مجلة المقتبس/العدد 71/أعداء الإصلاح
→ ../ | مجلة المقتبس - العدد 71 أعداء الإصلاح [[مؤلف:|]] |
بين الفيحاء والشهباء ← |
بتاريخ: 1 - 1 - 1912 |
الطرق شتى وطرق الحق مفردة ... والسالكون طريق الحق أفراد
لا يعرفون ولا تدري مقاصدهم ... فهم على مهل يمشون قصاد
والناس في غفلة عما يراد بهم ... فجلهم عن سبيل الحق رقاد
ما خلا عصر من عصور الإسلام من أعدء لكل جديد ومن جامدين ينكرون ما بلا يألفون. فقد لقي المعتزلة والفلاسفة والمتكلمون والنظار من أعداء العقل كل شدة في القرون الراقية وكان عقل الملوك هو الذي يحول على الأغلب بين الجامدين وبين ما يشتهون من الأعتداء على القائمين بتأييد سنن العقل والناصرين بأقوالهم وأفعالهم مذاهب السنة والنقل. ومن نظر نظرة مجردة عن الفرض في سيرة المناهضين للمصلحين على اختلاف الأعصار بجهدهم جروا على غير ما يعتقدون وطلبوا بمقاومة المصلحين إرضاءً العامة ونيل الحظوى لديهم واستتباع الجاهلين من الملوك والسلاطين وقليل جداً من كان الإخلاص رائدهم في أعمالهم ومآتيهم.
يقاوم في العادة الخامل النابه لتكون له مكانة كمكانته، ويتحامل الجاهل على العالم ليعرف بين قومه بأنه قسيمة في صناعته ومثيلته في فضيلته ويطعن الجامد الممخرق بمن يحب أن يعبد الله بعقل ويبحث في عالم الكون والفساد بروية ليتظاهر بأنه بعيد الغور شديد الغيرة وما أقواله الأرياء وما أفعاله إلا وساس وأهواء.
لقي المصلحون من الأهاويل في الأمة العربية مما لقيه أمثالهم في الأمم الأخرى فيما نحسب وخصوصاً بعد القرن السابع وقو توزعت بلاد الإسلام ملوك الطوائف وكان أكثرهم على جانب من الجهل والغباوة لا يهمهم الإرضاء المشعوذين بالدين ليحولوا العامة أليهم فيقوى بهم ضعفهم وستعينون بهم على تكبير رقعة ممالكهم وبسط ظل سلطانهم على النفوس فيستمتعون بشهواتهم وبذخهم ورفاهيتهم.
عجبت لمتاع الضلالة بالمدى ... ومن يشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه ... بدنيا سواه فهو من ذين أعجب
ساعد على الانتقام من العالمين العاملين ناس من أرباب المذاهب سرت أحكامهم بقوة أربابها فكان الحكم يجري على المبتدعة وأرباب الأهواء بزعمهم بموجب قوانين لهم سنوها ومنها المذهب المالكي الذي كان يحكم قاضيه بقتل أكبر عالم في الأمة - والقتل ي من التعزيز في مذهب مالك - خالف المألوف من العادات التي اعتقدتها من أصل الدين وعد الخروج عنها كفراً وإلحاداً وما أسهلها صدور الحكم بهما من أعداء الإصلاح المماحكين.
سالت الدماء كالأودية في بغداد للفتن بين الحنابلة والشافعية مرات وسالت دماء كثير من الخاصة في كل قرن وعذبوا وأوذوا بواسطة أرباب المظاهر من المتنطعين ممن شق عليهم أن يروا كلمة الإصلاح الديني والدنيوي تفعل في الأرواح فعلها المطلوب فحدثتهم أنفسهم أن يتساوى المفكرون وغيرهم في نظر العامة أن يتمكنوا من إسقاطهم ليخلو لهم الجو ويقتصر في تقبيل الأيدي وطلب الدعوات وإلتماس البركات عليهم دون سائر المنتسبين للعلم والشريعة.
