مجلة المقتبس/العدد 49/سير العلم والاجتماع
→ التربية الأوربية | مجلة المقتبس - العدد 49 سير العلم والاجتماع [[مؤلف:|]] |
مخطوطات ومطبوعات ← |
بتاريخ: 1 - 3 - 1910 |
الدرس في النزهة
اعتادت بعض المدارس في الغرب أن تخرج بتلامذتها في أيام معينة من الأسبوع إلى الضواحي تدرسهم في كتاب الطبيعة بعيدين عن الدفاتر والكتب وجدران صفوفهم ما يحرر حواسهم من رقها وينزه عقولهم من أتعابها ويعلمهم معالم بلادهم ومجاهلها وهذا ما سماه أحد علماء التربية بمدارس النزهة وليست هذه المدارس عبارة عن نزهة بسيطة يهيم فيها التلامذة والأساتذة عَلَى وجوههم كما في نزهات المدارس بل إنها نزهات هي إلى الجد أكثر منها إلى الهزل وخطتها واسعة لأنها تجمع بين الولد والأرض والحياة وتعلمه النظر والتبصر والتفكر والشعور بالحقيقة وجمال الموجودات حيوانات كانت أو جمادات وتوقفه عَلَى مناظر الطبيعة وأعمال أبنائها فيجمع فيها الولد شعوراً ومشاهدات وملاحظات وأحكاماً وتذكارات وصوراً عَلَى اختلاف ضروبها يستمد منها معرفة وحكمة.
ويخرجون إلى هذه المدارس في مساء يوم الأربعاء الثالث من شهر نيسان وأيار وحزيران وتموز وآب وتشرين الأول أي في شهور الربيع والخريف أما في الصيف فيخرجون إليها صباحاً خوف الحرارة وفي الشتاء يخرجون في أوقات الصحو والفرق بين هذه النزهات وغيرها أن الأساتذة يكونون عارفين بالخطة التي يجرون عليها وما فيها من مظاهر الكون المفيدة وظواهر الأشياء ليلفتوا إليها أنظار تلامذتهم وإذا كان في الطريق شيءٌ يغيب عن أذهان المعلمين فيتخلصوا من مأزقه في الحال.
فباستعداد المعلمين لمثل هذه النزهات ينجو التلميذ من هوى النظام المدرسي وخلل العادات ويتعود التنظيم المدقق بما يسبق نزهاته من تدقيق المعلم بما يلزم لكمال هذه النزهات من الفوائد التي تناسب مدرسته ومحيطه فيذهب التلامذة مجتمعين حول معلمهم أكثر مما هم في صفوف المدرسة يسايرونه في البراري وينظرون ويتأملون ويستمعون ويسألون ثم يعودون إلى المدرسة ببذرة من التذكارات فيكتبون مشاهداتهم ويجعلونها في جريدة مذكراتهم وربما أضافوا صور المناظر والأشياء التي وقعت عَلَى أنظارهم.
والسبب في هذه المدارس البرية هو أن بعضهم قالوا أن المدارس لا تعطي سوى جزءٍ معين من المعارف وهذه المعارف منتخبة بحيث لا تضمن للولد كل المعرفة العملية يحتاج إليها في الحياة بل إنها تؤثر في قواه وتخلق له فكراً وتنيره وتوسعه وفيها التربية الحقيقية فالواجب أن يحمل الطفل من أبناء الشعب عن معلمي مدرسته الابتدائية عادات حسنة من التفكر وذكاءً نبيهاً وأفكاراً رائقةً وصحة حكم وبعد نظر واستقامة في الفكر واللسان. وليس في هذه الطريقة من التعليم طرائق ميكانيكية تبلد الذهن ولا دروس عالية تحوي في مطاويها معلومات تافهة باردة بل فيها كل ضروب التعاون في الأفكار المختلفة المرنة ولا سبيل إلى إبلاغ العلم إلى العقول إذا كان المتعلم يلقيه عَلَى صورة مجردة ويعلمه كالمتسلط فعلى المعلم أن لا يلقن إلا ما يقرب من إذ أن الطلبة وعليه في كل تعليم أن يستخدم أموراً محسوسة ويري الأشياء بحيث تمسها اليد ويقف بالطلبة أمام حقائق ناصعة ويمرنهم بالتدريج عَلَى استخراج المجردات فهو يربي صحة الحكم في تلميذه بما يقوده إليه من النظر ويربي فكر البحث بكثرة النظر والعقل بمعاونته عَلَى التعقل بذاته من دون قواعد منطقية.
التلميذ لا يتعلم دروس الأشياء في كتاب ما لم تضع أمام عينيه صورة الشيء أو عينه وإلا فيكون كالببغاء يسمع المدرس فيتثاءب والأولى أن ينظر إلى الشيء بذاته فإن صورته واسطة وخير للناظر أن ينظر مباشرة فينطبع بطابع ما يرى أشكاله ويسمع صداه وينشق رياه ويغتني بأسماءِ الأعيان والأجناس التي تفهمه الأشياء وتمثلها لعينيه بما فيها من زخرف ثم يحسن أن تذكر في كتاب مع صورتها. ولئن أفادت المعارض الطبيعية والمتاحف في المدارس فإن الأفيد منها والأقرب إلى حصول المقصود أن تعرض الأشياء عَلَى أنظار الطفل في أماكنها فالواجب أن يرى الحجر في الجبل والحصاد في الحقل المتموج بأشعة الشمس والنبات والزهر في النور المرتج قبل أن يفهم بل ليفهم مجموعة المعرض من أعشاب وزهور وأحجار. يجب أن يذهب إلى الطبيعة ليلاحظ الأشياء والمخلوقات في مساكنها وأماكنها واكتشاف الصلات بين الأرض والبشر.
