الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 73/اليمن وسكانها

مجلة المقتبس/العدد 73/اليمن وسكانها

بتاريخ: 1 - 3 - 1912


- 2 -

نسب اليمانيين وتفرقهم

لا خلاف في أن عرب اليمن من بني قحطان ويعدون من العرب العاربة وأكثر قبائل العرب من اليمن كما قال البلخي فمنهم السكون وخولان والأزد ومازن بن الأزد وميدعان بن الأزد ومارد بن سلامان ومنهم آل العنقاء والفراهيد وقساحل وبلادس وثهلان وحرحنة وبطون كثيرة قد دونت في كتب الأنساب حتى ما تسقط قبيلة ولا فخذ ولا رهط ولا بطن وأصل ملوك غسان بالشام من عرب اليمن.

قالوا ربما أغار اليمانيون عَلَى البلدان فيرجعون إلى بلادهم. واليمن قبائل كثيرة إذا دخلت فيهم قضاعة وجذام ولخم وبجيلة وخثعم كان أول من ذكر اسمه وعرف قدره سبأُ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان فمن ولده كهلان بن سبأُ وحمير بن سبأُ وقضاعة من قبائل حمير تفرقت بعض هذه القبائل في البلاد فنزلت أزد شنوءة أرض الشراة وما حولها في الشام وسارت غسان إلى الشام حتى نزلت بأرض البلقاء وتنصروا وأقاموا مملكين بالشام من قبل صاحب الروم وسار من ولد حوالة بن الهنو بن الأزد إلى الموصل وقدم مالك بن فهم بن غنم بن دوس حتى نزل أرض العراق فانشأ ملكاً بالحيرة.

قال بعض آل أسعد بن ملكيكرب (كليكرب؟) تبع ذاكراً منازل من خرج من اليمن في سائر جزيرة العرب وغيرها

وقد فراقت منا ملوك بلادها ... فصاروا بأرض ذات مبدى ومحضر

وقد نزلت منا خزاعة منزلاً ... كريماً لدى البيت العتيق المستر

وفي يثرب منا قبائل إن دعوا ... أتوا سرباً من دارعين وحسر

هم طردوا عنها اليهود فأصبحوا ... عَلَى معزل منها بساحة خيبر

وغسان حيٌ فعزهم في سيوفهم ... كرام المساعي قد حووا أرض قيصر

وقد نزلت منا قضاعة منزلاً ... بعيداً فأمست في بلاد الصنوبر

وكلب لها ما بين رملة عالج ... إلى الحرة الرجلاء من أرض تدمر

ولخم فكانت بالعراق ملوكها ... وقد طحرت عدنان في كل مطحر وحلت جذام حيث حلت وشاركت ... هنالك لخماً في العلا والتجبر

وأَزد لها البحران والسيف كله ... وأرض عمان بعد أرض المشقر

ومنا بأرض الغرب جند تعلقوا ... إلى بربر حتى أتوا أرض بربر

هكذا ذكروا تفرق أهل اليمانيين وأصولهم أما مدنيتهم التي حملوها فقد أكد أحد علماء الآثار أن اليمن سبقت بتمدنها بابل ومصر ومنها هاجر أجداد الفراعنة ومنها كان أجداد البابليين والآشوريين وإلى مصر وبابل وآشور حمل اليمانيون الصناعات والعلوم والتجارة وتوغل بعضهم حتى استنبط بعض اليمانيين أو الحميريين هم الذين مدنوا شواطئ آسيا وأفريقية وأوربا وقالوا أنهم كانوا أميل إلى التجارة لا إلى الغزو والغارة ولذلك كان معظم الأذواء يتجرون فإذا كانت لرجل منهم مطامع في السيادة تغلب عَلَى البلاد.

والأذواء كثيرون منهم ذو الجناح وذو المنار وذو رعين وذو نواس وذو مجن وذو الكلاع سيف بن ذي يزن وقد استولى الحبشة بعد ذي نواس عَلَى اليمن فلم يدعوا رجلاً إلا قتلوه ولا بناء إلا هدموه ورئيسهم أبرهة الأشرم فخربوا المدن والخراب من عهدهم بدأ في الغالب وملك الفرس اليمن إلى عهد الإسلام وكان أراد كسرى أنوشروان عَلَى فتحها ابن ذي يزن يستنجده ويستعينه عَلَى السودان وامتدحه بالحميرية فأعجب كسرى بقصيدته لما ترجمت.

