مجلة المقتبس/العدد 74/مخطوطات ومطبوعات
→ تاريخ الحضارة | مجلة المقتبس - العدد 74 مخطوطات ومطبوعات [[مؤلف:|]] |
أخبار وأفكار ← |
بتاريخ: 1 - 4 - 1912 |
المجموع المشتمل عَلَى الدرر
كما قيض الله سبحانه رجالاً في الهند لنشر مذهب السلف بطبع كتب الحديث وسننه ومسانيده وأجزاءه وكتب عقيدتهم الصحيحة كذلك أتاح لذلك رجالا من البحرين ومصر وجدة لا يألون جهداً في السعي وراء إحياء آثار السلف وبعثها من مراقد الإهمال الذي قضى عليها ضعف العلم في العصور الأخيرة.
ومنهم الشيخ عبد القادر التلمساني الصل نزيل مصر فقد طبع في مصر الصارم المنكي، والكافية الشافية، وكتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وجزء رفع اليدين، وجزء القراءة خلف الإمام، وغاية الأماني وآخر ما نشره مجموعة كتب من ألطف الكتب وأنفسها يودكل نهم بالعلم لان يقف عليها ويتمتع بفوائدها.
اشتمل هذا المجموع - الذي طبع بمطبعة كردستان بأجمل ورق وألطف حرف - عَلَى تسعة مؤلفات (الأول) كتاب الرد الوافر عَلَى من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر للإمام حافظ الشام ناصر السنة محمد بن أبي بكر المعروف بابن ناصر الدين الشافعي المتوفى عام (846) جاء كتابه هذا في (136 ص) بالقطع الكامل افتتح خطبة كتابه بما ورد إتباع السنة واجتناب البدعة ثم نعى عَلَى المكفرين والمضللين وإن كل هؤلاء ركب هواه، فابتدع ما أحب وارتضاه وناظر أهل الحق عليهن ودعاهم بجهله إليه، وزخرف لهم القول بالباطل فتزين به وصار ذلك عندهم ديناً يكفر من خالفهن ويلعن من باينه، وساعد عَلَى ذلك من لا علم له من العوام، ويوقع به الظنة والإيهام، ووجد عَلَى ذلك من الجهال أعواناً، ومن أعداء العلم أخدناً، إتباع كل ناعق لا يرجعون فيه إلى دين، ولا يعتمدون عَلَى يقين، وقد رجوا به الرئاسة، وتزينوا به للعامة.
وما ألطف قوله بعد ذلك عن الناطق بالتكفير، عن هذا القول الشنيع قد أبان قدر قائله في الفهم، وإن فصح عن مبلغه من العلم، وكشف عن محله من الهوى، ووصف كيف إتباعه سبيل الهوى، ولا يرد بعد روايته عنه ونسبته إليه كلام الإنسان عنوان عقله يدل عليه.
وقد استقرأ من ترجم شيخ الإسلام ابن تيمية من مشاهير الأعلام ما يقرب تسعين إماماً مشهوراً وقد ذيل الكتاب بتقاريط أقران المؤلف ومعاصريه كالحافظ شهاب الدين ابنة حجر شارح الصحيح وأَضرابه.
ولمؤلفه الإمام ابن ناصر الدين شهرة كبيرة لقب بخاتمة حفاظ الشام وكان من أعلام القرن التاسع.
(الكتاب الثاني) القول الجلي في ترجمة الشيخ تقي الدين بن تيمية الحنبلي لصفي الدين البخاري الحنفي ذكر فيه كلام الأئمة الأخيار في الثناء عَلَى الشيخ، ثم عقيدة الشيخ السلفية ثم ما وافق كلامه كلام من تقدمه من السلف والخلف، ثم الجواب عما أنكروه عَلَى الشيخ، ثم ما اختاروه الحنابلة من تسمية أنفسهم أهل الأثر لا الأشاعرة ولا ماتريدية وتصويبهم في ذلك، ثم ذكروا وفاة الشيخ وبعض ما قيل في رثائه وهذا الكتاب كان طبع عَلَى حاشية المحاكمة بين الأحمدين.
