مجلة المقتبس/العدد 5/تخميس قصيدة الوزير أحمد بن زيدون وهي التي
→ كتاب مادي | مجلة المقتبس - العدد 5 تخميس قصيدة الوزير أحمد بن زيدون وهي التي [[مؤلف:|]] |
الفقراء والأغنياء ← |
بتاريخ: 22 - 6 - 1906 |
كتب بها إلى ولادة بنت المستكفي بالله في قرطبة
كانت أشعتكم تجلو دياجينا ... وقربكم عن شؤون الدهر يسلينا
فبعد ما لعبت خمر الهوى فينا ... أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
أمسى لنا الغم إلفاً لا يبارحنا ... والأنس صار عدواً لا يصالحنا
يا من خبت في تنائيهم مصابحنا ... بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
لئن تكن حجبت عنكم نواظرنا ... فما خلت ساعة منكم سرائرنا
وإذ تحن إلى النجوى خواطرنا ... يكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حب قديم به أرواحنا اتحدت ... وجمرة للتلاقي طالما اتقدت
حتى إذا باللقا نار الجوى بردت ... حالت لبعدكم أيامنا فغدت
سوداً وكانت بكم بيضا ليالينا
لم ندر يوم سعدنا في تعرفنا ... أن الشقاء وراء السعد قد دفنا
آها على زمن بالحظ مسعفنا ... إذ جانب العيش طلق من تألفنا
ومورد اللهو صافٍ من تصافينا
هل نرتجي زورة للنفس شافيةً ... وهل تعود لنا الأيام صافية
قد كان إذ كانت الأقدار راضية ... وإذ هصرنا غصون الأنس دانية
قطوفها فجنينا منه ماشينا
لله ساعات أنس عندما التأم ... شمل الهناء بكم والوجد مانأما
سقيتمونا بماء اللطف ريَّ ظما ... ليسق عهدكم عهد السرور فما
كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
الدهر جرَّ علينا في رواحهم ... ذيول ذل فهل هم بانشراحهم
لم يعلموا ما دهانا من براحهم ... من مبلغ حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
نفرُّ من نكد الدنيا فيدركنا ... يخني على صفونا حيناً ويتركنا
بالوصل والفصل يحيينا ويهلكنا ... إن الزمان الذي مازال يضحكنا
أنساً بقربهم قد عاد يبكينا
كم مرة جاءنا حسادنا ونعوا ... لنا الوفاء وفي قطع الصلات سعوا
وإذ تبين أن العاشقين رعوا ... غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص فقال الدهر آمينا
دعوا لدى الدهر في تنكيس أرؤسنا ... وحرَّضوه على تفريق مجلسنا
حتى تصدى إلى تكدير أكؤسنا ... فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا
وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا
ما كان يهجعنا أضحى يؤرقنا ... والمزدري صار بالإزراء يرمقنا
فالدهر يومان مروينا ومحرقنا ... وقد نكون وما يخشى تفرقنا
فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
كل الورى لم نجد فيهم شمائلكم ... وهب وجدنا فما كنا لنبدلكم
إنا وإن أقصت الأيام منزلكم ... لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم
رأياً ولم نتقلد غيره دينا
لو أن أيامنا فيكم تخيرنا ... لاختار قرَّتهُ بالقرب نيرنا
لكنما حادث الدنيا يسيرنا ... لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا
إن طال ما غير النأيُ المحبينا
طنَّ الوشاة إذا ما شملنا انفصلا ... أن يدركوا من تراخي حبنا أملا
خابوا فلو أدركت أجسادنا الأجلا ... والله ما طلبت أرواحنا بدلا
منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
قصر سهرنا على أنوار كوكبه ... وفيه ورد الهوى فزنا بأعذبه
دعنا على الوجد نقلى في تلهبه ... يا ساري البرق غادِ القصرَ فاهق به
من كان صرف الهوى والود يسقينا إن كان أحبابنا اُّنسوا محبتنا ... وحتفنا عندهم يجري مودتنا
فيا عذاب النوى عجل منيتنا ... ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا
من لو على البعد حياً كان يحيينا
يا ظبية لم تذقنا طعم نفرتها ... حرصاً على عيننا من فقد قرتها
يا كرمة كم تمتعنا بخمرتها ... ويا حياة تملينا بزهرتها
منىً ضروباً ولذات أفانينا