ومن الأذواء علس ذو جدن كان كما في الأغاني ملكاً من ملوك حمير ولقب ذا جدن لحسن صوته والجدن الصوت بلغتهم ويقال أنه أول من تغنى باليمن. رووا أنهم حفروا حفراً في زمن مروان فوقفوا عَلَى أزج له باب فإذا هم برجل عَلَى سرير كأعظم ما يكون من الرجال عليه خاتم من ذهب وعصابة من ذهب وعند رأسه لوح من ذهب مكتوب فيه أنا علس ذو جدن القبل لخليلي مني النيل ولعدوي مني الويل طلبت فأدركت وأنا ابن مئة سنة من عمري وكانت الوحش تأذن لصوتي وهذا سيفي ذو الكف عندي ودرعي ذات الفروج ورمحي الهزيري وقومي الفجواء وقرني ذات الشر فيها ثلاث مائة حشر من صنعة ذي نمر أعددت ذلك لدفع الموت عني فخانني قال الراوي فنظرنا فإذا جميع ذلك عنده.

ولما سار حسان بن تبان أسعد أبو كرب بأهل اليمن يريد أن يطالبهم أرض العرب وأرض العجم كما كانت التبابعة قبله تفعل حتى إذا كان ببعض أرض العراق عَلَى رواية الطبري كرهت حمير وقبائل اليمن السير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهليهم فكلموا أخاه أن يقتله ليخلفوه عليهم فقتله ومرج أمر حمير عند ذلك تفرقوا فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة منهم يقال لخيعة ينوف ذو شناتر فملكهم وقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة فقال قائل من حمير يذكر ما ضيعت حمير في أمرها وفرقت جماعتها ونفت من خيارها

تقتل ابناها وتنفي سراتها ... وتبني بأيديهم لها الذل حمير

تدمر دنياها بطيش حلومها ... وما ضيعت من دينها فهو أكثر

كذاك القرون قبل ذاك بظلمها ... وإسرافها تأتي الشرور فتخسر

ثم تهودت حمير وكان بنجران بقايا من أهل دين عيسى عَلَى الإنجيل أهل فضل واستقامة لهم من أهل دينهم رأس يقال له عبد الله بن تامر وكان موقع أصل ذلك الين بنجران وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها ثم أن رجلاً من بقايا أهل ذلك الدين وقع بين أظهرهم يقال له فيميون فحملهم عليه فدانوا به قال هشام زرعة ذو نواس فلما تهود سمي يوسف وهو الذي خد الأخدود بنجران وقتل النصارى وكانوا قريباً من عشرين ألفاً افلت منهم رجل وقدم عَلَى ملك الحبشة فأعلمه ما ركبوا به وأتاه بالإنجيل قد أحرقت النار بعضه فانجده برجال كما بعث إلى قيصر أن ينجده بالسفن والأخدود هو المذكور في القرآن قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود فجاء جيش النجاشي ورأسه أرياط فقتل ثلث اليمن وأخرب ثلث بلادها وبعث إلى النجاشي بثلث سباياها وقد أخرب مع ما أخرب من ارض اليمن سلحين وبينون وغمدان حصوناً لم يكم في الناس مثلها فقال:

هونك ليس يرد الدمع ما فاتا ... لا تهلكي أسفاً في ذكر ماتا

أبعد بينون لا عين ولا أثر ... وبعد سلحين يبني الناس أبياتاً

وقد ساق أبو الفرج الأصفهاني كيفية مقتل حسان بن تبع عَلَى يد عمرو أخيه وكيف تشتت أمر حمير حين قتل أشرافها والتفت عليه حتى وثب عَلَى عمرو خيعة تنوف ولم يكن من أهل بيت المملكة فقتله واستولى عَلَى ملكه وكان يقال له ذو شناتر الحميري وكيف نشأ زرعة ذو نواس وكانت له ذؤابة وبه سمي ذا نواس وهو الذي تهود وتسمى يوسف كما مر وهو صاحب الأخدود بنجران وكانوا نصارى فخوفهم وحرق الإنجيل وهدم الكنائس ومن أجله غزت الحبشة اليمن لأنهم نصارى كما ساق كيفية خروج سيف بن ذي يزن إلى كسرى يستنجده عَلَى الحبشة بسبب غزو ذي نواس أهل نجران وكانوا نصارى فحصرهم ثم ظفر بهم فحدد لهم الأخاديد وعرضهم عَلَى اليهودية فامتنعوا من ذلك فحرقهم بالنار وحرق الإنجيل وهدم بيعتهم.

