مجلة المقتبس/العدد 48/نشوء اللغات الإسلامية
→ سعة التأليف | مجلة المقتبس - العدد 48 نشوء اللغات الإسلامية [[مؤلف:|]] |
مذاهب الأعراب وفلاسفة الإسلام في الجن ← |
بتاريخ: 1 - 2 - 1910 |
قضي على اللغات في كل عصر ومصر أن تقتبس بعضها من بعض ما يعوزها من الألفاظ لتعبر بها عن الإكثار الحديثة والعربية والفارسية والتركية لم تخلص من هذا القانون. فاقتبست أولاً من اللغات السامية ومن اليونانية ثم من أهم لغات أوروبا الحديثة ولاسيما من الفرنسوية كما اقتبست كمية وافرة من الألفاظ للإفصاح عن الأفكار التي ليس في معجمها ما يدل عليها ثم هجمت تلك الألفاظ الأعجمية هجوماً كثيراً كادت تأتي معه على مفردات تلك اللغات نفسها فقامت تريد الرجوع إلى أصولها وهبّ القوم ينبذون من اللغات الإسلامية الثلاث تعابير رأوها وحشية ويستعيضون عنها بألفاظ يشتقونها من المادة الأصلية في العربية والفارسية والتركية أو بألفاظ موجودة ولكنها أُطلقت على معاني جديدة.
ومن الضروري أن لا يفوتنا النظر بأن أصحاب هذه اللغات اليوم يريدون الرجوع بلغاتهم إلى أصولها الصحيحة ويطرحون الألفاظ التي ليست لهم مدفوعين إلى ذلك بتأثيرات الدعوة إلى الوطنية في البلاد الإسلامية. وهذه الحركة في الرجوع بهذه اللغات إلى أصولها لا ترمي إلى نبذ الألفاظ الإفرنجية فقط بل إلى أن القوم في فارس يطمحون إلى حذف التعابير العربية وفي البلاد العثمانية كما هو سائر البلاد التركية يحاولون طرح الألفاظ العربية والفارسية. ويبحث الأدباء من أهل هاتين اللغتين فيما لديهم من الألفاظ الإيرانية والتترية عن الألفاظ التي كان من تأثيرات الفاتحين أو من رغبة المغلوبين في إظهار معرفتهم بلغة غالبيهم إن زهد فيها واستعملت ألفاظ أقل منها انطباقاً مع الروح التركية والفارسية وإن كثر استعمالها وعدت أو كادت من مادة اللغة الأصلية.
جرت اللغات الإسلامية كاللغات الأجنبية في اقتباسها على طريقتين علمية وعامية فالعامة يقتبسون على أيسر وجه من الألفاظ ما يتكرر على مسامعهم دائماً أو ما يفصح عن أفكار لا مقابل لها في لغتهم الأصلية ولقد عرفت منذ القديم القوانين التي تجري عليها في الاقتباس فالأسماء تنتقل من لغة إلى أخرى بأعظم ما يكون من السرعة وأقل من ذلك انتقال الصفات وفي النادر اقتباس الظروف ويشذُّ أو لا يكاد يكون أثر لاقتباس الأفعال. ومن اللغات ما إذا نظر فيه إلى المفردات يمكن وصفه باللغات المختلطة وهي تتألف في البلاد التي عرفت بتجارة المقايضة ولا سيما في الموانئ البحرية مثل لغة البيجيين في الشرق الأقصى وهي مزيج من اللغة الإنكليزية والصينية ولغة السابير مؤلفة من العربية والافرنسية والإسب والإيطالية أو اللغة الإفرنجية وهي مجموعة من كلمات مقتبسة من جميع لهجات البحر المتوسط من البلاد التي تمتد من سورية إلى مراكش ولا بأس باعتبار اللغة المالطية من هذا الضرب من اللغات وإن أصبح لها صحافة وآداب منذ عهد ليس ببعيد ولكنها لم تعد تحسب لهجة عربية تكون صلة بين لغة مصر والمغرب جامعة إلى نحوها الذي هو كنحو اللغات السامية مفردات إيطالية وبعبارة أصح صقلية في الأكثر وكتابتها لاتينية.