ومن غريب أسرار الله في خلقه أن جمع من قاوموا المخلصين من المصلحين دثروا وودثرت أسماؤهم وظلت أسماء من عادوهم وآذوهم تشهد بالجهل المركب على أعداء العقل السليم والتعاليم الصحيحة.
أين أعداء الغزالي والسهو وردي والآمدي وابن جرير وابن تيمية وابن رشد ذهبوا كلهم كأمس الدابر وبقيت الأمة تردد على وجه الدهر أسماء هؤلاء المصلحين العاملين وتتناقل ما خطته أناملهم من سطور الإصلاح فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
لا يذكر التاريخ اليوم إلا أفراداً مم ناوأوا رجال العقل الرجيح والنقل الصحيح اشتهروا لاحتكاكهم بالحكام وموهوا على العامة بحسن حالهم لمظهر دنيوي وحطام من الدنيا تطالت نفوسهم لأن بقتنوه كأن يكون أحدهم قاضياً يخاف أن يشركه ذاك العالم المستنير في قضائه أو شيخ عامة حدثته نفسه بالاستئثار بهذا المظهر الذي يعتقده جماع فضال الدنيا والآخرة:
أمثال هؤلاء الممخرفين المنفقين بدلوا المعالم والتعاليم مرضاة لأرباب الرئاسات والزعامات وسجلوا على أنفسهم العار للبت فيما ينزل به السلطان وجازوا أحد الشرع وهم يتظاهرون بأنهم المئتمنون عليه ومنهم ومن أعمالهم يشكو ويئن كما تشكو المدينة والإنسانية.
نهل أفسد الدين إلا الملو ... ك وأحبار سوءٍ ورهبانها إن من يتظاهرون بالدين واطنهم منه برئ أضر على الدين ممن يعقونه. ومن يدعو في الغالب إلى لاإصلاح ويتخذ التقية أمام العامة درعه يكون أقرب إلى ال، حلال والضلال منه إلى من لا يطنطنون بأنهم عاة الدين والقائمون عليه وعنهم يؤخذ وبهديهم يهتدي. وشر الناس من يسرون غير ما يظهرون وتلونون باللون الذي يرون أنه وافق لهم لجر مغنم وإحراز مظهر.
إن هؤلاء العامة ممن يتطالون إلى مقامات العلماء هم أفسد من العامة لأن شيطانهم يتكلم وشيطان هؤلاء أخرس لا يبدي ولا يعيد. هم سوس الفسادد في كيان اهذا المجتمع يدعون معرفة كل شيء وهم لم يتقنوا شيئاً على المحارم ولو بحثت عن أعمالهم لرأيتهم أول المجترئين على انتهاك حرمات الأديان والشرائع وهم يقدسونها بلسانهم والعابثين بحدودها وهم يدعون الناس إلى الوقوف عند مراسيمها والسعاية بالمصلحين ليفنوا في أعضادهم ويفسدون عليهم أمرهم ويأبى الله أن يتم نوره ولو كره أبالسة التدجيل والتضليل من علماء السوء.
