مجلة المقتبس/العدد 7/تعليم العميان
→ حسنات القرن الماضي وسيئاته | مجلة المقتبس - العدد 7 تعليم العميان [[مؤلف:|]] |
جيوش المستقبل ← |
بتاريخ: 20 - 8 - 1906 |
اهتم العالم المتمدن في الأيام الأخيرة بتعليم العميان إذ رأى علماء الاجتماع أنهم يصلحون لأعمال كثيرة لا يصلح لها أغلب المبصرين وذلك مثل التوقيع على آلات الموسيقى والغناء وغيرهما من الفنون الجميلة. وليس تعليم العميان في الغرب بعيد العهد كثيراً بل يرد عهده إلى النصف الأخير من القرن الثامن عشر. فقد أسست سنة 1784 في باريس أول مدرسة للعميان وكانت قراءة التلامذة في هذه المدرسة باستعمال الحروف البارزة. وفي سنة 1786 عرض فالانتين هاي الذي اشتهر بحب الإنسانية في خدمة بني جنسه تلامذته على الملك لويس السادس عشر وحاشيته في بلاط فرسايل. وفي تلك السنة نفسها نشر مقالة في تعليم العميان شرح فيها طريقته. ولكن هاي لم يكن غنياً وحدث أن نضب نبع عطاء الكرام فعجز هاي عن إتمام عمله فقررت الحكومة الفرنسية أن تأخذ المدرسة تحت حمايتها لتنفق عليها من ماليتها وكان ذلك في سنة 1791.
وقد أخذت بلاد الإنكليز من فرنسا تلك الطريقة الشريفة فأسست في إنكلترا مدرسة العميان بليفربول وملجأ العميان في ادنبرج ومدرسة العميان في لندن وغير هذه في بلفاست ودوبلين ويورك. وفي سنة 1868 أسس الدكتور ارمتياج جمعية معاونة العميان وكان غرض هذه الجمعية ترقية تعليمهم فأسست المدرسة الملوكية لتعليم الموسيقى وكان الغرض من تأسيس هذه المدرسة ترقية تعليم فن الموسيقى لأنه كان الفن الوحيد الذي برع فيه العميان لسهولة تعليمهم إياه وقد نجح في هذه المدرسة 89 في المائة وكلهم اليوم في مكنة من الكسب والتعيش بصنعتهم. وقد رأى القائمون أمر هذه المدرسة أن أهم شيءٍ في تعليم العميان هو تقوية أجسامهم وتربيتهم تربية بدنية عقلية وذهب بعضهم إلى أن العمى ليس هو السبب الوحيد في خيبة المصابين به بل السبب في خيبتهم إنما هو خمولهم وضعف الإرادة والعزم فيهم فأدخل في هذه المدرسة كثيراً من الألعاب الرياضية كالمشي والعدو والطعن والسباق وركوب الدراجة والتجديف والانزلاج على الثلج. وكان التهذيب العقلي يشمل تقوية الفكر وتنمية قوة الملاحظة والذاكرة وتنبيه الميل إلى الدرس والمطالعة والتمرين على النطق بالتأني مع قلة الكلام. وفرض على كل طفل أعمى أن يتعلم فن الكتابة على آلة الكتابة المسماة تيبرايتر ويختص البنات بتعلم الخياطة والحياكة وصنع الحلل.
وأول من اخترع حروفاً لقراءة العميان إسباني اسمه فرنسيسكو لوكاس اخترع طريقة حفر الحروف على ألواح الخشب وقدم هذه الطريقة إلى الملك فيليب الثاني ملك إسبانيا ثم اخترعت طريقة للقراءة غريبة وهي استعمال الدبابيس والوسائد بدل الحروف والطروس. واخترع ألماني طريقة القراءة بتجويف الورق الغليظ. وعلم بهذه الطريقة الآنسة بارديس التي نبغت في فن الموسيقى نبوغاً عظيماً.
وتدل الإحصائيات العلمية على أن عدد العميان قد أخذ ينقص شيئاً فشيئاً فقد كان في إنكلترا وويلس في سنة 1851 أعمى واحد من كل 979 وفي 1861 كان فيهما أعمى في كل 1138 وفي 1891 كان فيهما أعمى واحد في 1235 وينسب هذا النقص إلى ترقي فن الجراحة البصرية واهتمام الأطباء بدرس أمراض العين واعتناء الأهلين بعيون أبنائهم عند ولادتهم. وفي إنكلترا وويلس 25 مدرسة للعمي و33 معملاً لتعليم الحرف و46 جمعية تختص بفحص أحوال العمي وتدبير أمورهم. والصنائع الشائعة التي تعلم في هذه المدارس هي عمل السلال والفرش والحصر والأكياس والحبال والمكابس والبسط والسلك والكراسي للذكور والخياطة والغزل والنسيج للإناث وقد أفاض الأغنياء على هذه المدارس وهاتيك الجمعيات والمعامل ضروب العطاء وجاد كثير منهم بأرزاق واسعة بعد موتهم وقفوها على تعليم العميان وإصلاح حالهم.
وبعد فلا يسعني بعد أن أتيت على ما أتيت عليه من أخبار العمي وتعليمهم إلا أن أحيي الغرب وبنيه الذين أحسنوا الانتفاع بكل شيء وعلموا حتى العميان وأؤنب الشرق وأهله الذين أساؤوا استعمال كل شيءٍ وأهملوا حتى تعليم المبصرين. فلله در أرض يبصر فيها المكفوفون ولا در أرض يعمى فيها الناظرون وسقيا لجدث شاعرنا الذي قال:
أن يأخذ الله من عينيَّ نورهما ... ففي فؤادي وقلبي منهما نور
القاهرة
محمد لطفي جمعة