(الكتاب الثالث) الكواكب الدرية في مناقب الإمام المجتهد شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ مرعي الحنبلي أورد فيه ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية مسهبة، وسرد وقائعه مع الجامدين في عصره وتواريخ سعايتهم به إلى السلاطين والنواب، ثم من انتصر للشيخ من علماء البلاد ثم ما رثي به بعد وفاته من القصائد وعدتها خمسة عشرة والكتاب من أجمل الكتب التي جمعت سيرة الشيخ ومناقبه وقد طبع عن نسخة بخط السيد محمود شكري الآلوسي الحسيني أحد علماء العراق.
(الكتاب الرابع) كتاب تنبيه النبيه والغبي في الرد عَلَى المدارسي والحلبي لأحمدين إبراهيم بن عيسى النجدي وكان رأى كتاباً لشخص يلقب بالمدراسي من أهل مدارس استمد ما جمعه مما كتبه الحلبي في رده عَلَى شيخ الإسلام ابن تيمية وعلى شمس الدين الحافظ الذهبي في متاب العرش وكتاب العلو وحاول تأييد مذهب الجهمية عَلَى مذهب السلف وحذا حذو أولئك المؤولين الجامدين فأوسع من التأويل والحشو المعروف لهم فكر عليه هذا العالم النجدي ودحر شهادته أجمع وتبلغ صفحاته قريباً من مائتين وتسعين بالقطع الكامل ويجد فيه مجادل الحشوية في المسائل السلفية مادة كبرى.
(الخامس) رسالة في زيارة القبور تأليف الحجة محي الدين البركوي أحد أولياء علماء الأتراك الشهيرين وصاحب لطريقة المحمدية وغيرها من المؤلفات ثم رسالته هذه في زيارة القبور وجمع من النقول في ذلك عن السلف والخلف وعن فقهاء المذاهب في آداب الزيارة ومحظوراتها ما لا يوجد في كتاب غيره وهذه الرسالة كانت طبعت في الأستانة مرتين طبعاً محرفاً فطبعت في هذه المجموعة عَلَى نسخة مصححة غاية التصحيح وحقها أن تكون أماً يعارض بها كل مطبوع قبلها.
(الخامس) عقيدة الشيخ الإمام موفق الدين ابن قدامة وهي من أنفس المختصرات في بيان عقيدة السلف.
(السادس) كتاب ذم التأويل للإمام موفق الدين المنوه به قبل أورد فيه مذهب السلف من الصحابة والتابعين في أسماء الله وصفاته ليسلك سبيلهم من أحب لاقتداء بهم.
وقد تخلل هذه المجموعة البديعة منظومة للحجاوي الحنبلي في تعداد الكبائر ومنظومة في عقيدة أهل الأثر لأبي خطاب الحنبلي، وكلها نفائس وغرر، جديرة أن تلقب بما لقب به بالمجموعة المشتملة عَلَى الدرر. دمشق
(أبو الضياء).
الاعتبار
تأليف مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد الكناني الشيزري بالمعروف بأبي منقذ طبع بمطبعة بريل في ليدن سنة 1884.
لمطبعة بريل في ليدن من بلاد القاع (هولاندة) يد طولى عَلَى اللغات الشرقية عامة واللغة العربية خاصة فقد طبعت جزءاً كبيراً من كتبنا في مطبعتها ولا تزال إلى اليوم تطبع كل ما يبيض وجه الآداب والعلم. وبآخر ما اطلعنا عليه من مطبوعاتها كتاب نشره هرتويغ درنبورغ أحد علماء المشرقيات من الفرنسيس لهذا المؤلف الأمير وكانت أسرته صاحبة شيزر ولها تاريخ مجيد عَلَى عهد دخول الصليبيين إلى هذه الديار أما أسامة فكان في القرن الأول من تلك الحروب وطاف مصر والشام ورأى أهاويل وقص في هذا الكتاب - الذي ظفر ناشره بنسخة منه في مكتبة الأسكوريال ببلاد الأندلس - حكايات مهمة في شجاعة أهل تلك الأيام ونالوا من صروف الأقدار ما كانوا يألفونه من العادات والأحوال بحي أسدى الناشر إلى التاريخ ولاسيما تاريخ مصر والشام بدءاً محمودة فجاء القسم الثاني منه في 168 صفحة عدا الفهارس وأسماء الرجال والنساء والحيوان والأمم والأماكن والقبائل والأنساب التي لا يكاد كتاب من كتب علماء المشرقيات يخلو منها.