فيخرج الطفل من المدرسة وهو أقرب إلى العمل والحقائق مسلحاً بسلاح ماض من التعليم لطعن عوائق الحياة وليس معنى هذه التربية إخصاء التلميذ في العلم بل تلقينه مبادئ عامة واستعداداً موسعاً فيه يحبب البلاد التي خلق ليعيش فيها وتلقي في نفسه ذوقاً للبقاء فيها ليعمل بها ويضرب فيها أوتاد مقامه ولذا اقتضى أن ينظر في مظاهرها الطبيعية ويرى صناعاتها وفنونها كيف رقيت ويقرأ تاريخ أجداده ويشعر بالصلات والاتحاد المعقود بين الأرض وأجيال الناس الذين راقهم النزول فيها وحولوها منذ قرون إلى الحالة التي وقع استحسانهم عليها.
وبهذه التربية تتربى الحواس في التلميذ عَلَى حين تصاب بين جدر المدرسة بإغفاء. والتربية الطبيعية تشد أزر التربية العقلية وهناك القوة والنفاذ فيتيسر للتلامذة أن يقدروا الأبعاد الشاسعة بسيرهم عَلَى الأقدام ثم بالعين من بعيد ولا يبرحون يتصورونه حتى يترسخ في ذاكرتهم فينظرون إلى قامة إنسان وعلو بيت وطول شجرة عَلَى اختلافها في البعد والطول ويميزون بين جمال الأصقاع وما يتخللها من المظاهر والألوان أما صغار الأطفال فلا يستطيعوا أن يسايروا أترابهم الأكبر منهم سناً فيجلسون إلى ناحية ويقطفون زهوراً وأوراقاً ويعدونها وبذلك يكون لهم درس في الحساب ثم يجمعونها بحسب أشكالها وحجمها وبذلك تتمرن ألسنتهم عَلَى الكلام وأذهانهم عَلَى النظام. فحاستا الذوق والشم تتمرنان باستنشاق الزهور وجنيها ورائحة المرج والأرض وغابة الصنوبر والسمع يتعود الإنصات إلى خرير المياه وتقدير المساوف التي تبلغ بها الآذان وتتمرن الأيدي كما تتمرن العيون عَلَى المساحة وتكعيب الخشب فتقرب التلميذ من الأرض ومن أعمال البيوت.
نعم بهذه الواسطة يتعلم الطفل عَلَى الحساب والمساحة والعلوم الطبيعية بما يعده ويحسبه ويحوله ويجمعه من النبات والحيوان والمعادن والأحجار والمسافات وهكذا ينتقل نظر التلميذ في الخلاء من حقل يعمل صاحبه بيد وكرم يعزقه مالكه ومعمل يشتغل فيه الفتيان والفتيات وترتفع الكلفة بين المعلم وتلاميذه فيسيرون معه أو يسير معهم كما يسير أب مع بنيه ويدرك التلامذة باحتكاكهم بأرباب الصناعات وعملة الحقول أن العمل شريف في ذاته وأنه خير ما يعد له نفسه.
العالم في الصور
كتبت الآنسة برس في مجلة التربية مقالة قالت فيها: إن أول من رأس تسهيل الدرس عَلَى الأطفال بوضع صور في الكتب المدرسية هو أحد قدماء العلماء آموس كومينوس (1592_1671) وما برحت طريقته تنتشر ولكن عَلَى ضعف حتى العهد الأخير وقد غدت الكتب المدرسية وغيرها مصورة كلها بل أفرطوا في بعضها حتى قال بعضهم أن كثرة الصور توشك أن تأتي عَلَى كل اجتهاد للفهم وتفكر الإنسان بنفسه في موضوع بمجرد وصفه وصفاً بسيطاً. ولكن الذاهبين إلى أن الصور تضعف قوة التصور هم عَلَى خطأ في دعواهم فإن الصورة تقوي الجهاد للفهم وذلك بأن تجعل الحواس والذهن تتحرك بنفسها منذ الصغر ويتسع أمام الطفل عالم العلم المنوع وتعلق بواسطته مبادئ من العلم غير قليلة وبذلك يكون الفكر في سعة من الوقت والقوة اللازمة للبحث في أمور أخرى لا يتأتى التمكن منها بالنظر. نعم إن الصور توضح كل شيءٍ بحيث تكتفي أرباب أرباب العقول العادية بما فيها وهي مفيدة تفتح لأرباب الأفكار العالية أموراً جديدة أخرى. ولعمري أليس التصوير من حيث الجملة هو سبب ونتيجة لاتساع الانتباه العقلي في السنين الأخيرة.
فالواجب أن تري الجغرافيا عيوننا صوراً من بلاد العالم لم نراها ولن نراها. وأن يكون التاريخ معرضاً صور لكل عصر أو لكل القصص التي تعظم قيمتها لقلة صحتها لأنها تعبر عن حالة الأفكار العامة لزمن أو لشعب أهم من فكر الأبطال الذين تنتسب إليهم. وأن يكون التاريخ الطبيعية عبارة عن نزهة في حدائق حيوانات أو حيوانات تتمثل حية ونباتات تبدو بجمالها وقوة أصولها وصخور تبدو عَلَى أجمل مظهر لتنبه النظر إلى التأمل.
