الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 56/سير العلم والاجتماع

مجلة المقتبس/العدد 56/سير العلم والاجتماع

مجلة المقتبس - العدد 56
سير العلم والاجتماع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 1 - 10 - 1910


سعة التأليف ومؤلفو الشيعة

كتبت رصيفتنا العرفان تتمة لما كتبناه في الجزء الأول من المقتبس الخامس في سعة التأليف في الإسلام ذوكرت المكثرين من التأليف عند الشيعة فقالت: لم نجد بين رجال القرن الأول من له ثلاثون مصنفاً لعدم انتشار التأليف آنئذ وغلبة الأمة ويكفي بأن تثبت للشيعة مؤلفين على حين أنه لم يكن لغيرهم تأليف في ذلك القرن فقد ألف أمير المؤمنين علي عليه السلام صحيفة في الديات وألف سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري في الأخبار والسير وألف أبو الأسود الدؤلي في النحو الأدب وألف كثيرون غيرهم ممن يطول الشرح في تعدادهم.

ومن المؤلفين المكثرين من رجال الشيعة في القرن الثاني لوط بن يحيى أو محنف المؤرخ المشهور الذي يروي عنه الطبري وغيره من المؤرخين قال النجاشي له كتب كثيرة وعد منها نحو ثلاثين كتاباً كلها في التاريخ والسير.

وهشام بن الحكم عدد له النجاشي نحو ثلاثين كتاباً أكثر في الكلام والفلسفة الإلهية.

ومن رجال الشيعة في القرن الثالث إبراهيم بن محمد الثقفي قال النجاشي له كتب كثيرة والتي اتصل بنا منها ثم عددها نحو أربعين كتاباً.

والحسن بن موسى أبو محمد النوبختي قال النجاشي له على الأوائل؟ كتب كثيرة منها كتاب الآراء والديانات وحجج طبيعية مستخرجة من كتب أرسطاطاليس في الرد على من زعم أن الفلك حي ناطق وكتاب في المرايا وجهة الرؤية فيها وعدد له نحو أربعين كتاباً.

وسعد بن عبد الله أبو القاسم القمي عدد له ما ينيف عن ثلاثين كتاباً.

وعبد العزيز بن يحيى الجلودي ذكر النجاشي كتبه في أربع صفحات وقد بلغت مائة وأربعة وثمانين كتاباً في جملة فنون وأغلبها تاريخ وأخبار وفقه.

وعلي بن محمد العدوي الشمشاطي كقال النجاشي له كتب كثيرة عدد منها ما يقرب من أربعين كتاباً ومما يلفت النظر منها كتب الأنوار والثمار قال النجاشي قال سلامة بن دكا أن هذا الكتاب ألفان وخمسمائة ورقة يشتمل على ذكر ما قيل في الأنوار والثمار من الشعر وكتاب النزه والابتهاج قالَ قال لي سلامة بن دكا أنه نحو ألفاتن وخمسمائة ورقة يذكر فيه آداباً وأخباراً ومن جملة كتبه مختصر تاريخ الطبري وأغلب كتبه ضخمة.

والفضل بن شاذان أبو محمد الأزدي النيسابوري قال النجاشي: ذكر الكحي أنه صنف مائة وثمانين كتاباً وقع إلينا منها وعدد نحو خمسين كتاباً.

ومحمد بن ارومه أبو جعفر القمي قال النجاشي: ذكر القميون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به فوجدوه يصلي من أول الليل إلى آخره فتوقفوا عنه وقد عدد له نحو ثلاثين كتاباً ومن العجيب أن بينها كتاباً في الرد على الغلاة وكل كتبه دينية.

ومحمد بن جعفر بن أحمد بن بطه المؤدب أبو جعفر القمي قال النجاشي: كبير المنزلة بقم كثير الأدب والفضل والعلم يتساهل في الحديث ويعلق الأسانيد بالإجازات وفي فهرست ما رواه غلط كثير وقد عدد له أكثر من خمسين كتاباً أكثر كتبه مسماة بأسماء الأعداد فله كتاب الواحد والاثنين إلى التسعة والأربعين.

ومحمد بن أحمد أبو الفضل الجعفي الكوفي المعروف بالصابوني عدد له النجاشي نحو سبعين كتاباً وقد كان زيدياً فصار اثني عشرياً.

وهشام بن محمد السايب قال النجاشي: كان له كتب كثيرة وعدد له منها خمسين كتاباً في الأنساب والتاريخ والسير.

ويونس بن عبد الرحمن قال النجاشي: وكانت له تصانيف كثيرة وعدد منها أكثر من ثلاثين كتاباً.

ومن رجال الشيعة المشهورين في سعة التأليف في القرن الرابع أحمد بن محمد بن دول القمي قال النجاشي: له مائة كتاب وعدد منها جانباً.

وعلي بن أحمد أبو القاسم قال النجاشي: كان يقول بأنه من آل أبي طالب وغلا في آخر أمره وفسد مذهبه وصنف كتباً كثيرة أكثرها على الفساد وقد عدد له نحو خمسين كتاباً أغلبه ردود وبها رد على أرسطاطاليس وكتاب في تفسير القرآن وكتاب في النفس.

ومحمد بن يعقوب الكليني عدد له النجاشي أربعين كتاباً وقال: صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يشمى الكافي في عشرين سنة ومات سنة 329 سنة تناثر النجوم.

ومحمد بن أحمد بن الجنيد المكاتب أبو علي الإسكافي عدد له النجاشي ما يقرب على مائة وثمانين كتاباً كلها دينية فقه وسير وكلام.

ومحمد بن بابويه القمي المشتهر بالشيخ الصدوق عدد له النجاشي نحو مائة كتاب.

وموسى بن الحسن أبو الحسن الأشعري القمي قال النجاشي: صنف ثلاثين كتاباً عدد منها اثني عشر كتاباً.

ومن المؤلفين في هذا القرن إسماعيل الصاحب بن عباد وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني وهما وإن لم تبلغ تآليف كل منهما الثلاثين فإنها تناهز العشرين فضلاً عن تعدد مجلداتها وغزير فائدتها.