ملوك اليمن وعمرانهم

قال ابن حوقل: كانت اليمن عظيمة خطيرة الملوك فمنهم من ملك أكثر الأرض في سالف الزمن كتبع الذي مدن مدينة صنعاء وسمرقند وكان يقيم بهذه حولاً وبهذه آخر ولم يكن فيما سلف من الزمان ومرر الدهور والأيام ممن علت كلمته واتسعت مملكته واستفحلت جبايته كفرعون وذي القرنين وتبع ممن ثبت الملك فيه وفي عقبه فأما أموالها في وقتنا (القرن الرابع) الواصلة إلى سلاطينها وملوكها وأربابها وأصحاب أطرافها فمن جلتها أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم بن زيادة بعد أهل البحرين كانوا بموالينا والذي تحت يده فمن الشرجة إلى عدن طولاً عَلَى ساحل البحر وارض تهامة اليمن ويكون مقدار ذلك اثنتي عشرة مرحلة وعرضه من الجبال إلى ساح اليمن من عمل غلافقه ويكون مقداره مسيرة أربع مراحل وأكثر أمواله المقبوضة من العثور وهي ما ينيف عَلَى خمس مائة دينار عثرية ومن قبالات زبيد هن جميع ما يدخلها ويخرج عنها وتشتمل عليه من وجوه الأموال مائتا ألف دينار عثرية وأكثر ملوك الجبال يخطبون له عَلَى منابرهم في وقتنا هذا ويصل إليه من جباية عدن عَلَى المراكب العثرية مما لا يقع بموافقة ولا ضمان ويعمل بالأمانات لربما زادت المراكب ونقصت وقد يرتفع له في السنة عن هذا المكان مائتا ألف دينار عثرية زائداً أو ناقصاً ويؤخذ العنبر بسواحل عدن وما يليها وله عَلَى ذلك ضريبة تصل إليه عَلَى صاحب جزائر هلك موافقة من هدايا ترد عليه فيها عبيد وعنبر وغير ذلك وملكة الحبشة تهاديه ولا تقطع مبرته ومواصلته ويتلوه في المكنة والمقدرة ابن طرف صاحب عثر وملكه يشتمل عَلَى وجوه من الأموال وضروب من الجبايات ويكون الواصل إليها كنصف الواصل إلى أبي الجيش من المال ويتلوه الخزامي صاحب حلي وهو دون ابن طرف في المكنة والسلطان والجباية. وهؤلاء الثلاثة ملوك تهامة اليمن وابن طرف والخزامي جميعاً في طاعة ابن زياد في وقتنا هذا ويخطبون عَلَى اسمه.

وملوك تهامة اليمن المعروفون بملوك الجبال كثيرة واجلهم ولد أسعد بن أبي يعفر وهو عَلَى الحجبة هو ملك صنعاء يخطب لأبي الجيش ويضرب دراهمه عَلَى اسمه وليس ينفذ إليه ميرة ولا هدية وجميع وجوه أمواله أربعمائة ألف دينار فتصرف في مروته وإلى أضيافه وقاصديه وهو من سلالة التبابعة ومن بالجبال من ملوكها فجبايته دون هذه العدة من المال ومرافقه بقدر كفايته.

وأما الحسنيُّ صاحب صعدة فله جباية كثيرة ومستغلات من المدابغ وضرائب من القوافل كثيرة تضاهي ارتفاع ابن طرف وربما زادت ونقصت وصاحب السرين فما يصل إليه قوم به وبأهله ولسيت بحال تذكر وله عَلَى المراكب الصاعدة والنازلة من اليمن رسم يأخذه من الرقيق والمتاع الوارد مع التجار.

