات والمصنوعات وما يخرج من المزارع من أنواع الغلات والثمرات أكثر بكثير مما يخرج من ركائز الذهب وإذا حسبنا مجموع ما يخرجه سكان الأرض وهم ألف وستمائة مليون لا يعد محصول الذهب شيئاً في جانبه بل لا يكون واحداً في المئة من مجموع أعمال العالم وحاصلاتهم ثم إن ما يحصل من الذهب لا يتعامل بنحو نصفه فإن المحصول الذي بلغ منذ اكتشاف أميركا إلى اليوم 69 مليار فرنك قد قدروا ما هو موجود في المصارف وبين أيدي الناس منه فلم يبلغ أكثر من 36 ملياراً ونصف المليار من الفرنكات والنصف الآخر من محصول الذهب خزن أو استعمل في بعض الصناعات واختلف الأخصائيون فيما تستغرقه الصناعات من الذهب ولم يتجاوز تقديرهم النصف من محصوله ولم ينقص عن الثلث إلا قليلاً. وختم العالم صاحب هذه المقالة مبحثه بالنتيجة التالية: (1) إن زيادة محصول الذهب كانت أبطأ بكثير من زيادة محصول الصناعات الرئيسية (2) إن استخراج الذهب ليس إلا صناعة صغيرة (3) إن زيادة المستخرج من الذهب وإن أكثرته فالطلب ما زال يتجاوز العرض عَلَى الدوام (4) إن زيادة المستخرج من الذهب في السنين الأخيرة لم يؤثر في أدنى تأثير في ارتفاع أسعار بعض البضائع (5) إن القائلين بنظرية الكمية لا يقاومون من مراقبة الواقع.

الشيوخ في أوربا

أحصى أحد علماء الدانمرك عدد الشيوخ في أوربا الذين بلغوا المائة من عمرهم فوجدهم 7000 ووجد من إحصائه أن أكثر البلاد التي يوجد بها من هذا القبيل هي البلقان إذ يبلغ عددهم 5000 من السبعة آلاف المذكورة.

ويوجد من كل مجموع هؤلاء الشيوخ 3883 بلغاريين و1074 رومانيين و573 صربيين و410 إسبانيين و213 فرنسويين و197 إيطاليين و113 نمسويين ومجريين و92 إنكليزاً و89 روسيين و76 ألمانيين و23 نروجيين و10 أسوجيين و5 بلجيكيين و2 دانمركيين.

هبات الأميركيين

قالت مجلة العالم الجديد كان مبلغ الهبات المالية التي وهبها المحسنون الأميركيون في سبيل الخير والنفع العالم في سنة 1911 عَلَى ما أعلن في ختام هذه السنة 258. 751. 695 دولاراً وهو أعظم مبلغ وهب في سنة واحدة في أميركا بل ربما في العالم حتى الآن وكان الفائز بقصب السبق في مقدار البذل المثري والمحسن الشهير أندرو كرنجي الذي بلغت هباته هذه السنة فوق الأربعين مليون دولار ولم تبلغ هبات روكفلر المثري الآخر الشهير غير ثلاثة ملايين وثمانمائة وعشرين ألفاً.

كيفما نظرت وأينما حللت في أميركا تجد آثار هبات المحسنين ظاهرة تنطق بفضلهم وتخلد الذكر الجميل لهم. فالمكاتب الجميلة ومعاهد العلم الجليلة والمستشفيات والملاجئ الخيرية المؤسسة والمدارة بالهبات الخصوصية من هذه الآثار كثيرة جداً وفي كل سنة تنفق الملايين من إحسانات الأفراد في سبل متنوعة عَلَى الفقراء والمحتاجين عدا ما تبذله الحكومة والبلديات من هذا الوجه. وترى ملاجئ العجز ودور الصم والعميان والمقعدين والأيتام قائمة في كل جهة شواهد عَلَى كرم أفراد المحسنين. خلِّ عنك ما يبذل في سبيل المتاحف ومعاهد الآثار والتهذيب وما ينفق عَلَى إرسال المبشرين ومساعدة رجال العلم وغير ذلك ألف أمر أخر تبسط له أكف المحسنين بسخاء يدل عَلَى محبة صحيحة للخير والنفع العام.