وما عدا هذه اللغات المشتركة البحرية التجارية خصوصاً فقد تألفت في البلاد الإسلامية التي استولى عليها الأوروبيون لهجة عامية دخلتها ألفاظ من لغات الفاتحين واصطلاحات دواوين الحكومة وأرباب الصناعات وهكذا نجد قرارات الحكومة الفرنسوية في الجزائر كانت تكتب زمناً بلهجة محرفة ممزوجة بكلمات فرنسوية نقلها المترجمون بجهل منهم أو كسل فيهم على حالها ولم يعنوا بترجمتها ونرى جند الرماة والمشاة هناك يستعملون لغة هي أحرى بها أن تكون مما تواطأوا عليه بينهم وهي خليط من التعابير الفرنسوية المحرفة كثيراً بحيث يصعب الاهتداء إلى معرفتها غالباً.
ولكن هذا لا يصح على الإطلاق إلا على اللغة المحكية وكتابات من لم يتعلموا. أما اللغة الأدبية التي مست حاجتها كذلك إلى إيجاد تعابير جديدة فقد عمدت إلى طرق عديدة في الاقتباس فبدأت بنقل ألفاظ أوروبية كما هي أو بتعديلها قليلاً حتى توافق التلفظ المحلي وهذه هي الطريقة التي كانت تعمد إليها اللغة العامية ومضى زمن كانت هي المعول عليها أما فكر الرجوع بتلك اللغات إلى أصولها فلم ينشأ إلا في السنين الأخيرة فاللغة العربية الغنية بمفرداتها ولها من الاشتقاق موارد كثيرة فقد عمدت إلى ما في متنها من المفردات فاشتقت منها وكذلك كان من الفارسية وإن كانت لا تستغني بعض الأحيان عن الألفاظ العربية. أما التركية التي افتقرت بتأثير اللغات الأجنبية فيها فقد أخذت بادئ بدء من العربية والفارسية وهي تحاول منذ مدة الاكتفاء بما عندها باستعمال التعابير التترية القديمة التي كادت تتلاشى.
ما هي المؤثرات التي عرضت للغات الإسلامية من اللغات الأجنبية؟ إن أقدم النصوص العربية التي انتهت إلينا هي الأشعار التي قيلت قبل الإسلام والقرآن نفسه لا يخلو من بعض ألفاظ أصلها فارسي. وذلك لأن الصلات بين الفرس والعرب كانت قديمة مستحكمة فأخذت العربية عن اللغة المجاورة لها بعض الألفاظ. فمن ألفاظ القرآن الغير العريقة في العربية إبريق وسجيل. واقتبست اللغة الآرامية اللغة العربية بعض ألفاظها أيضاً فإن اتحاد أصول هاتين اللغتين والمناسبة القوية في تركيبهما قد جعلت الأخذ منها سهلاً للغاية. وكذلك الحال في اللغة العبرانية فقد اقتبست العربية بعض الألفاظ وأكثرها ديني فمنها جهنم وملك واقتبست اللغة الرومية منذ عهد بعيد بعض الألفاظ للغتين العربية والفارسية مثل سجل وسندس وانتقلت هذه إلى العربية ووردت في القرآن عن طريق الفارسية.
ولقد نشأت في فارس لغة صناعية وأعني بها البهلوية واستعملت الخط السامي واستعاضت عن المفردات الإيرانية بما يقوم مقامها من المفردات الآرامية وتصريفها يجمع بين تصريف اللغتين ولكن اللهجة الشائعة من هذه اللغة غير متأثرة كثيراً بالنفوذ الغريب إلى زمن الفتح العربي. ولا حاجة إلى ذكر ما أصاب اللغة الإيرانية من التبدل بالفتح فقد سرت إلى لغة الجمهور ألفاظ كثيرة دينية وعامية. واعتمدت فارس في كتابتها على الخط العربي.
