مجلة المقتبس/العدد 63/مشاهير العرب والصناعات
→ أوغست كونت وفلسفته | مجلة المقتبس - العدد 63 مشاهير العرب والصناعات [[مؤلف:|]] |
دقائق عربية ← |
بتاريخ: 1 - 5 - 1911 |
وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
(أبو العتاهية)
يتوهم بعض الكتاب أن العرب أهملوا الصناعات يل استنكفوا منها لأنهم لم يقولوا (آل الحائك) خشية تحقير المضاف والحقيقة هي أن قدماء العرب لم تنصرف أفكارهم إلى الحياكة في زمان بداوتهم لأنهم لبسوا جلود الحيوانات وابتاعوا منسوجات غيرهم فلم يتقنوا الحياكة على أنهم عرفوها بعد ذلك واشتهروا بكثير منها ونقل الإفرنج عنهم ما تفننوا به مثل الموركو والكوردوفان لنوعين من الجلود التي دبغها العرب الأول في مراكش والثاني في قرطبة. والدامسكو للشيخ الدمشقي المشجر. والدامسكين للترصيع المعدني الدمشقي والموصلين لنسيج عرفت به الموصل وصناعة الشفار والسيوف التي أخذوها من دمشق إلى غير ذلك مما لا يحصى. ولهم تآليف كثيرة في الصناعات يحضرني منها الآن اسم رسالة للكندي في المعادن والجواهر وأنواع الحديد والسيوف وجيدها ومواضع انتسابها. ورسالة أخرى في ما يطرح على الحديد والسيوف حتى لا تتثلم ولا تكل لكندي أيضاً. ولقد ذكر جاهليو العرب بعض الصناعات في أشعارهم مثل قول طرفة بن العبد البكري من معلقته مشبهاً الناقة:
كقنطرة الرومي أقسم ربها ... لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
وقوله:
وخد كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قده لم يجرد
وقوله:
وعينين كالماويتين استكنتا ... بكهفي حجابي صخرة قلت مورد
ومن أقدم صناعاتهم الغزل وقد ذكروه كثيراً في أشعارهم مثل قول النابغة:
وعريت من مال وخير جمعته ... كما عريت مما تمرُّ المغازل
وهذه الصناعة عرفت قديماً وذكرها كثير من الأعاجم مثل قول هوميروس في الإلياذة بلسان هكطور بطل تروادة عند توديع زوجته اندروماك وطلبها منه أن لا يسير إلى الحرب من موشح بليغ:
ولكل عمل فامضي كفى ... واشغلي أعمال ربات السد فلك النسيج وفتل المغزل ... ولنا أعمال سمر الذيل
ووصف هيلانة تطرز بإبرتها في قوله:
وجدتها بالصرح تنسج ثوباً ... بحواشي البرفير والأرجوان
وبرأس الخياط ترسم فيه ... واقعات أبلت بها الفئتان
وقال أبو العلاء المعري في النساء:
علموهن الغزل والنسيج والردن ... وخلوا كتابة وقراءة
وقال ندة ملتن كبير شعراء الإنكليز ما يقرب من هذا إلى غير ذلك.