وقد يتصور معظم الناس أن بذل المال عند كبار المحسنين أمر هوين مازال هذا المال موجوداً وليس عليهم غير إنفاقه إلا أن الحقيقة تناقض هذا التصور لأن بذل المبالغ الكبيرة من المال علم مستقل بنفسه يقتضي درساً دقيقاً حين يقصد القيام به بحكمة تضمن حصول النفع. ولهذا يستخدم جون روكفلر جماعة خصوصيين من الرجال الذين لا اهتمام لهم إلا بتوزيع هباته حيث يمكن تحقيق إتيانها بفائدة ومعظم المحسنين الكبار يتصرفون بنوع من التأني في بذلهم وكثيرون منهم يدرسون المشايع التي يراد البذل في سبيلها درساً خصوصياً بنفوسهم عَلَى نحو ما يفعل مورغن وشيف وفي بعض الأحيان روكفلر لنهم يعتبرون أنهم قد يبذلون ثرواتهم جزافاً إذا لم يترووا أو يسلكوا.

يؤثر عن أندرو كرنجي قوله أن لا خير في الرجل الذي يموت غنياً ويذهب كثيرون عَلَى أنه عامل عَلَى إنفاق كل ثروته قبل وفاته. إلا أن محسناً أميركياً آخر سبق كرنجي إلى العمل بمنطوق هذه العبارة فبذل كل ثروته البالغة سبعة ملايين دولار دون أن يحتفظ منها بشيء وهو الآن مقيم في أحد الملاجئ التي أنشأها كرمه يقضي بقية أيامه بسلام. وهذا المحسن هو الدكتور د. ك بيرسون من هايندزدايل إيلينويز الذي وهب في هذه السنة آخر ما كان يملك بما فيه أرضه والبيت المحيطة به.

ولكن الدكتور بيرسون لا يعد من كبار محسني سنة 1911 وإن تكن هباته بإجمالها كبيرة. بل يرد في المقام الثاني بعد كرنجي الدكتور صموئيل بالا أحد أطباء لوس أنجلس كاليفورنيا الذي وهب ثروة لا تقل عن عشرة ملايين دولار ورثها من أسرته في بلاد المجر. وتخلى عن جميع ألقاب الشرف التي كانت له حينما تجنس بالجنسية الأميركية. وإن مثل الدكتور بالا وأندرو كرنجي - وكلاهما غير أميركي المولد - أكبر برهان عَلَى استحقاق المهاجرين وعظم إفادتهم لوطنهم الجديد ومقدار شعورهم مع إخوانهم الأقل منهم حظاً.

ومن تنوع الغايات التي تناولتها إحسانات سنة 1911 أن السيدة ماري تروترشاستيان وقفت ثروتها البالغة خمسة ملايين دولار عَلَى إقامة ملجأ للنساء من بنات النعمة اللواتي أخنى عليهن الدهر وأصبحن بلا ملجأ. وقد أقيم هذا الملجأ في لكسنتن كنتكي وهو الوحيد من نوعه في هذه البلاد.

ومنها أيضاً ما يسعى إليه أحد أعظم تجار شيكاغو جيمس باتن من تطهير الأرض من السائل الرئوي أو الطاعون الأبيض فقد خصص لذلك حتى الآن لا أقل من أربعة ملايين دولار وهو يوالي تبرعاته بدون حساب في هذا السبيل. أما دافعه إلى ذلك فهو أخاه توفي بالسل أولاً ثم ما لبث أن توفى ابنه فكان له بذلك باعث شخصي عَلَى مقاتلة المرض الوبيل زيادة عَلَى الباعث الإنساني العمومي.

ومنها أيضاً أن الصحافي الأميركي الشهير جوزيف بولتزر صاحب جريدة الورلد النيويوركية الذي توفي هذه السنة خصص مبلغ مليوني دولار لإنشاء مدرسة صحافية في جامعة كولمبيا. وقد كان بولتزر مهاجراً أيضاً إلا أنه أصبح من أعظم الرجال الأميركيين العموميين وكان قوة معدودة في السياسة ومن أكبر قادة الرأي العام عَلَى الرغم من ابتلاءه بالعمى في العشرين سنة الأخيرة من حياته.