نعم فلتكن عجائب المعامل والأدوات وما وصلت إليه بعض الصناعات والأعمال الاجتماعية من الارتقاء من مألوف عقل الولد بوساطة التصوير وبذلك يربح الطفل لنفسه وللمستقبل لأن ما يتمثل لعينيه يقيمه وسط التمدن العصري محفوفاً باكتشاف العلم وتبدل الأخلاق السريعة في تحولها اليوم وكم من عادة كانت بالأمس غريبة فأصبحت اليوم من المألوف وكذلك سيكون الحال غداً في الطيران في الهواء فلكي يستعد الطفل لتلقي ما يحدث غداً من الارتقاء يجب عليه بعد الآن أن ينظر بلا انقطاع بكل ما فيه من قوة نظر إلى ارتقاء اليوم.
والصور مفيدة في تعليم الحساب وتصور الحياة العملية وفي دراسة النحو والصرف فإن كتاب علم مصور تصويراً جيداً هو درس في الذوق ولطف في الصناعة والواجب أن ينبه المعلم تلميذه إلى ما حوت الصورة التي تمر في الدرس من المعاني وإن كان من الصور ما ينطبق بنفسه فالأولى أن ينطقه. فالطفل لأول حركته يعطى لعباً وصوراً منقوشة محسمة فإذا تقدم في السن تعرض عليه صور عَلَى الورق ليتعلم منها ما يحدث في الحياة البيتية فيشرح المعلم لتلميذه كل الأدوات والآنية والخرثي والماعون والثياب لينبه ذهنه إلى كيفية استعمالها وإذا شرحت الصور للولد شرحاً كافياً لا يلبث متى أدرك أن يقلدها بيده ويتعلم ما هو بعيد عنه كأن يدرس ابن المدينة ما يجري في القرية وابن القرية ما يتم في المدينة فبالتصوير يدخل الطفل في عالم جديد والتصوير يمثل لعينيه العالم في مظاهر لم يكن يتوقعها فيرى حواليه الأشياء والمناظر التي رآها في كتابه وربما كان يمر بها وهو ساه لاهٍ عنها وبذلك يعلم جمال الحقيقة فالإكثار من مجاميع الصور في المدارس والبيوت من أقوى أسباب التعليم.
صحة العين
نشر الدكتور دوفور في مجلة التربية مقالة في صحة العين في البيوت المدارس قال فيها:
إن الواجب تنظيف عيون الأولاد والعمل لما فيه وقايتها لا أن يمدوا أيديهم إليها وهي وسخة فلا تستعمل لها اسفنجة ولا خرقة استعملت في سائر أجزاء الجسد ولا أن تغل عيون الأولاد بما استحموا به. لأن الاسفنجة حتى ما يستعمل منتها لفرك الوجه لا تخلو من وسخ ولكي يثق المرء بنظافتها يجب أن تجعل في ماء غالٍ كل مرة يراد استعمالها وكث يراً ما تكون الفوط قاسية القماش فالأحسن استعمال شيء من القطن للعيون ثم ترمى بعد الاستعمال وأحسن سائل لغسيل العين الماء الطاهر وإذا أريد مزيد العناية فالواجب استعمال ماءٍ أغلي ثم فتر وتجعل فيه قطعة من القطن المعروف ثم تمسح بها العين ولاسيما وراء الجفون والحدقتين من جهة الأنف والواجب تنشيف العيون بعد غسلها حتى لا يبقى فيها اثر للنداوة. وأن يفهم الطفل متى وعى عَلَى نفسه أن لا يقرب يديه وهما موسختان من عينيه كما لا يقرب منها شيئاً يؤذيها مثل قلم أو مقص أو شنكل أو موسى فإذا كبر وتعاطى بعض الصناعات تجعل عَلَى عينيه نظارات تقيها الذرات الضارة.
ويقضى أن تكون غرفة المدرسة منورة بالنور الأبيض وبنور النهار ما أمكن وما دام النور الطبيعية كافياً يجب تفضيله عَلَى النور الصناعي. ومما يضر العين بل مجموع حالة الإنسان أن يبقى المرء في غرفة منورة بنور أحمر مثل غرف التصوير الشمسي فإن للألوان الملونة تأثيراً في النظر. يجب أن يكون النور غزيراً فإن مضرة النور القليل تضطر التلميذ إلى الاقتراب من دفتره أو كتابه فيشغل قواه النظرية بإفراط فإذا عني بصحة عينيه منذ صغره يجود نظره في كبره ولتدارك ذلك يجب أن يكون النور كافياً بحيث يستطيع التلميذ أن يقرأ عن بعد الثلاثين سنتيمتراً عَلَى الأقل براحة. ويقضى أن تكون غرفة الدرس بحيث يرى منها التلميذ شعاعاً من نور الشمس أو ضوءِ النهار وأسوأ المدارس ما جعل خالياً من النور في الطبقة السفلى من البناء لا ترى منها إلا الفناء أو شوارع ضيقة.
والأصلح أن يدخل النور عن شمال الولد فإنه إذا قابله يبهر نظره فيضره وإذا استدبره يظلل جسم الطفل ما تحت يده من الورق والكتاب وإذا جاءه عن يمينه يغطي السطر الذي يخطه. ويمكن تنوير الغرف العالية من سقوفها وإذا أريد التوقي من نور الشمس في غرف المدارس فالأحسن اختيار ستور رمادية فاتحة كما تجعل الجدر كذلك حتى لا تبهر عيونهم ويجب أن يكون النور الصناعي شديداً ما أمكن فالغاز دون الكهرباء ضوءاً وخيره ما جعلت له زجاجة ولذلك تفضل مصابيح البترول والغاز والكهرباء عَلَى الشموع وغيرها مما لا زجاج يمنع الهواء عن العبث بنوره. ويقتضي للغرف المنورة بمصابيح البترول والغاز أن تهوي لأنه ينبعث من تلك المصابيح بخار وحامض كربونيك تستدعي الهواء أك ثر من الغرف المنورة بالكهرباء.