ومن المكثرين من التأليف في القرن الخامس علي بن الحسين أبو القاسم السيد المرتضى الشهير فقد عدد له النجاشي أربعين كتاباً ويقال بأن له ثمانين كتاباً وهو صاحب أمالي المرتضى الذي طبع في مصر.

ومحمد بن محمد بن النعمان المشهور بالشيخ المفيد عدد له النجاشي نحو مائة وستين كتاباً.

أما في القرن السادس فيوجد من الشيعة عدة مؤلفين بيد أنهم غير مكثرين.

ومن المكثرين من التأليف في القرن السابع السيد أحمد بن طاووس قال في الروضات وصنف اثنين وثمانين كتاباً في فنون من العلم وعد منها طرفاً صالحاً.

والحسن بن المطهر الحلي المشهور بالعلامة عدد له صاحب الروضات سبعين مصنفاً ورأيت على الحواشي بعض مصنفاته بأن له ثلاثمائة مصنف.

والسيد علي بن طاووس عدد له صاحب الروضات نقلاً عن كتب كثيرة أكثر من ثلاثين مصنفاً كل كتاب منها عدة مجلدات.

ومحمد الخواجة نصير الدين الطوسي الحكيم المعروف عدد له صاحب الروضات نحو ثلاثين كتاباً في فنون مختلفة.

ومن المكثرين من التأليف في القرن الثامن محمد بن معية النسابة وهو وإن لم يتجاوز ما عدد له صاحب الروضات خمسة عشر كتاباً فهي تبلغ الستين مجلداً منها كتاب أخبار الأمم فإنه قال صاحب الروضات خرج منه أحد وعشرون مجلداً وكان يقدر إتمامه في مائة مجلد كل مجلد أربعمائة ورقة.

ومحمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول فهو وإن لم يذكر صاحب أمل الآمل إلا نحو خمسة عشر كتاباً فمن المشهور أن له تآليف جمة في فنون مختلفة جزيلة الفائدة.

ومحمد بن مكرم الأنصاري الإفريقي صاحب كتاب لسان العرب المعجم المعروف له كتب كثيرة ويقال أن مختصراته خمسمائة مجلد.

أما في القرن التاسع فلم نعثر على مؤلفين مكثرين بين رجال الشيعة وإن كان يوجد بينهم عدة مؤلفين مقلين.

وممن اشتهر في القرن العاشر بكثرة التأليف زيد الدين الشهيد الثاني العاملي ثم الجبعي عدد له تلميذه العودي من المؤلفات المتنوعة ما ينيف عن ستين مؤلفاً.

وممن

اكثر في التأليف في القرن الحادي عشر سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي عدد له صاحب الروضات نحو أربعين مصنفاً وبها الكتب التي وقعت في عشر مجلدات.

وصدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي المشتهر بالملا صدرا عدد له صاحب الروضات نحو ثلاثين كتاباً أكثرها في الحكمة الإلهية.

ومحمد بن الحسن بن علي بن محمد المعروف بالشيخ الحر العاملي صاحب كتاب الوسائل في الحديث وأمل الآمل فغي علماء جبل عامل في التراجم وقد ترجم نفسه به وعدد مصنفاته كما نقله صاحب الروضات فإذا هي تنيف عن أربعين كتاباص ورسالة.

ومن المؤلفين المكثرين في القرن الثاني عشر إسماعيل المازندراني قال صاحب الروضات بعد أن عدد له أربعة عشر كتاباً ورسالة إلى غير ذلك من السائل والمؤلفات الكثيرة التي تبلغ نحو مائة وخمسين مؤلفاً متيناً في فنون شتى من العلوم والحكم والمعارف.

ومحمد باقر المشهور بالمجلسي عدد له صاحب الروضات نحو خمسين مؤلفاً عربياً وخمسين مؤلفاً فارسياً وبعد الفراغ من تعدادها قال: وعدد أبيات جميع ما ذكر من العربي والفارسي ألف ألف بيت واثنين وأربعمائة لف بيت وسبعمائة وإذا وزعت على أيام عمره التي هي ثلث وسبعون سنة من غير زيادة ولانقصان يكون قسمة كل سنة تسعة عشر ألف بيت ومائتين وخمسة عشر بيتاً وخمسة عشر حرفاً وهكذا بالترتيب اهـ.

والسيد خلف عدد له صاحب الروضات نقلاً عن أمل الآمل وغيره من كتب التراجم نحو ثلاثين مؤلفاً.

وسليمان البحراني عدد له صاحب الروضات أمثر من خمسين مؤلفاً أكثرها رسائل.

وعبد الله بن جمعة السماهيجي البحراني عدد له صاحب الروضات نقلاً عن بعض إجازاته أكثر من ثلاثين كتاباً ورسالة.

والسيد هاشم البحراني عدد له صاحب الروضات أكثر من ثلاثين كتاباً وفيها المجلدات الضخمة.

ومن المكثرين في التأليف في القرن الثالث عشر من الشيعة الشيخ أحمد الإحسائي فقد قال صاحب الروضات بعد ما عدد له ثلاثين مؤلفاً إلى تمام مائة رسالة وكتاب.

ومحمد الباقر البهبهاني قال صاحب الروضات نقلاً عن صاحب المنتهى له ستون مؤلفاً ثم عدد أكثرها.

وملا جعفر الاستربادي عدد له صاحب الروضات نحو أربعين مؤلفاً في علوم مختلفة أكثرها مجلدات ضخمة.

وأبو القاسم الميرزا القمي صاحب كتاب القوانين في الأصول عدد له صاحب الروضات عد كتب كلها مجلدات ضخمة وقال وجد بخطه ما يؤدي بأنه كتب ألف رسالة في مسائل مخصوصة من العلوم.

ومحمد بن عبد النبي المعروف بميرزا محمد الأخباري نقل صاحب الروضات بأنه كتب كتاباً في الرجال ترجم به نفسه وعدد مؤلفاته وهي ثمانون مؤلفاً في فنون عقلية ونقلية وشهودية وجلها أو كلها مجلدات كبيرة ومنها ما وقع في عدة مجلدات اهـ.