أما أعظم هبات هذه السنة وهي التي تفوق قيمتها المليون ونصف المليون عَلَى اختلاف غاياتها الخيرية والعلمية والتهذيبية فبيانها كما يأتي:

أندرو كرنجي 40711300

الدكتور صموئيل بالا 10000000

السيدة ماري تروترشاستيان 5000000

بيتر بنت بريغهام 5000000

جيمس باتن 4000000

متشل فالنتين 2559514

جون د. روكفلر 3820000

جون م. بورك 2000000

الآنسة كاترين اوغستادي بوسيتر 2000000

جوزيف بوليتزر 2000000

القائد ك. كولمان 2000000

السيدة روسل ساج 1500000

جورج كلايتون 1500000

المرأة في الولايات المتحدة

كتب البارون دوستورل دي كونتثان من أعضاء مجلس الشيوخ في فرنسا مشاهدته في الولايات المتحدة فقال أن مسألة التربية المشتركة في الولايات المتحدة أي تربية الشبان مع الشابات قد انحل أشكالها في ولايات الغرب أما في ولايات الشرق فقد اخذوا يتناقشون فيها وذكر ما رآه في كليات الشرق من امتزاج البنين بالبنات في المدارس الداخلية فتراهم يتعلمون ويلعبون ويرتاضون معاً وللفتيان أماكن خاصة لنومهم كما للفتيات بحيث ترى ربات الجمال يعملن فلا يخفن الهواء ولا البرد ولا الحر ولا عيون الرجال وما قط سمع بعار ارتكب أو فضيحة أتيت.

ولقد كان يخامر خاطري وأنا أرى أولئك الفتيان والفتيات يتراكضن ويتدارسن متروكين لغرائزهم ثم بدا لي بعد الاختيار أن هذه التربية هي آكد الطرق إلى الفضيلة وأن استعمال الحرية أحسن ذريعة وأتم نظام وأن فتيان الفرنسيس ليغلطون إذا وهموا أن هذا النوع منة التربية الأميركية لا يخرج رجالاً أكفاء ونساء ذات كفاءة فإنا نرى أبناء هذه التربية يسيحون في أوربا وأكثرهم لا يعرفون لغاتها وبحسن رجولتهم ومتانتهم يحسنون التخلص في كل مكان فهم يرون أن تربيتهم المستقلة لا تفصلهم عن سائر العالم بل تقربهم.

ولكالما سألني النساء ولاسيما في اقصى الغرب من أميركا حيث بلغ ارتقاء الجنس اللطيف أقصى كماله عن رأيي في حالة المرأة الأميركية والمرأة الأوربية وقالت لي إحداهن أنك أتيت من أوربا بأوهام وتقاليد بشأن المرأة وكيف جاز للأم الفرنسية أن تشك في عفاف ابنتها فلا تتركها بعد الغروب تسير وحدها فاجبتها بان بناتنا قلما نخاف عليهن من الوطني بقدر ما نخاف مثلاً عَلَى الفتاة التي تسير وحدها في جادة باريز لكثرة ما يجيء هذه العاصمة من أخلاط الزمر الذين يجيئون لينفقوا فيها أموالهم والفتاة لا سلاح معها لا ضد القانون فقط بل ضد الأخلاق التي يجب تحسينها قبل كل شيء.

وقال لي إحداهن: ولا تظنن أن المرأة الأميركية سعيدة أكثر من المرأة الإفرنسية فإن زوجها وإياها لا يشركها في حياته كما يشارك الفرنسوي زوجته أو ابنته فالزوج الإنكليزي يمر أمام امرأته والمرأة الأميركية تمر أمام زوجها أما المرأة الفرنسوية فإنها تمر مع زوجها كتفاً إلى كتف.

نغم المرأة في فرنسا ولاسيما في البلاد التي لا يسمح فيها السائحون مثل مسقط رأسي السارات هي الحاكمة الحقيقية في بيتها وبعبارة ثانية أن الحاكم هو الرجل والمرأة هي الساهرة الرجل يأمر والمرأة توحي وتبذل كل ما بوسعها للقيام بكل ما يقتضيه منزلها من الإعمال فهي تباكر قبل زوجها توقد النار وتهيئ الطعام وتوقظ الأجير أو تضع العلف للدواب بيدها وتنفض ثيابها وتطلي الأحذية وتعين زوجها لشد دوابه فإذا ما انصرف زوجها تضع كل شيء في الغرفة في محله وكذلك المطبخ والدار والقن والفناء والاصطبل وتلبس الأولاد وتفطرهم وترسلهم إلى المدرسة وتصلح الثياب وتغسلها وتكويها وهي تتكلم وتحدث وتقدم الطعام الجيد لزوجها وتعمل له الحلويات وتبتاع حاجياتها من البقال وتتقبل ضيوفها باسمة وهي بهندام نظيف آمنة مطمئنة وهي تحسب حساب بيتها ومنهم في هذه المقاطعات من لا يعرفن الكتابة إلا قليلاً ومع هذا ترى المرأة لا تخطيء فتدفع لهذا وتسلف ذاك وتوفي زيداً وتسلي زوجها وتدخل السرور عَلَى قلبه إذا كان كئيباً وتباحثه وتجادله فهي مستشارته وصاحبته ونصفه بل أحسن نصف فيه ولذلك لا ترى هذه المرأة تطالب بمثل ما يطالب به غيرها من نساء أميركا وإنكلترا من حق الانتخاب لأن القانون وضعها موضعها اللائق بها.

