الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 61/أخبار وأفكار

مجلة المقتبس/العدد 61/أخبار وأفكار

بتاريخ: 1 - 3 - 1911


اللبن الرائب

كتب الأستاذ متشنكوف بحثاً في مجلة من المجلات الفرنسوية أبان فيه مزايا اللبن الرائب أو الحامض في معالجة بعض الأمراض افتتحها بقوله إن الناس كانوا يفزعون من الهواء الأصفر ويموتون منه ألوفاً أيام لم يكن كوخ قد اكتشف ميكروباته فلما اكتشفها سهلت على الناس الوقاية فصاروا يتخيرون المياه الجيدة فينجون منه ومن لم تساعدهم الحال على استجادة المياه كأهالي بطرسبرج عمدوا إلى غلي الماء فنجوا من فتكات هذا المرض الوبيل ومثل ذلك يقال في جراثيم الطاعون والحمى وغيرها من الأمراض فغنها لما ظهر السبب فيها بطل العجب وذكر أنه جرب وجرب كثيرون فوائد اللبن الرائب للمصابين ببعض أمراض المعدة فثبتت فائدتها كل الثبوت في المستشفيات والمصاح ونفع في الحمى التيفوئيدية أيضاً وقال أن في أحشائنا جراثيم سامة لا يقتلها إلا حامض اللبن وأنه جرب ذلك منذ 12 سنة في نفسه وكان في الثالثة والخمسين من عمره فامتنع عن جميع المشروبات الروحية واقتصر على الماء واللبن الرائب والشاي الخفيف والطعام المطبوخ وامتنع عن كل ما هو نيء فجادت صحته على كثرة مشاغله وبعدت همته بحيث يعمل ساعات طويلة عملاً متواصلاً بدون أن يعروه ملل بذلك فهو يوصي الشبان أن يجروا على طريقته في تناول الألبان الحامضة إذ تساعدهم سنهم على الانتفاع منها وربما أطالت حبل آجالهم كما وقع لحائك عمره مئة وثلاث سنين بحثوا عن معيشته فرأوه على اقتصاده في مأكله يتناول بكثرة الملفوف المختمر وفيه شيء من الحامض اللبني والخلاصة فإن الأستاذ المشار إليه يضرب منذ سنين على هذا الوتر من بيان منافع اللبن وقد وافقه الآن على رأيه بعد التجارب الطويلة كثير من أطباء الروس والبولونيين والألمانيين والفرنسويين وغيرهم ولا يبعد أن يؤثر صوته فيدخل اللبن الرائب على الطريقة العربية والتركية والمصرية والبلغارية إلى بلاد لم يكن يدخلها من قبل بفضل هذا التنويه به.

الطباعة

كانت البعثة الأثرية الإيطالية عثرت في جزيرة كريت منذ سنين على إطار من التراب مكتوب عليه كتابة مدورة فثبت لها أن تاريخها يرد إلى سنة 1600 قبل المسيح وقد توصل العلماء الآن إلى حلها بعض الشيء فتبين لهم أنها تقرأ من اليمين إلى الشمال وهي عبارة عن نشيد للصلاة وأنها أشبه بالخط الهيروغليفي أو المسند المصري وأنها أول أثر مطبوع ظفر به مما دل أن الطباعة في شواطئ البحر الرومي قديمة كما كانت في الصين.

الرهبنات

روت المجلة الباريزية أن عدد الرهبنات الدينية التي وقفت أنفسها على بذل الإحسان ومعاونة البائس من نوع الإنسان ما برحت آخذة بالانتشار في ألمانيا وقل عدد البرتستنتية منها فلرهبنة الدياكوني أو الشماسية 84 ملجأ منها 54 في ألمانيا والباقي في غيرها وهي مؤلفة من 2500 أخ و25000 أخت إلا أنه قل في العهد الأخير انخراط النساء في هذا السلك لأنه قل الاعتماد عليهن في المستشفيات كما كان سابقاً ولكن يزيد عدد من يمرضن المرضى في بيوتهم عن ذي قبل والرهبنات الكاثوليكية تنمو أكثر من غيرها فقد كان في بروسيا منذ 25 سنة 746 ملجأ فيها 7000 أخ وأخت فغدت سنة 1907 2113 ملجأ أعضاؤها ثلاثون ألفاً منهم أربعة آلاف أخ وستة وعشرون ألف أخت أي أن الرهبنات الكاثوليكية قد زاد عددها أربعة أضعاف.

قتلى الالكحول

أعظم المسائل الاجتماعية التي يتعاورها أرباب البحث والنظر في الغرب مسألة انتشار الالكحول بين الجمهور حتى أنهم حسبوا ما عند فرنسا من أماكن لبيعها فبلغت 477000 يصيب كل ثمانين نسمة منها محل واحد أو محل لكل ثلاثين بالغاً ومعظمها من الخمور القتالة المزورة وكل يوم يفتح في فرنسا ستة أماكن للبيع بحيث تهلك هذه الأمة عما قريب إذا لم تنظر في أمرها وبذلك تشوهت الخلق وضعفت الأجسام حتى اضطرت الحكومة أن تترك كثيراً من الذين دعتهم لحمل السلاح لعدم اقتدارهم عليه وكثر عدد المنتحرين فزاد عددهم أربعة أضعاف ما كان عليه قبل أربعين سنة وكذلك عدد المجانين وزادت الجرائم حتى قدروا أن ثلثي المجرمين هم من السكيرين أو من أبناء السكيرين، والأمة هناك تحارب الالكحول كما تحارب الأعداء بماتتوفر على نشره من الكتب والرسائل والنشرات والمجلات والجرائد والمحاضرات والخطب ولا بد أن توفق إلى تقليل وطأتها كما وفقت سويسرا وغيرها من الممالك الصغرى.

آثار مصرية

اكتشفت بعثة ألمانية في مصر الوسطى في الحفريات التي قامت بها في مكان اسمه أبو صير الملك كثيراً من الأواني والمدى المعمولة من الصوان والعظام والعاج المنحوت وتاريخ هذه الذخائر يرد إلى زمن عرف فيه التاريخ أي سنة 2500 قبل الميلاد.

الآداب الانكليزية

منح أحد نبلاء بريطانيا عشرين ألف جنيه لكلية كمبردج في انكلترا لتؤسس بها درساً في الآداب الانكليزية تسميه درس الملك ادوارد السابع، وأنشأوا في انكلترا جمعية دخلها الناس في كل البلاد التي يتكلم فيها بالانكليزية غايتها إشراب القلوب حب الشعر إذ ثبت أن المدنية المادية الحالية لا تحلو إلا إذا احتفظ الناس فيها بالخيال في الحياة.

معهد كارنيجي

أفاد لسان البرق أن المستر كارنيجي الغني الأميركي الشهير قد تبرع بعشرة ملايين دولار أخرى للمعهد الذي أنشأه على اسمه في نيويورك فبلغ مجموع ما تبرع به من ماله خمسة وعشرين مليون ريال اميركي فأكرم بامة فيها مثل هذا الكريم وببلاد تخرج مثل هذا الغني الذي لا يكاد يصدقه ابن الشرق لولا صدوره عن قوم لا يتكلمون إلا عن عقل ولا يميلون لغير المحسوسات، أما هذا المعهد الذي احتفل مؤخراً بافتتاحه فليس له نظير في العالم وسيكون له شأن كالمجمع العلمي الذي أنشأه باستور على اسمه في مدينة باريز، ومعمل باستور يعني خاصة بعلم الجراثيم (بكتريولوجي) والمعالجة بالمصل والكيمياء الحيوية والأمراض السارية أما معهد كارنيجي فهو ضرب من ضروب المستشفيات العجيبة لا يقبل فيه إلا المرضى الذين تخلى عن طبهم الأطباء وقطعوا بأنهم أقرب إلى الموت منهم إلى الشفاء وهو قصر عظيم جداً يذكر بأعظم قصور ملوك الشرق الأقدمين وفيه من مظاهر الرفاهية والراحة والجمال أحسن ما أبرزته عقول الغربيين وهو يطل على نهر فتشرف النفوس من ورائه على مناظر تأخذ بمجامع القلوب وهو مؤلف من إحدى عشرة طبقة يصعد إليها بمصاعد وأدراج واسعة وفيها ردهات وغرف وحجر فسيحة، وليس طول الغرف الخاصة بالمرضى أكثر من 16 متراً وعرضها 8 أمتار وفي كل واحدة منها سبع سرر فقط وليس للغرف زوايا وقرن بل هي أبنية مدورة ذات قباب وذلك حتى لا يعلق الغبار زواياها على أن العناية في النظافة ليس وراءها غاية فالبيوت تفتح من تلقاء نفسها بمجرد مس الذراع أو الرجل أو الركبة لها مساً خفيفاً وبذلك لا ينال الأيدي شيء من الجراثيم وهناك محل عظيم لمداواة المرضى بالماء البارد والتغير الجسماني وآخر للتصوير الشمسي ورابع للراديوم وللمستشفى خزانة كتب عظيمة جعلت تحت أمر أطباء المحل وتلامذتهم وله أناس موظفون للخدمة والإشراف على الأعمال وكلهم من خيرة القوم وسيأتي على هذا المعهد العلمي الإنساني يوم نسمع بالاختراعات والاكتشافات التي تتم فيه بفضل تلك العقول الراجحة التي اجتمعت تحته وانقطعت إلى خدمة الإنسانية فيه بفضل المحسن الأميركي وبيض أياديه.

قراءة الدماغ

بعد أن أتقن الغربيون علم قراءة الأفكار بالتنويم المغناطيسي قام اليوم أحد علماء الانكليز بعد البحث الطويل يكتشف تركيب الدماغ الانساني ومميزاته وذلك بقياس الذهن بطرق وحسابات لا تخطئ فيمكنه أن يعرف طبقة عمل الدماغ معرفة أكيدة بالوقوف على درجة المقاومة في المجرى العصبي وذلك في الجزء الأسفل من مجموع الدماغ.

المداواة بالراديوم

أكد أحد جراحي الانكليز أنه شفى بعنصر الراديوم الذي اكتشفت منذ اثنتي عشرة سنة بعض الأمراض مثل فالج الوجه والآلام العصبية والرثية وأمراض الجلد والسرطان والصلع، وادعى طبيبان من كلية كنغبسرغ أن الراديوم يشفي من الهواء الأصفر والخناق.

وأكد أحد أطباء الروس أن الراديوم يشفي الأكمه والأعمى، وإذا تم ذلك فلا يبقى على العلم إلا اختراع دواء لإحياء الموتى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

برابرة بوليفيا

بوليفيا أو بيرو العليا إحدى جمهوريات أميركا الجنوبية بلاد واسعة البقاع تبلغ مساحتها 1222280 كيلومتراً مع أن سكانها لا يتجاوزون 2159000 وما برحت بعض أصقاعها على حالتها من الهمجية الأولى ومن السكان الذين رآهم الرحالة هرزوك في بوليفيا الشرقية وثبت له من أخلاقهم أنهم من عنصر واحد هم وكوارايوس قبائل السيريانوس فإن هؤلاء الهمج لم يرتقوا درجة واحدة في الحضارة منذ العصر الحجري فهم يستعملون الحديد وأدواتهم القاطعة هي من الصدف الذي تقذف به الشواطئ وبها يقطعون وينحتون يعيشون عيش البادية في الغابات وتمتد الأصقاع التي ينزلونها إلى ريوغراند وسان ميكل إلى الشرق مما وراء ريوبلانكو، وهم لا يلبسون ثياباً وزينتهم الوحيدة عبارة عن عقد يتخذونه من أسنان القرود ومن حبوب يسلكونها في أسلاك بدون أن يخرقوها بآلة ما، وأكواخهم وقلما يأوون إليها مؤلفة من أغصان النخيل وأوراقه يدعمها جذع من الشجر وليس لهم من السلاح غير أقواس من خشب النخل طولها متران وسهام منه أيضاً طولها ثلاثة أمتار ورأسها محدد، ولا يعرف أصل هذا الشعب معرفة أكيدة.

ألمانيا وكلياتها

كان للكليات في ألمانيا خلال النصف الأول من القرن الماضي عمل عظيم في حياة تلك الأمة العقلية والأخلاقية والسياسية ففي سنة 1810 رأى فريدريك غليوم الثالث صاحب بروسيا أن تستعيض ألمانيا عن القوى المادية التي أفقدها إياها نابوليون بقوى أدبية فأسس كلية برلين ليلقي في قلوب ناشئة الأمة فكراً علمياً سليماً وبعلمهم بالكلام والمثال أن يخصوا أرواحهم للعلم وقلوبهم للوطن، ومن مجتمعات الطلبة نشأت الدعوة إلى الوحدة الألمانية وكانت ألمانيا إلى ذاك العهد مقسمة إلى إمارات مشتتة الكلمة ضعيفة السلطان تفادى الطلاب في هذا السبيل بكل عزيز ولطالما جنحوا إلى الثورات وقتلوا وقتل منهم في سبيل تأييد دعوتهم، فمن الكليات نشأت الانقلابات الكبرى في الفلسفة والدين والعلم وكان الألمان إلى ذاك العهد أمة فكر وشعر يقولون في أنفسهم أنهم تركوا البر لجارتهم (فرنسا) تنصرف فيه على ما تشاء والبحر لأخرى (انكلترا) تعمل ما تريد ولم يبق لهم إلا الاحتفاظ بالسماء وهي منزل العقل، وهذه الوحدة السياسية التي كان يراها بعضهم من الخيال قد تحققت في العلم والعمل بفضل الكليات التي كانت مركز الحياة الوطنية، وأنا إذا صرفنا النظر عن أهل الأدب والصناعات نجد جميع كبار الرجال في ألمانيا من أساتذة تلك الكليات، ولما نضجت الأفكار على تلك الصورة قام بسمرك قبيل الحرب الألمانية الفرنسوية ووحد بين تلك الإمارات وعلم أولئك العاملين أن النشرات والدعوات تعمل إلى حد محدود ولا بد لتحقيق الغرض بعد ذلك من النار والبتار، انتهى عمل الكليات السياسي سنة 1870 ولكنها ظلت صاحبة الحق في حفظ تراث الأجداد وقديم الأمجاد فهي التي تعلم الناس التجديد ولكن مع النظر إلى القديم أبداً.