مدرسة الاستقلال

ذكرت مجلة العلم الاجتماعي أن مدرسة دي روش في فرنسا احتفلت بمرور عشر سنين على تأسيسها فذكر رئيسها في هذه المناسبة ما قامت به المدرسة منذ إنشائها في تربية العقول ونزع حب الاتكال من النفوس وتحبيب الاستقلال إليها قال أن هذه المدرسة أنشأها أديمون ديمولانس (صاحب كتاب سر تقدم الإنكليز والسكسونيين) وغرضها أن تقصد إلى القضاء على الأساليب والعادات المتبعة في المدارس الداخلية الفرنسوية فهي تعاكس الظلم الناشئ من التدريب المبالغ فيه وتقاوم إنهاك القوى في عامة أشكاله وطريقة اتباع الخطط في الدروس ورخاوة التربية الطبيعية وقلة كفاية التربية الصحية وفقدان التربية العملية ونزع الأساليب المتبعة في تربية الأخلاق وتلقين الأديان.

وقد ذكرت المجلة أن غاية ما توخته هذه المدرسة أن توفق بين النمو العقلي في الطفل وعنيت أن تبين للأولاد لماذا يعلمون الشيء الفلاني وإن تشوقهم إلى تعلمه لحل المسألة الفلانية بحيث يهتمون بنتائجها وكان ممن تخرجوا في تلك المدرسة منذ سنة 1905 أن تقدموا للمسابقة فأحرز قصب السبق منهم 56 من 67 وأبانوا عن كفاءة مدهشة في المواد التي لا تسألهم عنها المدارس مثل الرياضات البدنية واللغات الحية والموسيقى والمعلومات العلمية وتربية الأخلاق. وأحسن ثمرات التعليم الاستقلالي أنه لم يعمد إلى البطالة فرد من المتخرجين على أسلوبه بل أنم 26 منهم دخلوا في التجارة والصرافة وكثيرون قصدوا البلاد الخارجية وثلاثة دخلوا المدارس التجارية و11 في الصناعة وقلما يرغب تلامذة هذه المدرسة في التوظف والأعمال الحرة بل يختارون الصناعات العلمية الحرة فلم يدخل منهم حتى الآن سوى واحد في معمعان السياسة وواحد آثر التوظيف.

مؤتمر العناصر

ومن أول مظاهر الإخاء بين البشر المؤتمر الذي سيعقد في لندرا في شهر تموز 1911 فهو أول مؤتمر عام للعناصر يساعد على تبادل الاحترام بين عناصر الشرق والغرب وستتلى فيه مفكرات غريبة يتلوها أناس من أرقى الرجال من أهل العالمين القديم والحديث وسيكون بينهم خمسة وعشرون رئيساً في مجالس النواب وأربعون أسقفاً ومئة وثلاثون أستاذاً في الحقوق الدولية وغير ذلك سيكون لهذا المؤتمر شأن عظيم في مستقبل العناصر البيضاء وغيرها.

استعمار الإسلام

قالت مجلة الاقتصاد الدولية إننا قد أيقظنا اليابان والصين من سباتهما وها قد أصبحنا ولاسيما الأميركان منا نعض الأنامل ندماً على ما قدمناه بين يدي تينك الأمتين وقد أخذ المسلمون ينهضون وينتبهون أيضاً بحسب رأي المسيو لشاتليه (المقتبس م5 ص276) كما يفهم من الأرقام التي أتى بها للدلالة على انتباه المسلمين قال أن الصحف الإسلامية تكون الرأي العام الإسلامي على أن تكون منافع الجمارك والأراضي والغابات والمعادن والنقل والاحتكارات والامتيازات وكل ثمرات الأرض إسلامية خاصة بالمسلمين يقول لسان حالها الإسلام للمسلمين وقد علقت المجلة على ما تقدم بهذه الجملة الغريبة وهاكها بنصها معربة: إننا نعد أنفسنا سعداء إذا اكتفى المؤمنون بهذا ولم يأتوا فيستعمروننا على الطريقة التي عمدنا إليها معهم.

ضعاف المدارك

نقلت مجلة الاقتصاديين الباريزية عن إحدى المجلات الإنكليزية مبحثاً لأحد أطباء إنكلترا جاء فيه أن بين عامة الناس والبله الثابتة بلاهتهم في بريطانيا العظمى طبقة كبرى ضعيفة في مداركها وهي عالة على أسرها والمجتمع وعددها لا يقل عن خمسين ألفاً قال أن ضعف العقل أرثى وأصحابه يشتد غرامهم ويكثر أولادهم على حين يقل أولاد الأذكياء وبذلك ينتج ضعف الأخلاق والعقل في المجتمع وذلك لأتن ضعاف العقول يأتون بالجرائم والمفاسد أكثر من غيرهم وضعيفات العقل من البنات أقرب بنات جنسهن إلى الإغواء. وقد حسبوا جميع سكان ورخوس فكان خمسهم أو ربعهم ضعاف العقول فالواجب إذن تقوية هذه المدارك الضئيلة والمدارس التي أقيمت لغرض تقوية الضعاف في عقولهم لم تثمر الثمرة المطلوبة لأنه لم ينجح واحد في الخمسين ممن دخلوها لأنها أنشئت على مبدأ مدارس أقوياء العقول أي على طريقة مدرسية صرفة لا شأن فيها للصناعات. قالت المجلة فإن ادعى صاحب هذا الفكر بأن هذا خطر عظيم على المجتمع أجيب بأنه كان منذ كان البشر ولكنه لم يكن محسوساً كما هو الآن لأن الملاجئ والأديار تؤوي أمثال هؤلاء وكانوا من قبل مشتتين فالخطر وإن كان واقعياً إلا أنه ليس بالدرجة التي يظنها الطبيب المشار إليه نعم إن الأولاد كلهم يصاغون صياغة واحدة من سن السادسة إلى الثانية عشرة بمعنى أنهم يتعلمون القراءة والكتابة وما تعلم القراءة والكتابة بالأمر السهل كما يظهر بل هو من شاق الأعمال التي لا نقدرها حق قدرها فإن المستخدم إحدى المكاتب يملي ثلاثين كلمة في الدقيقة أي ما يعادل طول خمسة أمتار فتكون هذه الخطوط ثلثمائة متر في الساعة أو ألف كيلو متر في ثلثمائة يوم من أيم السنة وهي أيام العمل. ولأجل كتابة 130 كلمة يدور رأس القلم 480 دورة في الدقيقة و28. 800 دورة في الساعة دع عنك ما يتبع ذلك من التعاريج مما لا يقل طوله كله عن مئة ألف كيلومتر في السنة ولولا العادة ما سهلت الكتابة وخففت من تعب الأعصاب وهذا هو العمل الذي يقضي على الأولاد أن يعملوه فهل يستغرب إذا رأينا بعضهم ينوؤن بهذا العبء الثقيل وأن ما يطلبه الطبيب لضعاف العقول من تعليمهم الصناعات هو أحق به أن يطلب لجميع المتعلمين إذا أردنا أن يكون لهم عقل سليم فقي جسم سليم.