إليك ملوك اليمن في القرن الرابع وما كانوا يتقاضونه من وجوه الارتفاعات مما تستدل منه عَلَى ثروة اليمن الغريب واتساع أقاليمها ومخاليفا وكثرة قراها ومزارعها وقد وصف ابن حوقل أيضاً المسافات بين بلادها فقال: وأما تهامة فإنها قطعة من اليمن جبال مشتبكة أولها مشرف عَلَى بحر القلزم (الأحمر) مما يلي غربيها وشرقيها بناحية صعدة وجرش ونجران وشماليها حدود مكة وجنوبها من صنعاء عَلَى نحو عشر مراحل وبلاد خولان تشتمل عَلَى قرى ومزارع ومياه معمورة بأهلها وهي مفترشة وبها أصناف من قبائل اليمن ونجران وجرش مدينتان متقاربان في الكبر بهما نخيل ويشتملان عَلَى أحياء من اليمن كثيرة وصعدة أكبر وأعمر منهما ويتخذ بها ما كان يتخذ بها ما كان يتخذ بصنعاء من الأدم ويتخذ بنجران وجرش والطائف أدم كثير وأكثره من صعدة وبها كان يجتمع التجار وليس باليمن جميعاً بلداً أكبر ولا أكثر مرافق وأهلاً من صنعاء وهو بلد في خط الاستواء وهو من اعتدال الهواء بحيث لا يتحول الإنسان عن مكان واحد شتاءً ولا صيفاً وتتقارب ساعات الصيف والشتاء والجذام به ظاهر لقلة سطوة الشمس به وفيه كانت تسكن ملوك اليمن فيما تقدم وبها بناءٌ عظيم قد خرب فهو تل كبير يُعرف بغمدان وكان قصراً لملوك اليمن وليس باليمن بناءٌ أرفع منه.

والمذيخرة جبلٌ أعلاه نحو عشرين فرسخاً فيها مزارع ومياه وفيه ينبت الورث وهو نبات أحمر في معنى الزعفران يصبغ فيه ولا يسلك إلا من طريق واحدة. وشبام جبل منيع جداً فيه قرى ومزارع وسكان كثيرة وفيه جامع ويرتفع منه الجسمت والعقيق والجزع حجارة تعمل فإذا عملت ظهر جوهرها لأن وجوه هذه الحجارة مغشاة وبلغني أنها تكون في صحاري فيها حصى ملون تلقط من بينها. وعدن مدينة صغيرة وشهرتها لأنها فرضة عَلَى البحر ينزلها السائرون في البحر وباليمن مدن أكبر منها ليست كشهرتها.

وبلاد الإباضية بقرب حمدان وخولان وخيوان وهي أعمر بلاد بتلك النواحي مخاليف ومزارع وأغزرها مياهاً. قال وبأرض سبأ من اليمن طوائف من حمير وبحضر موت أيضاً وأما ديار همدان وأشعر وكندة وخولان فإنها مفترشة في أعراض اليمن وفي أصفافها مخاليف وزروع وبها بوادٍ وقراى تشتمل عَلَى تهامة وبعض نجد ونجد اليمن غير نجد الحجاز غير أن جنوبي نجد الحجاز يتصل بشمالي نجد اليمن وبين النجدين وعمان برية ممتنعة قال وباليمن قرود كثيرة بلغني أنها تكثر حتى أنها لا تطاق إلا بجمع كثير وإذا اجتمعوا كان لهم كبير يعظمونه ويتبعونه كاليعسوب للنمل وبها دابة تسمى العدار بلغني أنها تطلب الإنسان فتقع عليه فإذا أصابت منه تلك الدابة جرحاً تدود جوف الإنسان فانشق ويحكى عن بعض الغيلان بها ما لا أستجيز حكايته لأن المنكر لمن لا يعلم أعذر من المقر بما يجهل.

وذكر ياقوت أن المذيخرة قلعة حصينة في رأس جبل صبر وفيها عين في رأس الجبل يصير منها نهر يسقي عدة قرى باليمن وهي قريبة من عدن يسكنها آل ذي مناخ وبها كان منزل أبي جعفر المناخي من حمير. قال عمارة اليمني: المذيخرة من أعمال صنعاء أن أعلاه نحو عشرين فرسخاً فيه المزارع والمياه ونبت الورث وفي شفيره الزعفران ولا يسلك إلا من طريق واحد وهو في مخلاف السحول ولما ملك الزيادي اليمن واختط زبيد وحج من اليمن جعفر مولى زياد بمال وهدايا بسنة 205 وسار إلى العراق وصادف المأمون بها وعاد جعفر هذا بسنة 206 إلى زيد ومعه ألف فارس فيها مسودة خراسان سبعمائة فعظم أمر ابن زياد وتقلد إقليم اليمن بأسره الجبال والتهائم وتقلد جعفر هذا الجبل واختط به مدينة يقال لها المذيخرة ذات انهار ورياض واسعة والبلاد التي كانت لجعفر تسمى اليوم (القرن السادس) مخلاف جعفر والمخلاف عند أهل اليمن عبارة عن قطر واسع وكان جعفر هذا من الدهاة الكفاة وبه تمت دولة بني زياد ولذلك يقولون ابن زياد وجعفر.