كان في أواخر القرن التاسع عشر ثلاثة أنواع من الكليات في أوروبا الكلية الانكليزية التي هي أصل الكلية الاميركية والكلية الفرنسوية والكلية الألمانية التي اقتبست أسلوبها بلاد السكندياويين أو الدنمارك وأسوج ونروج وروسيا إلا قليلاً.

فالكلية الانكليزية تقرب من نسق القرون الوسطى لا علاقة لها مع الحكومة بل هي مستقلة في إدارة شؤونها ومداخيلها وأساتذتها وتقصد إلى التربية العلمية بل إلى التهذيب العام الذي يجب للمهذب أن يكون له منه نصيب، أما الكلية الفرنسوية فهي تابعة للحكومة مباشرة على نحو ما أراد معدل نظامها نابوليون الأول وغايتها إعداد الطلبة لأن يتعلموا ما ينفعهم في ميدان الحياة الاستقلالية والكلية الألمانية نشأت بين الكليتين الانكليزية والفرنسوية فأخذت من هذه ومن تلك.

والغاية منها أن لا تخرج علماء صرفاً ولا رجال صناعات ممتازين بل أن تهذب طلابها تهذيباً يتيسر لهم معه أن يستعدوا لدخول المجتمع والتصدر فيه فليست الغاية إذاً أن تخرج تلك الكليات أساتذة وحكاماً ورجال دين للحكومة ولا أن تعد محامين وأطباء للأمة بل أن تعلمهم تعليماً علمياً وتلقنهم الخطة التي يجب عليهم أن يسيروا عليها وتطلعهم على أساليب البحث والنقد والتقوى فيهم أخلاق العلماء كالعفة وخلو الغرض وسعة الفكر وتلقنهم شيئاً من العلوم المساعدة وأن ينظروا نظرة إجمالية في الميدان الذي يجب عليهم أن يجروا فيه وبالجملة تؤهلهم إلى أن يتموا هم بأنفسهم ما بدأ به أسلافهم، فالطالب المتخرج من كلية ألمانية يتعلم ما هو العلم إذا اقترن بعلم خاص فلا يكتفي بشهادة ينالها فيحق له بها أن يقضي أو يشفي أو يعلم أو يلقن الذين لمواطنيه بل يقضى عليه أن يتمرن سنة في الفرع الذي يريد الإخصاء فيه ثم يقدم فحصاً بعد أن تكون المدرسة قد أعدته للنظر الإجمالي في الحياة العلمية، ولرجال الدين والأساتذة والمحامين والقضاة والموظفين والأطباء في ألمانيا الذين يتخرجون من الكليات طبقة خاصة ومنزلة سامية بين قومهم لا ينالها إلا الضباط لأسباب خاصة ولكن الصيارف والتجار وأرباب الصناعات والأملاك مهما بلغوا من الغنى والذكاء والاعتبار وخدموا المصلحة العامة فهم دون أولئك الذين تخرجوا من الكليات بمنزلتهم، وتناغي القوم في الأعمال الحرة علم طبقات الأمة الألمانية أن أرباب الصناعات والتجارات وغيرهم من طلاب المال والغنى لا يعيشون مهما بلغوا من الذكاء إلا للثروة ولذلك تكون منزلتهم في الأنظار دون العاملين بأفكارهم وعقولهم.

يقولون أن العلم لا ينجح إلا بإطلاق الحرية للمتعلم يتعلم على ما يشاء وللمعلم يعلم كما يشاء وهذا موجود في الجملة في الكليات الألمانية فإن الأستاذ وإن كان أمر تعيينه يرجع إلى الحكومة وتتحكم هذه في اختيار من يعرضون عليها فهو لا يعيش من رواتب تؤديها إليه الحكومة بل أنها تدفع له جزءاً صغيراً والباقي يتكفل به الطلبة فيدفعون أجور الدروس التي يحضرونها والطلبة لا يفحصون آخر السنة بل هم أحرار وعمدة الكليات مستقلة تدبر شؤونها بذاتها وينظر في انتخاب الأستاذ إلى قيمة ما يحسنه من العلم لا إلى ما يمتاز به من صفات التعليم مثل جودة الإلقاء وسهولته والمعلم لا يتعب في إلقاء دروسه لأنه يعلم تلاميذه بالعلم أكثر من النظر.

وفي ألمانيا طبقة من الأساتذة مستقلة عن الحكومة كل الاستقلال ولهم الحق أن يدرسوا في الكلية التي يريدونها ويقبضوا من طلبتهم أجور دروسهم ويختاروا موضوعات مسامراتهم ومحاضراتهم ويشرعون وينتهون من دروسهم في الأوقات التي يختارونها وترى الطالب في الكلية لا يحتاج لشيء سوى أن يدفع المخصص لها وسواء حضر أم لم يحضر تعلم أم لم يتعلم لا يسأل عن عمله ويكاد لا يفحص إلا في بعض المواد القليلة كما أنه حر في الدروس التي يختارها.

يعلم الألمان أن إطلاق الحرية للطالب على هذا النحو لا يخلو من حمله على الكسل ولكن يرون أن لها فوائد أخرى فإن الطالب يكون قد قضى في المدارس الابتدائية والوسطى نحو عشر سنين تابعاً لنظامها المدقق حتى إذا بلغ العشرين أو نحوها كان حرياً في الحلية أن يتعلم كيف يعمل بنفسه ويحبب إليه عمله بدون سائق يسوقه وكيف يوجه وجهته ويحدد رغبته في التعلم فيعمل على ذوقه برضاه لا مدفوعاً بسائق فحص يجب عليه أن يتخطاه، فالكلية الألمانية تضمن للطالب فيها تهذيب العقل من جهة وتربية الإرادة والخلق من جهة أخرى وذلك بإطلاقها حرية طالبها فنعامله معاملة رجل حر عاقل له حق التصرف بأحواله ولسان حالها اعمل ما يروقك واعلم فقط أنك ستجني ما زرعت.

كثير في الأغاني الألمانية ما يشير إلى أن حرية الطالب أثمن شيء وأنها من أوصافه الخاصة به فالفتى لا يحضر دروس الكلية للحصول على معارف تنفعه للقيام بحرفة ما في المستقبل وما هذا المطلب إلا ثانوي بل أن الغاية التي يسعى وراءها في سنيه الثلاث في الكلية هو أن يصبح رجلاً وتكون له شخصية، يعينه على ذلك أساتذته وأترابه ومن هنا نشأت فائدة جمعيات الطلبة لأن الطالب يتعلم فيها أمرين مهمين الطاعة واحترام الناس له، والطلبة المتقدمون يطبعون على ذلك الطلبة المتأخرين أو المحدثين بمحافظتهم على قواعد لهم يسنونها وبالمحافظة عليها ينبعث في الطالب شعور الشرف وعزة النفس في الحياة المشتركة وتقوى إرادته على الصدمات فهو إذا خلص من سلطته في منزله بين أبويه يكون لتلك الجمعيات عليه شيء من السلطة الأدبية فبالكلية لا يصبح رجلاً عالماً ومهذباً فقط بل صاحب أخلاق، ولقد صدق أحد من وصف الكليات في الغرب فقال أن الكليات الفرنسوية تنقصها الحرية والكليات الانكليزية يعوزها العلم وفي الكليات الألمانية لا ينقص هذا ولا ذاك.

قام مجد ألمانيا قديماً بمن نبغ فيها من الفلاسفة ثم بمن نبغ فيها من القواد والجند ومجدها اليوم مناط إلا قليلا بأرباب الصناعة والتجارة من أبنائها، ومعلوم أن حاجة المدنية الحديثة ماسة للإخصاء في العلوم والتفرد في الصناعات وألمانيا لا تجهل أن قوتها في جهاد الأمم السلمي بمن لديها من الاخصائيين الكثيرين كثرة لا نظير لها عند الأمم الأخرى ولذا بذلت العناية للمدارس الفنية والاخصائية حيث يتعلم الشبان علوماً توجد لهم مراكز في الصناعة وإذ جعلوا في أواخر القرن الماضي من حق هذه المدارس أن تمنح لقب دكتور للمتخرج بها كما تمنح الكليات فقدت هذه بعض الإقبال عليها إن لم يزد كما هو المأمول.

وبعد فما برح الأساتذة الذين أوجدوا في الكليات روح الوحدة الألمانية وربوا رجال الأمة تلك التربية السياسية المهمة يتوفرون على الاحتفاظ بهذه الوحدة حتى صح على الألمان ولا يزال صحيحاً ما كان قاله بسمرك وقد رأى جماهير الطلبة سنة 1895 تجيء لتهنئته بعيده الثمانيني: منذ رأيت هذه البلوطات الألمانية الحديثة (ويعني بها الشبان الألمانيين) لم يبق عندي أقل قلق على مستقبل ألمانيا.

صور تتغنى وتتكلم

إن النجاح الذي صادفته الصور المتحركة بتمثيل الأشباح على الستار قد جعل المفكرين يدأبون لتتميم الفائدة بإضافة آلة الفوتوغراف أو الحاكي ليتهيأ لجمهور المشاهدين التمتع برؤية الأشباح وسماع أصوات ممثليها في آن واحد، وقد وفق مؤخراً الكابتن كواد الفرنساوي للجمع بين عرض صور الممثلين وأسماع الجمهور أصواتهم بحيث تأتي حركاتهم وأصواتهم طبقاً للمألوف من أصوات الممثلين الحقيقيين وحركاتهم.

وطريقه ذلك أن يتكلم الممثل أولاً أو يغني ويؤثر أمام آلتي الفوتوغراف والتصوير فيأخذ الحاكي أصواته على حدة وترسم آلة التصوير حركاته الموافقة لأصواته ثم يوصل بين هاتين الآلتين بقضيب من حديد لتتم المواصلة الكهربائية بينهما، وتوضع آلة التصوير وراء الجمهور حسب المعتاد، ويوضع الحاكي بالقرب من الستار ويديرها معاً مجرى كهربائي فتتحرك الآلتان بسرعة واحدة فتتفق بذلك الأصوات التي تصدر من الحاكي مع الحركات التي تدير صورها آلة السينما توغراف أو الصور المتحركة، فيرى المشاهد أشخاصاً ترقص أو تمشي أو تركض أو تتحرك بحركات غير هذه ويسمع ما تفوه به من الأصوات المطابقة فيخالها أشخاصاً طبيعية لها قوة الحركة والنطق.

قفل يفتح بصوت صاحبه

في جملة الاختراعات الحديثة قفل للأبواب والصناديق له فوهة مثل فوهة آلة التلفون وله جهاز خاص فلا يفتح إلا إذا تكلم صاحب القفل أو غيره في الفوهة كلمة اصطلاحية يفتح بها القفل بمجرد دخول الصوت المركب من مقاطع تلك الكلمة، فإذا زادت المقاطع أو نقصت تغير فعل الصوت في آلة القفل فيمتنع على الفاتح.

غير أن لهذا الاختراع عيوباً أخصها عدم انفتاح القف إذا كان الصوت ابح ولذلك فإذا أصيب صاحب القفل بزكام شديد فلا يبقى بإمكانه أن يفتح بابه أو صندوقه ما لم يطلع صديقاً له على كلمة السر ليلفظ بها في فوهة القفل وفي ذلك ما فيه من الإعنات وكشف السر.

تلقيح التربة بالبكتيريا

درس بعضهم خواص نوع من البكتيريا فوجد أن له خاصة امتصاص عنصر النيتروجين من الهواء وغيره وبثه في التربة التي يعيش فيها، وامتحن تلقيح الأرض بهذا النوع من البكتيريا فوجد أنه يزيدها خصباً وأنه يحسن غلتها خصوصاً إذا وضع في التربة شيء من المواد التي ينمو فيها هذا الميكروب من مثل البوتاس والحامض الفسفوريك والكلس، وسيكون لهذا الاكتشاف شأن عظيم في الزراعة.

آلة لتطهير هواء المنازل

اخترع الأستاذ شارل ريشه من باريس آلة تنقي هواء المنازل مما يكون فيه من الغبار والجراثيم الحيوية، وهذه الآلة تقذف قطرات صغيرة من الغليسرين يلصق بها الغبار فتحمله ساقطة به إلى الأرض، ولها مروحة تجذب الهواء إليها ليسهل رشه بالغليسرين فيتهافت جميع هواء البيت شيئاً فشيئاً إلى تجاه المروحة فيتطهر بهذه الطريقة السهلة.

شعر الرأس

يمكن شعرة عادية من شعر الرأس أن تحمل ثقلاً يزن ست اواق طبية، ويبلغ معدل شعر الرأس نحواً من ثلاثين ألف شعرة ويمكنه أن يحمل ثقلاً يزن عشرة قناطير وإذا فتل معاً فإنه يحمل هذا الثقل ومقدار ثلثه أيضاً، ولذلك فإن نساء قرطاجنة الحرائر كن يقدمن شعورهن الكثة عندما حاصر الرومانيون مدينتهن ليصنع منها حبال قوية تقذف بها الحجارة من المجانيق.