أما الأتراك فالظاهر أنهم لم يقتبسوا ألفاظاً كثيرة من جيرانهم قبل أن يدينوا بالإسلام هذا إذا استثنينا منهم المغول. وربما أخذوا قديماً بعض الألفاظ من الصين وفارس حتى إذا انتحلوا الإسلام كثرت في لغتهم الكلمات العربية والفارسية. ونرى العربية إلى عهد ظهور الإسلام تقتبس من الفارسية والسامية والآرامية خصوصاً واليونانية ودام هذا الاقتباس وارتقى ارتقاءً ظاهراً على عهد خلفاء الأمويين والعباسيين. وظلت اللغات الفارسية والسريانية والرومية بحسب الأقطار لغات الإدارة في المملكة العربية ولا عجب من ثم أن أدخلت إلى لغات الفاتحين عدداً كبيراً من الألفاظ العلمية. وكان من درس فلاسفة يونان ورياضيهم وكيمياوييهم وطبيعييهم أن سرت إلى العربية من اليونانية اصطلاحات علمية.
وفي الحروب الصليبية دخلت إلى اللغة العربية ألفاظ مختلفة اقتبستها من لغات الشعوب التي اختلط بهم المسلمون ولكن ما أخذته هو من الأقاصيص محدود معدود ولم تدخل على اللغة العربية الألفاظ الغريبة إلا في القرون الحديثة الموافقة لارتقاء العمثمانيين في آسيا وأوروبا. أما تأثير اللغات الأوروبية في العربية فلم يكد يشعر به إلى الدور الأخير وهو أقل من ذلك في الفارسية بالنظر لبعدها الجغرافي.
ومن أراد الآن أن يبحث في تأثير كل لغة أوروبية في اللغات الإسلامية منذ زمن النهضة فليقرر ما يأتي: إن أثر اللغة الافرنسية كبير جداً وقد فاق غيره في جميع العالم الإسلامي في البحر المتوسط وآسيا السالفة ولكن أثرها بالنسبة لغيره حديث العهد وكانت البواعث إليها: 1ً ـ الاصطلاحات التي جرت في البلاد العثمانية على عهد السلطان محمود. 2ً ـ تنظيم محمد علي لمصر نحو ذاك العهد أيضاً وما تركه الفرنسيس من ألفاظهم فيها بعد حملتهم على مصر سنة 1799. 3ً ـ فتح الجزائر. 4ً ـ الصلات التي نشأت بين فرنسا وفارس وقد بدئ بها في أوائل القرن التاسع عشر على أيدي بعثة جوبر والقائد غاردان ثم أعيدت بعيد حين. 5ً ـ شدة ميل المسلمين في البلاد العثمانية ولا سيما في فارس لتعلم الآداب الفرنسوية والانطباع بالأفكار الفرنسوية.
وأنت ترى بهذا أن نفوذ فرنسا في الشرق غير بعيد العهد لا يتجاوز القرن الواحد وهو قوي للغاية على الرغم من تقلص ظل سياستنا من البلاد العثمانية مدةً من الزمن وعلى تداخل إنكلترا في مصر وقلة علائقنا مع فارس فتأيد نفوذنا أبداً في تلك البلاد التي لم يبق فيها أولئك الشعوب الذين هم أكثر منا مضاءً في الأمور السياسية والاقتصادية شيئاً من لغاتهم إلا القليل الذي لا يؤبه له ولا ننسى أن تأثير اللغة الفرنسوية قد استحكم في اللغات التترية في روسيا ولكن لا مباشرة بل دخلتها الألفاظ من الافرنسية بواسطة اللغة الروسية أو اللغة التركية العثمانية.
أما تأثير اللغة الإنكليزية فضعيف وهو مقصور على الصحافة العربية في مصر والصحافة الفارسية في الهند (بقطع النظر عن اللغة الهندستانية وسائر لغات الهند الوطنية) التي تعمد كل حين إلى استعمال كمية من الألفاظ الفرنسوية وليس الإنكليزية في فارس غير أثر ضئيل جداً ولا أثر لها في التركية إلا ما كان من بعض التعابير العلمية والبحرية وأكثرها في السباق وأنواع الارتياض.