وذكر ياقوت في شبام أنه جبل عظيم فيه شجر وعيون وشرب صنعاء منه وبينه يوم وليلة وهو جبل صعب المرتقى ليس إليه إلا طريق واحد وفيه غيران وكهوف عظيمة جداً ويسكنه ولد يعفر وله فيه حصون عجيبة هائلة وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة وكروم ونخيل والطريق إلى تلك الضياع عَلَى دار الملك وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك فمن أراد النزول إلى السهل في حاجه دخل عَلَى الملك فاعلمه ذلك فيأمر بفتح الباب وحول الضياع والكروم جبال شاهقة لا مسلك فيها ولا يعلم أحد ما ورائها ومياه هذا الجبل تصب إلى سد هناك فإذا امتلأ السد ما أن فتح فيجري إلى صنعاء ومخاليفها وبينه وبين صنعاء ثمانية فراسخ. قال عمارة اليمني في تاريخيه وكان حسين ابن أبي سلامة وهو عبد نوبي وزرلابي الحبشي بن زياد صاحب اليمن أنشأ الجوامع الكبار والمنائر الطوال من حضر موت إلى مكة وطول المسافة التي بني فيها ستون يوماً وحفر الآبار الروية والقلب العادية فأولها شبام وتريم مدينة حضر موت واتصلت عمارة الجوامع منها إلى عدن والمسافة عشرون مرحلة في كل مرحلة منها جامع ومئذنة وبئر ويقي مستولياً عَلَى اليمن ثلاثين سنة ومات سنة 432 وذكر له فضائل وجوامع في كل بلدة من اليمن.

وذكر أبو الفدا من بلاد اليمن حصن تعز فقال هي في زماننا مقر ملوك اليمن وهي حصن في الجبال مطل عَلَى التهائم وأراضي زبيد وفوق تعز منتزه يقال له صهلة قد ساق صاحب اليمن المياه من الجبال التي فوقها وبني فيها أبنية عظيمة في غاية الحسن في وسط بستان هناك. وذكر حصن الدملوة وقال أنها خزانة صاحب اليمن قال ابن سعيد وهي عَلَى الجبل الممتد من الجنوب إلى الشمال ويضرب بامتناعها وحصانتها المثل في شمالييها تقع الجوة وهي بليدة مشهورة في جادة طريق الجبال وذكر الشرجة وجبلة وهذه بين عدن وصنعاء والجند شمالي تعز وذمار وحلى وظفار ونجران وعدن أَبين وصنعاء وصعدة وبلاد خيوان وجرش (غير جرش سورية) ومأرب يقال لها سبأ وشبام وقبة حضر موت ومرباط.

وفي أحسن التقاسيم أن ولايات هذا الإقليم متقطعة فاليمن لآل زياد وأصلهم من همدوان وابن طرف لع عثر وعَلَى صنعاء أمير غير أن ابن زياد يحمل إليه الأموال ليخطب إليه وربما أخرجت عدن عن أبديهم وآل قحطان في الجبال وهم أقدم ملوك اليمن والعلوية عَلَى صعدة يخطبون لآل زياد وهم أعدل الناس وعمان للديلم وهجر للقرامطة وعَلَى الأحقاف أمير منهم قال وصاحب صعدة لا يأخذ ضريبة من أحد وإنما يأخذ ربع العشر من التجار.

في القرن السادس كان صاحب اليمن الملك المجاهد سيف الدين علي ابن الملك المؤيد هزير الدين داوود من بيت رسول وكان جدهم هذا رسول أميراً آخر للملك الكامل ناصر الدين محمد عادل أبي بكر بن أيوب فلما بعث الملك الكامل ولده المسعود أطسن وهو الذي تسميه العامة أقسيس بعث معه أميراًَ آخر في جملة من بعوثه معه ثم تنقلت الأحوال حتى استقل رسول بملك اليمن وصار الملك من عقبه.