بندقية بدون صوت

تحشى ببارود بدون دخان

اخترع المستر هيرام برسي مكسيم الأميركاني أنبوباً صغيراً يناط بفم البندقية فيضعف قوة صوت البارود حتى يكاد لا يسمع للبندقية صوت عند إطلاقها، وهذا الأنبوب عبارة عن قطعة مجوفة من الفولاذ قطرها نحو قيراط ونصف وطولها نحو خمسة قراريط ولها في جوفها حلقات معدنية لولبية ناتئة من جدرانها الداخلية تجعل الغاز الذي ينفلت من البارود عند إطلاقه يدور في هذه الحلقات قبلما يخرج إلى الفضاء، فيفقد بذلك قوته ويخرج من فم الأنبوب ضعيفاً لا قوة له على تمزيق الهواء وإحداث الصوت المعروف وذلك لأن صوت البنادق إنما يحدث من غاز البارود الذي ينفلت من فوهة البندقية حالما تخرج من الرصاصة فيحلق في الهواء أي أنه يخرج بهيئة حلقات لها شكل الفطر، فتدفع هذه الهواء دفعاً شديداً تمزقه فيها تمزيقاً فيسمع له الصوت الذي نعرفه.

أما بواسطة هذا الأنبوب الذي يدخل فيه فم البندقية إدخالاً محكماً فيدور غاز البارود في الحلقات اللولبية في باطنه فيفقد قوته لأنه لا ينطلق تواً، فيخرج وله صوت يماثل صوت الغاز إذا أطلق من زجاجة كازوزة بعد أن تزحزح الفلينة قليلاً فينفلت ضعيف القوة بحيث لا يسمع له صوت إلا على بعد بضع خطوات لشدة ضعفه.

وقد جرب المخترع اختراعه هذا فحشا عدة بنادق ببارود لا دخان له وأطلقها جميعاً على هدف بحضور جم غفير فكان رصاصها يخترق الهدف والمشاهدون لا يرون دخاناً ولا يسمعون صوتاً إلا صوت وقع الرصاص على الهدف، وإذ رأت الحكومة الأميركية خطورة هذا الاختراع وتعرض الناس بواسطته لاعتداء القتلة الأشرار إذا تمكنوا من التسليح بهذا السلاح الذي يأمنون معه افتضاح أمرهم عمدت إلى قانون تسنه منعاً لم اعساه أن يترتب على هذا الاختراع من الضرر والإخلال بالأمن العام.

طبقات الهواء العليا

وجد بالامتحان أن حرارة الهواء تقل كلما صعدنا في الجو حتى نبلغ علو نحو عشرة آلاف متر (33 ألف قدم) ومن ثم تأخذ الحرارة بالازدياد قليلاً ازدياداً قانونياً، وقد وجد أن هذه الطبقة العليا السخنة تضم جميع الجهات فوق المناطق الاستوائية والمعتدلة والمتجمدة شمالاً وجنوباً، فهذا الانقلاب في حرارة أعالي الجو يدل على إمكان اختلاف تركيب طبقات الهواء السفلى عن طبقته العليا وقد ملأ بعض الكيميين زجاجات من الهواء من طبقاته المتعددة إلى علو يتجاوز 46 ألف قدم وعدا ما ذكر فإن ركاب المناطيد قد كشفوا طبقة هادئة في أعالي الجو وسيكون من وراء درسها نفع في الأسفار الجوية.

اللحم الأحمر واللحم الأبيض

في جملة الحيوانات الحمراء لحم البقر والغنم والخيل والخنازير البرية والوعول والأرانب والحمام والبط والإوز وسمك سليمان أو السلطان ابراهيم، وقد يكون لحم بعض هذه الحيوانات داكناً، أم العجول والخنازير الداجنة والأرانب الأليفة وسمك الشبوط وأبو منقاد والكركند والسراطين فلحمها أبيض أو كفيء اللون، وأما الطيور فجاجئها أي صدورها بيضاء اللحم وما بقي منها أسمر اللون، وكثير من أصناف السمك كالحنكليس وغيره يجمع بين اللونين الأسمر والأبيض، وقد تبين من الأبحاث العلمية أن لهذه الألوان علاقة بالقوة والنشاط، فتكون العضلات الكفيئة اللون على الجملة أكثر نشاطاً من التي لونها أحمر أو أسمر لأنها تتقلص بسرعة ولكنها تكل قبل العضلات السمراء إذ أنها تفرز مقداراً أعظم من الحامض اللكتيك (أو اللبنيك) وهو نتيجة التعب والدليل عليه ولذلك فيمكننا أن نحكم على نشاط الحيوان وعلى مقدار ما يتحمله من التعب بالنسبة إلى غيره من لون لحم عضلاته، والقاعدة لذلك أن ما كان لحمه أبيض كان كثير الحركة والنشاط وما كان أحمر اللحم وأسمره كان أقل نشاطاً في حركته ولكنه أكثر تحملاً للأتعاب.

تعجيل نمو النبات

كانت الطريقة المعول عليها لإنماء النبات إنماءً صناعياً أن يعالج بالأثير فيسرع نموه وتنضج ثماره قبل أوانها، غير أن العلامة مولبش قد كشف طريقة أسهل من هذه وأقل نفقة وهي: أن يغمس ما يراد إنماؤه من النبات مقلوباً في ما تبلغ درجة حرارته بين 30 و 35 بمقياس سنتيغراد، ويبقى مغموساً مدة تسع ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة وبعد ذلك ينقل إلى غرفة مظلمة رطبة حرارتها تبلغ درجة 25 ويبقى هناك إلى أن تبتدئ الأوراق تظهر فينقل حينئذ إى مغرس زجاجي ويعامل معاملة النباتات التي تربى في المغارس الزجاجية الدافئة، وامتحن أحدهم هذه الطريقة في الزنابق فأزهرت بعد نحو أربعين يوماً مع أن ما غرس منها غرساً عادياً لم تظهر أوراقه في هذه المدة مما يدل على شدة تعجيل نمو النبات بهذه الطريقة السهلة الإجراء القليلة النفقة.

ثمن الراديوم

كان يمكن قبلاً أن يشرى الجزء من ألف من الغرام من الراديوم بعشرة فرنكات أما في سنة 1909 وما بعدها فبلغ ثمن هذا الجزء خمساً وأربعين ضعفاً أي 450 فرنكاً، وبما أن الراديوم يستخرج من الأتربة الزفتية فتراب الزفت في ضواحي معمل كورنش بالقرب من لندن يساوي ثمناً يفوق ثمن تراب الذهب والماس.

شباك الصيد

دل اختبار صيادي السمك في جهات متفرقة على تأثير لون الشباك بالأسماك فصار من المقرر أن من يستعمل شبكة زرقاء اللون يصيد أكثر كثيراً ممن يستخدم الشباك العادية السمراء اللون، وذلك لأن لون الشبكة الزرقاء يماثل لون ماء البحر فينتفي بذلك خوف السمك من الدنو منها.

آلة جديدة للحلاقة

اخترعت في أميركا آلة جديدة تحلق شعر الوجه بموسى مجهزة بآلة كهربائية بدون أن تمسها يد إنسان، وللموسى واق من المطاط وغيره يقي الحد من الجرح، ولا نظن أن هذا الاختراع يسر الحلاقين عندنا إذا تهافت الناس على شراء هذه الآلة وصاروا يحلقون لحاهم بواسطة الكهربائية ويأمنون شر جراح المواسي التي قد تنقل العدوى من مصاب بمرض جلدي في وجهه إلى الأصحاء.

عضو جديد للحس

اكتشف فرتر في الهرة عضواً خاصاً للحس مؤلفاً من بضع شويكات نابتة في الجلد بجانب رسغي قائمتيها الأماميتين، وكانت هذه الشويكات قد وجدت في حيوانات عديدة غير الهرة من مثل القواضم والحيوانات الدرداء (التي لا أسنان لها) والمفترسة وذوات الأربع السافلة في سلم الأحياء، وتوجد هذه الحاسة خاصة في الحيوانات التي تتلقف طعامها بأكفها والتي تزحف أو تتسلق الأشجار، ولكنها لا توجد في القردة لأنها تعتاض عنها بما لها من الامتياز في استعمال ايديها وللآن لم يمكن الاستدلال على وجود هذه الحاسة في الكلاب.

سفينة لرصد المغنطيسية

عزم بعض محبي العلم في اميركا على السياحة في جهات القطبة الجنوبية وغيرها لرصد مغنطيسية الأرض فابتنوا سفينة خالية من الحديد والفولاذ، فصنعت جدرانها ومساميرها وسائر ما فيها من الخشب منعاً لتأثير ما قد يكون فيها من المواد المعدنية في المغنطيسية التي تقاس بآلات خاصة في السفينة

خليل سعد

طنين الآذان

تختلف الاهتزازات التي يسمعها المصابون بالصمم أو بطنين الآذان فيطنون تارة أنهم يسمعون صفيراً حاداً وأخرى أنهم يسمعون جلبة مثل صوت الزيز والصرصور والجرادة وطوراً يسمعون صوت أنغام من جوقة موسيقية فيها الطبل والطنبور والجلاجل والصنوج أو رنة اجراس وتغريد طيور شديدة بحيث يتراءى للسامع بأنه في بيت حمام وقد تمر الشهور والمصاب بالصمم أو طنين الاذن يسمع هذه الأصوات فتحول دون سماعه الأصوات الخارجية، والمصابون بالصمم والخرس معاً ليسوا عرضة لهذا المرض بل أن جميع المصابين بالتهابات الشرايين هم على الجملة مصابون به وتختلف درجاته فيهم، وقد بحث الدكتور ما راج الفرنسوي في أسباب هذا المرض فقال أن أكثرها ناشئة من اختلال وضع سلسلة الكعب وإن التغميز (التمسيد) نافع في أكثر حالات هذا المرض.

تعليم الجغرافيا

الجغرافيا كلمة يونانية معناها رسم الأرض أو صورة الأرض عرفها العرب بتقويم البلدان أو رسم الأرض وكان لها شأن من عنايتهم ونبغ فيها مشاهير خدموها خدمة جلى في القرون الوسطى وعدم عناية من يشتغلون بالعلوم الإسلامية بها في القرون الأخيرة نشأت منه أمور مضرة ومنها ما يضحك حتى أن كثيراً من جرائدنا العربية بل ومجلاتنا تغلط في إيراد أسماء البلدان والأنهار والجبال والأقطار وكثير منها لا يعرف جغرافية مملكته بل قلّ جداً من خاصتنا اليوم من يحسن جغرافية قطره فالسوري مثلاً لا يستطيع أن يحدد لك بلاد فينيقية ولا جبال سنير والجليل وموآب واللكام ولا يعرف كم في سورية من بحيرات أو من مدن عامرة وكذلك المصري فلما يعرف مركز الوجه البحري من الوجه القبلي وأي بلاد الأقاليم أعمر وفي أيها يجود القطن أو تجد أثراً للصناعات وهكذا الحال في ابن العراف وابن تونس وابن الحجاز وابن اليمن دع عنك ما يلزم العثماني خاصة معرفته من أحوال الولايات العثمانية كلها حتى أن من ألغوا في الجغرافية من الأتراك خلطوا في أسماء الأعلام خلطاً يكاد يرفع الثقة من كل ما كتبوه وكذلك الحال فبمن كتبوا من المصريين وأطلعنا عليه من كتبهم وأن من الأسف أن يرد في إحدى مجلاتنا المعتبرة أن سورية هي من آسيا الصغرى كما من الأسف أن تقول بعض جرائدنا أن بلاد نجد خضعت لأحكام الدولة العلية مع أن نجداً قطر عظيم له أميران الآن ابن سعود وابن الرشيد فخلطه الكاتب مع لواء اسمه نجد من أعمال البصرة وقالت إحدى جرائدنا أن ولاية من الولايات القريبة من الاستانة مثلاً بورصة مع أن واناً هي في أقصى تخوم الولايات العثمانية على الحدود الفارسية والروسية وقالت أخرى أنهم انشأوا خط تلفون بين غلطة واشقودرة فعربت باشقودرة مع أنها اسكدرا إحدى أحياء الاستانة ويا بعد ما بين اشقودرة والاستانة وقالت إحدى جرائد الاستانة الكبرى أن والي بيروت زار جبلة مركز جبل الدروز مع أن جبلة على الساحل من أعمال بيروت وجبل الدروز في داخلية سورية لا علاقة لها مع والي بيروت إلى غير ذلك مما يقع أمثاله لصحافتنا كل يوم وهم يبحثون في بلادهم فما بالك بهم إذا تجاوزوهما إلى الصين والهند واوستراليا واميركا وأوروبا وأفريقية، وربما لا يخبط بعضهم عند كلامه على جغرافية الولايات المتحدة أو فرنسا أو انكلترا مثلاً بقدر ما يخبط في كلامه على ولايته نفسها إذ يكون قد درس جغرافيتها في مدارس الفرنسيس والأميركان والإنكليز حق الدراسة في كتب جيدة ونظر إلى كرة الأرض أو المصورات فطبق ما قرأه في الكتاب على المشاهد.

ولكن علماء الجغرافيا في أوربا اليوم يرون تعليم هذا الفن على تلك الصورة متعباَ للذهن لا يلبث الطالب أن ينساه متى خرج من المدرسة وإذا ذكر منه فلا بذكر إلا اجماليات لا تغني من التفصيل شيئاً فقالوا أي فائدة للطالب أن تذكر له أن في المقاطعة الفلانية كذا من الأنهار والرؤوس وشبه الجزر والجبال والمدن والدساكر وهو يعتقد بأن ما يتناوله من هذا العلم هو من الكماليات لاغناء منه إلا بقدر ما في حسن الخط والرياضة الجسمية وكم من عالم رديء الخط ومن أديب لا يحسن اللعب على الحبل ولا يقفز مترين ولا يستطيع السير على قدميه ساعة أو التصعيد في جبل.

