الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 42/روح الاجتماع

مجلة المقتبس/العدد 42/روح الاجتماع

بتاريخ: 1 - 8 - 1909


قلت الكتب التي تنشر هذه الأيام باللغة العربية ويراد منها بث علم نافع أو تصحيح فكر سقيم وذلك لقلة المؤلفين والمترجمين ولقلة القارئين والعارفين، وكتاب روح الاجتماع الذي عربه عن الافرنسية أحمد فتحي زغلول باشا هو من الأسفار التي يقصد بها مؤلفها نفع أمته وتصحيح بعض أغلاطها والمؤلف هو الدكتور كوغستاف لوبون العلامة صاحب التآليف الممتعة ومنها كتاب مدنية العرب فقصد المعرب أن ينقل كتابه لأمته لينتفعوا منه انتفاع الفرنسيين أو بعضه، والمعرب النابغة قديم في صناعة التعريب صحت عزيمته حتى الآن على نشر بعض الكتب المفيدة ومنها أصول الشرائع نبتنام وسر التقدم الانكليز السكسونيين لديمولانس والإسلام لهنري دي كاستري وهي من الكتب النافعة التي أحدثت تأثيراً في وقتها واستفاد منها المستنيرون من قراء العربية ولا سيما من لم يسعدهم الحظ بتعلم لغة أجنبية لتناول مثل هذه الأفكار من مصدرها الأصلي.

ولو تصدق كل من حذق لغة أوروبية وأحكم اللسان العربي فنقل لأمته كتاباً أو كتابين لكان عندنا اليوم من المترجمات العصرية في العلوم والاجتماع لا في القصص والأساطير ما يملأ خزانة كبرى تصبح معها لغتنا كإحدى اللغات الغربية بغناها بأفكارها وكتبها الجديدة، وليست طلاوة الجديد كطلاوة القديم وما قط كان العلم الخيالي كالعلم العملي، لو تصدق كل واحد من أرباب الأقلام ودارسي اللغات والفنون كما يتصدق المرة بعد المرة أمثال حضرات أحمد فتحي زغلول، محمد فريد، عبد العزيز جاويش، عبد العزيز محمد، أحمد زكي، صالح حمدي حماد وأمثالهم من المعاصرين لأغنونا بعلوم الغرب وقلبوا في مدة كيان الأفكار من طريق العلم.

كتاب روح الاجتماع هو في بيان أحوال الجماعات وما يعرض للفرد مجتمعاً من تغير المشاعر واختلاف النظر وتبدل حكمه فيما يحيط به حلل فيه المؤلف روح المجتمعات الحديثة ولا سيما في فرنسا تحليلاً نفسياً فلسفياً غير ناظر إلى أكثر ما يتعلق به بعض ضعاف المؤرخين من الحوادث بل نظر إلى الدواعي النفسية والمعتقدات والعادات نظر المستبصر الناقد علماً منه بأن الحوادث الظاهرة مثل الأمواج المتلاطمة التي تترجم فوق سطح البحر عما هو واقع في جوفه من الاضطرابات التي خفيت عنا ونحن إذا نظرنا إلى الجماعات نراها تأتي من الأعمال بما يدل على انحطاط مداركها انحطاطاً كلياً غير أن له أعمالاً أخرى يظهر أنها منقادة فيها بقوة خفية سماها الأقدمون قدراً أو طبيعة أو يداً صمدانية وسماها أهل هذا الزمان صوت من في القبور.

وأحرج الأزمان في تطور الفكر الإنساني زماننا هذا ولهذا التطور عاملان أصليان: الأول تهدم المعتقدات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تتكون منها عناصر المدنية الحاضرة والثاني قيام أحوال جديدة ونشوء أفكار جديدة في الحياة تولدت كلها من الاكتشافات العصرية العلمية والصناعية، ولما كان تهدم الأفكار القديمة لم يتم فلم تزل قوتها وكانت الأفكار التي ستحل محلها في دور تكونها كان الزمن الحاضر زمن تحول وفوضى. . . .

ولكن الذي نراه منذ الساعة أنه سيكون أمام تلك الأمم قوة عظيمة لا بد لها من الاعتداد بها لأنها أكبر قوة وجدت أريد بها قوة الجماعات تلك القوة التي قامت حتى الآن وحدها على أطلال الأفكار البالية التي كان الناس يعتقدونها حقائق وماتت وعاشت بعد أن حطمت الثورات المختلفة كل سلطة كانت تتحكم في الناس وهي القوة التي يظهر لنا أن مصيرها ابتلاع ما عداها في القريب العاجل ألا ترى أن معتقداتنا القديمة أخذت تهتز من وهن أساسها وأن أساطين المجتمعات القديمة تتداعى وتتحطم وأن سلطة الجماعات هي وحدها التي لا يهددها طارئ بل هي تعظم وتنمو عليه فالدور الذي نحن قادمون عليه هو دور الجماعات لا محالة. . .

