مجلة المقتبس/العدد 5/النهضة الأميركية
→ صدور المشارقة والمغاربة | مجلة المقتبس - العدد 5 النهضة الأميركية [[مؤلف:|]] |
الآشوريون والبابليون ← |
بتاريخ: 22 - 6 - 1906 |
قال أحدهم إن مبدأ حماية التجارة الحديث أي حصر المباراة الأجنبية وتنشيط التجارة الداخلية وجعلها حرة ما أمكن كان صفة من الصفات اللازمة لسياسة الرجال الذين قاموا في عصر مونرو بتأسيس الممالك. وهذه الحماية الحديثة هي في الأكثر من عمل الأميركيين فأراد زعماء الأمة عملاً بمبدأ مونرو أن يدفعوا عن أميركا فساد المفسدين كما هو الحال في حماية ولد قاصر تنثني قدماه لأقل صلابة تلقيانها في الأرض ويطبق أجفانه بما يخطف بصره من نور الشمس المشرقة. وإذ رأى مونرو بلاده قاصرة وذات منعة وقوة طمح إلى ضمان هذه القوة فيها ليكون لسان حال كل أميركي بعد يخاطب به الأوربي: إني ذاهب إلى بلادك لأنك في حاجة إليّ ولكن لا تجيء إليَّ إذ ليست حاجتي ماسة إليك.
وجاء بعد مونرو من دعم مبدأه في حماية التجارة ومن قال بحريتها المطلقة مثل الاقتصادي هنري كاري. بيد أنهم عادوا جملة إلى رأي مونرو ووجدوا فيه سلامة تلك الأمة وقالوا أن الحماية معقولة وهي القاعدة العامة التي تقوم عليها الممالك المتمدنة ثم جرت حرب من أجل حماية التجارة بين سكان الشمال والجنوب كان داعيها وضع الضرائب على القطن والتبغ وهما من المواد الأساسية في الصادرات. والتقى الحزبان بالسلاح فغلب أهل الشمال أهل الجنوب فقوي عندئذ مبدأ حماية التجارة وصارت من العناصر الحيوية للأمة إذا كانت سنة 1890 صدر منشور ماكنلي في هذا المعنى والدعوة إلى الاحتفاظ به ولم يعف في منشوره من الضرائب الباهظة إلا واردات بعض المواد الأولية والغلات مثل السكر وأرهق بالضرائب الصوف الخشن وأنواع الحرير والحديد والفولاذ وغزل القطن والقطنية والمنسوجات المختلفة والخمور والكحول والأعمال الصناعية. فتضررت من ذلك كل من ألمانيا وإنكلترا وفرنسا. ثم جعلت الحماية سنة 1897 من 55 إلى 60 في المائة من ثمر الحاصلات وعقدوا بعض معاهدات تجارية مع بعض الدول ظل فيها حق حماية تجارة الأمريكان سالماً لم يمس بسوء واحتفظ الأميركي بالدفاع عن حماه من انهيال الواردات الأجنبية عليه كما خاف على سلامة بلاده من غارة الجماعات المهاجرة إلى بلاده.
ومذ ثبتت قدم الحرية في أميركا سنة 1820 قذفت أوربا إلى العالم الجديد بسيل من البشر من طليان وألمان وسلافيين وبولونيين وبوهيميين وإنكليز واسكندنافيين وفرنسيين وصينيين. فهاجر إلى بلاد الدولار منذ سنة 1820 إلى سنة 1870 زهاء سبع ونصف من الخلق. وكان الصيني أكثر المهاجرين امتصاصاً لمادة البلاد. والصينيون يهاجرون وتبقى قلوبهم معلقة ببلادهم ومساقط رؤوسهم ولا تزال تحدثهم نفوسهم في غربتهم بالعودة إلى ربوعهم حتى أنهم ليضنون بجثث موتاهم عن أن تدفن في أرض الغربة فهم أشبه بطيور تمر بناحية وهي مفترسة شرسة فلا تعتم أن ترجع أدراجها وتروح إلى أوكارها القديمة حاملة في مخالبها فريسة وقنيصة. فقد قدر أن ما بعث به الصينيون المقيمون في الولايات المتحدة منذ سنة 1853 إلى سنة 1878 بلغ مائة وثمانين مليون دولار كانت معظمها من ولاية كاليفورنيا وبلغ من إعناتهم أهل تلك البلاد أن قامت الفتنة عليهم سنة 1879. ومع هذا دامت مهاجرة الصينيين متواصلة. وسنة 1888 حظرت الولايات المتحدة دخول الصينيين البلاد إلى مدة عشرين سنة ولم ينفذ هذا القانون حق التنفيذ رغم العناية بتأكيده.
وما برحت الولايات المتحدة نشدد في نزول فقراء المهاجرين بلادها حتى قضت في العهد الأخير أن لا تقبل الفقير المعوز ولا المريض العاجز ما لم يقدم الداخل ضمانة مالية أو يؤكد بأن لديه مبلغاً من المال ويفحص فحصاً طبياً دقيقاً. فمن ثم باتت البلاد في مأمن من حيث الأمور الاقتصادية لا تضاهيها في ذلك مملكة في الأرض. قال باتان أحد أساتذة مدرسة فيلادلفيا الجامعة: تحتاج الأمم القوية أن تدفع عنها عوادي الأمم الضعيفة كما تحتاج الأمم الضعيفة أن تدفع عنها عوادي الأمم القوية. وقد خصت الولايات المتحدة بأن كان لها على أوربا التقدم الطبيعي فملكت سطحاً من الأرض لم تعمل فيه أيدي العاملين ولم تستخرج خزائنه وخيراته. وفي أوربا يثقل كاهل الناس بضرائب باهظة لأن ثروة الأرضين قد احتكرها أفراد معلومون. حتى لقد تضطر الحكومات أن تضرب ضرائب على أجور العمال. وهي ضريبة لا أثر لها في أميركا. ولذا قضت الحال على هذه البلاد أن تحتفظ بمبدأ حماية تجارتها سواء كان في الحاصلات الزراعية أو في النواتج الصناعية وإذا خفضت حكومة الولايات المتحدة الرسوم الجمركية ونزعت ما يحول دون تلك الحواجز من مطامع الأمم تنهال غلات الأمم الزراعية أي انهيال ويحدث لها نفوذ في الأسواق الداخلية وتق أثمان وارداتها بحيث تجاري الغلات الأميركية وتباع أسهل بيع بحيث تصبح أميركا وهي تؤدي دخلها العقاري لتلك الأمم المزارعة فتتضرر الأجور للحال