يبد ان فن الجغرافية نافع في التربية نفع الرياضيات فهو علم تعقل وتدير هو علم صلات الأرض بالانسان ولذلك كان له شأن في تثقيف العقل فيه يدرسك المرء جسامة البحر المحيط وعظم غابات اميركا وأخلاق زنوج افريقية ويعودنا النظر إلى البلاد التي نعيش فيها ولا نعرف من امورها الطبيعية شيئاَ فلا نقدر ابعادها ولا قممها واوديتها ومضايقها رجوفها ولا لمَ كانت الأشجار الفلانية تجود في الساحل ولا تجود في الداخلية كل ذلك مما تعلمه الجغرافيا اليوم فيها نعرف تركيب طبقات الأرض واشكال النواتيء والمناخ وكيف تنبعث المياه واشكال ما يعيش فيها من الحيوانات والنباتات والانسان، وتدل كيف أن المرء مستعبد لقوى العالم واسير في الأرض وأنى له أن يجاهدها ويتغلب عليها ويبين الصلة المتبادلة بين الأرض والإنسان.

وفي القرن الماضي بدت الجغرافيا في مظهر جديد بما توفر لها من علوم طبقات الأرض والطبيعة وأصول الشعوب وعلم قياس البحار وعلم الأحداث الجوية والحيوان والنبات والاقتصاد السياسي ورحلات من وصفوا الأمم وصفاً مجرداً ووصفوا بلادهم وصفاً مدققاً وتمت لها اكتشافاتها ولم يبق إلا شيء يسير من الأرض يحاول العلماء اليوم أن يكتشفوه ونعني به القطب الشمالي والقطب الجنوبي، وكم ذهب في هذا السبيل من رجال وصرفت فيه من أموال.

فغدا هذا العلم يبحث في مختصراته ومطولاته عن الحوادث الكبرى في الجغرافيا الطبيعية والجغرافية الاقتصادية ولكن علماء الجغرافيا ينتقدون اليوم تلك الطريقة التي كانت مثل الرجوع بعد تلاوة الكتاب إلى المصورات أو رسمها كما هو الحال في بعض مدارس الشرق النظامية قائلين أن الجغرافيا لا تعلم في قاعة الدرس وهي مقفلة على هذه الصورة وأن أحسن الطرق في تلقينها ما تعلمه الطالب في الأرض التي يتعلم جغرافيتها فيطوف فيها مع استاذه ويريه سهولها وجبالها وبحيراتها وأنهارها وخلجانها وبركانها وقالوا أن تبعة تدريس الجغرافيا على هذا النحول عظيمة لأنها في الغالب تضطر الاستاذ أن يصحب معه ثلاثين أو اربعين طالباً إلى اماكن وعرة ولكنها جميلة وقد جرب بعضهم هذه الطريقة في التدريس فكانت طريقته انجع في الاستظهار وتطبيق التعلم على الحس اكثر من تلاوة كتاب والنظر إلى مصور فيحيط الطالب بالصقع وكل ما فيه من ظواهر الطبيعية أكثر ممن يسيحون وهم في القطارات لا يعرفون من البلاد إلا ما يكتب لهم أن يطلعوا عليه من نوافذ مركبتهم، والاساتذة الذين يمثلون صقعاً لتلاميذهم بالتصوير الشمسي أو رسم المسطحات أو الطواف في الضواحي يغرسون فيهم ذوق النظر والتشبيه ويضمنون لهم الفرح الكبير فإذا عملت الجغرافيا على هذه الصورة ولا سيما ما كان منها مختصاً بمملكة المتعلم يكون لها شأن عظيم في تربية قوى المتعلمين فلا تدخل في عقولهم مبادئ مهمة فقط بل تعلمهم النظر والتدبر فيكون منها مجموعة تتكون منها أحسن اداة في التربية العامة واقوى عامل في التعليم العملي فيتلقى الطالب من تعليمها على هذه الصورة اصولاً ينتفع بها في حياته يوم خروجه من المدرسة.

انتشار الألمان قالت احدى المجلات الانكليزية المعتبرة: اخذت المانيا ترمي جهاراً إلى تكبير بلادها في الشرق والغرب فإن المحالفة الألمانية النمساوية تقوى كل يوم وتقترب روسيا منها بابتعادها عن انكلترا ويزيد الألمان في مداخلتهم في البلاد كلها بأنهم يؤسسون فيها المدارس والجرائد ويمثلون الروايات ويقيمون الحفلات الموسيقية ويحتكرون التجارة بالتدريج وقد فتحوا حديثاً في مدريد مدرسة نجحت نجاحاً كثيراً وللألمان في البلاد العثمانية صحافة خاصة وألمانيا تتقدم من جهة تخومها الغربية بخطا سريعة ولكنها ثابتة متينة وكأنا بالبلجيك وقد اصحبت عما قريب جزءاَ متمماً لاجزاء المملكة الجرمانية وسيكون شأنها شأن امارتي بافيرا وسكستونيا وقد كادت مدينة انفرس وهي سوقها الكبرى تصبح جرمانية بمشاريعها ورؤوس اموالها ونفوذها وتنظر المانيا جهاراً إلى بلاد القاع (هولاندة) والمستعمرات الهولاندية تريد أن تضمها إليها وأن المانيا على ما يتراءى من حالها قد اختطت لها خطة ستضم بها إليها اراضي جديدة وسيكون ذلك في اول فرصة متى حدث بينها وبين فرنسا أو انكلترا مشكل.

النسر عند السوريين

في مجلة تاريخ الأديان الفرنسوية أن الناظر في النواويس والقبور في سورية القديمة يجد صورة نسر وغراب وتاج محفورة في الحجر، وأحياناً لا يشاهد صورة غراب أو تاج ولكن قلما شوهد ناووس مهم إلا وقد زبرت عليه صورة نسر تارة منفرداً وحده وجناحاه مبسوطان وأخرى بين ذراعين إشارة إلى الصلاة وطوراً يحمل الميت على ظهره بكل ما في جناحيه الواسعين من قوة، وأنا لنشاهد هذا النسر على القبور الرومانية في عصر الامبراطورية بحيث يدعو ذلك إلى الظن بأن النسر السوري قد نقل على هذا الوجه إلى المدافن الرومانية ومنها نشأ الرمز الامبراطوري أي علم النسر الذي تحمله الكتائب، أما وجود النسر في القديم فذلك لأنه يعتبر في بعض الأديان السامية خادماً للشمس وهو الذي يحمل إليها الأرواح التي انفصلت عن الأجسام المستعبدة على الأرض، وانتقل هذا المعتقد السوري إلى رومية حيث كانوا يذهبون إلى أن النسر يحمل الامبراطرة إلى السماء، والنسر هو الحيوان المقدس للرب المشتري دام هذا الاعتقاد طويلاً وقد عثر على مسلة من القرن الرابع تمثل صورة امبراطور يسير في النعش وأمامه نسران يدلانه على الطريق وكانت هذه الحالة امتيازاً للقياصرة يمتازون به عن الشعب، وهكذا نرى نفوذ الأديان السامية الأولى مؤثراً في معتقدات العالم الروماني.

الحركة التجارية في روسيا

يؤخذ من بيانات سنة 1910 في روسيا أن روحاً جديدة أخذت تدب في التجارة ففي تقرير إدارة الرسومات عن ستة الأشهر الأولى من السنة المذكورة أنه بلغت الزيادة في أثمان البضائع الداخلة إلى البلاد ما يربو على 125 مليون ريال، والأصناف التي زاد ورودها بكثرة هي الحديد والخشب وزادت صادرات الجلود 25 بالمائة عما كانت عليه، والمعلوم أن زيادة طلب الحديد دليل على حركة صناعية تجارية فالقسم الأوفر من الحديد هو لمد خطوط حديدية ففي سنة 1908 زيد إلى مجموع ما عند روسيا من الخطوط الحديدية 215 ميلاً وفي سنة 1909 زيد 137 ميلاً وأما في الستة الأشهر الأولى من سنة 1910 فقد زيد إلى مجموع ما عندها من السكك الحديدية 275 ميلاً وهي عازمة الآن على بناء 3000 ميل.

الانتفاع بالكلاب بعد التربية

الكلاب من جملة الوسائل التي تتخذها جمعية الصليب الأحمر لتخليص الجرحى من ساحة الحرب ولفرع الجمعية في فرنسا إدارة خاصة بتربيتها لهذه الغاية فهم يعلمونها أن تفتش عن الجرحى في الليل أو أثناء النهار فإذا حظي أحد هذه الكلاب بجريح يأتي إما ببندقيته أو قبعته إلى حيث يقيم الراهبات فعندها يرشد جماعة منهن إلى مكان الجريح وقد اتخذ المدربون لتلك الكلاب الوسائل الفعالة في تمرينها حتى لا تنبح عندما تظفر بجريح لئلا تزعجه بنباحها وأما في ألمانيا فهم يمرنون الكلاب على أن تقيم بجانب الجريح عندما تظفر به وتنبح إلى أن يأتي من يأخذه من جماعة الراهبات.

ساعة من الزهور

زار حديثاً الموسيو فالير رئيس جمهورية فرنسا مدينة بيرن من أعمال سويسرا وهي من أشهر المدن في العالم لصنع الساعات فقدمت إليه ساعة مصنوعة من الزهور الطبيعية قطر دائرتها 6 أقدام وهي معمولة من البنفسج والشقائق وعقاربها من زهور مختلف لونها عن لون دائرتها والأرقام من زهور يختلف لونها عن الجميع والزهور كلها مغروسة في أصاصي علب صغيرة وقد أحكم صانعها ضبط حركتها إلى درجة أنها لا تقل في ضبط الوقت عن أحكم الساعات.

إزالة الثلج

البخار أحدث طريقة لإزالة الثلج عن الخطوط الحديدية وذلك بتوليد البخار في المحطة يسحب في أنبوبين من حديد يمر كل واحد منهما تحت أحد قضيبي السكة فإذا نزل الثلج يذوب لحماوة الحديد.

الموسيقى عن بعد

وفق حديثاً أحد سكان سان فرنسيسكو قاعدة ولاية كليفورنيا من الولايات المتحدة لأن ينقل صوت الفونوغراف بواسطة التلفون إلى مسافة 500 ميل وقد جرب ذلك جماعة من الخبيرين بفن الكهرباء فكان الكل يسمعون صوت الفونوغراف عن بعد يخرج الألحان بكل وضوح.

أكبر مزرعة حمام في العالم

أكبر مزرعة لتربية الحمام في العالم هي في ولاية كليفورنيا وهذه المزرعة مؤلفة من ثمانية أفدنة من الأرض شيدت عليها حظائر الحمام، وقد بلغ عدد ما تنتجه من الحمام 450000 طير في السنة لا يقل عدد المفرخين منها عن 100000 طير ومعدل الثمن الذي يباع فيه ذلك الحمام من ريالين إلى أربعة ريالات ومع ذلك فلم تعد بفائدة عظيمة على صاحبه لكثرة ما يتكبده من النفقات فهي كل يوم تأكل 6000 اوقية انكليزية من الحبوب عدا أجور المستخدمين الذين يقومون بخدمتها ويحافظون عليها وعلى صغارها من الجرذان والفيران والطيور الجوارح.

الأفيون

قالت مجلة الاجتماع الاميركية: بلغ ثمن ما صدر من الأفيون من الهند الانكليزية إلى الصين من سنة 1855 إلى سنة 1904 ما قيمته 85220 مليون روبية أي أكثر من 100 مليون روبية كل سنة وكان كل ما ربحته بلاد الهند من الأفيون الصادر إلى آسيا الشرقية عامة من سنة 1773 إلى سنة 1906 436000000 جنيه وابتدأت تجارة الأفيون في الصين سنة 1767 فصادفت مقاومة شديدة من الحكومة والشعب الصيني معاً ولكن الحكومة الانكليزية أرغمت الجميع على قبول دخول الأفيون إلى بلادهم.

المواشي والمراعي

اشتهرت أستراليا بتربية الماشية وكثر عددها في تلك البلاد حتى أصبح الكلأ غير كاف لإطعامها فعمد الأستراليون إلى سقي الأراضي لتنبت عشباً يفي بالمطلوب ولما كان ماء الأنهر لا يمكنه إرواء كثير من الأرض حفروا آباراً ارتوازية فأصبحت الأرض التي تسقي من ماء تلك الآبار 3000000 فدان.

أموال الانكليز

بلغت الأموال التي أقرضها الانكليز إلى غيرهم من الأمم حتى آخر السنة الماضية 2693738000 جنيه ودخلهم منها 139791000 وقد أقرضوا في السنين الثلاث الأخيرة ما بلغ مجموعه زيادة على المجموع السابق 516 مليون ليرة انكليزية فبلغ ما أقرضه الانكليز لسكان الولايات المتحدة 688 مليون جنيه وما أقرضوه للجمهورية الفضية 269 مليوناً وللمكسيك 87 مليوناً وللبرازيل 94 مليوناً ولشيلي 46 مليوناً ولأوراغي 35 مليوناً ولبيرو 32 مليوناً ولسائر جمهوريات جنوبي أميركا 23 مليوناً ولمصر 44 مليوناً ولروسيا 38 مليوناً وللدولة العلية 18 مليوناً ولإسبانيا 19 مليوناً ولإيطاليا 11 مليوناً ونصفاً وللبرتغال 8 ملايين ولفرنسا 7071000 ج ولألمانيا 6061000 ومجموع ما يدينه الانكليز من أموالهم للبلاد الخارجية 1638000 ج. وللمستعمرات والهند 1554152000 ج، أو ثمانون مليار فرنك هذا مع أن المشهور بأن فرنسا أكثر الدول غنى وأوسع الأمم في بسط يدها بالدين لمن يريد مع أن ديونها لا تبلغ سوى أربعين مليار فرنك أقرضتها لغيرها في البلاد الخارجية.

الجرذان

لا شك في أن الجرذان تسبب كثيراً من الأمراض الوافدة كالطاعون فقد فكر الكثير في طريقة لمحوها مع أن البوم يفتك في عدد وافر منها كل سنة ومع الأسف أن الصيادين في أميركا يقتلون كل ما عثر الواحد منهم عليه ففي فرنسا وألمانيا حموا هذا الطير عدو الجرذان الطبيعي فبرهنت التجربة فائدته للزارعين والصيادين معاً.