الجماعات أقدر على العمل منها على التفكير وقد أصبحت بنظامها الحاضر ذات قوة كبرى وعما قريب يكون للمذاهب التي نراها اليوم في دور التكون من السلطان العظيم على الأفكار ما للمذاهب التي رسخت أصولها في الاعتقادات أعني سلطاناً مستبداً لا تأثير فوق تأثيره فلا تعود تحتمل البحث أو الجدل وحينئذ يقوم حق الجماعات المقدس مقام حق الملوك الأقدسين.

ينحصر الأثر الواضح لعمل الجماعات حتى الآن في هدم صروح المدنية فالتاريخ يدلنا على أنه كلما وهنت القوى الأدبية التي يقوم عليها بناء تقدم أمة من الأمم كانت خاتمة الانحلال على يد تلك الجماعات الوحشية اللاشعورية التي سميت بحق متبربرة أما الذين أقاموا صروح المدنية وشيدوا أركان الحضارة فهم نفر امتازوا بسمو المدارك وبعد النظر ولكنا لم نر حتى الآن للجماعات أثراً مثل هذا فهي إنما تقدر على الهدم والتحطيم وزمان حكمها زمان بربرية على الدوام لأن المدنية لا تقوم إلى على مبادئ مقررة ونظام ثابت وانتقال من العمل بمقتضى الغريزة إلى الاهتداء بنور العقل والبصر بالمستقبل ومرتبة راقية من العلم والتهذيب وتلك وسائل برهنت الجماعات على أنها غير أهل لتحقيقها إذا تركت وشأنها ـ ومثل الجماعات في قوتها الهادمة مثل المكروبات التي تعجل بانحلال الأجسام الضعيفة وتساعد على تحلل الأجساد الميتة فإذا نخرت عظام مدنية تولت الجماعات نقض بنائها هنالك يظهر شأنها الأول ويخيل لنا بادئ بدء أن العامل في حوادث التاريخ هو كثرة العدد، إنا لنخشى أن يكون هذا أيضاً مصير مدنيتنا لكن ذلك الذي لا نعرف منه شيئاً حتى الآن. . . .

معرفة روح الجماعات أصبحت اليوم آخر ملجأ يأوي إليه السياسي العظيم لا لأجل أن يحكمها فقد صار ذلك الآن صعباً كثيراً بل ليخفف عنه شدة تأثيرها، وإذا أردنا أن نعرف ضعف تأثير القوانين والنظامات في الجماعات فإنما السبيل إلى ذلك تدقيق البحث لمعرفة روحها والوقوف على أحوالها النفسية وبذلك نفقه أيضاً أنه لا قدرة لها على تكوين رأي أو التفكير في شيءٍ خارج عن الدائرة التي رسمت لها وأنها لا تقاد بقواعد العدل النظرية بل بالبحث عما من شأنه التأثير فيها أو اختلابها.

فإن الجماعات لا تعرف من المشاعر إلا ما كان متطرقاً بسيطاً وهي لذلك لا تقبل ما يلقى إليها من الآراء والأفكار والمعتقدات بجملتها أو ترفضها كذلك فتأخذها حقائق مطلقة أو ترغب عنها أباطيل مطلقة على أن هذا هو الشأن في المعتقدات التي تتحصل من طريق التلقي لا التي تتصل بالإنسان من طريق النظر والتعقل وكل يعرف ما للمعتقدات الدينية من التأثير في عدم احتمال المخالف ومن السلطان على النفوس.

ولما كان باب الشك غير مفتوح أمام الجماعة في كل ما اعتقدت أنه حق أو باطل وكانت تشعر شعوراً تاماً بقوتها كانت إمرتها متساوية لعدم احتمالها، يطيق الفرد المناظرة والخلف أما الجماعة فلا تطيق ذلك أبداً وأقل خلف يأتي به الخطيب الذي يتكلم في المجتمعات العمومية يتلقاه السامعون بأصوات الغضب والسباب الشديد فإن أصر فنصيبه الإهانة والطرد بلا إمهال ولولا الرهبة من رجال الشرطة الحاضرين لقتلوه أحياناً. . . . .