وفي صدر الإسلام اعتبر الخلفاء الصناعات بدليل قول الإمام عمر بن الخطاب: إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفه فن قالوا لا سقط من عيني، وقول موسى الهادي الخليفة العباسي لأمه الخيزران لما استبدت بالأمر وكثر المختلفون إليها لقضاء أعمالهم: ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك. أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكّرك أو بيت يصونك. وكثيراً ما ذكر الشعراء بعد ذلك الصناعات ولو على سبيل المجاز مثل قول ابن نباتة في الطيّ والنشر:
لا تخف عيلة ولا تخش فقراً ... يا كثير المحاسن المختاله
لك عين وقامة في البرايا ... لك غزالة وذي فتاله
ولقد مارس الخلفاء والصحابة والأمراء والأشراف والأئمة والعلماء على اختلاف طبقاتهم وأمكنتهم وأزمنتهم صناعات كثيرة جمعت الآن منهم ما وصلت إليه يد البحث تذكرة لقوم يعقلون:
كان أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وطلحة بن الزبير وعبد الرحمن بن عوف بزازين وعمر بن الخطاب دلالاً فتاجراً. والوليد بن المغيرة وأبو العاص أخو أبي جهل حدادين. والنضر بن الحارث عوداً يضرب بالعود. وللعاص بن وائل السهمي بيطاراً يعالج الخيل. وابنه عمرو بن العاص جزاراً ومثله الإمام أبو حنيفة وقيل كانا خزازين يبيعان الخز (وهو التباس يقع في التصحيف). والزبير بن العوام خياطاً ومثله عثمان بن طلحة الذي دفع له النبي مفتاح الكعبة وهكذا قيس بن مخرمة. وكان مالك بن دينار وراقاً والمهلب بن أبي صفرة بستانياً. وقتيبة بن مسلم الذي فتح بلاد العجم إلى ما وراء النهر جمالاً. وعقبة بن معيط خماراً وسعد بن أبي وقاص بارياً للنبال. وأبو سفيان ابن حرب يبيع الزيت والأدم. وعبد الله بن جدعان نخاساً يبيع الجواري. والحكم بن أبي العاص خصاء يخصي الننم ومثله حريق بن عمر والضحاك بن قيس الهفري وابن سيرين.
وكان سفيان بن عيينة معلماً ومثله الضحاك بن مزاحم وعطاء ابن أبي رباح والكميت الشاعر والحجاج بن يوسف الثقفي الشهير وعبد الحميد بن يحيى إمام المترسلين وأبو عبيد الله القاسم بم سلام والكسائي مؤدب الأمين والمأمون وكثير غيرهم ممن مارسوا التدريس والتهذيب وكانت هذه الصناعة تسمى عندهم صناعة الأشراف. وكان أبو يوسف الفقيه قصاراً (يبيض الثياب) وأبو العتاهية الزاهد يبيع الفخار في الكوفة فسمي الجرار. وأبو تمام الشاعر كان سقاءً وقيل خادم حائك. والمتنبي ابن سقَّاء في الكوفة. والعكبري في أول أمره منجماً ثم صار نحوياً. وحماد عجرد الشاعر باري نبال. وأبو إسحاق إبراهيم الحصري كان يعمل الحصر أو يبيعها وأبو إسحق إبراهيم بن محمد الزجاج النحوي كان يخرط الزجاج وأبو الحسن السري الرفاء الشاعر كان يرفو ويطرز وأبو بكر عبد الله القفال المروزي الفقيه يعمل الأقفال. وأبو الحسن الماوردي الفقيه كان يبيع ماء الورد. وأبو الحسن علي بن هلال كان أبوه بواباً فسمي بابن البواب. وأبو القاسم الزاهي الشاعر كان قطاناً (يبيع القطن). وأحمد بن محمد الطوسي الغزالي وأخوه الإمام الغزالي الشهير كانا منسوبين إلى عمل الغزل على طريقة النسبة عند الخوارزميين إذ يقولون القصاري والعطاري في القصار والعطار. وأبو بكر أزهر بن سعد السمان الباهلي البصري كان يبيع السمن وأبو غالب تمام التياني اللغوي القرطبي كان يبيع التين. وأبو القاسم الجنيد لقب بالخزاز والقواريري لأنه هو عمل الخز ووالده عمل القوارير. وأبو علي الحسين الكوابيسي البغدادي نسب إلى بيع الكرابيس وهي جمع كرباس بالفارسية بمعنى الثياب الغليظة وهي أشبه بالخام عندنا. وأبو محمد بن مسعود الفراء البغوي كان يعمل الفراء ويبيعها. وابو مغيث