تربية الحس

كتب بول غوتليه من علماء التربية في فرنسا مقالة في نقص تربية الحس في مجلة التربية جاء فيها: لا أرى في التربية أكثر إهمالاً في العادة من تربية الحس فإنه متروك وشأنه ينمو كما يشاء وعلى النحو الذي يشاء فيأخذ بالاتفاق ذات اليمين أو ذات الشمال في المدرسة والأشرة وترى الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات يعنون بما في جهدهم بتلقين العلوم ولا يلتفتون إلى تربية القلب في حين أن الحس أصل القوى كلها ومبدأ كل حياة ولا أثر للذكاء والإرادة بدونه على ما أبان ذلك الفلاسفة المحدثون أمثال ريبو وفوليه وبرجسون. فالفكر الذي لا يقتبس من حرارته عار عن القوة. فبه تعرف مطويات الضمائر وعناوين الأمزجة وغاية الجهد بل هو الصورة لما في الأفراد من مزايا الإبداع. قال روسكين (من علماءؤ الاجتماع الإنكليز): إننا نشكو من قلة الحس أكثر من كثرته فقلته أدت ببعض الأرواح إلى الابتذال فمن آثار قلته عادات وأعمال تخالف الإنسانية لا خوف يزعجها ولا فرح ولا شرف ولا تقوى يهزها فإذا تثاقلت يد المرء في تعاطي العمل وجف قلبه وساءت عاداته وجمد فؤاده يصبح مبتذلاً على قلة عواطفه وسرعة ذكائه وجودة مأتاه ومنزعه فالعقل لا يعرف غير الحق فهو الإنسانية الربانية تستحكم من القلوب فتدرك الإلهيات وصالح الأعمال.

فالحس يقرب بين الشخصيات ويسيطر على العواطف فيجمع الناس في أفراجهم ويشكرهم بعضهم مع بعض في أتراحهم بل هو السلسلة التي تربط كلاً منا بالعالم كله فهو الموزع الجوهري بين الشخصيات. والأفكار والأعمال نتيجة لازمة عنه وهو كذلك الصلات بين الأفكار. إذا نقص فلا شيء يحدو نحو الوكمال بل أن الكمال يفقد جملة ويجف معين العلم والصناعات والفضائل ويتعذر العلو وتفقد العشرة وتنحل ربط الاجتماع فلا إحساس ولا شفقة. إذا فقد الحس تضعف الإرادة ويبقى العلم ظلاً زائلاً ويفنى الذكاء. ولطالما رأينا علماء وهم مغفلون لو استقرت أحوالهم تجد لا فرق بينهم وبين حمر الخلائق لأن العلم لم يرق فيه الحس الرقيق الذي يمكنهم من معرفة ما لا يقع مباشرة تحت حواسهم وهو قلما يتعلم كتاب فالحس من ثم هو الحد الفاصل بين أن يجعل الرجل في كبار الرجال أو في طبقة ضعاف المغفلين.

وإذا حيد باستعداد الطفل عن الجادة منذ صغره لا يلبث أن يكون استعداده مبعث كثير من المفاسد وأصل جم من الخطايا يرسل بأحسن ما فيه عن مائية إلى الأغصان الشرهة الطفيلية فتهولك الأغصان النافعة وتقوى دواعي الهوى والشهوات فقد قال بول بورجه: تكاد تكون معظم الأمراض العصبية ناشئة من اضطراب العشق ومبدأ كل هذا الاضطراب من رداءة التدبير الصحي الأخلاقي زمان البلوغ فمن الحس تنشأ المطالب العالية والمطالب الدنيئة وهذه القوة أو هذا الأساس في كل قوة شواءٌ كان في الخير أو في الشر ينبغي أن لا يترك وشأنه في الولد على حين هو لدن رخيص إلى الغاية فإذا هب على ما يجب يكون منه أبطال وقديسون وإلا فلا أقل من أهل حشمة ووقار.

وأكثر ما يكون مربياً للحس بيت العائلة والتربية الأصلية هي التي تجعل الولد على استقامة لا ينالها من تربية أخرى وفي حب الوالدة ولدها معنى من معاني الظرف تصحب المرء إلى قبره ولكم كانت عناية الأم أكبر مخرج للرجال الأعاظم حتى قالت العقيلة نيكر دي سوسور إن الحنان هو الحرارة الضرورية لتنمية الجراثيم السعيدة.

والمدارس الداخلية مضرة وهي لصغار السن جريمة ويتضرر البنات وهن سيصبحن ملائكة البيت بدخولهن المدارس الداخلية إذ يبتعدن عن الأسرة بل عن العالم ويفطم الولد من الحب ولا يعرف غير جفاء النظام والعذاب والمجرد وقلة مبالاة الإدارة بأمره.