ذكر ابن منقذ فرقة العرب الذين رآهم عَلَى حدود مصر قال ورأيت بهم من الضر أمراً عظيماً وقد يبست جلودهم عَلَى عظامهم قلت: إي أنتم قالوا: نحن من بني أبي. وبنو أبي فرقة من العرب من طيءٍ لا يأكلون إلا الميتة ويقولون نحن خير العرب ما فينا مجذوم ولا أبرص ولا زمن ولا أعمى وإذا نزل بهم الضيف ذبحوا له وأطعموه من غير طعامهم قلت: ما جاء بكم إلى ها هنا قالوا: لنا بحسمى كثول ذرة مطمورة جئنا نأخذها قلت: وكم لكم هنا قالوا: من عيد رمضان إنا ها هنا ما رأينا الزاد بأعيننا قلت: فمن أين تعيشون قالوا من الرمة يعنون العظام البالية الملقاة ندقها ونعمل عليها الماء وورق القطف شجر بتلك الأرض ونتقوت به قلت: فكلابكم وحمركم قالوا الكلاب نطعمهم من عيشنا والحمير من الحشيش قلت: فلم لا دخلتم إلى دمشق قالوا: خفنا الوباء ولا وباء أعظم مما كانوا فيه وكان ذلك بعد عيد الأضحى فوقفت حتى جاءت الجمال وأعطيتهم من الزاد الذي كان معنا وقطعت فوطة كانت عَلَى رأسي أعطيتها للمرأتين فكادت عقولهم تزول من فرحهم بالزاد وقلت: لا تقيموا ها هنا يسبوكم الإفرنج.
وذكر أنه سار مع أخيه من دمشق يقصد هو وأصحابه إلى عسقلان يريدون الغارة عَلَى بيت جبريل وقتالها فاجتمع الإفرنج من تلك الحصون وقال: وهي كلها متقاربة وفيها خيل كثير للإفرنج لمغادرة عسقلان ومراوحتها. وذكر من جملة كلام له في مسيره من مصر إلى الشام أنه وصل جبال بني فهيد في وادي موسى وطلع في طرقات ضيقة وعرة إلى أرض فسيحة ورجال وشياطين رجيمة من ظفروا به منفرداً قتلوه وتلك الناحية لا تخلو من بعض بني ربيعة الأمراء الظائيين فسألت من ها هنا من الأمراء من بني ربيعة قالوا منصور بن غدفل. وذكر أنه أخذ أماناً من الإفرنج وأرسل عياله وأشغاله من دمياط إلى عكا في بسطة من بسط الإفرنج فهب هؤلاء ما مع عياله وكان نحو ثلاثين ألف دينار قال وهو مما يدل أنه كان من غلاة الكتب: وحرمنا ذهاب ما ذهب من الملل إلا ما ذهب لي من الكتب فإنها كانت أربعة ألف (آلاف) مجلد من الكتب الفاخرة فإن ذهابها حزازة في قلبي ما عشت.
وقال فهذه نكبات تزعزع الجبال تفني الأموال والله سبحانه يعود برحمته ويختم بلطفه ومغفرته وتلك وقعات كبار شهدتها مضافة إلى نكبات نكبتها سلمت فيها النفس لتوقيت الآجال وأجحفت بهلاك المال وكان لبين هذه الوقعات فترات شهدت فيها من الحروب مع الكفار والمسلمين مالا أحصيها سأورد من عجائب ما شاهدته ومارسته في الحروب ما يحضرني ذكره وما النسيان بمستنكر لمن طال عليه ممر الأعوام وهو وارثة ابن آدم من أبيهم عليه الصلاة والسلام.
وذكر ما وقع عَلَى أفامية مما دل عَلَى أنها غير حماة وذكر بالقرب منها وادي أبي ميمون وذكر رفنية وكان أتابك حاصرها ومما قاله في أفامية فلقينا فارسهم وراجلهم في الخراب الذي لها وهو مكان لا يتصرف فيه الخيل من الحجارة والأعمدة وأصول الحيطان والخراب.