والمؤلف يكرر بعض الأفكار ولعله عن قصد لترسخ في النفوس وربما حذا كما قال في كتابه حذو دعاة الاشتراكية العصرية ممن يستعملون التوكيد والتكرار وسائل في التأثير وقد عقد لذلك فصلاً من ذلك قوله أن المدنيات هي صنع أناس من أرباب الأفكار العالية وسائر الناس معهم تبع ومثل قوله إن التعصب وعدم الاحتمال يصاحبان على الدوام كل شعور ديني وبلا زمان كل من اعتقد أنه ملك ناصية السعادة في الحياة أو في الآخرة وهاتان الصفتان توجدان في كل جماعة تحركت بأحد المعتقدات فقد كان اليعاقبة (اليعقوبيون) زمن الهول متدينين كما كان أهل الاضطهاد متدينين ومنبع حماسة الفريقين في القسوة واحد.

كذلك تظهر معتقدات الجماعات بالخضوع الأعمى والتعصب الوحشي والإكراه في الدعوة وكلها صفات من لوازم الشعور الديني وما البطل الذي تهلل الجماعة له إلا اله في نظرها، هكذا كان نابليون مدى خمسة عشر عاماً ولم يكن لمعبود سواه عباد أشد إخلاصاً من الذين عبدوه ولم يسهل على معبود قيادة النفوس إلى حتفها أكثر منه وما كان لآلهة الوثنية والنصرانية سلطان على القلوب أعز من سلطانه.

إن جميع موجدي الديانات ومؤسسي المذاهب السياسية لم يقيموها إلا لأنهم تمكنوا من إحداث التعصب الذي يجعل الإنسان يرى سعادته في العبادة والطاعة ويهيئه لأن يهب حياته لمعبوده. . . ليس لفاتحي النفوس في هذا الزمان معابد وهياكل لكن لهم صور وتماثيل والعبادة التي يعبدون بها لا تخالف كثيراً ما كانوا به يعبدون ومعرفة فلسفة التاريخ تتوقف على إجادة معرفة هذا البحث في علم روح الاجتماع. . . .

وقال: لا يقوم سلطان الفاتحين وتبنى قوة أعماله على تخيل الأمم ولا تجر الجماعات إلا بالتأثير في ذلك التخيل وكل حوادث التاريخ العظيمة كإيجاد البوذية وتشييد أركان المسيحية والإسلام وقيام البرتستانية والثورة فيما مضى وكإغارة الأفكار الاشتراكية المزعجة في هذه الأيام إنما هي نتائج قريبة أو بعيدة لتأثرات شديدة في تخيل الجماعات، ذلك هو العلة في أن جميع أقطاب السياسة في كل عصر وفي كل أمة حتى أشدهم استبداداً، اعتبروا تخيل أممهم أساساً تقوم عليه قوتهم وما فكروا يوماً في أن يحكموا الناس بدونه.

قال نابليون في مجلس شورى الحكومة (إني أتممت حرب الفندائيين لما تكثلكت واستوليت على مصر إذ أسلمت وتوجت بالظفر في حرب إيطاليا لأني قلت بعصمة البابا ولو كنت أحكم شعباً يهودياً لأعدت معبد سليمان) ويظهر لي أنه لم يقم منذ الاسكندر الأكبر وقيصر بين عظماء الرجال من عرف كيف يكون التأثير في تخيل الجماعات مثل نابليون فقد كان ذلك التأثير همه الدائم ما نسميه في انتصاراته وخطبه وأحاديثه ولا في عمل من أعماله وكان يفكر فيه وهو على سرير موته.

وقد أجاد المؤلف في كلامه على أفكار الجماعات ومعتقداتها ولا سيما في فضل التربية والتعليم وإثباته بالإحصاء أن الميل إلى الجرائم يزداد بانتشار التعليم أو هو يزداد بانتشاره على طريقة مخصوصة وأن الأمم اللاتينية أسست تعليمها على قواعد غير صحيحة تنمي الكفاءات الفنية ولا تؤثر في رقي الأخلاق وإن طريقة الانكليز السكسونيين غير طريقتهم فليس لهؤلاء مدارس خصوصية بقدر ما لفرنسا والتعليم عندهم لا يتلقى من الكتاب بل من الشيء نفسه فالمهندس مثلاً يتكون في المصنع لا في المدرسة وهو ما يسمح لكل واحد أن يصل في حرفته إلى الحد بالذي تصل قدرته العقلية فيكون عاملاً أو رئيس عمال إذا قعد به الذكاء عند هذا القدر وهو مهندس إذا قاده استعداده إلى هذا الدرج.