يتعذب وما من أحد يعنى به عناية حقيقية أو يعرف ذوقه وميوله ولا يجد حوله من يبوح إليه بذات نفسه فهو وحيد محروم من الهواء وإحساسه يذبل إذا لم نقل يفسد ولذلك كانت المدارس الداخلية في فرنسا لا تخلو من مفاسد تلحق الأخلاق. وقد انتبه الإنكليز لذلك فلم يعودوا يرسلون بناتهم إلى المدارس الداخلية بل يجعلونهن في بيوت معلماتهن على أخلاقهن وينجون من إدارة تسير على هواها كإدارة الحبس فأفضل اختيار البيت لتربية الأولاد فيه فليس كالأسرة التي يخرجنا منها وازع يحف طفولتنا بعنايته ويعلمنا الظرف واللطف والطهارة التي كتب فيها رينان الفيلسوف يقول: أينم يتعلم الطفل أو الفتى الطهر وصفاء السريرة اللذين هما أساس كل أدب راسخ ويدرك زهرة العواطف التي تكون ذات يوم بهجة للمرء ودقة الفكر التي هي ذات أشكال لا تدرك بالتصور؟ أيتعلمها في الكتب وفي الدروس التي تلقى على مسامعه فيصغي إليها أو في رسائل يستظهرها؟ كلا إنه لا تعلمها في شيءٍ من ذلك بل يتعلم في الهواء الذي يعيش فيه والمحيط الاجتماعي الذي يصير إليه يتعلمها بحياته في أسرته ليس إلا. .

فالحنان الآخذ بعنان الأسرة بما فيه من الانتباه والحب هو الذي يربي حسن الطفل من نفسه بعيداً عن قلة الاهتمام والعدوى والحسد بعيداً منذ نعومة أظفاره عما يعبث به. ويجب أن لا يدفع الأولاد للخدامين والخدامات فإنهم يفسدونهم بضعف عقولهم وقلة عنايتهم حتى أن ولداً في الثالثة عشرة أصبح أبله بصنع خادمة ارادت تسكيته فوضعته في غرفة وأقفلت عليه الباب بضع دقائق حتى إذا فتحت الغرفة وجدته متخشباً وقد عولج الولد فشفي إلا أنه بقي أبله طوال حياته. فصح فينا ما قاله بلوتارك في القديم: من الغريب أننا نرى الواحد منا يستخدم خادماً له في حرث أرضه وآخر لتنظيم داره وغيره لإدارة نفقته فإذا كان له خادم سكير لا يستطيع عملاً يعهد إليه بتربية ولده ونحن كم عندنا من معلم ومعلمة خانهم الدهر فعمدوا إلى اتخاذ التعليم حرفة وهم ليسوا على شيءٍ من الأخلاق التي تطلب منهم لتربية خلق المتعلم فيرث الأولاد عنهم نقائصهم وأحياناً مفاسدهم بل يقتبسون دناءة النفس فيتجردون عن المطالب العالية النضيحة قبل أن يبلغوا السن اللازمة.

ولذلك وجب على الوالدين أنم لا يتخلوا لأحد عن ملاحظة أولادهم ففي الطفولية يتولون ذلك بأنفسهم وأثناء الدراسة يشرفون إشرافاً عليهم ولا يدفعونهم إلا لمعلمين أكفاء على أن دلال الولد وملاطفته على الدوام قلما تنشئ رجالاً أو نساء أحرياء بالاعتبار لأن رخاوة الحس على هذه الصورة تبعد بالولد عن تحمل المكاره والإفراط بالعناية به تعده إلى أن لا يتوقع إلا الدلال فالشاب يتطلب من الزوجة رفيقة لا أماً والشابة تنتظر أن تكون لعبة لا ملكاً. وهذه العيوب تلحق الولد الوحيد في الغالب لأن والديه يبالغان في دلاله.

وأضر ما يكون على طفل الإغراق في قضاء رغائبه وإعطاؤه من اللعب ما لا تشتد حاجته إليه بل أن يكون من شأنه أن يعوده على الإسراف والبذخ وخير من ذلك أن يعود الولد الحرمان والتقشف لأن الشدة القليلة في التربية تدعو المربى إلى الشجاعة. وعرف الإسبارطيون ذلك حق المعرفة وهذا هو السبب في أن الإنكليز مازالوا محافظين على أنواع الرياضات العنيفة وضرب السياط في المدرسة. لا جرم أن ذلك يمنع رقة القلب الكاذبة ويبعد من التأنث مما هو من العيوب حتى في النساء.

وينبغي أن لا نكتم شيئاً عن الأولاد يطلبون السؤال عنه وإذا كان ثمة ما لا يسوغ لهم إبداؤه نعدهم بأن نفصح عنه بعد حين فالجهل فيها ليس من الخير في شيءٍ لأنم الجهل خطر كل حين وقد كتب المسيو نيكولاي يقول: إن الأخلاق عبارة عن تعلم مجاهدة الشر لا أن يعقد الأمل الخيالي بأن يكبر الولد في سذاجة تامة في حين هو يعيش في العواء الفاسد الذي نستنشقه.

فلتربية الحس القوي الذي يقاوم الصدمات يجب أن نجعلها تمس الحياة عند بداءة ظهورها والمدرسة مفيدة في هذا الباب لأن الأخلاق تتحاك فيها ولا بأس بأن يغادر الولد البيت ويسيح في الخارج فإن ذلك مما يقوي فيه الإرادة ويشد عزمه على العيش في لهواء الطلق في هذه الحياة.

يجب أن يكون للحس نظام فقد كان علماء التربية حتى الآن يعتبرون الصناعات واسطة للتسلية لا نتيجة لها أو ألاعيب الصبيان وهي في الحقيقة أحسن تعويذة لأن في مكنتها أن تجعل أبداً في الإحساس مساوقة ونظاماً وتحيله إلى أجب غض إذا صح أن الاعتدال هو القصد لا في المأكل والمشرب بل في الفكر والعواطف هو أساس كل فضيلة فقد قال روسكين: إنم معرفة الجميل هو الطريق الحقيقي بل هو الدرجة الأولى لمعرفة حقيقة الأشياء الجميلة فإن الحياة والسرور بالجمال في عالم المادة هما من القسم الدائمة المقدسة في أعمال الخالق كما الفضيلة في عالم الأفكار.