أقول هذا وأنا ألوم من استعملوا الشدة في إنكلترا مع النساء المطالبات بحقوق الانتخاب فوضعوا المرأة في طبقة أحط من طبقات الإنسانية أما في الولايات المتحدة فلم يرتكب أحط الساسة خطأ قط مع النساء كما ارتكب أحرار الإنكليز حتى أن الرئيس روزفلت نفسه القائل بالشدة لم يقاوم المرأة في وقت من الأوقات وعاملها بالحسنى عَلَى الجملة.

وإن مسألة تصويت المرأة لتنحل عقدة بعد أخرى في الولايات المتحدة وما اللذين يضحكون اليوم من مطالبة النساء بهذا الحق إلا أناس سيضحك منهن غداً وهكذا كان حال كل المدافعين عن المطالب الشريفة وجميع المقدمين والمخترعين ضحك الناس منهم وهزأوا بهم ثم أخذوا بعد ذلك يجلونهم ويقدسونهم وكقد نجح النساء في الولايات المتحدة بإشراكهن في انتخابات البلدية حتى أن منهن رئيسات في بعض البلديات كما هن أمهات صالحات ويشاركن الرجال في الإقرار عَلَى ميزانيات المعارف وانتخاب المعلمين للمدارس أو أعضاء لدور الكتب دع عنك من دخل مرتين في التعليم وإدارة المدارس وغرف التجارة والزراعة وقد كان للنساء الأميركيات يد طولى في تحرير الزنوج ثم عاد الرجال فاضطهدوهن وأخرجوهن من دائرة العمل في إنهاض بلادهن عَلَى نحو ما يخرج من الجناة والمجانين فهم الآن لا يقنعن إلا بمشاركة الرجل فلا يكتفين بالنفوذ بل يردن العمل بل العمل مباشرة. وقد ثبت لي أن النساء ممتعات في الانتخاب في المدن الداخلية حيث المرأة هي صاحبة الأمر والنهي في منزلها لا حيث النساء يلتهين بملاهي السواحل وحاناتها كما هو الحال في سان فرانسيسكو ولولا النساء في هذه الولاية لاشتعلت جذوة الحرب بين الولايات المتحدة واليابان ولكنهن يلطفن من تغالي الرجال ويعدنهم إلى حظيرة التعقل في كل حال.

المدارس الابتدائية في أوستراليا

أوستراليا أو هولاندة الجديدة جزيرة كبرى للغاية في المحيط الكبير وهي من أهم المستعمرات الإنكليزية سكانها زهاء أربعة ملايين نصفهم من الأوربيين جاؤوها لاستثمار ما فيها من معادن الذهب والفحم والتوفر عَلَى تربية الماشية ومساحتها عبارة عن 8. 215. 673 كيلومتراً تقسمك إلى عدة ولايات وتعد هذه الجزيرة إحدى قارات العالم الخامس وقد كتبت إحدى العقائل فيها مبحثاً في مجلة مستندات الترقي الباريزية تصف مدارسها الابتدائية اللادينية التي تقتصر عَلَى العلوم فقط فقالت أن لنظام التعليم في أوستراليا مبدأين التعليم الإجباري والمجاني.

وقد كان عدد من دخخلوا المدارس العامية في السنة الماضية من الأولاد 728000 ولد ومجموع ما أنفقته ولايات هذه الجزيرة عَلَى التعليم 75 مليون فرنك.