وأحسن ما شاء الإحسان في الكلام على الصور والألفاظ والجمل وما لها من السلطان على النفوس فقال أن الألفاظ والمعاني قد تختلف معانيها في قرن عن قرن وفي أمة عن أمة فمعنى الديمقراطية عند الجنس اللاتيني انزواء إرادة الفرد وإقدامه على العمل من نفسه أمام إرادة المجموع وهمته والمجموع تشخصه الحكومة فالحكومة هي المكلفة لإدارة كل شيء وحصر كل شيء واحتكار كل شيء وصنع كل شيء وهي التي تلجأ إليه دائماً الأحزاب بلا استثناء من أحرار إلى اشتراكيين إلى ملكيين وعلى الضد من ذلك يفهم الانكليزي السكسوني وبالأخص الأميركي من كلمة ديمقراطية نمو إرادة الفرد وإقدامه الذاتي إلى الحد الأقصى وانزواء الحكومة بقدر ما أمكن فلا تكلف بعد الشرطة والجيش والعلاقات السياسية بشيء حتى التعليم وعليه فاللفظ الواحد يفيد في بلد جمود إرادة الفرد وسكون إقدامه الذاتي واستعلاء كلمة الحكومة ويفيد في بلد آخر انزواء هذه وارتفاع صوت الأول.

وهكذا زاد الموضوع جلاء في الفصول التي عقدها المؤلف بعد هذا الفصل وأصبح لا يتعذر فهمه على الطبقات المتوسطة في المعرفة وجوّد الكلام على المجالس النيابية أي إجادة وابان مواقع الضعف والقوة من أعمالها وهو فصل كنا نتمنى نقله برمته أو تلخيصه على الأقل لا سيما والأمة اليوم في مصر تطالب بدستورها وفي البلاد العثمانية نالته ولكنه ما زال منقولاً عن أوروبا نقلاً لم يطبق على العمل فنوصي القارئ بالرجوع إليه.

وبعد فهذا مضمون الكتاب وموضوعه مصغراً وقد بان منه أسلوب معربه من الجمل التي نقلناها بحرفها آنفاً ومن قابل بين سلاسة العبارة هنا وضعفها في كتاب أصول الشرائع يدرك سر التوفر على العمل وأن مدرسة الزمن هي أعظم مخرج لأبنائها العاملين، وما برحت بعض هفوات لغوية تعلق على اسلة قلم المؤلف ومنها ما سرى إليه من لغة الجرائد ونص عليه أهل اللغة مثل الحريري وعبد اللطيف البغدادي والسيوطي وغيرهم، وذلك مثل قوله: لا نراها إلا رؤيا ناقصة والصواب رؤية لأن الرؤيا تكون في النوم والرؤية في اليقظة، واستعماله (الظروف) بدلاً من الأحوال والظروف لا تعطي هذا المعنى واستعماله (حيث) في غير مكانها واستعماله (تمام) كثيراً مثل (واضحة تمام الوضوح، تخالف تمام المخالفة، ويفقه فيها ذاته الشاعر تماماً) والفصيح أن يقال واضحة كل الوضوح ومنها قوله (رجل تمام) والأجدر أن يقال كامل أو تام الأدوات أو نحو ذلك واستعمل (ترتكز على) وهذه الصيغة لم تسمع إلا في لغة الجرائد المصرية.

ومثل ذلك (مجرد انضمامهم إلى بعضهم) والأحسن أن يقال بعضهم إلى بعض ومثله (رغماً عما ذهب إليه) والأولى أن يقال على الرغم مما، ومثله (يضحي مصلحته الذاتية) وهذا التعبير فيما أحسب هو من ركاكات الجرائد الشامية القديمة سرى إلى مصر فاستعمله حتى أفاضل الكتاب على غير روية وهو تعبير افرنجي والأجدر أن نقول فادى بدلاً من ضحى، ومثله (كان فرداً متنوراً) والصواب أن نقول منوراً أو مستنيراً ومثله (منقادة عادة إلى) وهو تعريب حرفي مثل بالسهولة وبالصعوبة وجلياً وبانتظام وبلا عناءٍ ويمكن الاستعاضة عن هذه الكلمات بألفاظ أو تراكيب أقرب إلى الأسلوب العربي.