وشهد للإفرنج الصليبيين بالشجاعة ومما قاله بالحرف: والإفرنج خذلهم الله ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة ولا عندهم تقدمة ولا منزلة عالية إلا للفرسان ولا عندهم ناس إلا الفرسان فهم أصحاب الرأي وهم القضاء والحكم. وقال في وصفهم في مكان آخر: سبحان الخالق الباري إذ خبر الإنسان أمور الإفرنج سبح الله وقدسه ورأى بهائمك فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير في البهائم فضيلة القوة والحمل وقال: إن الإفرنج قوم تبلدوا وعاشروا المسلمين فهم من أصلح القريبي العهد ببلادهم ولكنهم شاذ لا يقاس عليه فمن ذلك أنني أنفذت صباحاً إلى أنطاكية في شغل وكان بها الرئيس تادرس بن الصفي وبيني وبينه صداقة وهو نافذ الحكم في أنطاكية فقال لصاحبي يوماً قد دعاني صديق لي من الإفرنج قد تجيء معي حتى ترى زيهم قال فمضيت معه فجئنا إلى دار فارس من الفرسان العتق الذين خرجوا في أول خروج الإفرنج وقد أعفى من الديون والخدمة وله بأنطاكية ملك يعيش منه فاحضر مائدة حسنة وطعاماً في غاية النظافة والجودة ورآني متوقفاً عن الأكل فقال: كل طيب النفس فأنا ما آكل من طعام الإفرنج ولي طباخات مصريات ما آكل إلا من طبيخهن ولا يدخل داري لحم خنزير فأكلت وأنا محترز وانصرفنا.
وذكر قضية له معهم وهو أنهم سرقوا خرافاً من قطعان المسلمين ووصف كيف تشاور الفرسان بأمر الملك منهم وحكموا بالغرامة عَلَى صاحب بانياس وهو منهم فأخذ منه أربعمائة دينار. ومما ذكره أن الطور كانت ولاية لمصر بعيدة كان الحافظ لدين الله رحمه الله أن أراد إبعاد بعض الأمراء ولاه الطور وهو قريب من بلاد الإفرنج. ومما رواه أن حصن مصياف كان لابن منقذ عم صاحب كتاب الاعتبار وكانوا يقاتلون الأتراك أو الإفرنج مما دل عَلَى أنه كزان في البلاد أتراك ولعلهم سكان مرعش وغيرها من أعمال ولاية حلب اليوم.
هذه نموذجات من الكتاب وهو يصور الصليبيين ومبلغ انحطاطهم إذ ذاك في سلم المدنية حتى أنه ذكر أن أحد رجال الصليبيين دخل الحمام في المعرة فاستعمل له ما يستعمله الرجال لتنظيف الشعر فأتى بالغد بابنته الشابة يريد الحمام أن يعمل لها ما عمل له وذكر أموراً من مثل هذه غريبة ووصف قومه وصفاً دل عَلَى أن الفروسية هي جماع فضائل المشارقة والمغاربة في القرون الوسطى ولا يمتازون الأولون عن الآخرين إلا ببعض العادات الحسنة والمدنية التي تعد شيئاً بالنسبة لتلك الأعصر.
ذيل تاريخ دمشق
لأبي يعلى حمزة بن القلانسي المعروف بذيل تاريخ دمشق طبع في بيروت سنة 1908
لعلماء المشرقيات فضل كبير عَلَى العلم والتاريخ والآداب العربية لا ينكره عليهم إلا مكابر أو جاهل ومما أحيوه بالطبع هذا الكتاب أحياء الأستاذ أميدروس الإنكليزي طبعه في بيروت في مجلد لطيف وأخذ إلى الغرب جميع نسخه ووقعت له بعض أغلاط وتحريفات لا يكاد يخلو منها كتاب نشر حديثاً ولكن الفوائد والحسنات أكثر من غيرها يستفاد منه أمور كثيرة لم نقع عليه في تاريخ قبله وهو مرتب عَلَى السنين وأهم فصوله ما كان متعلقاً منها بأمور الدولة الفاطمية في الشام ومصر والقسم الأخير من الكتاب متعلق بأخبار الحروب الصليبية وربما كان فيها تفصيل بعض الوقائع التي ألم بها صاحب الروضتين وأخبار الدولتين وصاحب الفتح القدسي إلماماً خفيفاً لأن المؤلف كان قبلهما ووصف كيف انهال الصليبيون الأول عَلَى هذه الديار من أوربا قاصدين إلى آسيا الصغرى فبلاد الشام. وتوفي ابن القلانسي سنة 555 هـ بدمشق وكان تولى رئاستها مرتين وهو من بيت وجاهة وفضل نقل عنه كثير من ثقات المؤرخين أمثال الذهبي وابن الأثير وله شعر رائق ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ودفن في سفح قاسيون. وكتابه هذا وصل به ما قاله هلال الصائبي في تاريخه واختصر عباراته واخذ منها ما يتعلق بتاريخ الشام عامة ودمشق خاصة.