أما كيفية الجلوس فينبغي ألا تكون عَلَى كراسي لا تليق إلا للجلوس عليها بضع دقائق في إحدى القهوات بل تكون بحيث لا يقترب التلميذ مما بين يديه من الكتاب وغيره أقل من 32 إلى 33 سنتمتراً ويكون جسمه وذرعاه ورأسه عَلَى وضع يستريح به فإذا جلس بعيداً عن الكتاب أو الدفتر لا يصير أحس قصير النظر أو أنه إذا كان مصاباً بالحسر لا يزيده إعضالاً. فإذا أحب الكتابة يشتد مقدم ذراعه عَلَى المنضدة ويبقي مرفقه مطلقاً في الهواء وأن تكون المقاعد عالية في الجملة وعلو محل كل تلميذ 65 سنتمتراً عَلَى الأقل ويجب أن يعود الطفل عَلَى الكتابة المستوية لا عَلَى السطور المائلة لأن المائلة تسبب الحسر وأن يعلم العمل بالأدوات الكاتبة التي شاعت بالاستعمال في أميركا. ويختار من الكتب ما تقرأ حروفه مطبوعة عَلَى ورق غليظ في الجملة بحيث لا تبدو الحروف الناتئة من أسفله ويكون الورق أبيضاً خيراً من الرمادي أو الأصفر الذي يمتدحه بعض أطباء العيون فالحروف الجيدة ما لا تلتبس فيه الحروف المتشابهة بالرسم حتى عن بعد. ويجب أن لا يتجاوز طول السطر عن ثمانية سنتمترات وبين كل سطر مسافة ثلاثة مليمترات وأن لا تطول الصفحات ويكون لها هوامش بيضاء.
لا يدخل الطفل المدرسة قبل السادسة من عمره ولا يبدأ بتعليم الكتابة إلا بعد سنة من بداءته بالقراءة ويعلم الكتابة بالورق والقلم لا عَلَى ألواح من الحجر ولا يعلم في النهار أكثر من أربع ساعات وهو جالس بحيث لا تتجاوز كل مدرسة أكثر من ساعة يفصل بين كل واحدة منها ربع ساعة عَلَى الأقل يصرفها التلميذ في اللعب في الهواء الطلق أو تحت رواق بحسب الفصل ولا يقرأ التلامذة ولا يكتبون خلال النزهة وأن تقلل ساعات درسه في بيته ما أمكن لأن شروط الصحة تكون في البيت غير مستوفاة في الجملة وكذلك ينقطع الولد عن الدرس أيام العطلة وكل أسبوع كما تصرف العطلات المدرسية في الهواء الطلق لا في العمل. والأحسن أن لا يملي الأستاذ عَلَى تلامذته ما يقضى عليهم أن ينسخوه بل أن يكتبه ويوزعه عليهم ويلاحظ الأطفال المولعون بالمطالعة فلا يسمح لهم أن يطالعوا في الفراش لأن جلستهم تكون غالباً مختلة ونور الغرفة ضئيل ويجب تعويد الأطفال رؤية الأشياء البعيدة حتى تتمرن عيونهم عَلَى النظر.
والحسر من الأسباب الرئيسية إن لم يكن في العمى التام فلنصف عمى يجعل الإنسان عاجزاً ويحول بينه وبين تعاطي أكثر الصناعات وقد فحص كوهن في ألمانيا سنة 1865 زهاء عشرة آلاف طفل فقر ربان الحسر في مدارس القرى يكاد لا يوجد لهم أثر ويزيد عددهم بزيادة الدرس ويبلغون الدرجة الكبرى من قصر البصر في المدارس العالية والجامعات وإن الحسر في التلامذة يزيد من الطبقة الواطئة إلى الطبقة العالية وإن كان يكثر في العلماء لكثرة تحديقهم الساعات الطويلة وإن الحسر يزيد في صاحبه كلما تقدم في درسه. وقد أكد كثيرون في بلدان مختلفة هذا الإحصاء فإبان البحث بأن الإفراط في تقريب العين المرئيات يورث الحسر وهذا ناشئ من سوء جلسة التلميذ الذي يحني أعلى جسمه إلى الأمام مستنداً عَلَى مقدم ذراعيه مصعراً رأسه والسبب في الحسر واختلال وجهة العمود الفقري رداءه وضع التلميذ.
ولقد كان ولا يزال لمسألة الحسر في المدارس شأن عظيم ولطالما أرسلت الحكومات إلى مدارسها بالتعاليم الواجب عَلَى المعلمين تطبيقها عَلَى التلامذة لوقاية أعينهم من الضعف والقصر من أحسن الخطط التي اختطوها (1ً) أن يقسم التعليم عَلَى وجه لا يضطر فيه التلميذ إلى صرف أكثر من ساعة متتابعة (2ً) أن تمرن العيون عَلَى النظر إلى مسافات متراخية (3ً) الرياضة المتوالية في الهواء الطلق والرياضات البدنية (4ً) الامتناع عن القراءة في العتمة أو في الشفق أو ضوءٍ مظلم (5ً) حسن العناية بوضع التلميذ خلال القراءة والكتابة (6ً) الحظر عَلَى التلاميذ أن يضعوا عَلَى عيونهم نظارات بدون استشارة طبيب العيون (7ً) يجعل التلاميذ الذين ضعفت عيونهم في مكان يعينه الطبيب (8ً) يجب أن ينبعث النور للقارئ والكاتب والمصور من شماله أو من أعلى رأسه (9ً) يجتنب النور الصناعي وإذا كان لا مناص منه فالإقلال ما أمكن من القراءة والكتابة عَلَى ضوئه ويبتعد عن التصوير فيه (10ً) يعلم الأولاد بحروف صغيرة (11ً) يحظر استعمال الورق (12ً) يباعد بين العنق والعمل القريب.