ومثله (مندهش) والأحسن مدهوش و (منجر) والأحسن مجرور ومثله استعمال (الأجيال) للتعبير عن القرون والعصور، وما الأجيال إلا أصناف من الناس على ما أذكر، واستعمال (مراسح اللهو) والأولى أن يقال مسارح ومثله عنيف كثورة عنيفة وغير ذلك وهي من المبذوء ولنا من ألفاظ اللغة التي تدل على معانيها مندوحة عن استعمالها، ومثله العموم للتعبير عن الناس وهي من الألفاظ العامية، والأهمية وهي غير عربية بل تركية مثل محظوظية وممنونية، والرضوخ لحكمها وليس في اللغة رضوخ بمعنى الخضوع أو الأتمار وإنما الرضوخ العطاء القليل وفي مقامات الحريري بدريهمات رضخ بها له، وقد عدى يؤثر بعلى والصواب تعديتها بفي ومثله فطاحل العلماء ولفظة فطاحل وإن كانت شائعة على هذه الصورة للتعبير عن كبار العلماء لكنه لم يسبق للبلغاء استعمالها ولا للغويين بهذا المعنى تدوينها ومثله (الحفظ عن ظهر قلب) والأحسن أن يقال الاستظهار وهي أخصر وأجمل.

وجمع مشروعاً على مشروعات والأحسن جمعه على مشاريع، ومثله (أعداء الداء أشداء ضد الحكومة) والذوق العربي يقضي بأن يقال على الحكومة ومثله جمل ينطقها المتكلم والصواب ينطق بها ومثله معاني ما كانت لها أبداً، وأبداً بمعنى دائماً والأولى استعمال قط، ومثل جمعه عادة على عوائد كالاستعمال الشائع والأحسن جمعها على عادات وعاد ومثلها جمعه لواء على لواءات والصواب ألوية.

واستعمل من التراكيب الشائعة فلولا هي ما خرج من بربرته الأولى ولولا هي لراح مسرعاً والصواب فلولاها، ولولا هي من تراكيب عامة المصريين ومثلها لولا هو ما شاء الآلهة والصواب لولاه ومثل النصب على التاجر وما أدري إذا كانت لفظة النصب معروفة باللغة بهذا المعنى ومثله من رجاله الخصوصيين ولو قال من خاصته لأحسن ومثله يريق قطرة دم لواحد من أهلها والأولى قطرة دم واحد ومثلها جاز الاعتراف من السامعين والأسلوب الفصيح أن يقال جاز اعتراف السامعين ومثله شكلوا محكمة وهي مما سرى إلينا من التركية والصواب ألفوا محكمة وللتشكيل معنى آخر غير هذا ومنها استعمال المصالح للدواوين والمصالح لفظة عامية مصرية.

وهناك بعض التراكيب التي يقع نظرك عليها في الكتاب وهي تنبئك عن نفسها بأنها افرنجية لم تذق طعم العربية مثل تحت تأثير أحد هذه الأفكار وهم تحت ذلك التأثير وقتل الوقت ولكان ثمنها كثيراً من الثورات، وأما الحكومة التي تصنع من حملة الشهادات والذين اضطربت قواهم العقلية إلى النصف ولا تلبث المياه أن تعود إلى مجاريها وغير ذلك.

ومنها بعض التراكيب التي فيها شيء من ركاكة وسقم مثل غرق 850 مركب شراعي و 203 مركب تجاري والصواب 850 مركباً شراعياً و 203 مراكب تجارية.

ومن عرف كيف يؤثر في تخيل الجماعات عرف كيف يقودها، لا دخل لتلك النظامات لا في سعادة ولا في شقاء، فإنه كان رجلاً هجوماً لا ذكاء فيه لكن ذا عزم ومضاءٍ، أنحى على العمال بالعطش.

وخالف مألوف المعربين في ترجمته السنديكات بالجمعيات وقد اصطلحوا على تعريبها بالنقابات وهي أولى وترجم البورصات بغرف التجارة وغرف التجارة كما لا يخفى هي غير البورصات وعرب الغيلوتين التي كانت تقط الرؤوس في فرنسا بالمنجلة ووضع لها بعضهم المقصلة ونظنها أحسن، ووضع بعض الألفاظ بلفظها مثل (ماندران) وهو الحاكم الصيني و (الاردواز) وهو لوح الحجر.

ولكن هذه الألفاظ والتراكيب القليلة لا تقدح في فضل الترجمة خصوصاً وأكثرها عما عمت البلوى باستعماله ولكن كنانود أن يكون ذاك الثوب النفيس خالياً من الشوائب ليجيء كتاب اليوم مستوفي الشروط من حيث أصله وفرعه ولغته ورشاقته وطبعه ووضعه وعسى أن تكون مترجمات المعرب المشار إليه في الأيام المقبلة أتم وأكمل لتزيد منها فائدة المطالعين والمتعلمين والله لا يضيع أجر المحسنين.