ولئن كانت المواد الجوهرية في التعليم الابتدائي الجيد موجودة ثمت منذ زمن طويل إلا أن مدارس حدائق الأطفال لام تنشأ إلا في العهد الأخير وكذلك مدارس تعليم البالغين. كان التعليم الابتدائي في أوستراليا دهراً طويلاً لا دخل للدين فيه بتة ورأى الشرع هناك بالنظر لكثرة المذاهب الدينية أن ليس من الحكمة إدخال مسائل الدين ومناقشته في المدرسة وإن غايتها يجب أن توفي بحاجات التعليم والتربية وليس في البلاد غير ولاية غاليا الجديدة في الجنوب شذت عن هذه القاعدة منذ وزمن بعيد وأدخلت إلى مدارسها تعليم التوراة نازعة في تعليمها منزعاً لا يشعر بالتشيع لمذهب خاص من مذاهب النصرانية ومنذ زمن غير بعيد حذت هذا الحذو أيضاً ولايتان أقل مكانة من تلك وهما ولاية أوستراليا الغربية وولاية تاسمانيا فأخذتا تقرئان في مدارسهما شيئاً من كتب الدين بيد أن الولايات الراقية من حيث الصناعة والعلم مثل ولاية فكتوريا وأوستراليا الجنوبية وكنسلاندا قد احتفظن كل الاحتفاظ بمبدأ المدارس العلمانية.

ولم يببرح ولاة الأمور ولاسيما في فكتوريا يحرصون عَلَى تعرية المدارس من كل جدل ديني ويظهرون فضل هذه الطريقة وتنشئة أخلاق الأولاد ويبينون ما ينشأ من العدول عن كهذا المبدأ الذي ظهر ثمراته. وشعار مدارس ولاية فكتوريا في التعليم: الإجبارية والمجانية والعلمانية ومعلوم أن الإجبار المدرسي مناف للتعليم الديني الإجباري لأن هذا ربما مس العواطف الدينية في الأولاد وفي أهليهم ممكن قد تكون عقائدهم مخالفة لما يلقن أولادهم في المدارس.

أما الكنائس فإنها مخالفة لهذا المبدأ وهي بوجه الإجمال تناقض مبدأ التعليم اللاديني ولاسيما الكنائس البرتستانتية فإنها تطالب بإدخال تعليم التوراة عَلَى مثال ولاية غاليا الجديدة في الجنوب ولطالما حاولت نيل ذلك فكانت الأكثرية في جانب المدارس العلمانية أما الكنيسة الكاثوليكية فإنها تفضل أن يكون التعليم علمياً محضاً من أن تعلم في المدارس التوراة فقط عَلَى الطريقة البرتستانتية وتوشك أن تؤسس مدارس لأبنائها خاصة يوم يقال لهم تعلموا علماً دينياً يخالف مذهب آبائكم. أما غير المتدينين والطبيعيون فإنهم لا يقولون بتعليم ديني ولا بإقامة شيءٍ من الشعائر وقد سمحت حكومة فيكتوريا آباء التلامذة أن يعلموا أولادهم تعليماً دينياً بواسطة قسيسين من مذهبهم وذلك بعد إلقاء الدروس النظامية أو قبلها. وليست قراءة التوراة إجبارية حتى في مدارس الولايات التي تعلم الدين.

وعلى الجملة فإن من ولايات أوستراليا من لم تلزم الخطة اللادينية في التعليم ومنها من قبلت بتعليم التوراة مع سائر العلوم ولكل من التعليمين أنصار ولهما الأثر في تربية أرواح الأولاد. ويقول خصوم التعليم اللاديني في أوستراليا أن حالة أخلاق الشبيبة في ولاية فكتوريا أحط مما هي في سائر الولايات التي تعلم فيها التوراة ويقولون إن إحدى دور توليد النساء في ملبورن كان فيها نصف الأمهات من الفتيات من سن الـ 15 إلى الـ 20 وبعضهن من سن الـ 12 إلى الـ 13 أو الـ 14 فيجيبهم خصومهم عَلَى ذلك بأن أمثال هذه الدور للتوليد لا تقبل إلا من كن بكريات من البنات ولذلك كان عدد عظيم ممن تؤويهم من النساء هن شابات للغاية.