الحسين بن منصور الحلاج الزاهد حلج القطن فنسب إليه. ومؤيد الدين الطغرائي نسب إلى كتابة الطغراء. وأبو عمرة حمزة بن حبيب الزيات باع الزيت ومثله كثيرون لقبوا بلقبه مثل محمد بن زيات وزير المعتصم وغيره. وأبو عمرو خليفة بن الخياط العصفري نسب إلى الخياطة والصبغ بالعصفر. وأبو المعالي سعد بن علي المعروف بالحظيري (بالظاء المشالة) الوراق لقب بصناعته دلال الكتب ورشيد الدولة فضل الله الهمذاني طبيب خرمندة التتري كان في عمره عطاراً فصار يدبر ممالك التتر. وأبو منصور عبد الملك الثعالبي نسب إلى خياطة جلود الثعالب وعملها فراءً. وأبو قاسم عثمان الانماطي الفقيه كان يبيع الانماط وهي البسط التي تفرش. وأبو عمرو عثمان بن الحاجب كان والده حاجباً للأمير عز الدين موسك الصلاحي. وأبو الحسن علي بن عبد الله السمسماني اللغوي نسب إلى السمسم. وأبو الحسن علي بن الحسن القاضي الملقب بالخلعي كان يبيع الخلع لأملاك مصر. وأبو الحسن بن وصيف المعروف بالناشئ الأصغر كان جده وصيف مملوكاً وأبوه عبد الله عطاراً وهو حلاءً أي عامل الحلي النحاسية للتزيين. وأبو القاسم عمر الخرقي الفقيه نسب إلى بيع الخرق أي الثياب البالية. وأبو القاسم عمر بن محمد المعروف بابن البزري نسب إلى عمل البزر وبيعه والبزر عندهم اسم للدهن المستخرج من حب الكتاب وبه يستصحبون أي يسرجون المصابيح. وكان ابن سير بن المشهور بتعبير الرؤيا ابن صائغ قدور من النحاس. وأبو عمرو المطرز البارودي غلام ثعلب كان مطرزاً. وكان والد البحراني الشاعر الاربلي تاجراً يتردد إلى البحرين ويصيد اللآلئ من مغاوصها. وفخر الملك ووزير بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي كان ابن صيرفي. وأبو بكر الرازي الطبيب كان في أول أمره مغنياً عواداً. وأبو الحزم مكي الضرير المقري النحوي كان ابن صانع أنطاع. ونصر الخبزارزي الشاعر كان يخبز أرغفة الأرز بمربد البصرة. وأبو الفرج محمد الغاني الملقب بالوأراء كان منادياً في دوار البطيخ بدمشق ينادي على الفواكه. وكان بشار بن برد الشاعر ابن طيان حاذقاً بثناعته وأخواه بشر وبشير كانا قصابين. وفتيان الشاغوري لقب بالمعلم لأنه كان يعلم أولاد الملوك. وأبو محمد القاسم الحريري نسب إلى بيع الحرير أو عمله. والقاضي أبو بكر محمد الباقلاني البصري نسب إلى بيع الباقليّ. وأبو الحسين الجزار الشاعر المصري تعاطى الجزارة. وسراج الدين الوراق الشاعر الوراقة. وأبو الفضل بن عبد الكريم الحارثي الدمشقي لقب بالمهندس لحذاقته في الهندسة وكان في أول أمره نحات حجارة ونجاراً وأكثر أبواب البيمارستان النوري الذي بناه نور الدين بن زنكي الملقب بالعادل في دمشق من نجارته وصناعته وقد درس إقليدس على نفسه وأصلح الساعات في جامع دمشق وإن له على مراقبتها راتب خاص. وأبو زكريا يحيى البياسي الأندلسي الطبيب قطن دمشق وعرف التجارة واشتغل الآلات الهندسية وكان عواداً وعمل الأرغن. والبديع الاسطرلابي كان يعمل الآلات الفلكية ولا سيما الاسطرلاب. وأبو بكر محمد بن الحسن النقاش الموصلي البغدادي العالم نسب إلى نقش السيوف والجدران لممارسته ذلك وحذقه به. وأبو عباس محمد بن صبح المعروف بابن السماك الكوفي الزاهد نسب إلى صيد السمك وبيعه. وأبو بكر محمد بن السري النحوي المعروف بابن السراج نسب إلى عمل السروج. وأبو عبد الله محمد بن جعفر التميمي النحوي الملقب بالقزاز القيرواني نسب إلى عمل القز وبيعه. ومعاذ بن مسلم الهراء كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها. وأبو منصور الجواليقي نسب إلى عمل الجوالق وبيعها. وأبو يزيد وشيمة الوشاء كان يتجر بالثياب المصنوعة من