تربية بيوت الضاحية
اشتهر الدكتور ليز في ألمانيا بإنشاء مدارس سماها بهذا الاسم وشاعت طريقتها في أوربا وأميركا عَلَى نحو ما كانت شاعت منذ بضع سنين كتب إديمون ديمولانس في فرنسا القائل باتخاذ التربية السكسونية. وقد كتبت مجلة التربية الفرنسوية يصف طريقة مدارسه قال: إننا أنشأنا خلال العشر السنين الأخيرة من بيوت التربية ثلاثة وهي في الضواحي بعيدة عن المدن يتربى فيها التلميذ ممتعاً بكل قواه الطبيعية والدينية والأدبية فيعيش في محيط ملائم لتربية شخصيته عَلَى القوة والنشاط عَلَى صورة تعرف فيها قيمة الحياة وأفراحها وتكون جديرة بأن تساعد عَلَى سعادة الخلق فيقوم المعلمون في هذه المدارس بوظيفة المربي الحقيقي يعيشون مع الفتيان الذين عهدت إليهم تربيتهم كما يعيش الأصحاب ويعينونهم ما أمكن عَلَى إتمام تربيتهم الشخصية فيلعبون ويعملون معهم ويقاسمونهم اللذائذ والأعمال الجدية ويؤثرون فيهم بالمثل والقدوة وبما يبثونه في قلوبهم من حب الميل إلى كل الصور الشريفة والنافعة في العمل. وللتربية العملية المقام الأول في هذه التربية فيمكنون الطفل أن يعيش في الهواء الطلق وما يتحتم عليه القيام به من أنواع الرياضات البدنية يكون متناسباً مع نموه ويعمل به بدون إفراط فيوصونه بالمشي والعدو وأعمال الرياضة وركوب الدراجة وهذه الرياضة الأخيرة تكون في السنة الحادية عشرة ومن جملة الأعمال التي تقوي جسمه زراعة البقول والزروع والنجارة وهي من الصناعات التي كتبت لها المدرسة فضل التقدم وإذ كان الدكتور وايز يعلق شأناً عظيماً عَلَى تأثير جمال الأقاليم في التلميذ أسس مدارسه الثلاث في ثلاثة أقاليم بهجة من بلاد ألمانيا أما الأشغال العقلية فيجب أن يعلمها الطفل عَلَى صورة مقبولة ويتقبلها بفرح فينبه ما فيه من الميل الفطري وهباته في النظر وقوته في التفكر كما تربي فيه العواطف الدينية والأدبية والوطنية وتفي بما يحفظ نظام الحياة وسذاجتها وإخلاصها المطلق نحو الواجب.
قال لقد أنشأنا في ثلاثة أقاليم بهجة من بلاد ألمانيا (في هارز تورنغ ورون) ثلاثة دور للتربية للأطفال والمتوسطين والكبار وذلك ليكون أبناء كل سن مع أبناء سنهم ويخلصوا من حبسهم في مدارس داخلية أشبه بالثكن منها بالمدارس فيعمل أهل كل سن ما يشاؤن لتنمية شخصياتهم ولهم من تنوع الأقاليم التي ينقلون من مدارسها ما يوسع أمامهم أفق العمل في الحياة وليس في كل مدرسة أكثر من 50 إلى 70 تلميذاً يقسم كل 10 إلى 12 منهم فرقة واحدة يتولى أمرها معلم يعيش معهم كما يعيش الأب مع أولاده وهكذا تتسع دائرة اختبار الطفل وأفكاره بتنقله من فرقة إلى أخرى ومن مدرسة في هذا القطر إلى أخرى في قطر آخر تخالفها بعض الشيء في النظام.
والعيش في هذه المدارس منوع الأساليب حسن النظام بحيث يلاءم تنمية القوى العقلية والطبيعية فيستيقظ الأولاد فيها بين الساعة السادسة إلى السابعة صباحاً ليغنموا نشاط البكور فبعد أن يستحموا ويفطروا يبدءون بالدروس وهي خمسة طول كل منها 45 دقيقة وذلك للمتوسطين والكبار أما الصغار فدروسهم أربعة. ودروس الصباح لا تكون إلا فرعين أو ثلاثة ويفصل بين كل درس فرصة للنزهة وفرصتان تدوم كل منهما ثلاثين دقيقة تخصص إحداهما للركض في الغابة إذا كان الوقت صاحياً وفي الشتاء للتزحلق عَلَى الثلج واللوج والنزهة الثانية لتناول الطعام الثاني ويتغذون الساعة الواحدة بعد الظهر والتعليم ينتهي الظهر وللتلميذ ساعة قبل الطعام يتعاطى فيها أعماله الخاصة أما الأكل فإنا نتبع فيه طريقة الدكتور لاهمان وذلك بأننا نكثر من البقول والثمار ونقلل من تناول اللحم ونتحامى الأطعمة ذات التوابل والمشروبات الروحية والجزء الأول من وقت بعد الظهر أي من الساعة الثانية إلى الرابعة نستعمله في الأعمال العملية مثل البستنة والنجارة أو في الفنون اللطيفة كالرسم والموسيقى الآلية وبعد الساعة الرابعة يبدأ العمل العقلي عَلَى أنه تقال فيه ما أمكن التمارين المكتوبة والنصوص المستظهرة. والعمل الجوهري في المدرسة يتم في الصباح وتدوم مدة الدرس في المساء ساعة في المدرسة الصغرى وساعة ونصف في المدرسة الوسطى وساعتين ونصفاً في المدارس الكبرى وبعد رياضة طبيعية قصيرة أو درس في الفضاء يذهبون إلى المائدة الساعة السابعة وبعد ذلك يستريح الطفل قليلاً عَلَى نحو ما يشاء ثم ينتقلون إلى قاعة السر فيبدأ أستاذ الموسيقى وجوقة التلامذة في أول الاجتماع وآخره بتلحين قطعة من الشعر ثم يتلو المدير قطعة أدبية تتشربها روح الطفل وتكون الأدبيات متناسبة مع اقتدار القوى العقلية في الطفل فالصغار يرتاحون إلى تلاوة الأقاصيص والحكايات والقطع الشعرية أما الكبار فيحبون أنواع الآداب العالية وينام الصغار في الساعة الثامنة وينام الكبار في الساعة التاسعة.