وبعد ذلك فإن تأثير اللغة الإيطالية قديم ثابت باق فهو يرد إلى الزمن الذي كانت فيه البندقية دولة بحرية قوية في البحر المتوسط وما زالت اللغة التركية العثمانية منذ ذاك العهد تأخذ عن اللغة الإيطالية جملة من الألفاظ لا العلمي منها فقط (مثل ألفاظ الملاحة والتجارة والصناعة وغيرها) بل ألفاظاً شائعة في الاستعمال وكان للغة العثمانية أن تكتفي بما عندها من مقابل لها مثل لفظة فامليا التي تتجلى فيها اللهجة البندقية كل التجلي وكذلك كان من اللغة الصقلية أن شغلت مكاناً مهماً على نحو ما رأيناه آنفاً في أن جزءاً من المفردات المالطية مأخوذ منها. ودخل على اللغة في تونس كثير من الألفاظ الإيطالية وقد لاحظ أحد العارفين أن هذه الألفاظ لا تستعمل إلا في الكلام الدارج أما اللغة المكتوبة فمنقحة للغاية ولذلك لا نستعملها. وفي مصر ترى بعض الألفاظ الإيطالية والظاهر أن بعضها سرت إليها بواسطة اللغة التركية مثل كلمة سيغورتا (الضمان أو التأمين).
واللغة اليونانية الحديثة أدخلت كالإيطالية على اللغة التركية العثمانية ألفاظاً كثيرة فإن ما وصل إلينا من النصوص القديمة يبين أن تاريخ الصلة بينهما يرد إلى ما قبل القرن الخامس عشر ولفظة أفندي الغريبة التي ذكر المسيو جان بسيشاري تاريخها وما تقلب عليها من التبدل الغريب في الصورة والمعنى هي من جملة تلك الألفاظ.
وفي لغة عرب المغرب جملة من الألفاظ ومنها ما هو من أصل إسباني وهي مألوفة الاستعمال في مراكش فقد كان للبرتقاليين أثر كبير في هذه البلاد فكيف يتأتى أن لا يتركوا فيها شيئاً من لغتهم وإذ كانت المناسبة قوية بين الإسبانية والبرتقالية وكان سكان مراكش يحرفون ما يقتبسونه عن الأوروبيين من الألفاظ فمن الصعب أن يميز في هذه الاقتباسات ما سرى إلى تلك اللغة من اللغة البرتقالية خاصة.
ولقد كانت الألفاظ الألمانية التي سرت إلى الشرق قليلة جداً وقال بعضهم أن لفظة غروش التركية مأخوذة من غروش الألمانية ولكن بعد البحث الدقيق في المعجم العثماني تبين أنه لم يسر إلى التركية إلا ألفاظ جزئية من التعابير الجرمانية.
وهنا ننتقل إلى اللغات الصقلبية (السلافية) فنرى لغات البلقان قد نقلت إلى التركية عدداً جزئياً من التعابير ومنها بعض الألفاظ العسكرية وهي من جملة الألفاظ القديمة في تنظيم الجيش العثماني. واللغة الروسية أكثر سرياناً ولكنها مقصورة على اللغات التترية في القريم وقازان وقافقاسيا وآسيا الوسطى فهي لم تتعد تلك التخوم فالألفاظ الروسية في البلاد العثمانية الإيرانية نادرة للغاية. ويجب أن لا يفوتنا أن ما تقتبسه اللغات التترية أو الروسية هي في الأغلب من أصل فرنسوي أو ألماني أو إيطالي. وما ذكرناه فيما تقدم عن اللغات الصقلبية البلقانية ينطبق أيضاً على اللغة المجرية ولكن اللغة الأرناؤدية والأرمنية وغيرهما من اللهجات المحكية في البلاد التي يتكلم فيها بالتركية لم تؤثر إلا قليلاً بهذه اللغة.
وهنا نأتي على تأثير اللغة التركية في فارس حيث تحكم اليوم أسرة قاجار فنجد كثيراً من التعابير والمعاني المختلفة مأخوذة من التركية مثل الأعداد وألقاب الشرف وأسماء المناصب والمراتب. ومثل ذلك يقال عن اللغة العربية في مصر فإنها أخذت أسماء الرتب العسكرية التي دخلت إلى البلاد العثمانية بعد الإنكشارية ولم يدخل على أسماء الرتب من التعديل إلا ما لا غنية عنه للتلفظ العربي. وترى في طرابلس الغرب الخاضعة للحكم العثماني جميع هذه الألفاظ شائعة بالاستعمال وتجد ألفاظاً أخرى تركية مستعملة في تونس بل وفي الجزائر حيث أبقت الحكومة الفرنسوية رسمياً على بعض الألقاب التي اخترعها العثمانيون مثل آغا وباش عدل وخوجه وجاويش وغيرها وما عدا لغة البربر التي سرت بعض ألفاظها إلى اللغة المغربية.