الابريسم الموشاة. ومحمد بن رضوان بن الرعاد كان خياطاً واقتنى مكتبة من صناعته. وشمس الدين الدهان الدمشقي الشاعر كان يمارس صناعة الدهان. والنصير الحمامي كان يتحرف باكتراء الحمامات ويستجدي بشعره. وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المعروف بالحداد الفقيه الشافعي المصري نسب إلى أحد أجداده الذي كان يعمل الحديد وبيعه. وأبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بالصيرفي الفقيه البغدادي نسب إلى الصرافة. وأبو عبد الله محمد بن الكناني الشافعي المعروف بابن الكيزاني الشاعر كان بعض أجداده يعمل الكيزان ويبيعها فنسب إليه. وأبو الرداد عبد الله بن عبد السلام بن الرداد المؤذن البصري عمل المقياس بمصر في أثناء القرن الثالث للهجرة. ونجم الدين المنجنيقي الشاعر كان في أول أمره جندياً مقدماً على المنجنيقيين ببغداد فنسب إليه ومن لطيف منظومه قوله:
كلفت بعلم المنجنيق ورميه ... لهدم الصياصي وافتتاح المرابط
وعدت إلى نظم القريض لشقوتي ... فلم أخل في الحالين من قصد حائط
ويحيى النحوي الإسكندراني كان ملاحاً إلى أن بلغ الأربعين من عمره فمال إلى العلم وأتقنه. وكان علي بن رضوان الطبيب بن فران. ومن أغرب العلماء أرباب الصناعات كشاجم الشاعر فإن اسمه منحوت من صناعاته فالكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من منجم والميم من مؤدب إلى غير ذلك.
ومن متأخري العلماء من نسب إلى الصناعات مثل القزويري وابن الطباخ وابن العطاؤ والأسطواني وابن الكيال وابن السقاف وابن السمان وابن الحجار وغيرهم كثير.
وممن لقبوا بالصناعات ولا نعلم إذا كانوا قد مارسوها أبو جعفر أحمد المرادي النحاس النحوي المصري. وابن الخياط الدمشقي. وأبو بكر بن عياش بن سالم الخياط الأسدي الكوفي. وأبو محمد سعيد بن الدهان البغدادي. وأبو القاسم الإسكافي. وظافر الحداد الشاعر الاسكندري. وابن الدهان الموصلي المعرف بالمهذب. وابن شاس المنعوت بالخلال. وابن الخشاب البغدادي. وأبو نصر عبد السيد ابن الصباغ الفقيه. وأبو قاسم علي بن القطاع الصقلي اللغوي. وأبو الحسن علي بن القصار اللغوي. وأبو بكر المبارك المعروف بابن الدهان النحوي الضرير الواسطي. وأبو بكر محمد بن باجة الأندلسي المعروف بابن الصائغ الفيلسوف. وأبو عبد الله محمد الرقاء الأندلسي الرصافي الشاعر. ويحيى بن الجراح الكاتب. وموفق الدين النحوي المعروف بابن الصائغ الحلبي. وأبو المحاسن شهاب الدين الشواء الحلبي الشاعر. وابن النجار الدمشقي الشاعر. وإبراهيم الحائك وقيل المعمار أو الحجار غلام النويري المصري الشاعر الزجال. وبكر بن علي الصابوني. وجوبان القواس الشاعر. وابن البيطار النباتي الشهير. وعبد الله بن محمد المغربي الملقب بالعطار الشاعر. وعبد الحق الإشبيلي المعروف بابن الخراط. وعبد الرزاق بن أحمد الصابوني المحدث المؤرخ الفيلسوف. وأبو بكر الوراق التميمي. وأبو المعالي البقال الأديب. وابن الصفار المارديني. وأبو حفص الشطرنجي شاعر المهدي وابنته عليه. وأبو عبد الله البغدادي النقاش الشاعر. ومجاهد بن سليمان المعروف بالخياط الشاعر. ومحمد بن أحمد المعروف بابن الحداد الشاعر. ومحمد بن أحمد بن الصابوني الصدفي الإشبيلي. ومحمد بن داود بن الجراح الكاتب. والحافظ الكبير ابن النجار البغدادي واضع تاريخ بغداد المطول. وهبة الله بن الفضل المعروف بابن القطان الشاعر البغدادي. فضلاً عن كثير من أرباب الصناعات الأُخر مثل أبي عبد الله الفرضي الحاسب. وأبي حفص عمر بن الفارض الشاعر. وابن المعلم الواسطي الشاعر. وابن الدهان البغدادي الفرضي الحاسب. والبتاني الراصد وغيرهم كثير.