أكبر مرساة

أكبر مرساة في العالم وزنها 15 طناً ووزن سلسلتها 100 طن وهي لأكبر باخرة في العالم عرضت في معرض الهندسة والميكانيكيات في لوندرا.

مطاعم الأولاد الصغار

لا شك في أن الأولاد الصغار أحوج من غيرهم إلى الأطعمة الوافرة الغذاء ولكن هذا لا يتيسر وقت الظهر لأغلب أولاد المدارس العمومية في المدائن الكبرى لعدم استطاعة الأولاد الذهاب إلى بيوتهم لتناول الفطور وجلهم من أسرات فقيرة لا تستطع أن تطعمهم في المطاعم قرب المدرسة شيئاً من الطبيخ لغلاء أثمان الطعام فيها فهم يعطون أولادهم بضعة دريهمات يبتاعون بها شيئاً من الكعك والشاي والقهوة والشوكولاته ليسدوا بها رمقهم ففكرت الآنسة مابيل كتير من الشهيرات بفن تدبير المنزل العملي في حال أولئك الأولاد وأن هذا الطعام لا يقوم بما فيه من الغذاء بحاجة أجسامهم فطلبت إلى لجنة المعارف في مدينة نيورك بأن تجرب مطعماً في إحدى المدارس العامة يتناول فيه الأولاد فطورهم من الخبز مع البطاطا أو البندورة أو المعكرونة مع البندورة أو ما تيسر من أنواع الخضر مطبوخاً مع اللحم لقاء ثلاث (سنات) يدفعها كل طفل فرخصت لها لجنة المعارف وأعدت لها غرفة ومطبخاً في إحدى المدارس فابتدأت تلك الآنسة بعملها وكانت تحسب النفقة والدخل بكل دقة فكانت النتيجة أنها لم تكلف إدارة المعارف سوى عطلة المحل ومصروف الغاز والماء وفحصت إدارة الصحة العامة بعد ثلاثة أشهر من ابتداء العمل أجسام الأولاد الذين كانوا يأكلون في هذا المطعم وأجسام الأولاد الذين كانوا يكتفون من الفطور بشيء من الكعك والشاي أو الشوكولاته فوجدت أن صحة الأولين أحسن من الآخرين وزاد معدل وزن الآخرين بنسبة عشرة إلى خمسة إلى زيادة وزن أجسام الآخرين، فطلبت إدارة المعار إلى الآنسة المذكورة بأن تؤلف لجنة تحت إدارتها وتوسع نطاق عملها إلى عدة مدارس وخصصت لها في ميزانية المعارف 150 ريالاً كل سنة على كل مدرسة تؤسس فيها مطعماً لتقوم بالعجز ملخصاً عن مجلة الآورلوك.

ثروة الأمم

نشرت إحدى المحلات الإيطالية مبحثاً في ثروة يابان وقاستها بأمم الحضارة اليوم فتبين منها أنها أفقر الدول الكبرى بأسرها فإذا حسبنا مجموع ثروة يابان نجد أنها إذا ملكت مئة فإن إيطاليا تملك 269 والنمسا 384 وروسيا 551 وألمانيا 683 وفرنسا 743 وانكلترا 1008 والولايات المتحدة 1397 وما من دولة كثرت ديونها مثل مملكة الشمس المشرقة فإنها تبلغ 22 في المئة من مجموع ما تملك على حين يبلغ دين إيطاليا 12 في المئة وروسيا 14 وفرنسا 14 وألمانيا 10 والنمسا 7 وإنكلترا 7 والولايات المتحدة 1 وإذا كان الفرد الياباني يملك 10 يانات مثلاً فإن الإيطالي يملك 23 والنمساوي 28 والألماني 42 والفرنساوي 42 والانكليزي 52 والأميركاني 73، وما من بلد في الأرض تكثر فيه الضرائب على الرعايا (ماخلا البلاد العثمانية) مثل يابان فإن الفرد فيها يدفع 12 في المئة من إيراده أما الإيطالي فإنه يدفع 12 أو 2 في المئة والنمساوي 11 و 3 والفرنساوي 9 و 70 والانكليزي 8 و 80 والألماني 6 و30 والأميركي 3 و 30.

الجهر بالقراءة

من محاضرة للمسيو إميل بوترواحد شيوخ العلم في فرنسا في هذا الموضوع ما تعريبه: من أنجع الوسائط المختلفة في التعليم والتربية على ما أرى القراءة بصوت عال، ولطالما ذكرت تلك المطالبات التي كان يتلوها على مسامعنا في صبانا أحد الأساتذة الماهرين في التلاوة آوة الفراغ، وتأثير البيان كل يوم في نفوس الناس مشاهد محسوس فإذا تركنا التمثيل جانباً الآن ألا نرى أن إلقاء الخطيب لخطابه يزيد في تأثيره في القلوب، ألا تلاحظون كيف يعنى الأستاذ عند إيراده جملة من الكلام البليغ يذكره بالصورة التي تلي بها.

فلقد أدرك القائمون على التربية في كل زمن مكانة الجهر بالتلاوة فكان في آثينة أول معلم يتولى تربية الطفل رجلاً يعرف قليلاً من النحو كانت مهمته الأولى أن يدرسه أقوال الشعراء فكان يترقى بالتدريج في إنشاد جملة بعد جملة من كلام هوميروس أو أزيودوس والتلامذة يرددون ما يقول وكانت تلاوة الأسفار المقدسة في الكنائس المسيحية بصوت جهوري من أهم الأجزاء الجوهرية في العبادة في كل زمن، ونرى اليوم علماء التربية قد أقروا على فائدة التلاوة الجهرية، واتفق لي أن تأكدت ما لهذا التمرين من الشأن في المدارس الألمانية فإن له ولا سيما في مدارس البنات الشأن الأول فيقصدون أن ينبهوا في العقول الشعور الوطني بتأثير النطق والمهارة في انتقاء الكلام وتنبيه الأفكار إلى الشعور بالجمال وبيان مكانة المؤلفين من الذكاء.

وما برح عندنا (فرنسا) أجل رجال الإدارة والتعليم والصحافة يعنون كل العناية ببعث النفوس في المدارس على حب القراءة فقبلت وعملت في هذا السبيل أمور جميلة من العبث أن تحدثوا بها واكتفي في هذه المسامرة أن أبين تأثير القراءة الجهرية وكيف ينبغي للقارئ أن يقرأ حتى يتجلى هذا التأثير فأقول: إن القراءة تبعث في الخطاب روحاً، وفي هذه الكلمة جواب سؤالنا الأول ولكن ما هو سر هذه الحياة وأي معنى لهذه الاستعارة؟ فقد شبه أفلاطون الخطاب بالتصوير في قوله: إن الحال في الكتابة كما هو في التصوير فإن الصورة تتراءى للأنظار حية ولكن إذا سألتها لا تحير جواباً وهكذا الحال في الخطب المكتوبة فإذا سمعتها تظن أنها تفكر ولكن إذا سألتها بعض إيضاح عن الموضوع الذي تخوض عبابه تجبك جواباً واحداً أبداً، وإن خطاباً إذا أهين واحتقر ظلماً يحتاج على الدوام لمعونة من أبي عذره أما هو فعاجز عن الدفاع عن نفسه.

ومعنى ذلك أن المؤلف إذا لم يكن مستصحباً لكلامه لا فائدة من تصوراته فهو إذا تلا كلامه يحفظ في ذهنه حوادث وأفكاراً وأحكاماً وتجارب وتحقيقات أدت به إلى تلك النتائج ولذلك تحف حول كل فكر عبر عنه بالكتابة مواكب غير مرئية من الأفكار التي تشرح الكلام وهي من توابعه، والخطاب المكتوب وحده لا يقوم بالإفصاح عن تلك المعاني المستترة وصوت الإنسان هو الكفيل بإثارة فكر الحضور على الانتباه لما فيه من الدقائق فإن ألوفاً من صور الكلام ليست سوى شروح تعين على إدراك القصد من الأفكار والصلات بينها وتعارض الأشكال وتقاربها والصورة الخاصة بالأشياء والغاية التي ينتهي إليها الفكر بل هو العمل بذاته الذي انصرف إليه الكاتب الذي يتجدد في فكر القارئ والمستمع بل هو الذكاء الراقد في غشائه المادي يتنبه ويحيي النفس، هذا هو التأثير الأول من الجهر بالتلاوة وهو من آكد الطرق وأفعلها في تفهيم الكلام بجلاء والتعمق بأسراره.

لا أدري ما في الصوت البشري من سر يرسل إلى الإنسان فيبلغ شغاف قلبه، هذا السر أشبه بما يسمى في الطبيعيات الاهتزازات الحادثة في آن واحد، فترى القارئ والسامعين يهتزون معاً واضطراب الأول يفعل في الآخرين وبالعكس وبتأثير العقل الذي يذكرون صنعه تنشأ هذه الظاهرة فهو الذي يحيا فيهم وحبه للحقيقة والجمال وهما أصل المكتوم من أفكاره ينبعث في روح أحبابه، وهكذا لا يفهم القارئ غيره بل يحبب المؤلف إلى سامعي كلامه فبسماع صوته يضيع اللسان المكتوب ماله من الكثافة والمادة ويغدو رمزاً خالصاً ويتسرب بالتدريج إلى النفوس الباحثة ويصبح كالصلة والعائد بين تلك الأرواح نفسها، وبينا تترنح الأعطاف تنفتح أبواب النفس على ما ينبغي ويشرع العقل يخاطب عقلاً آخر مثله.

وعلى هذا فإن التلاوة بصوت جهوري تعلم وتشعر بنشاط غريب، وما الفهم والشعور بقوة إلا باعث على الإرادة إلا قليلا ومن صحت إرادته كان حرياً بأن يبدأ بالعمل، فمن تلاوة المصنفات الجليلة تنشأ أفكار سامية يكون من أثرها أن نرقى نحن إلى مستواها ونتفهم مغازيها فتفعل في أفكارنا وأفعالنا.

أما كيفية القراءة فقد قال لي رجل مشهور بالتفنن والرياضات أن أحسن الطرق لإجادة القراءة هو أن يتلفظ الإنسان على وجه الصحة محافظاً على المخارج بحسب ما يعطيه الكلام والخطاب يفعل في النفوس كما تشاء ويفكر فيه الذهن بذاته وأن من يحاول أن يشرح فكر المصنف يحشر نفسه بينه وبين المؤلف حشراً على غير داع، ولمثل هذا الفكر أنشأ بعض نوابغ الشعراء منذ بضع سنين تمثيل روايات اللعب المعروفة حرصاً منهم على سلامة هذا الفن وممثلو هذه القصص لا يحاولون على الأقل أن يقوموا مقام المؤلف.

ومن المحقق أن الواجب أن يقرأ ما في النص وأن لايحاد عما فيه فإن بعضهم يحرفون ما يجدونه مسطوراً أمام أعينهم خفة منهم أو عادة لهم الفوها أن يكتفوا بما حصل أو لقلة لين في ملكتهم أو لاهتمامهم بالموضوع تاركين ما تقضي به الأمانة للتأثير في فكر السامع بقدر ما يعطيه الكلام.

وانه ليحرم على المربي أن يزيد وينقص من عنده ليلفت بذلك النظر إلى نفسه كما بفعل بعض الممثلين فيزيدون من عندهم قحة منهم واعند ليحوزوا استحسان الحضور لهم، ولن ينجح مرب يقصد من تلاوته على تلاميذه أن يعجبوا بقريحته وكذلك لا تكون تلاته لتسلية سامعيه كما يفعل بعض العامة فان الافكار العالية واللهجة الجميلة ليست من اداوات السرور والحظ بل يتوخى فيها ان يشترك سامعها بالحياة العالية المنبعثة من فكر قائلها، وليس للقارئ ان يتطلب اعجاب السامعين به فيصفقوا له ويشكروه بل عليه ان يفنى امام من ينقل قوله بلسانه فيكون لسان حاله الامين فقط وهو وسامعوه على مستوى واحد من هذه الوجهة فليس له إلا أن ينكر نفسه وبذلك يضمن له النجاح.

ولا تتأنى للقارئ افادة سامعه إلاه إذا شعر بما يقرؤه واحبه ليحببه إلى النفوس اما التصنع من المربي فهو اسلوب مضر متى فاجأه فيه تلاميذه تفقد منه الثقة والالفة اللتان هما شرط في نفوذه عليهم وليس اجدر من السير مع الفطرة والطبع في التلاوة وان يتحد بروح المؤلف وذاته وجوهره.

بنظر في كلام المؤلفين إلى العصور التي قالوها فيها ليعلم انهم ثمرة تلك القرون التي عاشوا فيها فلا يأبى عليهم القارئ ذلك لئلا يخدعهم وبغشهم ولكن كلام الاعاظم نافع في كل زمن لانهم يكتبون كتابة تنفع على غابر الدهر يكتبون والمستقبل نصب اعينهم متوخين الكمال المطلق وعلى هذا فعلى القارئ أ، لا يكتفي بابلاغ احساسه الخاص بل ان يظهر الامور التي يذهب الكاتب على جليتها ولا يتيسر له ان يستعبد سامعيه إلا إذا خاطب حواسهم كما يخاطب قلوبهم واهانهم وان يبهجهم بثقة لسانه ولا يفوته أن الالسن خلقت لتتكلم فقد كتب البشر اللغة المحكية قبل ان ينطقوا باللغة المكتوبة.