أما اللغة الهندستانية فلم يدخل منها إلا بعض الألفاظ النادرة إلى الفارسية أما اللغات الشرقية الأخرى فلا تعثر عليها بين الألفاظ العربية والفارسية والتركية إلا نادراً جداً.
وها نحن نبدأ الآن بالكلام على كل واحدة من اللغات الإسلامية الثلاث فنستفتح بالعربية. فقد رأينا هذه اللغة قبل ولا سيما بعد ظهور الإسلام قد أخذت عن اللغات السامية كالعبرانية ولا سيما الآرامية والفارسية واليونانية. وحمل الصليبيون إلى العربية بعض الألفاظ الجديدة خلافاً لما يعتقده بعضهم ويظفر بهذه الألفاظ في كلام المؤرخين ولكنها لم تمر إلى اللغة المحكية ولا إلى اللغة المكتوبة فمن الأمثلة الغريبة استعمالهم لفظة ترم بمعنى المدفوع وجمعهم له على تروم كما في تاريخ أبي شامة ولكنه من الصعب أن ترى هذه اللفظة في كلام آخر. وأخذت العربية من الإفرنج بعض الألقاب النصرانية مدنية كانت أو دينية مثل قومس كونت وكاغيكوس أو كاتوغيكوس (بطريرك) وبعض التعابير الحربية واللغة المالطية التي هي لسان شعب خاضع للحكم المسيحي ومتدين بدينه قد اقتبست بالطبع من اللغات الغربية أموراً كثيرة.
ولم يبدأ دخول الألفاظ الأجنبية ولا سيما الافرنسية على العربية إلا في أوائل القرن التاسع عشر دخلت بكثرة حتى أن القائلين بتطهير اللغة من الدخيل قد دهشوا لها. ثم إن دخول تعابير إفرنسية كثيرة إلى اللغة الرسمية أي التركية في سورية ومصر قد نشأ منه أثر في اللغة الوطنية وازدياد صلات الشرق مع أمم الغرب ودخول الأفكار الفرنسوية وتأييد الحكم الفرنسوي على الجزائر وتونس ولا سيما إنشاء صحافة عربية حذا فيها أهلها حذو الصحافة الأوروبية كل ذلك مما دعا إلى تحول اللغة.
وذلك أن الصحافة هي التي أحدثت اللغة العربية الحديثة في الجملة وهي تختلف عن لغة القرآن كما تختلف عن لغة الروماييك عن اللغة الرومية القديمة هكذا قال المسيو واشنطون سرويس الملحق بقنصلاتو البلجيك في بيروت منذ ثلاث عشرة سنة في مقدمة كتاب مهم للغاية وضعه في وصف هذه اللغة الحديثة وعلى ما فيه من الأغلاط والنقص القليل فإن هذا الكتاب الذي لم يؤلف على مثاله قد نفع وينفع كثيراً وهو عبارة عن مقدمة عرض فيها المؤلف هذه المسألة على وجه جلي مفصل مشفوعاً بقائمة للصحف التي كانت تنشر إذ ذاك مع تاريخ إنشائها وهي قائمة ثمينة وإن كانت فهارس الرجوع إليها مختصرة وبعض الانموذجات من كلامها تأليفاً كانت أو ترجمة فأتى فيها أولاً على الجرائد ثم على المواد الرسمية ثم على معجم لغوي مفيد وهو وحده يفسر الكلمات المولدة.
ومن رأي المؤلف أن اللغة الحديثة قد نمت في غضون خمسين سنة بسرعة هائلة وهذا النشوء يظهر خاصة من نشوء العربية المحكية أو المكتوبة قبل ظهور الجرائد فقد كانوا يكتفون بأن يأخذوا عن اللغات الأجنبية بعض المفردات الدخيلة اللازمة لهم من دون أن يعدلوا صورتها التعديل اللازم لها في الظاهر.
(للبحث صلة)