وقال الأستاذ آدم من كلية ملبورن أن عدد الجرائم قد تضاعفت في فرنسا من سنة 1866 إلى 1896 بسبب المدارس اللادينية وفاته أن التعليم الديني في خلال نصف هذه المدة كان إجبارياً في مدارس الفرنسيس وقد ادعى أحد القائلين بالتربية اللادينية أن مدارس ولاية غاليا الجديدة أتت بأنفع الثمرات في مدارسها اللادينية أكثر من مدارس ولاية فكتوريا اللادينية وأن عدد الجنح والجنايات أكثر في الولاية الأخيرة من الولاية الأولى عَلَى أنه لا يجب أن يفوتنا أن الإحصاء الذي يوردونه تأييداً لمدعاهم لا ينطبق مع حقيقة الواقع لأن من الولايات ما زاد نفوسها أكثر من غيرها ولذلك زادت جرائمها لا لفقدان التعليم الديني منها والحقيقة أن عدد الجرائم كان هكذا سنة 1908

ولاياتتعليمها لا دينيولاياتذات تعليم ديني247كنسلاندا496أوستراليا الغربية216فيكتوريا320غاليا الجديدة الجنوبية129أوستراليا الجنوبية292تاسمانياوقد كان معدل الولادات غير الشرعية سنة 1907 6. 66 في المئة في إيكوسيا عَلَى حين كان 3. 99 في المئة في إنكلترا وبلاد الغال من بريطانيا وكانت فينا من سنة 1900 إلى 1902 تعد في كل ألف امرأة غير متزوجة أو عزبة سنها من 15 إلى 45 61 ولادة غير شرعية في حين كانت باريز تعد 36 في كل ألف أما سدني عاصمة أوستراليا كلها وفيها تعليم ديني فكان منها معدل الولادات غير المشروعة خلال تلك المدة 17. 9 في المئة وكان معدل الولادات في ولاية ملبورن اللادينية 13. 5 في المئة وإديمبرغ 1. 3 في المئة ولندرا 6. 4 في المئة.

ومتى علم لم انتشرت الرذيلة في بعض المدن التي ذكرناها ولاسيما في لندرا يعجب المرء أن يرى إلى أي درجة يمكن تأثير طريقة التسجيل في الإحصاءات وكيف انتشرت طرق مقاومة الحبل انتشاراً فاحشاً. وما هذه الإحصاءات في الحقيقة بمستند يصدق عَلَى سمو الأخلاق بل ولا عَلَى انحطاطها إلا إلى حد محدود فإن كثيراً من الولادات غير المشروعة تكون في أمة دليل الجهل أكثر مما هي دليل فساد الأخلاق ولا يصير إلى دور التوليد إلا الجاهلات أما الفاسدات من النساء فإنهن يعرفن من أين تؤكل الكتف إذا وقعن في مأزق وحملن من حرام.

بيد أن الإحصاءات في أوستراليا ثبتت مكانة الأخلاق في الولايات التي اتخذت في مدارسها الحياد قاعدة في مسائل الدين ولكن هذه المكانة يحتزر المربون اللادينيون من نسبتها خاصة إلى التعليم اللاديني ولا يعمدون إلى الاستشهاد بالإحصاءات إلا لرد حجج خصومهم في فوائد المدارس اللادينية.

هذا ما قالته كاتبة المقالة ونحن لا نثبت ولا ننفي الآن من ترجيح إحدى الطريقتين الدينية واللادينية ولاسيما في هذه الديار المجهول أمرها فعسى ألا يتأذى أحد بما تنقله الشهر بعد الشهر عن مجلات الغربيين للعبرة والاستفادة وما القصد خدمة رجال الدين ولا غيرهم بل عرض أوضاع الغرب وأهل الشرق معها وما يختارون.

مدينة في حديقة

ينشئون الآن عَلَى مسافة خمسين كيلومتر من شمالي لندرا مدينة في حديقة غناء لإيواء اللقطاء واليتامى من الأولاد وكانت ربت إدارة هذه المدينة في معاهدها حتى اليوم منذ أربعين سنة وهو وقت إنشائها 70436 طفلاً وأنشأت 25 ألف معهد في المستعمرات الإنكليزية لهذا الغرض والغاية من إنشاء هذه المدينة الجديدة تدريب الأولاد عَلَى حياة الزراعة ولاسيما في سهول كند الفسيحة وستقسم المدينة إلى 28 داراً كل منها تؤوي 30 ولداً ولكل دار حديقة وحقل يعمل فيه الأولاد يفصل كل بيت عن جاره وهناك مستشفى وحوض لتربية السماك.