لو كان أعدء المصلحين على شيء من التدين الحقيقي لكانوا اشتغلوا منذ قديم بإرشاد العامة وإنكار المنكرات المائلة في كل عصر أمامهم مثول الشمس في السماء رأد الضحى ولكن المتدلسة أمثالهم يتعلمون من قشور العلوم ما يستعينون به على الأخذ من أموال الحكومات والأغنياء والتعزيز بالعامة ولذلك كان أ: ثر اشتغال من سموا أنفسهم بالعلماء في كل عصر بالفقه لأنه سلم إلى ما يتطالون إليه من الجاه وحسن الحال قال حجة الإسلام الغزالي في الأحياء: أعلم أن الخلافة بعد رسول الله ﷺ تولاها الخلفاء الراشدون المهديون وكانوا أئمة علماء بالله فقهاء في أحكامه وكاوا مستقلين بالفتاوى في الأقضية فكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا نادراً في وقائع لا يستغنى فيها عن المشاورة فيفرغ العلماء لعلم الآخرة وتجردوا لها وكانوا بتدافعون الفتاوى وما يتعلق بأحكام الخلق من الدنيا وأقبلوا على الله تعالى بكنه اجتهادهم كما نقل من سيرهم فلما أفضت الخلافة بعدهم إلى أقوام تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفيائهم في مجاري أحكامهم وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول وملازم صفوا الدين ومواظب على سمت علماء السلف فكانوا إذا طولبوا هربوا وأعرضوا فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتوليه القضاء والحكومات فرأي أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم فاشرأبوا لطلب العلم توصلاً إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا على علم الفتاوى وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطليوا الولايات والصلات منهم فنهم الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين وبعد أن طانوا أعزة بالأعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم الأمن وفقه الله في كل عصر من علماء دين الله وقد كان أكثر الإقبال في تلك الأعصار على الفتاوى والأقضية لشدة الحاجة إليها في الولايات والحكومات ثم ظهر بعدهم من الصدور والأمراء من يسمع مقالات الناس في قواعد العقائد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها فعممت رغبته إلى الماتظر والمجادلة في الكلام فأكل الناس على علم الكلام وأ: ثروا فيه التصانيف ورتبوا فيه طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات في المقالات وزعموا أن غرضهم النب عن دين الله والنضال عن السنة وفمع المبتدعة كما زعم من قبلهم أن غرضهم بالاشتغال بالفتاوى الدين وتلقد أحكام المسلمين إشفاقاً على خلف الله ونصيحة لهم ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من لم يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه لما كان قد تولد من فتح بابه من التصعبات الفاحشة والخصومات الفاشية المفضية إلى إهراق الدماء وتخريب البلاد ومالت نفسه إلى المناظرة في الفقه وبيان الأولى من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما على الخصوص فترك الناس الكلام وفنون العلم وانثالوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة على الخصوص تساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد رعمهم الله تعالى وغيرهم وزعمواً أن غرضهم استناط دقائق الشرع وتقرير علل المذهب وتمهيد أصول الفتاوى وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات وهم مستمرون إلى الآن وليس ندري ما الذي يحدث فيما بعدنا من الأعصار فهذا هو الباعث على الأكباب على الخلافيات والمناظرات لا غير ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى الخلاف مع أمام آخر من الأئمة أو علم آخر من العلوم لمالوا أيضاً معهم ولم يسكتوا عن التعلل بأن ما ساتغلوا به علم الدين وأن لا مطلب لهم سوى التقرب إلى رب العالمين اه.