ولجودة الصوت شأن عظيم في التلاوة فالواجب ان تخرج الكلمات على ايسر وجه ورنين واطلاق وان يتلو الانسان منتصباً على رجليه ما امكن أو مستنداً على مؤخر كرسيه وان يفخم الكلام بقدر ما يعطي من دون اكراء ويكون جرسه صريحاً غنياً لطيفاً رخيماً، وغريب كم للطف الصوت من تأثير في مجامع قولب السامعين واعدادهم لتلقي الافكار فان من اهم الاجزاء الجوهرية في الالقاء جردة التنفس فالواجب ان يكون التنفس حراً لا قليلاً ولا كثيراً لطيفاً لا يشعر به.

ثم تجب العناية بالتلفظ ومعلوم كم هو ينفع ويضر، ورب خطاب جميل اضر به فساد اللفظ ولاختلاف التلفظ في علائق الناس نفوذ حقيقي كثيراً مالا يقبل النسبة مع قدر هذا الخلق العقلي، والتلفظ على وجه عام يدل على المحيط الذي عاش فيه الانسان والقدر من التربية التي بلغها فهو نمام ينم عليك لمن لم يعرفك، إذاً فينبغي صرف الجهدان يكون اللفظ صريحاً صحيحاً ظريفاً، واهم جزء في هذا الباب اخراج الحروف من مخارجها وهناك امر له دخل في احسان التلاوة وهو الجمال اللائق بالكلام واظهاره في مظهر متناسب مع سائر اجزاء الخطاب فيجب اولاً ان يضم ما يجب ضمه ويفصل ما يمثل من الجمل افكاراً متخالفة فيتردد التالي بين الوصل والقطع في العبارات فالوقف المهم ينم عليه اللفظ، قال كوت ان الوقف واخراج الحروف من مخارجها هما من اهم الشروط الاساسية في جودة القراءة، وكم من وقف يقوم مقام وصل ففي اللفظة الواحدة تنجذب المخارج المختلفة إلى واحد منها وتنقطع الجملة بعد كلمة أو بضع كلمات والقطعة بعد جملة والخطاب بعد ايراد بعض افكار عامة، وتجب اجادة النغمة وتنويعها على ما يليق بنظام وقلة تكلف ويعمد في الاحيان إلى السذاجة في النطق على الترتيل والتلحين وان يتأنى في الإلقاء لئلا يطيل المرء الخطاب على السامعين من حيث يريد اختصاره، ويزن الكلام فيبدأ بعد الوقف بسكون ثم يجهر رويداً رويداً فان الوزن قانون الحياة إذا وقع تطبيقه في الخطاب يملك صاحبه نفوس المخاطبين ويستهويهم ويدب الروح فيما يعرضه على مسامعهم وينتج من هذه الملاحظات سواء كانت عملية أو عامة أنه لا تتأنى القراءة بصوت عال بدون ان يعد القارئ ما يريد تلاوته فإن الارتجال في القراءة كما قال كوت لتلاميذه هي الليالي القمراء في الخطاب أي أن نورها مكوك فيه لا تظهر كل حين ولا يجب ان يستعد القارئ فقط بل ان يعد سامعيه أيضاً فيبدؤه باعطاء ما يلزم من الشروح ثم يتلو بلا انقطاع فان الشرح اثناء الإلقاء ينقص من بهجة الكلام، ويستدل القارئ على نجاحه في تلاوته من السكوت وقلة الحركة بين الجمع المستمع فإذا سادا فهناك الاستحسان وإلا فإن الجلبة والحركة لا تنشآن إلا من توزع النشاط الذي لا سبيل إليه بين اناس متنبهين حقيقة.

تطهير الغرف

جربوا في إحدى المدارس بانكلترا طريقة لتطهير الغرف وذلك أنهم يبلون كمية من نشارة الخشب بسائل مضاد للعدوى فتنثر تلك النشارة في ارض الغرفة مساءً وعند الصباح تكنس فكانت النتيجة أن صحة التلامذة والمعلمين تحسنت عما كانت عليه.

الفقر في انكلترا

ذكر بعض علماء الاحصاء ان انكلترا قد نهضت منذ اربعين سنة كما نهضت البلاد الأخرى في العلم والصناعة والتربية وتدبير الصحة والاسعافات والمعونات فهي وحدها تنفق على التربية والصحة واعانة البائسين اربعين مليون جنيه بالنسبة لسنة 1871 وكان يرجى أن تخفف هذه النفقات الشقاء ولكن الامر زاد تفاقماً على العكس فكانت انكلترا تنفق سنة 1776 - 1، 557، 000 جنيه في السنة على الفقراء فصارت تنفق سنة 1906 - 14، 786، 000 وهي اليوم تعول 1، 700، 000 من السكان منهم 538، 000 تعولهم مدى حياتهم و 530، 000 تعولهم مدة طوية و 640 ألفاً تعولهم من شهر إلى سنة، وأن البالغين من الرجال منذ السنة السادسة عشرة إلى الخامسة والستين المحتاجين للمعونة ليزيد عددهم اكثر من النساء ومن الدواعي إلى ذلك كثرة انهيال الناس من القرى إلى المدن، ويرى الكاتب ان انكلترا تساعد على انتشار البؤس بما تمده إلى أهله من المعونات فيكسلون ويرتكبون المحرمات على أنها إذا سنت قانوناً للشيوخ تقل في بلادها بواعث الشقاء بالتدريج.

الحسبة في الإسلام

نشرت المجلة التونسية الفرنسوية مقالة في الحسبة جاء في خاتمتها أن العرب باختلاطهم مع الرومانيين والبيزنطيين والفرس والهنود صفت اذهانهم واقتبسوا الصناعات والفنون وهكذا جلبت إلى أفريقية انواع القرميد الملون والاقمشة الحريرية والجوخ الدقيق والألبسة الجميلة ونقل العبيديون إلى القيروان وتونس صناعات مصر، وجاء بعدهم ملوك الصنهاجيين ولا سيما الأمير أبو الحسن بن علي بن تميم المعز بن باديس وبعد أن عقدوا هدنة مع ملوك النصارى في صقلية أخذوا يتبادلون الهدايا والاعلاق النفيسة وذلك سنة 529.

وأنشأ بنو حفص في تونس أبنية جميلة ونشروا العلوم والصناعات وملأوا خزائن الكتب بالأسفار الكثيرة فوهب أبو زكريا الحفصي 36 ألف مجلد من كتبه وانشأ المدارس ومنها مدرسة الشماعين ومسجد القصبة ومنارته الحالية حيث لا يزال اسمه منقوشاً على حائطها إلى اليوم وهو الذي انشأ الأسواق الموجودة إلى عهدنا في تونس والمتآفقة الشهرة فانشأ سوق العطارين والشوسة أي سوق الحفصي ومات سنة 614 في غنى ونعمة.

وفي أيامه نزح إلى تونس أناس من الأندلسيين ممن طردوا من إسبانيا فاكرم عثمان باي وفادتهم ومد المحتسب لهم يد المعونة فجعل فقراءهم عند أناس من أهل البلاد يعملون لهم واذن لغيرهم أن يسكنوا حيث أرادوا فابتاع اولئك النازحون أملاكاً واسعة وأراضي ذات ينابيع غزيرة وانشأوا فيها أبراجاً وتناسلوا ونزل معظمهم مدينة تونس بحيث يسوغ لنا أن نقول أنهم مدنوا أهلها بما حملوه إليهم من مدنيتهم وصناعاتهم، بل قد أسسوا مدناً مهمة مثل سليمان وبالي ونيانو وقرومباليا وتوركي وجديداً وزغوان وطوبورية وجريش الواد ومجاز الباب وتاستور وسلوقية والعالية وقلعة الأندلس وغرسوا الزيتون والتين وانشأوا الحدائق وعمروا الطرق ودمثوها بما اتوا به من بلادهم الأصلية من محادل (ملاسة) وما برح هؤلاء المهاجرون إلى اليوم يمتازون عن غيرهم وهم في تونس طبقة الأحرار.

وقد انتهت الحال بأن جعلت بعض أعمال المحتسب في تونس بيد مجلس العشرة الأعيان وكلهم ينتخبون من أهل تونس ومن أصل أندلسي ماحلا إثنين يكون أحدهما من صفاقس والثاني من جربة ويجب أن يكونوا كلهم من أهل المذهب المالكي ومن معلمي الشواشية أي صناع الطرابيش ماخلا الجربي والصفاقسي وإليهم يرجع الأمر في فصل قضايا التزوير في الشواشية والإشراف على عملها أن يكون صباغها جيداً وكان نقيب حرفة الشواشية تحت أمرهم.

وكان من خصائص مجلس العشرة النظر في غش البضائع وهو يحكم على الجيد منها والعاطل فيما إذا حدث اختلاف بين البائع والمشتري وذلك بوساطة أمين التجار ولم يكن أعضاء هذا المجلس يقبضون راتباً ولا يحضر عضو جربة وصفاقس في مجلس العشرة إلا إذا عرضت مسائل تجارية، وكان لأعضاء هذا المجلس امتيازات خاصة كأن يكون لهم حق التصدر على سائر التجار ويجلسون في بعض الأحوال بالقرب من الباي، وقد تولت محكمة العرف اليوم ما كان يتولاه مجلس العشرة سابقاً من أمور الاحتساب يحكمون فيما يعرض من المسائل كما يحكم أهل الخبرة وهذه المحكمة مؤلفة من أمين التجار وعشرة معاونين، وقد أخذ شيخ المدينة ينظر في بعض الأعمال التي كان يتولاها المحتسب سابقاً فهو يرأس نقباء الحرف وحكمه لا يقبل النقض والإبرام فيما يحدث من الاختلافات في مسائل الصناعات وهو المكلف بحجز أموال المفلسين وبيعها في تونس وتوزيع ما حصل من أثمانها على أرباب الديون على اختلاف تابعيهم وهو يبيع الأملاك التي رهنها بعض التونسيين ومشايخ الحارات هم اليوم مضطرون إلى أن يقدموا بياناً مطبوعاً بمن يولد ويتوفى في أحيائهم من الوطنيين وهؤلاء المشايخ اليوم صورة مصغرة من المحتسبين أمس.

الإنسان والمدنية

نشرت مجلة الاقتصاد الانكليزية مقالة جاء فيها أنه يستدل من الإحصاءات بأن معدل تولد البشر أقل في الأغنياء مما هو بين الفقراء وأنقص بين أرباب الأشغال العقلية مما هو بين الأميين أرباب الصناعات والعملة بحيث يسوغ لنا أن نقول على الجملة بأن بين كثرة النفوس والمدنية عداوة حتى أن الحضارة يوم تبلغ أوجها لا يبقى على الأرض أحد يستمتع بها، وقد أوردت المجلة أرقاماً لإثبات حجة هذه الدعوى فقالت أن الأمراض التناسلية هي في الأغنياء أكثر منها في الفقراء وفي المدن ولا سيما الكبرى أكثر منها في الأرياف حتى أنه ليتعذر من أجلها على النساء أن يلدن كثيراً أو أن يكتفين بولد واحد.

وكذلك يحدث مثل هذا التأثير من الأمراض العصبية والعقلية التي هي تابعة لارتقاء المدنية كما يتبع الظل الجسم، والسبب الرئيسي في قلة الولادات قلة الرغبة في أن يرزق الناس أولاداً لأن المدنية كلما تقدمت ينظر إلى الأولاد بأنهم حمل وضيق على أبويهم.

طعام الأقوياء

قل من المسائل التي تضاربت فيها الآراء تضاربها في تعيين كميات الطعام وكيفيته على ما يليق بالإنسان وأدت الأبحاث الحديثة إلى أن طعام الإنسان يختلف باختلاف الجنس والمهنة والمناخ ولكن الدكتور سيبرت قد اجتاز هذا الحد وهو يؤكد بعد مشاهداته الشخصية مدة خمسين سنة لأشهر مصارعي أميركا أن كل إنسان يحتاج إلى طعام خاص به فقد قال من مقالة له أن أقوى رجل عرفه هو المصارع الشهير سيجفريج أتى إلى محلي - لأن الدكتور المذكور مؤسس محل يأتي إليه المصارعون ويعيشون تحت نظارته - وهو في العشرين م نعمره وبعد أن تمرن مدة ثلاثة أشهر زادت قوته زيادة عظيمة وكان الطعام الذي يختاره لنفسه أغلب ما يكون من الخضر والحليب والخبز مع قليل من اللحم وكان عشاؤه قليلاً من الحليب مع شيء من السكر وقطعة من الخبز مدهونة بزبدة وعلى هذا الطعام أصبح على شيء من القوة في أطرافه وظهره جعلته من أشهر المصارعين مع قلة اشتهاره بالحذق وخفة الحركة وكثيرون ممن أعرفهم أرادوا أن يحذوا حذوه في طعامهم فكان أغلبهم يصابون بسوء الهضم وهكذا المصارع بيتروس باريوثر كان في صباه ولداً منبوذاً لا يأكل في أغلب الأوقات سوى شيء من الخبز الناشف لفقره وبعد أن قضى مدة الخدمة العسكرية اتخذ الصراع مهنة وفي السابعة والعشرين من عمره أثبت أنه أقوى رجل من وزنه فهو يرفع وزنه من الأثقال إلى فوق رأسه سواء كان بيده اليمنى أو اليسرى وهو معتدل في أكله يفضل الأطعمة البسيطة، وقد شاهدت كثيراً ممن يأكلون أكثر من هذين الرجلين ويتناولون اللحم بكثرة وهم دونهما بمراحل في القوى واحتمال التعب، معرباً عن مجلة العلم الأميركانية.