عجائب اليمن

ذكر الهمداني منها باب عدن وهو شصر مقطوع في جبل كان محيطاً بموضع عدن من الساحل فلم يكن لها طريق إلى البر إلا للرجل لمن ركب ظهر الجبل فقطع في الجبل باب مبلغ عرض الجبل حتى سلكه الدواب والحمائل والمحامل والجفان. وقطع بينون جبل قطعه بعض ملوك حمير حتى خرج فيه سيلان وراءه إلى أرض بينون. وقلعة الجوة لأبي المغلس في أرض المعاقر هي تطلع بسلم فإذا قلع لم تطلع. ومنها جبل تخلى وهو جبل واسع الرأس ذو عرقة مطيفة به تنزل الوبر والقرد وتحت العرقة عرقة وفي مواضع منه عرق مترادفة وليس تعم جميعه إلا العرقة العليا والتي تحتها ورأسه واسع جداً فيه ثلاث قلاع حصون فأولها بيت فائس وهو من أرفع ما فيه وفيها مسجد قائم كان الناس يزورونه والمذمار مثلها في الرفعة وبيت ريب حصن ذو عرق منقطعة عليها قصور آل المنصور وحرمهم وأموالهم لا مسلك لها غير باب واحد والأراس حصن بينها وبين بيت فائس وهو حصن واسع وبعد أن ذكر أبوابها قال وتغلق هذه الأبواب عَلَى هذه الحصون وهذه الحصون وهذه القرى عَلَى ضياع تؤدي خمسة آلاف ذهب براً وشعيراً ليكون سبعة آلاف وخمسمائة قفيز وتغلق عَلَى ميدانه وأنوباته ومجزرته ومساجده ومراعيه وأغنامه وبقره وخيله ما خلا الإبل فإنها لا تطلعه وفي معظم حصونها زروع أعقار فيها ماؤها ومرعاها وجميع مرافقها ومدينة خولان العظمى صعدة وهي بلد الدباغ في الجاهلية الجهلاء وهي في موسط بلد القرظ ربما وقع فيها القرظ من ألف رطل إلى خمسمائة بدينار مطوق عَلَى وزن الدجرهم القفلة وأما ظاهر خولان فهو أسل وفيه قرى زروع واعناب دافقين وجبل أبذر وأبذر مثل جبل ذخار من الجبال التي في رؤوسها الماء والمرعى والزرع والقرى.

ويشتد في صنعاء البرد لايتحول الإنسان الشتاء والصيف من مكانه فإذا اشتد بها الصيف وحر فدخل الرجل يقيل عَلَى فراشه لم يكن له بد من أن يتدثر لأن بيوتها في الصيف باردة لأجل قصة الجير المسيع بها بواطن البيوت فيدخل في المخدع عَلَى فراشه ويطبق عليه الباب ويسبل السترين والسجف فلا يتغير ضياء البيت لأجل الرخام الذي يكون في الجدران والسقف بل إذا كان في السقف رخامة صافية نظر عوم الطائر بظله عليها إذا حاذاها وتؤدي الرخامة لمعان الشمس إلى القصة فتقبلها بجوهرها وبريقها.

وأعشاب اليمن وحبوبها غريبة في بابها ومنها الورث واللبان اللذان لا يكونان في غير اليمن ويصيران في جميع الأرض.

ومن الابار العجيبة البئر المطلة بريدة ومنها بئر سراقة لمراد في أسفل الجوف وطولها خمسون باعاً وماؤها عذب فرات لا يكدرها الدلاء وبئر سام بن نوح بصنعاء وكهالة بئر ذي يزن بين زبيد وعدن وبئر هوت بسفل حضر موت وبئر ميمون المذكورة في القرآن. أما معادن الفضة بالرضراض فما لا نظير له وبها معادن الحديد غير معمولة مثل نقم وغمدان وبها فصوص البقران ويبلغ الثلث بها مالاً وهو أن يكون وجهه أحمر فوق عرق أبيض فوق عرق أسود والبقران ألوان ومعدنه بجبل أنس وهو ينسب بن ألهان بن مالك والسعواني من سعوان وادٍ إلى جنب صنعاء وهو فص أسود فيه عرق أبيض ومعدنه بشهارة وعيشان من بلد حاشد إلى جنب هنوم وظليمة والجمش من شرف همدان والعشاري وهو الحجر السماوي من عشار بالقرب من صنعاء والبلور يوجد في مواضع منها والمسني الذي يعمل منه نصب السكاكين يوجحد في مواضع منها والعقيق الأحمر والعقيق الصفر العتيقان من الهان وبها الجزع الموشى والمسير وفي مواضع منها منه النقعي وهو فحل العرف والسعواني والضهري منه أجنس والخولاني والجردي من غديقة والشزب يعمل منه الواح وصفائح وقوائم سيوف ونصب سكاكين ومداهن وقحفة وغير ذلك وليس سواه إلا في بلد الهند والهندي عرق واحد.