هذا موجز من تاريخ المتخلفين في الدين وصف به حجة الإسلام طغمتهم في عصره الخامس من أفضل عصور النول في الإسلام فما بالك بأمثالهم بعده وقد حدثت من الأحداث ما كان الجهل سداها ولحمتها والنيل من المخلصين مبدأها وغايتها وما أصدق ما قاله حجة الإسلام أيضاً في هؤلاء الطغام أعداء الإسلام والسلام في أول كتاله التفرقة بين الإسلام والزندقة قال: وأنى تتجلى أسرار الملكوت لقوم إلههم هواهم، ومعبوهم سلاطينهم، وقبلتهم دراهمهم ودنانيرهم، وشريعتهم رعونتهم،، وإرادتهم جاههم وشهواتهم، وعباتهم خدمتهم أغنياءهم، وذكرهم وساوسهم، وكنزهم سواسهم، وفكرهم استنباط الحلية لما تقتضيه حشمتهم فهؤلاء من أين لهم ظلمة الكفر من ضياء الإيمان أبالهام إلهي ولم يفرغوا القلوب عن كدوبات الدنيا لقبولها أم بكمال عملي وإنما بضاعتهم في العلم مسألة النجاسة وماء الزعفران وأمثالهم هيئات هذا المطلب أنفس وأعز من أن يدرك بالمنى أو ينال بالهوينا فاشتغل أنت بشأنك ولا تضيع فيهم بقية زمانك و (أعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى)
وبعد فإن في هذا العصر فئات في هذا الشرق ممن اسعاذ منهم المصلحون في كل عصر ولكنهم وياللأسف حثالة الحثالة، ومثال الجهالة والضلالة، إن قلت لهم تعاليم فلان، قالوا لك أونسيت تعاليم فلان فهي أحسن وأسلم، وإن حرضتهم على علم كذا قالوا علم كذا أفضل،، عن شرحت لهم أساليب المدينة، قالوا إننا من قبل ديننا فتركناه فصار حالنا إلى ما ترى، وإن حدثتهم بطرق الارتقاء قالوا إنه يدعونا إلى الانحلال كأنه ما كفانا ما نحن فيه من البدع، وإن دعوتهم إلى الأخذ بما صح من أحكام الحلال والحرام، أوردوا لك من أقوال شيوخهم وأقاصيص عجائزهم وأحلام حالميهم ومثبطات المترهدين والمتورعين منهم ما تسأل الله معه السلامة، وإن حببت إليهم المعروف قالوا لك ما أكثر المنكرات.
حملة أهواءٍ، لا حملة شريعة، وجعاب لغو وحشو لا قوام على ما يقوم العقل، سلاحهم المغلطة، ومجنهم السفسطة، رأس مالهم الثرثرة، وربحهم الغلبة بالباطل، والمهارة في المهاترة على غير طائل، مناهم، من دينهم ودنياهم، أن تفخم القابهم، وتملأ كراشيهم وعلبهم، وترفع بين الغاغة منازلهم، ويزيدوا بسطة في الجسم لا في العقل، وتكتب لهم في العالمين شهرة بعيدة بدون أن بعدوا لها أداة من أدواتها، ويصرفوا في التحصيل ساعة من أوقاتهم، دأبهم الحط من الفضلاء، وهجيراهم النيل من العظماء، يرقعون ويلفقون، ويراوغون ويماحكون، وأكسون ماكسون، مدلسون مولسون، يعادون ما يجهلون، يجمدون على ما يعرفون، يصانعون ولا يتلطفون، يفتون وهم لا يعلمون، يجتهدون ويخطئون، يهرفون يما لا يعرفون، يعدون علوم البشر ذرة من معارفهم، ويحتقرون ما بلغه مداركهم كأن فل الله محصور فيهم، وكأن من لا يجري على هواهم محروم من السعادة هالك، أولئك هم ثعالب الإنس يأكلون لحم أخوانهم بالغيبة والوشاية، ويمشون بين الناس بالنميمة والسابة، أسود ولكن على نحت أثلاث مخالفيهم، نمور ولكن لا يحسنون الوثب إلا على من لا يصلحون خدمة لهم. يفترون ويغرون، يغرون ولا يخافون، يخربون ولا يدرون، يخرفون ولا يستحون، يمخرقون ولا ينتهون، فهم أضر على الناس من قطاع السابلة، وأفسد في جسم المجتمع من الأدواء القتالة، يرجعون بالأمة القهقري، والدواعي تهيب بها إلى التقدم، ويزينون لها الفناء والعدم، والمصلحة قاضية بالتماسك والتعاون، ويملون لها الذل والصغار، وركوب متن العار، والحالة تدعو إلى تحكيم العقل في كل قول وعمل.
فألهم ثبت أقدام المصلحين وهيء لهم من الكفاءة ما يقوون به على رد غارات أعداء الأمة في إصلاحها فقد كفاها جهلاً وضلة بما كسبت أيدي المنافقين وما جلبوا عليها من الخزي المبين وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً. . . . . والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا بالغو مروا كراماً