تواريخ

المكتشف والمستعمر من البلاد والجزر في العالم

اكتشف كولمبس أميركا في 11 تشرين الأول سنة 1492، اكتشفت جزائر (أندرينوفزي) بين آسيا وأميركا سنة 1760، استعمر البرتغاليون أنغولا سنة 1482 ثم استعمرتها إنكلترا سنة 1650، أدخلت إنكلترا غرس الشجر إلى (أنغولا سنة 1650)، استعمرت إنكلترا أنتيفو سنة 1632، إكتشف المكان المعروف بممر رئيس الملائكة سنة 1419، استعمرت هولاندا جزيرة (اريوبا) سنة 1634، اكتشفت مملكة البرتغال جزيرة (أزوس) سنة 1419، اكتشف خليج (يافن)

سنة 1622 اكتشفت جزائر (باهاما) سنة 1659 واستحوذت عليها انكلترا سنة 1718، اكتشفت (تبربروس) واستعمرت سنة 1614، استعمرت انكلترا جزيرة (بربودا) سنة 1628، اكتشفت جزيرة (بارينفتن) في حزيران سنة 1793، حصنت هولاندا مدينة باتافيا جزيرة في جاوه سنة 1618، اكتشفت جزير (برمودا) واستعمرت سنة 1612، بدأ باستعمار بوسطن (ماس) في الولايات المتحدة سنة 1630 مرت مراكب الانكليز في خليج (باي) لأول مرة في 21 آذار سنة 1787، عمرت فرنسا جزيرة (يوربون) سنة 1672، اكتشفت برازيل سنة 1486 وعمرها السبانيول سنة 1515، ثم استعمرتها هولاندا سنة 1624، ثم تولتها برتغال سنة 1654، اكتشفت جزيرة بريطانيا نحو سنة 90 للمسيح، عمرت (كالدونية) في أميركا سنة 1699، اكتشفت كلفرنيا في أميركا نسة 1543، اكتشفت (قابون) كندا سنة 1499، ثم اكتشفتها فرنسا سنة 1508، اكتشفت جزائر كاناريا سنة 1344 واهديت إلى اسبانيا سنة 1393، اكتشف رأس بلانكو في أفريقية سنة 1441، اكتشفت بريطانيا رأس بريطانيا سنة 1584 ثم استحوذت عليه فرنسا سنة 1632 ثم استرجعته انكلترا سنة 1745 ثم استرجعته فرنسا سنة 1748 ثم استردته انكلترا سنة 1758، اكتشف رأس جزائر (دي فرد) سنة 1447، اكتشف رأس الرجآء الصالح سنة 1487 واستعمرته هولاندا سنة 1651، طافت السفن حول رأس (هورن) لأول مرة سنة 1616، اكتشفت (كارولينيا) إحدى الولايات المتحدة سنة 1497 واستعمرت سنة 1629، اكتشفت جزائر (كريبني) سنة 1595، اكتشف كولمبس جزيرة (الهررة) في سنة 1492، استعمرت فرنسا جزيرة سابيني سنة 1635، اكتشفت جزيرة سيلان سنة 1506، اكتشفت جزيرة (خاتام) في حزيران سنة 1793، اكتشفت اسبانيا (شيلي) في أميركا سنة 1518 وغزاها الإسبانيون سنة 1540، يمم البرتغاليون الصين لأول مرة سنة 1517 وحكم في سنة 1595 وعمرتها انكلترا سنة 1626، اكتشفت مملكة الكونغو سنة 1482 واستعمرتها برتغال سنة 1486، استعمرت هولاندا (كوركوا) سنة 1634، استعمرت (دربيني) سنة 1700، اكتشف مضيق (دفس) سنة 1512، اكتشف كولمبس جزيرة (ديسيدا) سنة 1419، اكتشفت جزيرة القديس (دومينكو) سنة 1492، اكتشف كولمبس دومينيكا في سنة 1493، اكتشفت جزيرة الشرق سنة 1722، اكتشف البرتغاليون شرقي الهند سنة 1497 وأمها الإنكليز في سنة 1591 ثم الهولانديون في سنة 1595 ثم رهط من انكلترا سنة 1601 ورهط من فرنسا في السنة نفسها ثم رهط من الدينمرك في سنة 1612، اكتشفت جزائر (فولك لاندا) في سنة 1592، اكتشف القبطان قابون فلوريدا في أميركا سنة 1500 واستعمرت سنة 1763 اكتشف مضيق مرو بشير سنة 1558 اكتشفت جزيرة الثعالب في شمالي المحيط الباسيفكي سنة 1760 اكتشفت جزائر كالاباغوس سنة 1700 أسس القائد (أوغلترب) مستعمرة جورجيا الولايات المتحدة سنة 1739، استعمرت هولاندا جزيرة كوري سنة 1617، استعمرت فرنسا جزيرة غرنادا سنة 1652 اكتشفت (غرنيلاندا) في سنة 1585 واستعمرت في عامي 1721 و 1731، اكتشف كولمبس جزيرة (غودلوب) سنة 1493 واستعمرتها فرنسا سنة 1653 اكتشف البرتغاليون شاطئ غينيا سنة 1482 وباشر القبطان هوكن في انفلشمن من نواحي ذلك الشاطئ بتجارة الدقيق سنة 1563 اكتشفت جزيرة القديسة هيلانة سنة 1502 وملكتها انكلترا سنة 1600 وعمرتها سنة 1651 اكتشفت جزيرة هودو في المحيط الباسيفيكي في حزيران سنة 1793 اكتشف القبطان هدسن خليج هدسن المسمى باسم مكتشفه سنة 1607 اكتشف أيسلاندا أحد قطاع السبل من الدنيماركيين سنة 1861 اكتشف كولمبس جاميكا سنة 1494 واستعمرها الإسبانيون سنة 1509 اكتشفت يابان سنة 1542 وزارها جماعة من الإنكليز سنة 1612 اكتشف الفرنسيس بوزيانا في الولايات المتحدة غربي نهر مسسبي العظيم سنة 1633 واستعمروها سنة 1718 وسلموها إلى الولايات المتحدة أو تنازلوا عنها سنة 1801 اكتشف البرتغاليون مدغسكر سنة 1506 اكتشفت جزيرة (مديريا) في سنتي 1344 و 1418 اكتشفت فعلان سنة 1520 اكتشفت جزيرة مرغلانته سنة 1493 استعمر اللورد بلتيمور مركندا سنة 1633 وبلغت نفقات استعماره 40000 ليرة إنكليزية اكتشفت جزيرة موريتوس سنة 1598 واستعمرت سنة 1721 حكم الإسبانيون المكسيك سنة 1519. . . . 1521 اكتشف منتريال كندا سنة 1534 واستعمرت سنة 1629 اكتشف كولمبس مونترست في غربي بلاد الهند سنة 1493 واستعمرتها انكلترا سنة 1632 استعمرت إنكلترا نيفس سنة 1628 اكتشفت كلدونية الجديدة سنة 1774 استعمرت انكلترا الجديدة سنة 1620 اكتشف قابون فونلندا الجديدة سنة 1497 واستعمرت سنة 1614 اكتشفت غيونيه سنة 1699 اكتشف الهولنديون هولندا الجديدة سنة 1627 واستعمرتها انكلترا سنة 1787 استعمر الاسوجيون نيوجرمي في الولايات المتحدة سنة 1637 اكتشفت إسبانيا المكسيك سنة 1518 اكتشفت زيلاندا الجديدة في سنة 1660 ثم في سنة 1769، بنيت بليموث واستعمرت سنة 1620 استعمرت نيويورك في الولايات المتحدة سنة 1664 اكتشف الممر الشمالي الشرقي إلى روسيا سنة 1553 استعمرت نوفا سقوثية سنة 1622 اكتشفت نوفازمبية سنة 1553 اكتشفت جزائر جورجيا الثلاث في 18 حزيران سنة 1765 اكتشفت جزيرة هاي ها حيث قتل القبطان كوك سنة 1778 اكتشف خرائب مدينة النخل في صحراء سورية سنة 1678 استعمرت باناما سنة 1516 اكتشفت بارغواي سنة 1525 استعمرت بنسلفانيا الولايات المتحدة سنة 1680 اكتشفت بيرو سنة 1518 اكتشف الإسبانيون جزائر فلبين سنة 1521 اكتشف مضيق بث في غربي الهند في 30 نيسان سنة 1760 اكتشف بورتوريكو سنة 1497 استعمرت هولندا سابا سنة 1640 استعمرت سالم ماس في الولايات المتحدة سنة 1628 اكتشفت جزائر سندويش في المحيط الباسيفكي سنة 1778 استعمرت سفانا سنة 1732 اكتشف شاطئ سيراليون سنة 1460 اكتشفت جزائر سوشى في المحيط الباسيفكي سنة 1765 اكتشفت جزيرة سليمان في أميركا سنة 1527 اكتشفت جزائر سومور سنة 1527 اكتشفت هولندا جزيرة القديس يوستينس سنة 1632 اكتشف نهر سانت لورانس واستعمره الفرنسيس سنة 1508 اكتشفت جزائر سوفولك سنة 1764 استعمرت انكلترا سورثيم سنة 1764 واستعمرت (سورت) سنة 1603 اكتشفت جزائر ثاثي شرقي الهند في 29 حزيران سنة 1795 استعمر الهولنديون توباغو سنة 1642 اكتشف الإسبانيون جزائر بترقارس سنة 1583 استعمر الإسبانيون بترافيرمه سنة 1524 اكتشفت جزيرة ترانيداد سنة 1498 استعمرت روسيا برقرثي سنة 1752 اكتشف السر والتر فرجينيا سنة 1584 اكتشف كولمبس غربي الهند سنة 1492. أمريكا:

يوسف جريس زخم.

تفنن العرب

صرح أحمد بك زكي في المؤتمر الدولي الذي عقد في الشهر الماضي بمصر لتحسين حالة العميان أن علماء العرب قد سبقوا الأوروبيين إلى اختراع طريقة الكتابة بالحروف البارزة الخاصة بالعميان فلخص كتاب نكت الهميان في نكت العميان لصلاح الدين الصفدي وقال أنه يرجع إلى ابن الشرق الفخر في وضع طريقة الكتابة البارزة للعميان وإذا كان المسيح عليه السلام يقول أعطوا ما لقيصر لقيصر فيجب أن نعترف بأن أول مخترع لطريقة الكتابة بالحروف البارزة هو شرقي عربي هو علي بن أحمد بن يوسف بن الخضر المشهور بزين الدين الآمدي الذي فقد بصره في أول عمره وشرح طريقة معرفته لأثمان جميع الكتب التي كانت في مكتبته بأنه كان كلما اشترى كتاباً لف ورقة على شكل حرف من الحروف ولصقها في الكتاب وكانت هذه الحروف هي التي يستعين بلمسها على معرفة ثمن الكتاب واستطرد إلى القول بأن زين الدين الآمدي المتوفى سنة 712 هجرية أو 1312 ميلادية سبق برايل إلى اختراع طريقة الكتابة بنحو ستمائة سنة لأن برايل الفرنسي لم يخترع طريقته إلا منذ ستين عاماً فقط.

قلنا وعجيب تفاني المصريين في إحياء المدنية العربية فإذا أثبت صديقنا أحمد زكي بك أن العرب اخترعوا طريقة الحروف البارزة فقد أثبت في السنة الماضية صديقنا أحمد تيمور بك أن العرب سبقوا الأوروبيين في الطيران فقال:

مهما نسينا أو تناسينا فلن ينسى التاريخ أبا القاسم عباس بن فرناس حكيم الأندلس كلما ذكر زبلن وسنجر وإضرابهما فإن من يرجع البصر في صفحاته يجد بين من خصهم الله بمواهب في استخراج العلوم واستنباطها اسم هذا الحكيم مقروناً بالغرائب والمدهشات فهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة وصنع الآلة التي تعرف بها الأوقات على غير رسم ومثال ومثل في بيته السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها تمثيلا يخيل للناظر أنه حقيقة فقال مؤمن بن سعيد الشاعر يداعبه:

سماء عباس الأديب أبي القا ... سم ناهيك حسن رائقها

من أبيات تركت ذكرها لقذاعة هجوها، وهو الذي احتال في تطيير جثمانه فكما نفسه الريش ومد له جناحين طار بهما في الجو مسافة بعيدة ولكنه لم يحسن الاحتيال في وقوعه فتأذى في ظهره لأنه لم يعمل له ذنباً ولم يدر أن الطائر إنما يقع على زمكه وفيه يقول الشاعر المتقدم ذكره من أبيات:

يطم على العنقاء في طيرانها ... إذا ما كان جثمانه ريش قشعم

فنرى من ذلك أن الرجل كان من أسبق الفائزين بالطيران من بني الإنسان ولا يغض من اختراعه تقصيره عن الشأو البعيد فيه فذلك شأن كل مشروع في بداءته وحسبنا أن منتحلي هذه الصناعة مع ما مر عليهم من القرون لم يزالوا دون الغاية المطلوبة منها إلى اليوم أفلا يكون من الإنصاف التنويه بذكر هذا المخترع.

طول الحياة

ثبت أن مدة الحياة البشرية آخذة بالازدياد فقد كان معدلها في أوروبا خلال القرن السادس عشر للميلاد لا يتجاوز العشرين سنة فبلغ الآن 40 وربما 44 سنة ولذلك رأى معظم شركات ضمان الحياة أن يعيدوا النظر في قوانينهم ويتساهلوا في ضمانة النفوس وسبب هذه الزيادة في الأعمار ما بلغته العلوم الطبية في الخمس والعشرين سنة الأخيرة من الارتقاء فتغلبت على الأمراض السارية، فالغشاء الذي كان يصيب حنجرة الطفل المصاب بالخناق كان فيما مضى يودي بحياته وهو اليوم لا يزعج الجراح لما فيه من وسائط الشفاء العاجل بفضل الحقن تحت الجلد بمصل الخناق وغير ذلك من التدابير ويقل اليوم المصابون بالحمى التيفوئيدية والقرمزية وذات الجنب أكثر من الزمن السالف والسل يعالج بوسائط تظهر نتائجها الحسنة اليوم بعد اليوم والتهاب السحايا الدماغي الشوكي قد قل عدد الهالكين من المصابين به عن خمس أو ست سنين إلى ثلاثة أرباع، وقد تغلبت الوسائط التحفظية والطبيعية في مقاومتها لأنواع الفساد البكتيري فظهرت بها نتائج مؤثرة بحيث تمكنت بالتدريج لإفراز السميات المرضية المسببة للحمى.