وقد توسع المؤلف في الكلام عَلَى عادات أهل هذه البلاد وأصولهم وحكامهم وأحكامهم ودرجة عمرانهم وما أصاب البلاد من الأحداث الجوية والأرضية ولاسيما في زمنه وما نال هذه المدينة من عيث المغاربة والمصامدة وهم جيش الفاطميين كما نالها في عهد العثمانيين من مظالم اليكي جرية (الإنكشارية).
ويستفاد من هذا التاريخ أن ولاية الفاطميين عَلَى دمشق كانت إلى الشقاء وكثرت فيها المصادرات وتغيير الولاة التي تبعث بهم مصر فلا يلبثوا أن يصلوا حتى يصدر إليهم الأمر بالعودة وقد زاد الناشر بالكتاب فوائد مهمة بأن حلاه بحواشٍ نقلها عن كتب تاريخية مخطوطة مثل تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي وتاريخ الأزرقي وتاريخ سبط ابن الجوزي ومما نقله عن تاريخ سبط ابن الجوزي فو حوادث سنة 467 أن أتسز (ابن أوق مقدم الأتراك في دمشق الذي أبطل الأذان بحي عَلَى خير العمل من هذه الحاضرة) عاد إلى دمشق ولم يبق بها من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمسمائة ألف أفناهم الفقر والغلاء والجلاء وكان بها مائتان وأربعون خبازاً فصار بها خبازان والأسواق خالية والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار ينادى عليها عشرة دنانير فلا يشتريها أحد والدكان الذي يساوي ألف دينار ما يشترى بدينار وكان الضعفاء يأتون للدار الجليلة ذات الأثمان الثقيلة فيضرمون بها النار فتحرق ويجعلون أخشابها فحماً يصطلون به وأكلت الكلاب والسنانير وكان الناس يقفون في الأزقة الضيقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم ويأكلونهم ولامرأة داران قد أعطيت قديماً في كل دار ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ولما ارتفعت الشدة عن الناس ظهر الفأر فاحتاجت إلى سنور فباعت أحد الدارين بأربعة عشر قيراطاً واشترت بها سنوراً اهـ.
وهذا الوصف العجيب المتعلق بتاريخ عمران هذه القاعدة لم يذكره فيما أطلعنا عليه أحد المؤرخين وقد اكتفى ابن الأثير فو حوادث سنة 468 بقوله أنه غلت في دمشق الأسعار حتى أكل الناس بعضهم بعضاً وعدمت الأقوات فبيعت الغرارة (ثمانون مداً من القمح) إذا وجدت بأكثر من عشرين ديناراً.
وإنشاء ابن القلانسي جيد وفكره خال من خرافات عصره ولا غرو فالمؤرخين ملقحة بالسداد وأفكارهم مهما انحطت عصورهم يكونون أرقى منها بمراحل خصوصا من كان منهم قريباً من الاختلاط بالناس وأرباب الرحلات وسبق له أن تولى أمور الناس ولم يكتف بالدرس في المدارس أمثال أبي شامة وأبي الفدا والعماد الكاتب والقاضي الفاضل وابن خلدون وابن منقذ والصابي.