ومنهم من تدل أسماؤهم على أنهم من أرباب الصناعات وهم لم يتعاطوها مثل أبي سلمة حفص ابن سليمان الخلال الهمداني فانه لم يكن خلالاً ولكنه كان يجلس إلى محل للخلالين قرب داره بالكوفة فلقب بالخلال. ومثل أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحق الزجاجي النحوي البغدادي الذي لم يشتغل بالزجاج ولكنه صحب أبا إسحق إبراهيم بن السري الزجاجي فنسب إليه. وأبو سعيد الصدفي لم ينسب إلى صناعة الصدف بل إلى الصدف بن سهل وهي قبيلة كبيرة حميرية هبطت مصر. وكثير من العلماء لقبوا بالعسكري ولم يكونوا عساكر ولكنهم نسبوا إلى (سر من رأى) الملقبة بالعسكر حيث نشأوا لأن المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره فقيل لها العسكر ومنهم أبو الحسن العسكري من أهل القرن الثاني للهجرة. ومنهم من سموا باسم عسكر مكرم من كور الأهواز مثل أبي القاسم محمد العسكري وغيره. وأبو الحسن الكسائي لم ينسب إلى عمل الكساء بل لأنه دخل مرة على حمزة بن حبيب الزيات وهو ملتف بكساء وقيل بل أحرم بكساء فنسب إليه. وأبو زيد محمد القاشاني المشهور ولكنه نسب إلى مسقط رأسه فاشان في بلاد فارس. وكمال الدين الفراوي نسب إلى فراوة في خوارزم لا إلى الفراء ومن النكت باسمه أنه قيل عنه (الفراوي ألف راوي). وأبو بكر الآجري الفقيه لم ينسب إلى صناعة الآجر (القرميد) ولكن إلى قرية آجر من قرى بغداد. وأبو بشر محمد الرازي الدولابي لم يصنع الدولاب ولكن نسب إلى الدولاب وهي قرية من الري وصناعته كانت الوراقة فلقب بالوراق وأبو بكر محمد الصولي الشطرنجي توهم بعضهم أنه وضع الشطرنج أو صنعه والصحيح أنه اشتهر باللعب فيه. والفراء النحوي اللغوي الكوفي كان يفري الكلام ولم يشتغل بالفراء فعرف بهذا اللقب وأبو عمرو بن دراج القسطلي نسب إلى قسطلة في الأندلس لا إلى عمل القساطل للمياه. ويونس الصدفي المصري الفقيه لم يعمل الصدف بل لسبب آخر سمي بالصدفي وهو أنه صدف بوجهه مرة فلزمه هذا اللقب. ومحمد بن الحسن الصائغ العروضي أقام بالصاغة زماناً يقرئ الناس فلقب بالصائغ إلى غير ذلك وهم كثيرون.
هذا ما وصلت إليه يد الاستقراء الآن من صناعات المشاهير عند العرب جمعته تبصرة وتذكرة لمن يتوهمون أن الصناعة تزري بالعلماء والأدباء والمشاهير. على أن الإفرنج كثيرو الولع بالصناعات مما سأفرد له مقاله خاصة إن شاء الله في فرصة أخرى. ولقد أعرضت عن مشاهير المعاصرين وأسماء الأسر التي تنسب إلى الصناعات وهي كثيرة في بلادنا قريبة العهد فلا حاجة إلى وصفها. فحبذا لو كثر الميل إلى أسباب العمران بين ظهرانينا وولع مواطنونا بالصناعات ونحوها مما يوفر الدراهم ويشغل الأوقات ويعود على البلاد بالنفع وإلا فإن اقتصارنا على العلوم اللغوية واللسانية جمود فلنتخذها مفتاحاً للعلوم الطبيعية:
بزراعة وصناعة وتجارة ... تجد البلاد تقدماً وفلاحا
أسباب عمران فسيد صرحها ... وخذ العلوم لنبلها مفتاحا
زحلة:
عيسى اسكندر المعلوف.