مجلة المقتبس/العدد 5/صحف منسية
→ الفقراء والأغنياء | مجلة المقتبس - العدد 5 صحف منسية [[مؤلف:|]] |
مطبوعات ومخطوطات ← |
بتاريخ: 22 - 6 - 1906 |
كتب القاضي الفاضل إلى العماد الكاتب
وردت مكاتبات كنّ من المجلس العمادي أعزه الله وأكرمه حسنة استفيدت من أثر منقول، وخبر مقول، فأثيب راويه وناسخه، وشكر سارقه ومنتحله وسالخه، وعلى هذا الذكر فإن كان سيدنا تمم التاريخ الناصري فيصل ما عندي منه، ويكمل ما أنعم به، وتركته في دمشق انتظاراً لكماله، وغيرة على تلك المحاسن، أن يتناولها البلاغ، قبل أن تبلغ الفراغ. العدل (كذا) وصل حفظه الله وثقل ثم منَّ الله بعافيته ووهبها، وأتى بلطيفة من لطائف صنعه ما حسبها، وعلى ذكر المرض فالخواطر مشغولة بأمر سيدنا في هذا الإقدام الذي أقدم فيه على نفسه، وحكم الحديد في جلده، ومتى صارت له هذه الجسارة بعدي، وفديته وفدته أحباؤه فإن أشفقوا مما أقول فبي وحدي، وقد كان الصبر على تطاول المرض، أولى من هذا الهجم على هذا المضض، وما أخشى إلا أن يعسر التحامه، وتتمادى أيامه، فإما العاقبة فغير مخشية ولله الحمد، فيعرفني سيدنا ما استأنف من التدبير فيما بعد.
وكتب إليه: وصل كتاب المجلس أدام الله أنس السعادة بأيامه، والملك بأقلامه، ولا حرم الإخوان منه منة اعتزامه، ومؤونة التزامه، ولا برح التوفيق مجزلاً بسهامه، ومسدداً لسهامه، ومساعداً لمراميه، ومساعفاً لراميه، (كذا) وهذا الكتاب المؤرخ بيوم السبت مستهل ذي القعدة أحسن الله فاتحته ومنصرفه، وكشف الضر الذي نؤمل من رحمته أن يكشفه، وكتبه مضمار الأوصاف المرتكضة، وكنوز الخواطر المقترضة، ولما كانت الصدور منشرحة، والنفوس مروحة، كنا نأخذ منها أوصافها، ونعيد إلى كرمتها سلافها، فإما والخطرات معتقلة، والنفوس على همومها مشتملة، فقد ضاق فتر عن مسير، وكاد ينقلب البصر خاسئاً وهو حسير. وعرف ما شرحه المجلس فلو أن ما نحن فيه من الجرح يدمله غير العافية لكان شرحه يدمله، أو لو أن ما بالقلوب من الأسى يرحل بغير بشرى الصحة لكانت ألفاظه ترحله، وعلى ذلك فلو كان الدهر يقاتل بسلاح لقوتل بسلاحها، أو لو كانت جبال الهموم تذرى برياح، لكانت تذرى برياحها، والنفس واثقة بلطف الله تعالى وبما عود، وأن البشارة إن لم تكن في اليوم كانت في الغد. وكانت الألفاظ العمادية كأياديها، وقد جاءت مجيء مسبل الغمام العام، وأضاءت بوارقها فأخجلت ما شام الشام، وتجلت ليالي الهمو منها بأنفذ أمر عليها من أنوار الأيام، ولكن إلى أن تأتي هذه الكتب قد عفت العيون فكيف منامها، وطلقت العرائس التي تزفها أحلامها. وبالجملة فكل خبر وإن أزعج والعياذ بالله فهو دون ما نظن إذا تأخرت الكتب فتداركونا بها ولله أمر هو بالغه، وغيب هو شاهده، والله تعالى يجعل الخير فيهما، ويعيذنا من جوالب أعمالنا، ونواقص آمالنا، وقد اكتنف بي همان أحدهما أمر العلة، والآخر تأخري عن الخدمة، فأعذاري وإن اتسعت فقد ضيقتها على الحقوق الواجبة، وأخرست لساني عن المحبة الغالبة، وبالله أقسمت أن المشاهدة للآثار وإن كانت رائعة، أروح من التوقع للأخبار وإن جاءت سارة، فأنتم فيما هو أروح، وإن كانت لكم المنة، ونحن فيما هو أبرح، وإن كانت علينا الحجة. وأنا أستحسن قول الشاعر.
لولا تمتع مقلتي بلقائه ... لوهبتها لمبشري بإيابه
لو علمت أن الحياة مع الحركة تحملني إلى أول نظرة لشريتها وما غلت، وسرت وما بعدت، وتجشمت وما شقت، ولكن لست واثقاً والله بالتماسك. ولعل المسألة تقرب، والوقت يطيب، والثلج يرتفع، والطريق يسلك، والأرجاف ينقطع، والضعف الذي أنا عليه يقف، والله المستعان إن شاء الله تعالى.