فمن الواجب كل الوجوب أن يجعل شعور الطفل منذ نعومة أظفاره يحتك بالجمال بوجه عام والفنون بوجه خاص وذلك لا في كتب يدرسها بل فيما يحيط به يحف حوله وأن يوقى النظر إلى البشع كما يوقى النظر إلى ما ينافي الأدب.

يجب ألا ينشأ الطفل ويتطلع حواليه إلا ويجد الجمال في المسكن والجمال في المناظر فمن سيئات التمدن الحديث إن حرم أبناءه السكنى في بيوت وسط الغابات والأشجار وجعل مساكنهم متصلة بعضها ببعض بحيث لا تفتح النافذة إلا لترى واجهة البناء المحاذي لك ولا يفتح الطفل عينيه إلا ما على هو منحط وبشع على حين يسهل أن نزين مسكننا فليس الجمال هو البذخ بل إن النظافة النظام المدقق وانتقاء الأثاث والزهور وبعض النفائس والأعلاق في البيت تكفي في حمل الجمال إلى مسكننا ولأن تفتح لحياتنا اليومية على الدوام باباً يطل على عالم الخيال. والواجب أن يعنى بلباس الطفل على ما ينبغي على أسلوب لا ينافي الاقتصاد ولا الظرف. نحن لا نقول كما يقول الفيلسوف كارلايل أن اللباس يوجد النفس الإنسانية بل نقول بأنه يرتبها وينظمها. وعليه فالأحسن أن ينظر أيضاً في اختيار اللعب للطفل حتى لا يكون ممن تتقزز له النفس والأولى أن يعهد بصنع ألعاب الأطفال إلى أناس من أرباب الذوق والتفنن على ما كانت عليه الحال في القرن السابع عشر والثامن عشر. ويجب ألا تحرم المدرسة من مظاهر الجمال لأن الطفل يقضي فيها شطراً مهماً من أوقاته وغذ كان معظم الوالدين لا يستطيعون أن يجعلوا لأولادهم بيوتاً في الخلاء فالأجدر بالمدارس الثانوية أن تقيم مدارسها في الضواحي ليتيسر للأولاد أن يعودوا في المساء ليبيتوا في دور آبائهم. فقد كتب روسو أن البشر لم يخلقوا ليتجمعوا كما يتجمع النمل في القرية بل لينتشروا في الأرض التي يحرثونها فنفس الإنسان قتال لإخوانه. وهذه الحقيقة لا مجاز والمدن هوة الجنس البشري فعلك أن تبعث بالأولاد يجددون حياتهم بأنفسهم وينشطون قواهم وسط الحقول ويستعيضون عن تلك القوى التي يضيعونها في الهواء القذر من الأماكن المأهولة كثيراً.

وهكذا يجب أن تكون المدارس الابتدائية في القرى والمدن في أماكن يتخللها الهواء والنور وأن يستعاض عن الدهان التي تطلى بها جداران المدارس بالسواد عادة بألوان زاهية تزيل الوحشة عن قلب الطفل فيستفيد من ذلك عقله وقلبه. وأحر بأن تكون جدران المدرسة مزينة بمجاميع نفيسة ومفروشة حجرها أحسن فرش بحيث يكون الجمال عن إيمان الطفل وشماله وقدامه ووراءه ومن أجل هذا اختار بعض علماء التربية أن يربى الأطفال في حدائق خاصة بهم لينشئوا على التأمل في الكون والنظر في أسراره وبدائعه فالسماء تتعلم بالنظر فيها ولكنها لا تفيدنا بقدر ما نتعلم من الصغر والتأمل في عظمتها.

يقتضي أن يطلع الطفل منذ صغره على إبداع ما نقشه النقاشون وصاغه الصائغون وبناه البناءون وأن نبتعد عن تدريسه تاريخ الصناعة لأنهم لا يفهم منه شيئاً فيدخل الملل إلى قلبه بل الأولى أن نشرح له الجمال فقط ونشعره بوجوده. فعلم الطفل أن يكون هو متفنناً ى أن يكون كما قال روسكين أكثر خجلاً إذا لم يحسن الغناء مما إذا كان لا يعرف القراءة والكتابة لأنه من الممكن كل الإمكان أن يعيش المرء عيشة سعيدة ظريفة بدون كتب ولا حبر ولكن قلما يتأتى أن لا تميل النفس إلى الغناء إذا كان في يوم سعده. ولقد رأى اليونان هذا الرأي فكانوا يزعمون بأن تعليم الطفل الغناء يمدونه طول حياته بزاد ثمين من الحكمة والسرور دع عنك أن الغناء بالاشتراك مع الأصحاب هو آكد الطرق إلى تعلم التضامن. ثمك أنه من النافع تعويد الطفل أن يرسم بقلم الرصاص أو المنقش الأشكال والألوان الطبيعية فيتعلم بها الممارسة اللازمة للصناعات النفيسة ويعتاد النظام والتدقيق الذي يقود عواطفه بالطبع إلى التنسيق والذوق فإذا ربى الحس على هذا الطرز يستعد للتخلق بالفضائل بتقوية الإرادة وبدونها لا يتأتى قيام شيءٍ في عالم الفضيلة لأن الإرادة لا توجد الميول والرغائب تتخير منها وهذا الميل ناشئٌ مثل كثير من الميول عن الحس الذي يعمل كل العمل فمن اللازم اللازب تقوية ميول الطفل الحسنة بتثقيف إرادته بدون أن يشعر.

القدوة هي المربية في هذا الباب فهي تسلط على الرجال فما أجدرها أن تكون كذلك للأولاد يسيرون في أعمالهم بسيرتها وينهجون على الدهر نهجها فقد ذكروا أن فتاة أخذت في الشهر الخامس عشر من عمرها تقلد أباها في تقطيب حاجبه وتعتاد عادته في الغضب ولهجته في رفع صوته ثم تعلمت ألفاه في قلة الصبر والغضب وهكذا أصبحت تردد أفعال أبيها كلها بعد السنة الثالثة. وقانون القدوة الذي هو عمل من أعمال الاقتداء والمحيط يعمل عمله في الحس كما يعمل في الذكاء فقد قال مونتسكيو: من العادة أن يعلم الأب أولاده ما يعلم كما أن من العادة أن يورثهم شهواته. .