وفي كل أسبوع تقضي كل فرقة أو أسرة السهرة في رفقة أب الأسرة ويخصصون سهرة أخرى لسماع الموسيقى وكثيرا ما تتلى عليهم محاضرات يقوم بها أصدقاء المدرسة أو الأساتذة أنفسهم وهكذا ينتهي اليوم بما يعلي نفس التلميذ ويحدوها إلى المطالب العالية. وإذ كان التلميذ في حاجة إلى الحرية لترتقي مداركه فالمدرسة تطلق سراحه بعد ظهر الأربعاء والسبت ولا يخشى أن يسيء استعمال هذه الحرية لأن انفراد المدرسة في الخلاء والعيشة الاشتراكية بين الأساتذة والتلامذة وكثرة الأعمال الطاهرة والجاذبة تستدعي نشطته وتقود إرادته.
وطريقة المدرسة في التعليم طريقة الوصف والاستدلال التي تساعد الطفل أبداً عَلَى مؤازرة المعلم في عمله. ولا تطبق هذه الطريقة إلا عَلَى شرط أن تنظم المواد المدروسة في هذا العمل الابتدائي المشترك وأن تعرض من جديد عَلَى الطفل في صورة علمية. وإذ كانت الفروع التي تدرس في كل صباح قليلة سهلة البحث في المسائل التاريخية والعلمية واللغوية وذلك بدرس تجارب الغير والمستندات الموجودة وعلى هذا يتأتى التوسع في درس تاريخ الأدب بدون أن يجزأ وللطفل من وقته متسع ليعرض أفكاره ويقدم اعتراضاته ويهيئ أجوبته.
إن احترام التلميذ لشخصية المربي وطاعته له هي من الشروط الجوهرية في نجاح التربية وهذه المدارس لا تتطلب من تلامذتها بالخوف ولا بالقصاص. فإن التأثير الروحي الناشئ من الشخص المربي الحري بكل تجلة والانقياد للطبيعة أو للعقل وتأثير نوع الحياة والعمل المطلوب هي وحدها حرية بتربية أخلاق حرة.
وعلى ذلك يسمح للتلميذ أن يجري مع ميوله ويقوم بما يزيد في نشاطه عَلَى عمله ولا تطلبه المدرسة إلا بما لا غنية عنه بتربيته الطبيعية والعقلية فتعلمه بالقدوة وبما يسود فيها من الأفكار العامة إلى أن يدرك ماهية الواجب بحيث يتضح له بأن نجاحه هو نتيجة لازمة لنظام منطبق عَلَى العقل.
أما العقوبات فيستغنى عنها في هذه المدرسة لأن المربي يتنزل إلى تقريب مناهجه من عقل التلميذ ويعامله عَلَى نصاب العدل وإذا اختلت هذه الشروط تصبح الحاجة ماسة إلى العقوبات وعلى التلميذ من ثم أن يتعاطى عمله بابتهاج وهذه هي الطبقة من التلامذة التي تتوخى المدرسة تنشئتها والقيام عليها ولا تطلب منهم الكمال بل تريدهم عَلَى أن يرتقوا تدريجياً متناسباً مع قواهم واستعدادهم. وإذا لم يكف ذكاء التلميذ وإرادته للتوقي من الأغلاط أو لسد مواضع الخلل من تربيته فإن المدرسة تنشطه وتصبر عليه في جهاده عَلَى أنها لا تكلفه ما لا طاقة له به.
ويعامل كل تلميذ بالاحترام اللائق بشخصه فإن المربي الحقيقي هو الذي يكتشف في كل تلميذ حتى في المقصرين منهم في المدارك ما هو جدير بالاحترام وقابل للتكمل فإذا تم ذلك فالحياة المدرسية تنقضي في دعة نافعة ونفع شامل.
وإذا مست الحاجة إلى إنزال القصاص بالتلميذ فلا يكون إلا عَلَى أقل درجاته فمن أساء استعمال حريته تحجز عليه ومن تراخى في درسه يغيرون له الأسلوب في الإلقاء والمراقبة وطريقة تنشيطه وهكذا تجتهد المدرسة أن تحمل الولد عَلَى الاعتراف بخطائه وتأخذ بيده كل الأخذ لتوقد في نفسه جذوة العمل الصالح. ويحرمون العقوبات البدنية والقصاص الخارجي التي ليس لها علاقة داخلية مع الخطأ الذي ارتكبه كما لا يعمدون إلى مكافأة المحسن من التلامذة بمكافآت مادية. لا جرم أن أعظم العقوبات التي تشاهد في تربية مدارس المدن ناشئة من الخروج عن سنة الفطرة وهذا ساقط من ذاته في مدرستنا بالنظر لموقعها من الخلاء ولطرز معيشتنا.
