الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 6/صدور المشارقة والمغاربة

مجلة المقتبس/العدد 6/صدور المشارقة والمغاربة

مجلة المقتبس - العدد 6
صدور المشارقة والمغاربة
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 22 - 7 - 1906


كولريج 1772_1834

الغالب أن الشعراء في كل أمة يتقلبون مع الأهواء فلا يثبتون على حال في مناحيهم ومنازعهم. ومن يعشق الخيال ويهيم بالطبيعة فيخاطب السماك والأسماء، ويهيم بنجوم الأرض كما يهيم بنجوم السماء، لابد أن يقلبه الدهر كل مقلب، وتختلف عليه الأطوار والأدوار، كاختلاف الطبيعة بين صيف وشتاء وليل ونهار. وصاحب الترجمة ما خرج عن هذا الخلق وخروج الشاعر عنه يعدُّ من الغرائب ولا عبرة بالشذوذ. هو من شعراء الإنكليز وفلاسفتهم ربي يتيماً منذ نعومة أظفاره فبعث به أهله إلى مدرسة متوسطة في لندن امتاز فيها بأخلاقه الساكنة وشعوره اللطيف وذوقه العجيب في علوم ما وراء الطبيعة والفلسفة. دخل كلية كامبردج وغادرها بعد سنتين وبعد أن انضم إلى سلك عصابة من سرية الدراغون سعى بعض أصحابه فأخرجوه منه.

سافر إلى مدينة برستول لأول أمره فاتحد وشاعرين شابين مثله (روبرت لوفل وسوتني) وزعموا أنهم يريدون أن ينشئوا في ايلينوا من بلاد أميركا مستعمرة تكون أنموذج المستعمرات تحكمها قاعدة المساواة المطلقة والفضائل الاجتماعية كافة بيد أنهم ما عتموا أن عشقوا ثلاث أخوات فتزوجوا بهن وعدلوا عن أفكارهم الخيالية وجمهوريتهم الكمالية وتفرقوا تحت كل كوكب فراح صاحب الترجمة يؤازر في إحدى الصحف الحرة بلندن موجهاً أبداً كلامه إلى الأمة ولذا حازت مقالاته إقبالاً. ثم كتب رواية وكان نشر من قبل ديواناً من شعره وأنشأ جريدة سياسية أسبوعية لم يصدر منها غير عشرة أعداد فذهب تعبه فيها سدى.

ثم عزفت نفسه عن السياسة واعتزل في إحدى بقاع سويرستهير الجميلة وأخذ ينظم فيها أشعاره ويخلد لهذه المدرة بأقواله ذكراً لا يحمى على الدهر وانكب على العمل والدرس أيما انكباب وهناك ألف أحسن قصائده الموشحات فنجحت كثيراً ولكنها لم تأته بربح يذكر. وزار ألمانيا وتمكن من إحكام آداب الألمانية ثم تقلبت به الأحوال فاعتزل واحد صاحبيه الاثنين المشار إليهما مدة ولم يلبث أن عاود المسائل السياسية والدينية فأصبح ملكياً وداعية إلى التثليث على ما كان يميل إليه من الحرية المفرطة.

تخلى عن الشعر منذ ذاك العهد وأنشأ ينشئ في جريدة مورنن بوست مقالات يجادل بها خصومه أشد جدال في معنى الثورة مما دل على فكر متقلقل يذهب مذاهب الخيال بحس بالأحوال. وسعى أحد أصدقائه فأنقذه من تعاطي الأفيون تلك العادة الخبيثة الشائعة في الشرق فخلصه بذلك من الجنون وجاءت المنية على الأثر فاختطفته دون أن يتم أعماله العلمية فعهد إلى زوجه أن تنشرها بعده.

وكان نفوذ هذا الشاعر الحكيم قوياً في إنكلترا لما عرف به من حب الحكمة وأثر عنه من الكتابات الدينية وجاء من حيث شعره مبشراً بالشاعر بيرون ومملياً على قلبه وروحه فقد استظهر بيرون قطعة صالحة من قصائده كانت له عوناً على الرسوخ في ملكة الشعر. يقول كتاب التراجم الناقدون لو كتب لكولريج أن يتخلى عن الدينيات والسياسيات لجاء منه أعظم شعراء عصره وكان أحد الأحدين غير مدافع وذلك لما خض به من الاقتدار العقلي وسعة التعبير ولطف الأداء. قالوا وكان حديثه مطرباً في الغاية حتى أن إحدى الحانات الغنية في لندن كانت تنقده مبلغاً جسيماً من المال ليحضر إليها ويتسامر وبعض المختلفين إليها. وشبهوا أعماله العلمية بقصر ناقص ترى كل ما فيه هائلاً جميلاً فخيماً ولكن لا تشهد فيه شيئاً قد تم على أصله. وسبب ذلك تلونه في مشربه ومذهبه. والثبات على مبدأ من أقوى عوامل الانتفاع بالرجال.