ولذا كان على الوالدين أن يراقبوا أنفسهم في كل ما يصدر عنهما بين أسرتهما وأمام أولادهما ويبتعدا عن كل ما شأنه أن يحدث في الولد تأثيراً سيئاً فيلا الأفعال والأقوال ونرى الناس لا يبالون أن يأتوا أمام الطفل ما يفسد أفعاله ومقاله ويعلمه الفاسد كلها قبل أن يعرف ماهيتها. فالغضب وكلمات الكبر والعجب واللذات الشهوانية والوقيعة والكذب تعرض كل يوم أمام عيني الطفل وأذنيه فتشوه حسه وتفسد نفسه ويعتذر الأبوان بأن ابنهما لا يأتيان أمامه وهو يدرك العيوب التي تتمثل أمامه على هذه الصورة ويتوهم بأن الواجب يقضي بذلك ويوشك أن يسوء نظره على الدهر.

ويا سعد من لم يره أبواه لأنه في الأكثر يدللانه دلالاً يفسده فلا ينتهرانه لتربية نفسه خوفاً من بكاءه أو أن يفقدوا ابتسامة مؤقتة فتسوء تربية الطفل والطفلة بصنع أبويهما وإنالتهما كل رغائبهما وماذا يظنه الولد في نفسه متى رأى حواليه أناساً على أهبة تامة لسماع ما يقوله والإعجاب به وتدليله واستحسان كل ما يصدر من فمه أو يصفقون تصفيق السرور لكل ما يقوله مما يخالف الأدب. فلو كان رجلاً لما وسع عقله كل هذا التصفيق والاستحسان فما بالكح به وهو طفل.

ومن النسا من يسيرون على عكس هذه الخطة فيناكدون الطفل في أقواله وأفعاله ويغضبونه في عامة أحواله ويعلمونه الحسد بما يستعملونه معه من ضروب التهديد الشديد الدائم الذي يروقهم تكراره وهذا من مفاسد التربية أيضاً.

فعلى الوالدين أن يباعدا عن الطفل ما يرتكبه من المضرات في تربيته فلا يشتدان عليه ولا يرخيان له العنان بل تكون تربيتهما إلى القصد فلا يمنعانه من لذائذه بكل ما يطلب ويجيبانه من رغائبه إلى كل ما يشتهي فقد قيل من يحب كثيراً يعاقب كثيراً فتأنيب الطفل من أهم فروض الوالدين وأكبر مظهر من مظاهر عنايتهما. والأولاد كالأمم يعزون الصرامة ولا يحبون إلا ما يحترمون. كل هذا بدون أن يخلو ساعة من سرور ابنهما حتى يعيش ويكون تجليه سروراً طوال حياته.

قلنا أن الوالدين ينبغي أن يكونا خير قدوة لابنهما فهو لا يتأثر بالفضيلة إلا إذا رآها بالفعل مائلة أمامه منذ نعومة أظفاره وكم من الناس لا يتطالون إلى هذه الغاية لأنهم عاشوا في وسط غير متمدن ومنهم من يحفظون حطة نفس ينم علبيها تبذل أخلاقهم ومعلوم أن لهذه تأثير في القلب وهكذا الحال في كل الفضائل فإذا شاهدها الطفل اليوم بعد الآخر يتشربها وتطمح نفسه إلى أن يأتيها بذاته. فمن أبوين حرين ينشا طفل مخلص ومن أب محتشم يكون الولد عفيفاً ومن أسرة طاهرة يخلق الولد تقياً نقياًَ. فالعدوى في هذا الباب أشد فعلاً في الطفل من قانون الوراثة وإن للحركات والسكنات أفعالاً في خلقة الطفل وخلقته ولذلك وجب أن تصدر عن النفس دائمة لا متقطعة.

وكما يقضى على الأبوين أن يكونا خيبر قدوة لابنهما يجب عليهما أن يبذرا في نفسه البذور الصالحة وذلك بأن ينميا فيه حب الذات أو الإعجاب بأحسن ما فيه فليس أحسن في التربية من أن يشعر المربى من نفسه بخجل عما أتاه فليس الأولى البعد عن مكافحة حب الذات بل المناسب تنميته على النحو اللائق وتسييره إلى وجه الكمال فمن دواعي التربية وضع الثقة في نفس من تربيه فالأديان تدعو منتحليها إلى الإيمان فمن الضروري كما يقول بعض علماء الأخلاق أن يؤمن المرء بقوته الخاصة بمعزل عن معونة خارجية فأقل شك يطرأ علينا يبتلينا بالعقم وينضب مادتنا ويحول دون انبجاس إرادتنا القوية.

وكما تحافظ على حرمة الولد عليك أن تربيه على حرمة غيره وأن تعرفه بها بأن تضرب على العرق الحساس فيه إذا أحببت أن تلقنه معنى الإحساس فأعرض عليه مصائب الناس وقارنها بما يشعر به من هذا القبيل. وبغلط الوالدان اللذان يخفيان عن ابنهما شقاءهما كأنه رذيلة من الرذائل مع أن الفقر أحسن مدرسة لتعليم الطفل الذي ولد في الرفاهية حتى لا يعتبرها بأنها واجبة أو مضمونة وتنبه فيه الشعور بالشفقة. فمن النافع أن يعرف منذ طفوليته أن من الناس من خانهم سوء الطالع ليعتاد التحنن عليهم والإسراع إلى إغاثتهم.

وتحتاج في تربية الحس ليأتي بثمرات جنية إلى أن توقد جذوته بالتحميس ليعمل الأعمال العظيمة فالواجب أن يلقن الطفل بين العاشرة والحادية عشرة من سنة الولوع بغاية سامية أرقى مما يقع تحت نظره كل يوم وبذلك تتغذى روحه وينتفع بما لديه من القوى والمواد. وخير ما ينفع في هذا الشأن النظر في أنواع التعليم كالعلوم وتاريخ الفنون والآداب فالتعليم أعظم مهماز يربي ميول الطفل ويعده لأن يكون من كبار الرجال ويربأ به عن الانغماس في حمأة المصالح المبتذلة. فالتعليم لا يقوم بوظيفته إذا لم يكن فيه ما يوسع معارفنا بل يوقد شعلتها بتوجيهها نحو الحق والجمال والخير وأساس ذلك التحمس في الإنسان.