ولقد اقتنعنا بأن كل شخص لم يطرأ عَلَى قلبه وذكائه ما يشوههما كل التشويه هو قابل للخير حري بالمعاناة لإصلاح حاله. فالثقة والحب والإخلاص والمعاملة بحسب قانون العقل كلها من العاملات في ضمان النجاح للمرء حتى أن النجاح وإن كان لا يرجى في الحال بهذه الطريقة فإننا عَلَى ثقة بأن البذرة الملقاة لابد عاجلاً أو آجلاً أن تأتي أكلها.
نحن نحاول أن نحب تلاميذنا بدون ضعف لنلقنهم معنى الواجب ونحببه إلى نفوسهم وننشطهم عَلَى الرغبة فيه أبداً. هذه هي القواعد التي جرينا عليها منذ عشر سنين وظهرت بعض نتائجها وحذت حذونا بعض المدارس التي أنشئت في البلاد الخارجية فأبانت عن نجاح وستعظم فائدته في المستقبل أكثر.
معنى التاريخ
كتب الدكتور ماكس نورد كتاباً بالإفرنسية تحت هذا الاسم جاءت فيه بعض الفقرات الآتية:
إن ما كان يراه الجيل الماضي في التاريخ لا يراه الحاضر وما يناسب هذا لا يناسب المستقبل وما يناسب الهنود واليابانيين لا يناسب الأوربيين والأميركيين فالتاريخ يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فما تنبه به اليوم إلى مصلحة عامة لا يكون له غداً تأثير في العالم. فالتاريخ يسير في ظلمات الماضي كالإنسان الذي يحمل مصباحاً وشخصية المؤرخ تظهر وإن قال ذلك المؤرخ أن الواجب إخفاؤه لإيراد الحقائق مجردة. وقد قال هيرودوتس أبو التاريخ ليس التاريخ إلا لعب ممن يرويه ولا يختلف عن القصائد التي تنظم في تمجيد الأبطال إلا بكونه نثراً وهذه شعر. وهو إلى اليوم لم يبرح على ما يدعيه بعضهم من أنه أصبح علماً عبارة عن قصة ولا يختلف المؤرخ عن القصصي إلا بأن حريته محدودة بحوادث حدثت وعرفت في الجملة وذلك لأنه لا يستطيع أن يناقض ما وقع التسليم به عند السواد الأعظم. ليس التاريخ علماً لأن العلم ليس إلا معرفة الصلات بين النتائج والمقدمات التي تربض الظواهر ببعضها البعض ومعرفة النواميس العامة في الطبيعة التي هي مفصحة عنها. وقد ردَّ المؤلف هربرت سبنسر قول من يطلق لفظ علم على هذا النوع من التقييد والتنسيق في الحوادث. وعبثاً حاولت فلسفة التاريخ أن تحدد الصلة الأصلية في الحوادث وأن تضيع القوانين التي تتسلسل بها الوقائع التاريخية وربما جاء زمن اقتدر الناس فيه على تدوين تاريخهم خالياً من التناقض إذا ارتقى الفونوغراف والتصوير الشمسي أكثر من الآن. ولكن لا يتأتى أن يدون بهذه الواسطة إلا جزء صغير من الحوادث وما وراءها وهو الأهم كنحو ما يضمر في روح البشر ويبقى مخفياً عنا فلا سبيل إلى نقشه ونقله. والحقيقة أن لكل مؤرخ رأياً خاصاً في الصور الكبرى من الماضي والحاضر وقلما تتفق صوره على صور رصفائه.
التاريخ هو غير تدوين الوقائع بل هو خارج عنه وأرقى منه وما التاريخ إلا مجموع حوادث اعترضت الجهاد الإنساني في سبيل الحياة فهو تابع الأعمال والمحن والميول والحقائق التي يحاول الإنسان بها أن يوفق بينه وبين الشروط الطبيعية والصناعية الكائنة في المحيط الذي ولد فيه ويجب عليه أن يعيش وسطه فلا ترى بين رجل عادي ورجل فاتح فرقاً في الطبيعة وكلاهما خاضعان للقوانين الفطرية فالأول لا علاقة له بغيره قد يعيش ويموت فلا يدري به أحد أما الثاني فيؤثر بأفكاره وأعماله في ألوف وملايين من أبناء جنسه فالفرق بينهما في الكمية لا بالكيفية وكم من أناس كبر مقامهم من دونوا أخبارهم حتى أن كثيرين ليعجبوا من أرباب الرحلات السخفاء عجبهم من كبار الفاتحين المصلحين وكم من أناس هم عظماء في نظر أمة ولا يذكرون عند أخرى وكم من زلازل وحرائق أثرت في الانقلاب البشري أكثر من الحروب والغارات وما سبب ذلك إلا المؤرخون فإنهم غالوا في هذه وسردوا أخبار تلك على وجه عادي.
قال ومن المحقق أن معرفة الحوادث التاريخية ليس فيها ضرورة حيوية كما هو الحال في الظواهر الطبيعية ونواميسها بل إنها تسد في المرء حاجة نفسية بل حاجة اجتماعية. وملكة النقد على الجملة غير مرتقية في السواد الأعظم من الخلق فلم يرزقوا استعداداً للتمييز بين الحق والباطل وقلما يهتمون بذلك فكل قول يؤكد قائله صحته يقبلونه مصدقين بدون أن يطلبوا الدليل عليه وأن يبحثوا عن درجته من الصحة والتثبت. فكما أن اللاهوت يوقف الناس عن الأسباب الأخيرة في نظام هذا العالم أو المعجزات تكشف خفايا المستقبل هكذا تدوين الحوادث التاريخية كان يوقفهم على معميات الماضي. ولو اهتم البشر بالاطلاع على الأسباب الأخيرة على نسبة اهتمامهم بالاطلاع على الأسباب القريبة لقضي على عالم اللاهوت منذ عهد طويل على نحو ما جرى ما جروا في التاريخ الطبيعية الذي خلفه بلينوس وعلم الحياة تألف أرسطو وكتاب الطبيعة لبطليموس ولو اهتموا بمعرفة الماضي اهتمامهم بالمستقبل لأدركوا منذ عهد بعيد أن تدوين وقائع التاريخ لا يوصل إلى معرفة المستقبل إلا كما يدل علم النجوم والقيافة والعرافة.