ومحافد اليمن وقصورها القديمة التي ذكرتها العرب في الشعر والمثل كثيرة فأولها وأقدمها غمدان ثم تلغم وناعط وصروح وسحين بمأرب وظفار وهكر وضهر وشباء وغيمان وبيون وريام وبراقش ومعين وروثان وأرياب وهند وهنيدة وعمران والنجير بحضرموت.

وغمدان قصر عجيب قد بني ثلاثة أوجه ووجه بالجروب الأبيض ووجه بالجروب الأصفر ووجه بالجروب الأحمر ووجه بالجروب الأخضر ولجروب الحجارة وابتني في داخله عَلَى ما التقن من أساسه قصراً عَلَى سبعة سقوف بين كل سقفين أربعون ذراعاً وسقفه من رخامة واحدة وجعل عَلَى ركن تمثال أسد من شبه كعظم ما يون من الأسد فكانت الريح إذا هبت من ناحية تمثال من تلك التماثيل دخلت جوفه من دبره ثم خرجت من فيه فيسمع له زئير كزئير الأسد وكان يأمر بالمصابيح فتسر في بيوت الرخام إلى الصبح فكأن القصر يلمع من ظاهره كلمع البرق فإذا أشرف الإنسان ليلاً قال أرى بصنعاء برقاً شديداً أو مراً كثيراً ولا يعلم أن ذلك من ضوء السرج فكان كذلك حتى أحرق.

قال ياقوت أن غمدان كان حصن كان ينزله الملك الذي يكون عَلَى اليمن وكان أعجمياً فلما ملكت الحبشة اليمن أخربته إلا بقايا هدمها عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في الإسلام وقال ينبغي لمآثر الجاهلية أن تمحى وأن في الحصن مصنعة عليها قبة منطلق. وفيها يقول خلف الأحمر

ومصنعة الطلق أودى بها ... عوادي الأحاديش بالصيدن

وفيها يقول قدامة حكيم المشرق وكان صاحب كيمياء

فارقد فيها نارة ولو أنها ... أقامت كعمر الدهر لم تنضرم

لأن الطلق لو أوقد عليه ألف عام لم يسخن وبه يتطلى النفاطون إذا أرادوا الدخول في النار.

وبنى أبرهة بن الصباح بصنعاء القيلسة وهي كنيسة بناها لصاحب الحبشة لم ير الناس أحسن منها ونقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسيفساء وألوان الأصباغ وصنوف الجواهر وجعل خشباً له رؤُوس كرؤُوس الناس ولكنها بأنواع الأصباغ وجعل لخارج القبة برنساً فإذا أن يوم عيدها كشف البرنس عنها فيتلألأ رخامها مع ألوان أصباغها حتى تكاد تلم البصر وسماها القليس (بضم القاف وتشديد اللام).

ون قصور اليمن قصر شوحطان وقصر كوكبان وأكثرها من عجيب البناء وقيل أن هذا القصر الأخير كان مبنياً بالفضة والحجارة وداخله بالياقوت والجواهر.