هل يرجع القمر الزاهي لدارته ... فتنجلي ظلمات باستنارته
عد يا صفاءً رتعنا في نضارته ... ويا نعيماً رفلنا من غضارته
في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا
كانت بطلعتك الأرواح منعمة ... ومنك كانت كؤوس الصفو مفعمة
يا من هوانا بها أضحى لنا سمة ... لسنا نسميك إجلالاً وتكرمة
وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
أوصافك الغر ما مرَّت على شفةٍ ... إلا غنيت بها عن كل معرفةٍ
بقامة في تثنيها مهفهفةٍ ... إذا انفردت وما شوركت في صفةٍ
فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينا
الشعر يروي منِ الهجرانُ أظمأهُ ... وأن تلاه عليل القلب أبرأه
قريض شوق نظمناه ليقرأهُ ... ربيب لطف كأن الله أنشأه
مسكاً وقدر إنشاء الورى طينا
صبابة في النوى ناءت بكلكلها ... وأين آخرها من طيب أولها
يا رشفة عهدنا نابٍ بمنهلها ... يا جنة الخلد أبدلنا بسلسلها
والكوثر العذب زقوماً وغسلينا
على الصفا سحبت ذيلا كوارثنا ... فزال عاقدنا واختال ناكثنا
مرت كقبسة عجلان حوادثنا ... كأننا لم نبت والوصل ثالثنا
والسعد قد غضّ من أجفان واشينا
في خلوة ما بها إلا تتيمنا ... نارٌ ولا نأمة إلا تكلمنا كأننا وعفاف القلب يعصمنا ... سران في خاطر الظلماء يكتمنا
حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
أفكارنا مع خيالات الغرام لهت ... وبعدكم لسواكم قط ما انتبهت
بالحزن والذكر والأشجان قد ولهت ... لا غروَ أنا ذكرنا الحزن حين نهت
عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا
الطيفُ في النوم يرضينا إذا عبرا ... إذ عزت العين صرنا نطلب الأثرا
لا تعجبوا إن صبرنا نحمل القدرا ... إنا قرأنا الأسى يوم النوى سورا
مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
نرضى الهوان بديل العز أكملهِ ... والجسم ينحل سقماً من تحملهِ
ونرتضي وشلاً عن فيض جدولهِ ... أما هواك فلم نعدل بمنهلهِ
شرباً وإن كان يروينا فيظمينا
لذنا من البعد في ما ليس نرغبه ... حين اللقاء علينا عزَّ مطلبه
فؤادنا أنت دون الخلق مأربه ... لم نجف أفق جمال أنت كوكبه
سالين عنه ولم نهجره قالينا
أعرضتِ عنا وأعرضنا على وصبِ ... نكتم الناس ما في القلب من لهبٍ
فما اتخذت تجافينا بلا سببٍ ... ولا اختياراً تجنبناك عن كثبٍ
لكن عدتنا على كره عوادينا
ضاقت على رحبها الدنيا فلا سعةً ... تحوي فؤاداً وأحشاء مقطعة
نأسى إذا الشمس جازتنا مودعة ... نأسى عليك إذا حثت مشعشعة
فينا الشمول وغنانا مغنينا
لا شيء يسكن شيئاً من بلابلنا ... ولا نرجي عزاءً من وسائلنا
ظعائن الأُنس شالت عن منازلنا ... لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا
سيما ارتياح ولا الأوتار تسلينا
عين السعود لنا كانت ملاحظةً ... عند اللقاءِ وعين الضدّ جاحظةً
لئن تدم برحاء البعد باهظة ... دومي على العهد مادمنا محافظةً فالحرُّ من دان إنصافاً كما دينا
لا نغمة العود والقانون تطربنا ... ولا وجوه عذارى الحي تعجبنا
نرضى بوحدتنا والغم يصحبنا ... فما ابتغينا خليلاً منك يحسبنا
ولا استفدنا حبيباً عنك يغنينا
نصبو إلى موطن في ظل أربعهِ ... لنا حبيب كواه حرُّ أدمعه
فالقلب عندك أضحى جلُّ مطمعهِ ... ولو صبا نحونا من علوِ مطلعهِ
بدر الدجى لم يكن حاشاك يصيبنا
دموعنا عندما تجري مسلسلةً ... تتلو عليكِ أحاديثاً مفصلةً
إن لم تكن ساعة اللقيا مؤملةً ... أو لي وفاء وإن لم تبذلي صلةً
فالذكر يقنعنا والطيف يكفينا
هذا الكتاب سفير عن مرتبهِ ... في طيه شرح شيء من تعذبه
فرددي درسه ترديد منتبه ... وفي الجواب قناع لو شفعت به
بيض الأيادي التي مازلت تولينا
قولي السلام على روح بنا لقيت ... رياً ومن سلسبيل الغير ما سقيت
تحية منك تحيي مهجة شقيت ... منا عليك سلام الله ما بقيت
صبابة منك نخفيها وتخفينا
دمشق
فارس الخوري