وقد سبقت ألمانيا وأنشئت هذا النوع من المدن الحدائق الخارجة عن الحواضر والعواصم لتبقى هذه للأعمال التجارية وتكون المدن الحديثة للصحة والراحة تعود بالإنسان إلى الطبيعة التي فقد الإنسان الاستمتاع بها بما يراه في المدن الحديثة من بنايات ذات أربع أو خمس طبقات. وقد رأي القائمون بذلك من الألمان أن الراضي في الضواحي البعيدة رخيصة لا تخضع لقانون المضاربات ويشترط عَلَى كل صاحب بيت مالكاً كان أو مستأجراً أن يزيد في جمال بقعته جمالاً بما يغرسه فيها من الأشجار وينشئه من الحدائق الأنيقة ويشترط عليه أيضاً أن يبقي قطعة يغرس فيها أنواع الزهور وحديقة وراء بيته يلعب فيها أولاده وقد أنشأ هؤلاء المفكرون في الضواحي حمامات ومحال اللعب ومكاتب للمطالعة ومحال للسماع مجانية ودور تمثيل ومتاحف ومستوصفات مجانية وملاجئ للأمهات وغير ذلك من المنشطات وكلها بلا مقابل.

اللبن

معظم بلاد الغرب تخرج من اللبن الحليب والزبدة والجبن وسائر ما يتفرع من اللبن صنوفاً وضروباً وللبن تجارة واسعة تعد بالملايين وقد ساعدت عَلَى إنمائها ونمو الزراعة بالمراعي الكثيرة والوسائط العملية الوفيرة ولذا رأينا في أوربا فلاحاً يعيش هو وأسرته من بقرة أو غنمتين ولذلك أمثال في هذا الشرق أيضاً ولكن المتوفرين هنا عَلَى تربية المواشي الحلوبة أقل بكثير من المتوفرين في الغرب عليها. فتجد في سويسرا ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية مخصصة للمراعي وتقدر مساحتها بعشرين مليون هكتولتر وثمنها بـ 333 مليون فرنك ونصف المراعي يصرف بطبعه وسبه ملايين هكتولتر تصرف لعمل الزبدة والجبن والباقي للحصول عَلَى الطحين اللبني والشوكولاتا باللبن. وسويسرا تصدر معظم ما تعمله من اللبن المجمد والجبن والطحين اللبني إلى البلاد الخارجية وفي سويسرا مليون ونصف مليون رأس من الماشية و360 ألفاً من المعزي ولكثرة ما يرد عليها من الأجانب السائحين تجلب من البلاد الخارجية 47 ألف رأس بقر و118 ألفاً من الخرفان و150 ألف خنزير في السنة وهكذا الحال في فرنسا وألمانيا وغيرها من البلاد فمن تكون واردات المملكة العثمانية كلها من ألبانه بقدر واردات سويسرا فقط وسويسرا بمساحتها أقل من نصف ولاية سورية فقط وبنفوسها تقرب من نفوس القطر السوري فتأمل.

المدارس الفرنسية في الشرق

يستفاد من تقرير المسيو ديشانل أن عدد التلاميذ الذين تلقوا علومهم في المدارس الفرنسية في بلاد السلطنة وفي الشرق قد بلغ في العام المدرسي الأخير 104 آلاف منهم 74 ألف تلميذ في السلطنة و21 ألفاً و500 في القطر المصري و2900 في اليونانية و325 في كريت و667 في قبرص و2000 في بلغارية و200 في رومانية و2800 في إيران.

أنا عدد الذين تلقوا العلوم العالية فبلغ 752 والعلوم التجارية وغيرها 1695 والعلوم الثانوية 9943 والعلوم الابتدائية 91 ألفاً و485.