ومن أعظم عجائب اليمن السد الذي كان باليمن عَلَى مثال سد أسوان في مصر اليوم ومأرب كما قال السهيلي أمم قصر كان لهم وقيل هو اسم لكل ملك كان يلي سبأ كما أن تبعاً اسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضرموت وهذا السد عَلَى ما قال المسعودي من بناء سبأ بن يشجب بن يعرب وكان سافله سبي وادياً ومات قبل أن يستتمه فأتمته ملوك حمير بعده وقال المسعودي أيضاً بأن بانيه لقمان بن عاد وجعله فرسخاً في فرسخ وجعل له ثلاثين شعباً. ومأرب بين حضرموت وصنعاء وبينها وبين صنعاء أربعة أيام وهي قرية ليس بها عامر في القرن السابع إلا ثلاث قرى يقال لا الدروب إلى قبيلة من اليمن فالأول من ناحية صنعاء درب آل الغشيب ثم درب كهلان ثم درب الحرمة وكل واحد من هذه الدروب كاسمه درب طويل لا عرض مله طوله حو الميل كل دار إلى جانب الأخرى طولاً وبين كل درب نحو فرسخين أو ثلاثة وهم يزرعون عَلَى ماء جار يجيء من ناحية السد فيسقون أرضهم سقية واحدة فيزرعون عليه ثلاث مرات وفي كل عام ويكون بين بزر الشعير وحصاده في ذلك الموضع نحو شهرين. وسد مأرب بين ثلاثة جبال يصب ماء السيل إلى موضع واحد وليس لذلك الماء مخرج إلا من جهة واحدة فكأن الأوائل قد سدوا ذلك الموضع بالحجارة الصلبة والرصاص فيجتمع فيه ماء عيون هناك مع ما يجتمع من ماء السيول فيصير خلف السد كالبحر فكانوا إذا أرادوا سقي زروعهم فتحوا ذلك السد بقدر حاجتهم بأبواب محكمة وحركات مهندسة فيسقون حسب حاجتهم ثم يسدونه إذا أرادوا. قال ابن حوقل ومجتمع الماء الذي بأرض اليمن في ديار سبأ إنما كان موضع مسيل ماء فبني عَلَى وجهه سد فكان يجتمع فيه مياه كثيرة يستعملونها في القرى والمزارع حتى كفروا النعمة بعد أن كان الله تعالى قد جعل لهم عمارات قرى متصلة إلى الشام فسلط عَلَى ذلك المكان آفة فكان لا يمسك ماء وهو قوله تعالى وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها إلى قوله ومزقناهم كل ممزق فبطل ذلك الماء إلى يومنا هذا.

أما سيل العرم الوارد ذكره في الكتاب العزيز بقوله فأرسلنا عيهم سيل العرم فإنه كان عَلَى رواية في أيام ملك حبشان فأخرب الأمكنة المعمورة في أرض اليمن وكان أكثر ما أخرب بلاد كهلان وعامة بلاد حمير وولد حمير وكهلان هم سادة اليمن في ذلك الوقت خربها حتى لم يبقى من جميع الأرضين والكروم إلا ما كان في رؤوس الجبال والأمكنة البعيدة مثل ذمار وحضرموت وعدن ودهيت الضياع والحدائق والجنان والقصور والدور وجاء السيل بالرمل وطمها عَلَى ذلك إلى القرن السابع.

ومعنى العرم (بفتح أوله وكسر ثانيه) لسكر والمسناة التي تسد فيها المياه وتقطع وهي تلك المسناة التي كانت قد أحكمت لتكون حاجزاً ين ضياعهم وحدائقهم وبين السيل. وقيل العرم الماء الأحمر واسم واد بعينه أو اسم للجرذ لذي نقب السكر عليهم هو الذي يقال له الخلد وقيل العرم المطر الشديد قال المثلم بن قرط البلوي

ألم تر أن الحي كانوا بغبطة ... بمأرب إذ كانوا يحلونها معا

وقال الأعشى

ففي ذاك للمؤتسي أسوة ... ومأرب عفا عليها العرم

رخام بنته لهم حمير ... إذا ما نأى ماؤهم لم يرم

فأرى الحروث بأغنامها ... عَلَى ساعة ماؤهم إن قسم

وطار الفيول وفيالهم ... بيهماء فيها سراب لم يلم

فكانوا بذلكم حقبة ... فمال بهم جارف منهدم

وقال جهم بن خلف:

ولم تدفع الإحسان عن رب مأرب ... منيته وما حواليه من قصر

ترق إليهم تارة بعد هجعة ... بأمراس كتان أمرات عَلَى شزر

وقال عبيد الله بن قيس الرقيات:

يا دبار الحبائب ... بين صنعا ومأرب=جاءك السعد غدوة=والثريا بصائب

من حريم كأنما ... يرتمي بالقواضب=في اصطفاق ورنة=واعتدال المواكب