الصحة المدرسية
اجتمعت جمعية الصحة الألمانية في ديسو من بلاد ألمانيا وبحثت في أمور كثيرة في حفظ صحة التلامذة ولاسيما في مسألة العيون فقد رأي أن خير وقاية للعين من الأمراض عناية الأمهات بنظافة عيون أبنائهم وبناتهم ثم عناية المدارس بذلك والتوفر على تقليل النقائض الإرثية وملاحظة مواضع النور في المدارس بحيث لا يقترب الأولاد مما ينظرون فيه وأن تجعل الدروس في الصباح أما وقت العصر فيصرف في الألعاب والرياضات حتى يتيسر للنظر أن يتمرن على النظر إلى المساوف البعيدة. ولا باس حين الحاجة من إنشاء مدارس خاصة بضعاف الأبصار من التلامذة وهذا خير طريق للعناية بنظر حماة الوطن وأبناء المستقبل على أن يعنى أرباب البيوت بصحة عيون أبنائهم عناية المدارس بها بعد.
كلية ليبسيك
احتفلت كلية لايبسيك الألمانية بمرور خمسمائة سنة على تأسيسها فقد أنشئت سنة 1409 على يد أساتذة وتلامذة من الألمان هاجروا من براغ للخلاص من النفوذ السلافي فمد فريديريك المحارب ظل حمايته عليها وكذلك صاحب مسينا فحازت شهرة وقوة لم تزل محتفظة بهما حتى اليوم. وفيها الآن خمسة آلاف تلميذ من أقطار أوربا وانتدبت كليات ألمانيا وغيرها من كليات الغرب مندوبين عنها حتى اضطرت عمدة الاحتفال أن تحدد عدد الخطباء وناب كثير من ملوك الإمارات الألمانية وقد احتفلوا بإقامة موكب تاريخي اشترك فيه ألفا رجل يمثل الأدوار المختلفة في الحياة المدرسية في ليبسيك منذ سنة 1419 إلى 1830 ومما مثلوه فيها مناقشة لوثيروس صاحب الدعوة البرتستانتية مع خصمه إيك وحرب الثلاثين سنة والدور الذي رفض فيه الفيلسوف ليبنز من نيل شهادة الحقوق ودور ليسنج وكيتي وأربعة من قدماء تلامذة لايبسيك.
بلجيكا الحديثة
نشر فرنسوي أقام في بلاد البلجيك زمناً كتاباً في وصفها جاء أن ليس في بلجيكا روح بلجيكية كما ليس في ألمانيا ولا في فرنسا روح فرنسوية ولا في إنكلترا روح إنكليزية لأنه ما من شعب في الأرض يملك روحاً خاصة به بل هو مزيج أرواح مختلفة ففي البلجيك شعبان ألفالون والفلامند وقد انتبه الشعب الفلامندي في السنين الأخيرة فطلب أن تعامل اللغة الإفرنسية واللغة الفلامندية بالمساواة. وفي البلجيك 2. 822. 000 نسمة لا يتكلمون بغير الفلامندية و2. 574. 000 نسمة لا تتكلم بغير الإفرنسية و801600 يتكلمون بالإفرنسية والفلامندية و28300 لا يعرفون أن يتكلوا بغير الألمانية و7200 يتكلمون الفلامندية والألمانية و42900 يتكلمون باللغات الثلاث الشائعة في البلاد. والبلجيك متأخرة من حيث التعلم فنجد فيها 101 أمي في كل 1000 جندي أي أكثر من عشر أبنائها في حين ليس في هولاندة سوى 23 أمياً في الألف وفي فرنسا 47 وبحث المؤلف في أحزاب البلجيك فردها إلى ثلاثة أحزاب حزب الأحرار وحزب الدين وحزب الاشتراكيين وقال أن الحزب الأول ضعيف بالنسبة للثاني الذي استولى على الأمر فالأحرار يكتفون بأن يخاطبوا الأرواح والأفكار أما سائر الأحزاب فتدعو إلى مذهبها بما تقوم به من الأفعال النافعة العملية فهي تسطو على الفلاح والعامل والطفل أيضاً تتناولهم من المهد ولا تتركهم إلى اللحد.
محصول الذهب
قال مجلة الاقتصاديين: ما برح محصول الذهب في العالم يزيد سنة عن سنة وليس هو الذي زاد غلاء المعيشة بل إن الغلاء ناشيء بطبيعة الحال من التدابير السياسية والقوانين الاجتماعية وهاك جدولاً بمحصوله سنة 1909 ومنه تفهم أن الولية قد فازت بها الترنسفال في هذا الباب.
فرنك
770. 100. 000 الترنسفال
429. 150. 000 الولايات المتحدة
367. 101. 978 أوستراليا
174. 216. 000 روسيا
132. 600. 000 المكسيك
64. 285. 500 رودوسيا 56. 100. 000 الصين واليابان وكوريا
54. 825. 000 كندا
53. 886. 600 الهند الإنكليزية
32. 587. 500 أفريقية الغربية
12. 648. 000 مدغسكر
127. 500. 000 الأقطار الأخرى
2. 329. 000. 000 المجموع.