الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 58/رثاء تولستوي

مجلة المقتبس/العدد 58/رثاء تولستوي

مجلة المقتبس - العدد 58
رثاء تولستوي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 1 - 12 - 1910


(تولستوي) تجري آية العلم دمعها ... عليك ويبكي بائس وفقير

وشعب ضعيف الركن زال نصيره ... وما كل يوم للضعيف نصير

ويندب فلاحون أنت منارهم ... وأنت سراج غيبوه منير

يعانون في الأكواخ ظلماً وظلمة ... ولا يملكون البث وهو يسير

تطوف كعيسى بالحنان وبالرضى ... عليهم وتغشي دورهم وتزور

ويأسى عليك الدين إذ لك لبه ... وللخادميه الناقمين قشور

أيكفر بالإنجيل من تلك كتبه ... أناجيل منها نذر وبشير

وتبكيك ألف فوق (ليلى) ندامة ... غداة مشى (بالعامري) سرير

تناول ناعيك البلاد كأنه ... يراع له في راحتيك صرير

وقيل تولى (الشيخ) في الأرض هائماً ... وقيل (بدير) الراهبات أسير

وقيل قضى لم يغن عنه طبيبه ... وللطب من بطش القضاء عذير

  • * *

إذا أنت جاورت (المعريّ) في الثرى ... وجاور (رضوى) في التراب (ثبير)

أو أقبل جميع الخالدين عليكما ... وغالى بمقدار النظير نظير

جماجم تحت الأرض عطرنها شذى ... جناهن مسك فوقها وعبير

بهن تباهى بطن (حواء) واحتوى ... عليهن بطن الأرض فهو فخور

فقل يا حكيم الدهر حدث عن البلى ... فأنت عليم بالأمور خبير

أحطت من الموتى قديماً وحادثاً ... بما لم يحصل منكر ونكير

طوانا الذي يطوي السموات في غد ... وينشر بعد الطي وهو قدير

تقادم عهدانا على الموت واستوى ... طويل زمان في البلى وقصير

كأن لم تضق بالأمس عني كنيسة ... ولم يؤوني دير هناك طهور

أرى راحة بين الجنادل والحصى ... وكل فراش قد أراح وثير

نظرنا بنور الموت كل حقيقة ... وكنا كلانا في الحياة ضرير

إليك اعترافي لا لقس وكاهن ... ونجواي بعد الله وهو غفور

فزهدك لم ينكره في الأرض عارف ... ولا متعال في السماء كب بيان يشم الوحي من نفحاته ... وعلم كعلم الأنبياء غزير

سلكت سبيل المترفين ولذني ... بنون ومال والحياة غرور

أداة شتائي الدفء في ظل شاهقداة شتائي الدفء أ ... وعدة صيفي جنة وغدير

ومتعت بالدنيا ثمانين حجة ... ونضر أيامي غني وحبور

وذكر كضوء الشمس في كل بلدة ... ولا حظَّ مثل الشمس حين تسير

فما راعني إلا عذارى أجرنني ... ورب ضعيف تحتمي فيجبر

أردت جوار الله والعمر منقض ... وجاورته في العمر وهو نضير

صباً ونعيم بين أهل وموطن ... ولذات دنيا كل ذاك نذور

بهن وما يدرين ما الذنب خشية ... ومن عجب تخشى الخطيئة حور

أوانس في داج من الدير موحش ... ولله أنس في القلوب ونور

وأشبه طهر في النساء بمريم ... فتاة على نهج المسيح تسير

  • * *

تسائلني هل غير الناس ما بهم ... وهل حدثت غير الأمور أمورا

وهل آثر الإحسان الرفق عالم ... دواعي الأذى والشر فيه كثير

وهل سلكوا سبل المحبة بينهم ... كما يتصافى أسرة وعشير

وهل آن من أهل الكتاب تسامح ... خليق بآداب الكتاب جدير

وهل عالج الأحياء بؤساً وشقوة ... وقل فساد بينهم وشرور

قم انظر وأنت مالئ الأرض حكمة ... أأجدى نظيم أم أفاد تثير

أناس كما تدري ودنيا بحالها ... ودهر رخيٌّ تارة وعسير

وأحوال خلق غابر متجدد ... تشابه فيها أول وأخير

تمر تباعاً في الحياة كأنها ... ملاعب لا ترخى لهن ستور

وحرص على الدنيا وميل مع الهوى ... وغش وأفك في الحياة وزور

وقام مقام الفرد في كل أمة ... على الحكم جم يستبد غفير

وحوّر قول الناس مولى وعبده ... إلى قولهم مستأجر وأجير

وأضحى نفاذ المال لا أمر في الورى ... ولا نهي إلا ما يرى ويشير نساس حكومات به وممالك ... ويذعن أقيال له وصدور