ولا يكتفى في تاريخ تعلم الصناعات والآداب بعرضها وتحليلها بل الواجب أن يعلمها الطفل في اللوحات وإليها كل والمصانع والشعر والقصص والخطب فهي لا تأخذ مكاناً من قلبه ويتحمس بها إلا بذلك. يعرض عليه ذلك بالعمل ويشرحه للمعلم فالتعليم الأدبي والصناعي مهما بلغ من غنائه لا يتيسر تلقينه بدون قطع تشرح السر فيه كالتشريح لا يستفيد منه المتعلم إذا لم يكن أمامه جثة. فعلينا أن نبتعد عن التحليلات التي لا مستند لها من الحقيقة لأنها بقطع النظر عما فيها من الضرر اللاحق بالذهن تعود المرء على العمل بالفارغ وهي خالية من تأثير في الحس فمن واجب الأستاذ أن يطلع تلميذه على مقاصد المؤلفين ويشرح لهم عواطفهم على صورة تتمثل فيها الحياة والشعور وتبعث في روحه احتذاء مثالهم وبذلك لا يكون من تعليم الفنون والآداب فتح السبل التي يفيض منها حس المتعلم بل إن حسه إذا تجمع على هذا النحو تزيد قوته وصفاؤه وتنبع منه ينابيع لا تجف طوال الحياة.

يقول بعضهم أن التربية العلمية الصرفة تجعل الذوق قاحلاً ولطكن ربما كان العلم يتطلب قوة في التحمس كما تتطلب الفنون والآداب من الصانع والكاتب فالبحث عن الحقيقة يستدعي إخلاصاً شديداً كالنظر في الجمال. والمرء كما يقول باسكال اقل سكراً باستحصال تركيب الطبيعة وما فيه من اللانهاية منه في إيجاد شيءٍ من تصوره. فالذين يصرفون حياتهم في البحث ليسوا أقل قوة ممن يخترعون أفكاراً من نفوسهم.

قال كلود برنارد: إن الرغبة الشديدة في المعرفة هي الباعث الوحيد الذي يجذب الباحث ويعضده في أعماله وهذه المعرفة هي التي يمسكها فتفر أمامه على الدوام وتكون في الوقت نفسه عذابه الوحيد وسعادته الوحيدة فمن لا يعرف كيف يقاسي المرء العذاب من أجل الحصول على مجهول لا يعرف الأفراح التي تصيبه عند اكتشاف الجديد وهي أفراح لا يدانيها شيءٌ في العالم للحقيقة كما للجمال بهاءٌ وجلال ولذلك كم فائدة تكون للحس ولارتقاء العلوم في المستقبل أن يكشف عنها القناع أمام أعين من يعلمهم إلا أنه يجب لإشراك التلامذة في البحث أن تكرر لهم تلك الحقائق ويطلب منهم أن يبحثوا بأنفسهم وأن يوفر لهم قسطهم من السرور باكتشافها فيطلعون على مقدمات العلوم والاكتشافات العظيمة ويشوقهم إلى احتذاء مثال من جاهدوا جهاد الأبطال امام قوى الطبيعة حتى تبطنوا أسرارها فإذا حمى وطيس البحث ينشأ فيهم حب الغاية المنشودة كما أن من يبدأ باللعب ويكون ضعيفاًُ لأول أمره لا يلبث أن تنبعث له همته ويزيد لبلوغ الغاية غرامه. وهذا يستدعي لتعليم الاداب أنم يجعل التلميذ مع اتصال بالحقيقة والطبيعة التي هي ميدان درس العالم بدلاً من حصره في مآزق تبعث نفسه على المقس والتأفف في حين كان يجب أن تذكي فيها شعلة حب العلم فقد قال الفيلسوف رنان: إننا نشبه بالقديسين والأبطال وكبار الرجال في كل عصر وجيل أهل الأخلاق العلمية الذين وقفوا أنفسهم خاصة للبحث عن الحقيقة غير مبالين بالملل بل ربما فاخروا بفقرهم وبسموا لما يقدم إليهم من التكريم وتساوى في نظرهم المدح والقدح وهم على ثقة فيما يعملون سعداء لأن لهم الحقيقة ولا سبيل إلى نشر ما تعبت به عقول نوابغ الأرض في العلم والآداب والصناعات إلا على أيدي أساتذة جهابذة وبغير ذلك لا يرتقي الحس.

والتعليم الديني نافع جداً في تربية الحس فقد قال جبرائيل كومبايري: باعد عن الجنس البشري الاعتقاد بعالم أخروي أرقى مما هو فيه فإنك تسلبه بطبيعة الحال جزءاً من القوى اللازمة للتخلق بالفضيلة فإذا لم يكن هذا العالم إلا خلاءً واسعاً يضيع فيه صوت الإنسانية في الفراغ بدون أدنى قوة عاملة تضمن للعدل نصرة أبدية فالإنسانية معرضة للسقوط في حياة سافلة لاستهوائها وافتتانها بالمفاسد وما يتسرب إليها من مغريات الملاذ المادية وسواء علم الناس التعليم الديني أو لم يعلموه فمن الثابت أن الخرافات تقوى بضعف الأديان ولقلة العناية يفسد الدين ولكنه لا يضمحل فالواجب تلقين الطفل لباب الدين لا الحشو ولا اللغو ليشب على المعقول والتشبث بأذيال الجوهر بعيداً عن التعصب وصغر العقل فقد قال فكتور هوغو: إن ما يخفف الألم ويغرس التقوى والقوة والعقل والصبر والطهر والحرية في الإنسان هو أن ينظر على الدوام على عالم أحسن مما هو فيه يلمع من خلال ظلمات هذه الحياة.