تاريخ آداب العرب
لأبي السامي مصطفى صادق أفندي الرافعي طبع بمطبعة الأخبار في مصر سنة 1330 - 1912 الجزء الأول صفحة 443
مؤلف هذا الكتاب من كبار شعراء هذا العصر اشتهر بالأدب منظومه ومنثوره وقد نشر حتى الآن ديوانه في الشعر في ثلاثة أجزاء وديوان النظرات وأكثره نثر دع عنك ما أودعه بالصحف والمجلات من مقالاته وقصائده وهذا الجزء يحتوي الكلام في تاريخ اللغة العربية وتاريخ روايتها وما يداخل هذين البابين وقد بقي من التاريخ عشرة أبواب تقع في أربعة أجزاءٍ أخرى. وإذ كان للمؤلف ذوق عالٍ عال في الأدب كان إلى الإجادة في موضوعه الصعب أكثر من معظم من طرقوا هذا الباب نعم إنه لم يأت فيه بمادة جديدة ولكنه صاغ من الموجود عقداً لا بأس به وقد عرض المؤلف في من سبقوه إلى ورود حياض هذا العلم فقال أنه علم كثرت عليه الأيدي واضطربت فيه الأقلام واستبقت إليه العزائم حتى عثرت بها عَلَى عجلة الرأي ولجاجة الإقدام وقد أخصب في الأوهام حتى تفشت في واديه كل جرباء وامتزج أمره بالأحلام فلم يمس علمائه كتاب حتى أصبح قراءه أدباء عَلَى أنهم تجاذبوه انتهاباً فحاء واهياً في وثيقته وتتناكروه اهتياباً فجاء ضعيف الشبه بين ظاهره وحقيقته وما منهم إلا من يحسب أنه أمال بالقلم يده فمضى مرخى العنان مخلى له عن طريق السبق إلى الرهام إلى آخر ما ذكره في المقدمة وكله تعريض بمن خاضوا هذا البحر عَلَى حين كانت فيهم جهابذة من أدباء أهل هذا العصر أمثال حفني بك ناصف والشيخ محمد المهدي فمدح المؤلف كتابه لا يرفع من قدر الكتاب والمؤلفون كلهم طلاب حقيقة فمن داناها منهم يشكره الناس.
وقد جعل المؤلف كتابه اثني عشر باباً تنطوي عَلَى جملة المأثور ويدو عليها التاريخ كما تدور السنة عَلَى عدة شهور وهذه سياقتها بعد فصلين من التمهيد في تاريخ الأدب وأصل العرب. الباب الأول في تاريخ اللغة ونشأتها وتفريعها وما يتصل بذلك. الباب الثاني في تاريخ الرواية ومشاهير الرواة وما تقلب من ذلك عَلَى الشعر واللغة الباب الثالث في منزلة القرآن من اللغة وإعجازه وتاريخه في البلاغة النبوية ونسق الإعجاز فيها الباب الرابع في تاريخ الخطابة والأمثال جاهليةً وإسلاماً الباب الخامس في تاريخ الشعر العربي ومذاهبه والفنون المستحدثة منه وما يلحق بذلك الباب السادس في حقيقة القصائد المعلقات ودرس شعرائها الباب السابع في أطوار الأدب العربي وتقلب العصور به وتاريخ أدب الأندلس إلى سقوطها ومصرع العربية فيها الباب الثامن في تاريخ الكتابة وفنونها وأساليبها ورؤساء الكتاب وما يجري هذا المجرى الباب التاسع في حركة العقل العربي وتاريخ العلوم وأصناف الآداب جاهليةً وإسلاماً بالإيجاز التاريخي الباب العاشر في التأليف وتاريخه عند العرب ونوادر الكتب العربية الباب الحادي عشر في الصناعات اللفظية التي أُولع بها كالمتأخرون في النظم والنثر وتاريخ أنواعها الباب الثاني عشر في الطبقات وشيء من الموازنات.
والكتاب منسق مرتب سلس العبارة لطيف المأتى علق عليه واضعه بعض الهوامش واقل فيه من العزو للمصادر التي أخذ عنها عَلَى أن معظمها من الكتب المتداولة بالطبع وكان يرجى أن يقتبس المؤلف من المخطوطات الكثيرة في مكاتب مصر ولاسيما في دار الكتب المصرية الخديوية وبعض الكتب العربية المطبوعة في الغرب. وقد وقعت للمؤلف بعض هفوات دعا إليها عدم الرجوع إلى الأصول منذ ذلك ما جاء في ص76 في الحاشية من قوله: كان أهل الشام وحوران في ذلك العهد يؤرخون من دخول بصرى عاصمة حوران في حوزة الروم. فتراءى للقارئ أن حوران ليست من الشام وما هي إلا جزء منها فكان الأولى أن يقال كان أهل حوران بل أهل الشام الخ وفي ص319: كانت بلاد قرامان - لعلها القريم - مدرسة مشهورة بمدرسة السلسلة. وبلاد قرامان في بلاد الأناضول معروفة في تاريخ العثمانيين ولها ذكر كثير فيه.
وبالإجمال فإنا نثني الثناء الأطيب عَلَى صديقنا صاحب هذا التاريخ ونرجو له التوفيق إلى إنجازه عَلَى ما يحب ويحب له عشاق الأدب.