وعصر بنوه في السلاح وحرصه ... على السلم يجري ذكرها ويسيل

ومن عجب في ظلها وهو وارف ... يصادف شعباً آمناً فيغير

ويأخذ من قوت الفقير وكسبه ... ويؤوي جيوشاً كالحصى ويمير

ولما استقل البر والبحر مذهباً ... تعلق أسباب السماء يطير

أحمد شوقي.

رثاك أمير الشعر في الشرق وانبرى ... لمدحك من كتاب مصر كبير

ولست أبالي حين أرثيك بعده ... إذا قيل عني قد رثاه صغير

فقد كنت عوناً للضعيف وأنني ... ضعيف وما لي في الحياة نصير

ولست أبالي حين أبكيك للورى ... حوتك جنان أو حواك سعير

فإني أحب النابغين لعلمهم ... وأعشق روض الفكر وهو نضير

دعوت إلى عيسى فضجت كنائس ... وهز لها عرش وماد لها سرير

وقال أناس إنه قول ملحد ... وقال أناس إنه لبشير

ولولا حطا لرد عنك كيادهم ... لضقت به ذرعاً وساء مصير

ولكن حماك العلم والرأي والحجى ... ومال إذ جد النزال وفير

إذا زرت رهن المحبسين بحفرة ... بها الزهد ثاو والذكاء ستير

وأبصرت أنس الزهد في وحشة البلى ... وشاهدت وجه الشيخ وهو منير

وأيقنت أن الدين لله وحده ... وأن قبور الزاهدين قصور

فقف ثم سلم واحتشم إن شيخنا ... مهيب على رغم الفناء وقور

وسائله عما غاب عنك فأنه ... عليم بأسرار الحياة بصير

يخبرك الأعمى وإن كنت مبصراً ... بما لم تخبر أحرف وسطور

كأني بسمع الغيب أسمع كل ما ... يجيب به أستاذنا ويحير

يناديك أهلاً بالذي عاش عيشنا ... ومات ولم يدرج إليه غرور

قضيت حياة ملؤها البر والتقى ... فأنت بأجر المتقين جدير

وسموك فيهم فيلسوفاً وأمسكوا ... وما أنت إلا محسن ومجير وما أنت إلا زاهد صاح صيحة ... يرن صداها ساعة ويطير

سلوت عن الدنيا ولكنهم صبوا ... إليها بما تعطيهم وتمير

حياة الورى حرب أنت تريدها ... سلام وأسباب الكفاح كثير

أبت سنة العمران إلا تناحراً ... وكدحاً ولو أن البقاء يسير

تحاول رفع الشر والشر واقع ... وتطلب محض الخير وهو عسير

ولولا امتزج الشر بالخير لم يقم ... دليل على أن الإله قدير

ولم يبعث الله النبيين للهدى ... ولم يتطلع للسرير أمير

ولم يعشق العلياء حر ولم يسد ... كريم ولم يرجو الثراء فقير

ولو كنت الخير فينا محضاً ما دعا ... إلى الله داع أن تبلج نور

ولا قيل هذا فيلسوف موفق ... ولا قيل هذا عالم وخبير

فكم من طريق الشر خير ونعمة ... وكم في طريق الطيبات شرور

ألم تر أني قمت قبلك داعياً ... إلى الزهد لا يأوي إليَّ ظهير

أطاعوا أبيكيراً وسقراط قبله ... وخولفت فيما أرتئي وأشير

ومت وماتت مطامع طامع ... عليها ولا ألقى القياد ضمير

إذا هدمت للظلم دور تشيدت ... له فوق أكتاف الكواكب دور

أفاض كلانا في النصيحة جاهداً ... ومات كلانا والقلوب صخور

فكم قيل عن كهف المساكين باطل ... وكم قيل عن شيخ المعرة زور

وما صدر عن فعل الأذى قول مرسل ... ولا راع مفتون الحياة نذير

حافظ إبراهيم.