ومع هذا فإن بعض المتشائمين من الأميركيين قد نشروا هذه الأيام مفكرة تبعث على القلق حسبوا فيها معدل عدد الوفيات في الولايات المتحدة وغيرها من بلاد العالم الجديد والقديم وحققوا أسباب الوفاة فصرحوا بأن الأرقام التي يستشهد بها في دعوى طول الحياة ليست صحيحة إذ يقتصر فيها على إحصائيات الأولاد فقط لأن هؤلاء يبلغون في الواقع سن الفتوة ولكن الاضطرابات التي تبدو في تراكيبهم في سن الشباب تظهر مؤثراتها في الحال، فالمشاهد يدل الآن على أن الأولاد تقل الوفيات فيهم ولكن من بلغوا من الرجال سن الشيخوخة قلائل.

ومن رأي الأستاذ فيشر في نيويورك أنه يندر وجود أشخاص هم في مأمن من الأوجاع المهلكة مثل النقرس والرثية الروماتيزم وسوء الهضم والبول السكري ومرض برايت والزائدة الدودية قال أن الرجال والنساء عرضة لعوادي الأعداء المستترين على اختلاف في الدرجات فالحياة بالنسبة إلى كل واحد منهم ليست في الحقيقة طويلة بل هي متسعة ومعنى ذلك أن الرفاهية التي تحيط بالحياة تقصر حبلها، ومن جملة تلك السعة في الرفاهية التغيير الذي طرأ على الطعام فإن الناس بالغوا في التأنق فيه حتى أنهم ليقتلون أنفسهم وهم لا يشعرون، وقد بلغ من هذه التبدلات أنك لا تجد امرءاً حتى في العيال المستورة يقنع بالإقلال من الطعام على النحو الذي كانوا عليه فيما غبر، فنشأ من هذا التفنن في الطعام اضطرابات عضوية لا يحتاط لها بل يسعى الناس إلى زيادة شرورها مختارين، فالناس يكثرون من تناول الأطعمة وكثيراً ما يفرطون ويبحثون عن الأطعمة المحضرة أنواع التحضير اللذيذ وكثيراً ما يشفعونها بالمقبلات والأشربة الكحولية ويتعرضون لما ينجم عنها من المضار بل يستقبلون عن رضى الأمراض المعدية وما يتبعها من الأوصاب. بالمقبلات والأشربة الكحولية ويتعرضون لما ينجم عنها من المضار بل يستقبلون عن رضى الأمراض المعدية وما يتبعها من الأوصاب.

ولقد أفحشوا في التأنق فتراهم يعنون كل العناية بالولد فيحظرون عليه كل ما يضر به حتى إذا نجا من أخطار الطفولية وأصبح رجلاً يلقي بنفسه كل يوم مختاراً في هذه المهالك وهو لا يبالي، الناس كلهم يطمعون في الحياة ما خلا بعض شذوذ ولكنهم لا يهتمون بما يجب القيام به لإطالة حبل الحياة.

وبعد فإن فيشر وجمهور علماء الصحة يعلقون شأناً عظيماً على مجموع التراكيب التي تؤثر في حركة الطعام في التركيب النامي لتجعله صالحاً للقيام بجميع الوظائف اللازمة لإنقاذ الحياة ونشؤها بل إطالتها، متى ازدردت الأطعمة على ما ينبغي ووزعت في الأقنية والأحشاء على النحو الذي يوجبه علم منافع الأعضاء فالتدبير الغذائي يجري على نظام راسخ فلا يحدث أدنى عارض ويظل الجسم سالماً يقاوم الطوارئ فتمضي السنون وهو صحيح وتكون الشيخوخة قليلة المزعجات على صاحبها، أما إذا تمت حركة الطعام على طريقة معتلة رائدها الإهمال وقائدها الاختلال ولا سيما فيما يختص بعمل الآلة الهاضمة فتنشأ من ذلك أوجاع لا تلبث أن تكون مزمنة تضعف تركيب الجسم وتسلمه إلى الأمراض الباطنية.

لا يكفي المرء أن يأكل ليعيش بل الواجب لحماية الحياة وجعلها مقبولة وإطالة حبلها أن يعلم كيف يقوم بعلم الأكل ولا يعد هذا فناً فقط بل هو علم وهوراس فننشر الأميركاني هو رأس الدعاة إلى هذه الطريقة في عدم الإسراف في الطعام وتجويد القضم والخضم ليجود الهضم فقد كان هو نفسه مستخدماً في بيت تجاري في شنغاي وكان كمواطنيه من الأميركان يحب الرياضات البدنية وله صحة جيدة قوي العضلات ينصرف إلى الشاق من الرياضات في الهواء الطلق مثل المشي والركض والقفز والعراك وغيرها من الألعاب وهو يلين أعصابه، وكان من نتائج نشاطه ومعرفته أن جمع ثروة مهمة فحدثته نفسه أن يغير طرز حياته ويذوق من جميع اللذات التي يسمح له بها كيسه فمال إلى تخير الأطعمة الفاخرة وآثر القصف على القصد فأخذ يطعم على خوانه كل يوم من الألوان المتبلة واللحم الغريض الحنيد والخمور الجيدة ما ساءت باستعماله معدته وكان يقضي الليالي في التدخين وتعاطي الأشربة فظهر الأثر السيء في هذه الطريقة من استعاضته عن المشي على الأقدام بالركوب في العجلات فسمن سمناً مفرطاً حتى لم يمض إلا قليل من الزمن إلا وقد أنكره أصحابه فكثر دمه وتورمت خدوده وثخنت رقبته وأخذت تظهر على سحنته أعراض الاستعداد لداء الصرع.

وفي ذات يوم أصيب عقيب أكلة أكلها بفتور في جسمه دعاه إلى التفكر في صحته فأزمع بما فيه من عزيمة أن يعدل عن طريقته في التغذية ويختار غيرها تكون أشد في الانتظام وأن يتخلص من السمن والربالة لما ينشأ عنهما من الضرر وطفق يسير بجسمه إلى نظام مضمون ذاهباً إلى أن الجسم لا تغذيه كمية الغذاء ولا كيفيته بل شروط الهضم فيه وبين له أن ذلك مناط بلوك الطعام فمن هذه القاعدة وهي: على من يريد أن يعمر طويلاً أن يلوك طعامه كثيراً، هدته التجارب إلى هذه الطريقة التي نسبت إليه فسميت الطريقة الفلتشرية وهي عبارة عن خمس نصائح 1 أن ينتظر المرء الشهوة للطعام 2 أن تستشار الشهوة للطعام في اختيار الأطعمة 3 أن يمضغ الطعام بحيث تستخرج منه جميع المادة المغذية وتترك اللقمة تسوغ إلى المعدة من نفسها 4 أن يخصص للطعام ما يقتضي له من الوقت ولا يعجل في ازدراده وأن يذكر الإنسان أبداً أنه في صدد تناول طعامه فيصرف ذهنه إلى ما هو بسبيله على وتيرة منظمة ويطرد عن نفسه كل ما يلقيها في اضطراب 5 أن يقتنع أن كل وجبة هي عمل واجب في الحياة وأن يحسن القيام به بحيث يتوفر له الوفاء بهذه الغاية.

بالغ فلتشر بذاته في التدقيق بهذه القاعدة فلم تمض إلا بضعة أسابيع إلا وتغير تركيبه، وعاد فأزهر شبابه ولطف قوامه وخف ثقله فأمسى 80 كيلوغراماً بعد أن كان 180 ثم ما عتم أن عاد إليه بعودة قوته الطبيعية نشاطه العقلي، وزال ذاك التعب الذي كان يشعر به أيام كان سميناً مشحماً وشعر بضرورة المشي على الأقدام وأن يعود إلى ما كان أخذ نفسه به من أنواع الرياضات في شنغاي، فظهر له أن قد تغير كيانه وعادت قواه إلى نشاطها في صباه وصفا ذهنه ورأى من نفسه استعداداً إلى العمل وبالجملة شعر كأنه رجع عشرين سنة في عمره إلى الوراء وأنه سيعمر طويلاً بعد، كل هذا نشأ من تدقيقه في تلك القواعد الخمس التي سنها ومبالغته في الاحتفاظ بها والجري عليها وأخذ يقلل من كمية غذائه بدون أن يقتصر منها على ما يسهل هضمه وخضمه كما يفعل بعض من يمتنعون عن اللحوم ويكتفون بالبقول وأن يمتنع عن المشروبات الروحية امتناع الزهاد بل كان ينتفع بما يدخل جوفه ويتخذ أسباب حسن الهضم فيما يأكل ويشرب فلا يدخل بلعومه غذاءً إلا إذا أجاد لوكه جيداً، ولم يكتف فلتشر بما وصل إليه من هذه التجارب الصحية النافعة بل أراد أن يعم استعمال هذه الطريقة فكتب ما جرى له في الجرائد والمجلات ونشره في كراريس وزعها بلا ثمن على قومه فضحكوا منها بادئ الرأي إلا أن علماء الصحة اضطروا بعد حين إلى إمعان النظر فيما أتاه الرجل وجربوا بأنفسهم طريقته فأسفرت لهم عن نجاح وأوصى الناس بها حتى صار أشياع المذهب الفلتشري اليوم يعدون بالملايين في الغرب.

وقد تبع فلتشر في طريقته الأستاذ باولو الروسي منذ سبع سنين فتبين له أن التغذية الحسنة متوقفة على الشهوة إلى الطعام وهذه هي الباعث الأقوى على هضمه والانتفاع به في الجسم فالجوع يحبب إلى النفوس الأطعمة على اختلاف ضروبها والأطعمة لا تفيد إلا إذا رغبت فيها النفس، ولا يحسن ما على المائدة من الصحاف وينفع المتناول منها إلا إذا كان هذا في فراغ من الذهن يمكنه من تقدير الألوان حق قدرها، فسرور المواكلين وطيب الأحاديث من العوامل النافعة في الهضم، والسرور على الخوان لا ينشأ من إجادة الطبخ والتنطع في اختيار الألوان بل بما يبدو على وجوه المجتمعين على الطعام من الابتسام.

ومعلوم أنه يقتضي للجسم لتجديد الأنسجة وتوليد الحرارة الحيوانية اللازمة كل يوم لحفظ مرونته والقيام بوظائفه التنفسية كمية محدودة من المواد الدهنية والزلالية وعلماء الصحة والأجسام والأعضاء على اختلاف منهم في ذلك فمنهم من يقول بالإقلال من تناول اللحوم والاقتصار على البقول والألبان والثمار والبيض والأرز والزبدة ومنهم من يرى تناول اللحوم ضرورية لكل عامل يعمل بعضلاته والحقيقة أن التوسط في الأمر خير وأبقى، فالإكثار من اللحوم يسمم الجسم وربما حدثت منه في كثير من الأحوال مضار في الصحة منبهة القوة العصبية ومنهكة قوى الكبد والكلى وعلى العكس في تناول البقول فإن الاقتصار عليها يؤدي إلى اضطرابات هاضمة من شأنها أن تحدث ضرراً في المعدة وعليها فأكل اللحم لا يؤذي بقدر ما يتوهمه بعضهم بل لا يؤذي إلا عدم الوقوف عند حد في تناوله.

وقد رأى أحد علماء منافع الأعضاء من الألمان أنه يكفي لغذاء الفرد كل يوم 118 غراماً من اللحم وغيره من المواد الدهنية وقال لا بأس يجعلها 145 غراماً لمن يعمل بيديه قال غيره لا حرج من إبلاغها إلى 150 غراماً، وأكد أحد علماء انكلترا بأن من عمد إلى استعمال طريقة فلتشر في الاقتصاد في الطعام وإجادة مضغه يتأتى له أن ينقص نحو الثلث مما يأكل وتجود صحته.

وقد جرب أساتذة من أميركا طريقة تنقيص وجبات الأكل فتخلصوا من أمراض كانت تؤلمهم مثل أوجاع الرثية الروماتيزم والشقيقة والمرة السوداء فعادت إليهم صحتهم ونشاطهم ومنهم من كان أصيب بالسل في الدرجة الأولى فاتخذ طريقة فلتشر فنجا من الموت وأصبح يستطيع أن يتعاطى أعماله العقلية ساعة أو ساعتين متواليتين بدون عناء.

وقصارى القول أنه قد ذكر من اعتمدنا عليه من الافرنج في نقل هذا البحث أن الحياة هي عمل مجموع الوظائف التي تقاوم الموت، وأحسن طريقة في تأثير هذه المقاومة هي أن يتعلم الإنسان علم الأكل والقيام عليه، فالحياة هي علم معرفة التغذية، فمن لنا بشيوع طريقة فلتشر في بلادنا فيزيد الممتعون بصحتهم ويكثر النشاط على الأعمال البدنية والعقلية ويستغنى عن الطب إلا في الأمراض التي يستحيل الآن زوالها من العالم.

إن لتعليم الناس تدبير الصحة أثراً معروفاً عند الأمم في نهوضها وهو من شأن الصحف والمدارس فالصحافة في هذه الديار قائمة على قدر الإمكان بما يفرض عليها في هذا الشأن ولو سار التعليم الابتدائي في الشرق على نحو ما هو عليه في الغرب لا تنفع الناس بما يتلى عليهم ويكتب لهم أكثر مما ينتفعون ولا سبيل إلى ذلك إلا بتلقين المدارس مثل هذه القواعد فعلى أساتذة مدارسنا ومديريها أن يلقوا على الأولاد مثل هذه القواعد فتتشر بها نفوسهم منذ الصغر لتنفعهم وتدفع عيالهم في الكبر.