الطلاق في يابان

يزداد الطلاق في الغرب اليوم بعد اليوم لكنه في الشرق أكثر ولاسيما في الشرق الأقصى فقد ذكرت إحدى مجلات يابان أنه كان سنة 1870 بالنسبة للزواج 84 في كل عشرة آلاف فتجاوز معدله اليوم 250 في العشرة آلاف والمرأة هي التي تطلب في الغالب طلاقها وذلك بفضل التربية والتعليم فقد ارتقت المرأة اليابانية وشعرت بحب الحرية أنها لا ترى أن تقيد بزوج قيداً أبدياً. ولو تعلمت ما ينفعها في منزلها وأسرتها عَلَى نسبة ما ينفعها في توسيع عقلها لما آثرت عَلَى عيش الأسرة حياة غيرها وليس السبب في طلب المرأة اليابانية الطلاق سوء الأخلاق وخيانة الزوج والزوجة بل توسع المرأة في تقاضي حقوقها. قالت وقد اختلفوا في الغرب بأمر الطلاق فالكاثوليك يحرمون من يأتيه ويرون أن عقد الزواج لا ينفصم إلا بالموت والبرتستانت يحلونه ولكن بشرط والملحدون يعقدون ويحلون عَلَى هواهم ويرى بعض الاجتماعيين أن الطلاق هو الدواء الوحيد الشافي من أصعب أمراض المجتمع ونحن نقول ما قاله أسلافنا أن أبض الحلال إلى الله الطلاق.

براميل القمامات

تضع مدينة باريز براميل أمام البيوت والمحال ليلقي فيها الباريزيون القمامات والكناسات التي يكسحونها من دورهم وشوارعهم يسمونه نسبة لأحد ولاة باريز السابقين الذي ابتكر هذه الطريقة فوضع هذه البراميل لئلا تلقى القاذورات في كل مكان فيتأذى بها أبناء السبيل وتضر بصحة السكان ومن العجيب أن الإفرنج يحسنون استخدام كل شيء وينتفعون من كل مادة ومن كان يخيل إليه أن عشرة آلاف رجل وامرأة وولد يتوفرون كل يوم عَلَى البحث في هذه العلب والبراميل قبل أن يرفعها الكساحون في عجلاتهم ويلقونها في أماكن لتستخدم لتسميد أراضي الضاحية فيعثرون فيها أحياناً عَلَى لقط لا تخطر في بال ويتناولون منها فضلات تقدر بعضها ببضعة ملايين وهكذا يستخرج اليوم اللانولين الذي لم يكن معروفاً منذ عشرين سنة وهو يتألف من بقايا أنسجة الصوف والخرق التي تغسل مما علق بها من المواد الدهنية والزيتية وغيرها ومن اللانولين يربح أرباب المعامل أرباحاً مهمة وكذلك الحال في قطع الزجاج التي يعزلونها من هذه العلب ويسحقونها أو يمزجون مسحوقها بملاط بورتلاند فيأتي منه مزيح يكون منه بلاط شفاف أقبل الماس عَلَى تبليط الدور والحوانيت به ويعملون من هذا المسحوق أيضاً قرميداً دخل في بعض الأبنية. ويستخدمون أيضاً الزجاج المكسور وصوالة بقايا البقول والجلد والأحذية العتيقة والقفافير البالية والمسامير القديمة المصدبة والمفاتيح والأقفال المحطمة مما تظنه ربة المنزل لا فائدة فيه.

وقد جرت بعض مدن أميركا عَلَى هذه القاعدة في أنه لاشيء بدون نفع فأخذت تسحق هذه القمامات عَلَى اختلاف تركيبها وتجعلها ذروراً يصير منها سماد نافع يحتوي عَلَى المواد النباتية والحديد النافع في إخصاب الأرض. وكم للإفرنج في هذه السبيل من أعمال يحيلون بها ما لا يعتقد غناءه إلى مواد نافعة حتى لقد بلغ بهم التفنن في العلم أخذوا يجمعون الدخان الذي تقذفه المواقد العالية فيضر بالمزروعات ويحولونه إلى قلي طيار وهذا النشادر يباع بأثمان مهمة ويتجر به المتجرون.

الخبز البلدي في بودابست

أنشئ هذا المخبز في عاصمة المجر سنة 1903 وهو يكاد يكفي حاجات المدينة ومعاهدها ويخبز كل يوم 28 ألف كيلو من الخبز تخبز كلها بواسطة أدوات لا تمسها يد إنسان في أمكنة مستوفاة من حيث حفظ الصحة وقد كاد يقضي هذا المخبز عَلَى الخبازين في المدينة فاضطروا أن يخفضوا أسعار الخبز ولكن الناس يقبلون عَلَى خبز المخبز لنظافته ورخص أسعاره والمخبز يدفع أجوراً لعملته أكثر من سائر الخبازة ويعملون في النهار ساعتين أقل من أخوانهم في الأفران الأخرى.